41 | ختام وصية الإمام الكاظم لهشام بن الحكم
المؤلف: سلسلة وصية الامام الكاظم في العقل
التاريخ: 14/1/1444 هـ
تعريف:

وصية الإمام الكاظم لهشام بن الحكم

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

في آخر حلقةٍ من الحديث عن وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كان آخر الحديث في تعداد الإمام موسى بن جعفر جنود العقل وجنود الجهل وقد ختم الإمام عليه السلام مقولته لهشام بالقول يا هشام لا تجتمع هذه الخصال إلا لنبيٍ أو وصيٍ أو مؤمنٍ امتحن الله قلبه للإيمان . فالأنبياء من الواضح أنه تجتمع لهم هذه الصفات والأوصياء كذلك ، وهناك فئةٌ خاصةٌ من المؤمنين الذين بذلوا الجهد الأكبر في اجتياز الامتحانات الإلهية وفي ترويض النفس وقمع الشهوات حتى وصلوا إلى أنهم احتازوا جميع العقل وطردوا عنهم جميع جنود الجهل . وهذا يعني أن بإمكان الإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة بحيث يطرد عنه الصفات التي عدت جنود الجهل وهي 75 صفة وأن يجتذب الصفات الأخلاقية التي ينتجها العقل ويحوز جنود العقل وهذا يعني أن هذه ليست مستحيلة على الإنسان العادي . فبعض الأمور كالعصمة الضرورية التامة مستحيلةٌ على الإنسان العادي الذي لم ينتخب من الله بشخصه ، ولكن الارتقاء في هذه الدرجات ممكن ولذلك يقول الإمام عليه السلام فيما بعد ( وأما ساير ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل ) فأنت عندك جنود العقل فعندك الإيمان بالله ورسوله والمعصومين وهذا في مقابل عندك جندي واحد وهو الكفر فجنود الجهل كالكفر مطرودةٌ عنك وتستطيع أن تأتي بباقي جنود العقل كما تستطيع أن تطرد باقي جنود الجهل . فيقول عليه السلام ( فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ) فبالتدريج تستطيع أن تأخذ هذه الصفة وتلك وإذا أراد الإنسان ذلك فليعمل قائمة ويشير على ما عنده من جنود العفل ويستكمل ما ليس عنده وفي جنود العقل التي عنده يحاول أن ينتقل من الدرجة الدانية إلى الدرجة التي هي أعلى منها . ( ويتخلص من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وفقنا الله لطاعته ) وهنا نكمل بعض ماعدده عليه السلام من جنود العقل وجنود الجهل فالإمام يأتي بصفة من جنود العقل وأخرى مقابلها من جنود الجهل لكي تعرف صاحبك وتبعد عدوك . فيقول عليه السلام ( من جنود العقل التواصل وضده القطيعة ) فالإنسان الذي عنده صلة لأرحامه ولأصدقائه ولسائر الناس هذا من جنود العقل وفي مقابل ذلك القطيعة فيقطع لأتفه الأسباب يقطع رحمه أو صديقه أو جاره . فهو مع صديقه مثلًا طوال عشرين سنة وغلط عليه غلطة واحدة فباع هذه العشرين سنة وقطعه بينما كان الأولى أن يغفر له هذه الخطيئة بعشرين سنة من العلاقة الحسنة وهكذا بالنسبة لأهله فلو تكلمت عليه بكلام غير طيب فيبيعها بكلمة ولا يحفظ هذه السنوات الطويلة من الصلة الحسنة . ( والقناعة من جنود العقل والشره في مقابلها ) فيكون الإنسان طماع يمد عينه هنا وهناك ويرى نعم الآخرين ولا يرى نعمة الله عليه ، فمن الممكن أن يكون لديه أولاد وانسجام داخل بيته وأولاد بارين ... والخ وجاره لا يملك هذه الأشياء لكنه يملك سيارة حديثه فتراه يشره إليها ويمد عينه إلى شيئٍ آخر فحالة الشره والطمع مقابل القناعة . المواساة من جنود العقل والمنع من جنود الجهل فتواسي غيرك مما تملك وهذا نقرأه في دعاء شعبان ( وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك بما وسعت علي من فضلك ( فلا تمنع غيرك مما تفضل الله به عليك في أي نحو من الأنحاء مال أو غيره . ومن جنود العقل أيضًا المودة وضدها العداوة ، فالبعض يكون سباق للعداوة فيعادي هذا لاختلافه معه في الدين ويعادي ذاك لاختلافه معه في المذهب ويعادي ذاك لاختلافه في المرجع وآخر لاختلافه في المسجد .... بينما الإنسان العاقل ينبغي أن يكون لديه المودة قدر الإمكان ما لم يمنع مانعٌ شرعيٌ . الوفاء من جنود العقل والغدر من جنود الجهل . فبعض الناس مثلًا يصف المنصور العباسي بأنه الحاكم الحازم بينما سيرة حياته كانت سيرة غدر ، فمنذ ولي الخلافة إلى أن هلك غدر بأقاربه وغدر بأعوانه المقربين وغدر بمن بايعهم كأبي مسلم الخراساني وبمحمد النفس الزكية وبعمه والخ الطاعة من جنود العقل والمعصية من جنود الجهل . فقسمٌ من الناس والعياذ بالله يفتخر بمعصيته ويرى أن راحته في عصيانه بينما الراحة البدنية والراحة النفسية والاستقرار القلبي هو في طاعة الله وفي ذكر الله عز وجل . الخضوع من جنود العقل والتطاول من جنود الجهل . من الأخطاء الشائعة والتي تنتج نتائج سيئة القول أنا لا أذل نفسي لفلان وفلان ، فالزوجة تقول أنا كرامتي لا تتحمل كيف يتكلم عني كلام سيء أو بالعكس يقول الزوج ذلك وينتج عن ذلك مزيد من الشقاق وأحيانًا الطلاق ، فالتطاول بأن إذا قلت لي كلمة أقول لك عشر كلمات هذا ليس افتخار وإنما الفخر بأن إذا قلت لي عشر كلمات أنا لا أرد عليك ولا بكلمة واحدة وهذا يحتاج لضبط أعصاب ويحتاج لنفس قوية تضبط اللسان وإلا فحتى الحيوان حين تضربه يرد عليك وأي جاهل من الجهلة تسبه يسبك وأي جلاد من الجلادين تضربه ممكن أن يقتلك وهذا ليس فيه فخر . فالخضوع بهذا المعنى فيما بين المؤمنين وفيما بين الأرحام وفيما بين الأصدقاء وفيما بين الأزواج يجب أن يكون هكذا هو يتطاول وأنا أخضع وهذه تكررت عن المعصومين ( إن كنت صادقًا فيما تقول غفر الله لي وإن كنت كاذبًا غفر الله لك ) ومن ذلك الفهم والغباوة فإذا كان المؤمن ذكيًا فهذا من جنود العقل وهذا يختلف عن أن الإنسان شديد الذكاء بأمرٍ غير طبيعي وإنسان آخر ذكاؤه متوسط فالغباوة أمرٌ آخر وهي أن الإنسان لا يتأمل جيدًا في أمرٍ فيقدم بغباوة على شيء من الأشياء أما إذا تأمل وتفكر وقلب الأمر واستشار فهذا لا يعد غبيًا . وكذلك المداراة من جنود العقل والمكاشفة من جنود الجهل فقسمٌ من الناس يقول أنا كلامي مثل السيف فإذا كنت لا أحب أحدًا أقول له أنا لا أحبه وهذا خطأ ، أو يقول أنا ما عندي مجاملة مع أحد غلطان ، أخلاقيًا غلطان وشرعيًا غلطان ( ما عبد الله بمثل التقية ) فالتقية تعني عدم المكاشفة وتبدأ من الدرجات البسيطة إلى الدرجات العالية أمام الظالم فيقول سيد الأنبياء محمد (ص) (أمرني الله بمداراة الناس كما أمرني بالصلاة ) أما ما يقوله البعض أنا كل ما في قلبي أخرجه أو أنا ما عندي وجهين أو كل ما في على طرف لساني هذا طريق خاطئ ، فالمفروض هو المداراة فالمداراة حكمة والمكاشفة حمق . نعم في بعض الموارد تحتاج لمكاشفة مثل ( كلمة حقٍ في وجه سلطانٍ جائر ) وإلا في الحالة العادية وكنظام عام بين أبناء المجتمع المسلم فالمداراة قدر الإمكان ولو التزم الإنسان بالمداراة لخفت عداواته . ومن جنود العقل سلامة الغيب وضدها المماكرة وهذا يعني لو غاب عنك فلان فأنت مطمئن في هذه الحالة ، وآخر لو غاب عنك تترقب ماذا يدبر لك فيمكر بك ويخطط لإيذائك وآخر سليم القلب وصافي النية غيبه سليمٌ كحضوره . ومن جنود العقل الكتمان ومن جنود الجهل الإفشاء . اكتم أمرك ويجب أن تقبل من الناس أن يكتموا أمرهم أيضًا وهذه من العادات السيئة عند قسمٌ من الناس المعاتبة على الكتمان ، كيف سافرت ولم تخبرنا ؟ وكيف بنيت بيتًا ونحن آخر من يعلم ؟ وكيف ذهبت للجامعة الفلانية ولم تخبرني ؟ كيف تتزوج بدون علمي ؟ وكأنها جرائم عظمى إذا لم يخبرك ، وما هو الواجب الشرعي الذي يحتم عليه أن يخبرك بكل خطوة يخطوها ؟ لماذا يضخم الإنسان نفسه ومن تكون حتى تحتم على الناس أن يخبروك ؟ تقول حقٌ علي ، ليس صحيحًا . فعندنا أن إفشاء الأشياء غالبًا ينتهي إلى إفسادها ففي الرواية ( إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدةً له ) فلا تعاتب إنسانًا إذا لم يخبرك ، إلا إذا كنت أنت تخبره بكل خطواتك وأنت لا تصنع . فقسمٌ من الناس يريدك أن تخبره بكل شيء لكنه لا يخبرك عن شيء . وحتى لو أخبرك بكل شيء لا يوجب عليك حقٌ شرعيٌ في أن تخبره عما تريد أن تصنع ، فالرجل يستحسن أن يكون أمره مكتومًا ، فلماذا تقتحم حياته وتجبره على أن يغير هذا الأمر . فالكتمان من جنود العقل ففي الرواية ( اكتم ذهبك وذهابك ومذهبك ) فحالتك الدينية اجعلها قدر الإمكان غير ظاهرة وكذلك أموالك وذهابك ومجيئك لاتفتش عنه في الناس ولا تقبل من غيرك أن يفتش عنك . ومن جنود العقل البر ومن جنود الجهل العقوق ، أن يكون الإنسان بارًا بأبيه وأرحامه وبمدرسه وبصاحب الفضل عليه وفي مقابل ذلك أن يكون الإنسان عاقًا . ومن جنود العقل المعروف ومن جنود الجهل المنكر . ومن جنود العقل التقية ومن جنود الجهل الإذاعة ، فعندنا في الروايات ذم للمذاييع البذر وهذا عنده أخبار الجميع من مات ومن جيء له بولد وغيرها وأسوأ من ذلك إذا كان فيها أسرار الدين والعقيدة والمؤمنين وفي المقابل ( التقية ديني ودين آبائي ) ومن جنود العقل الإنصاف ومقابله من جنود الجهل الظلم . ومن جنود العقل النظافة ومن جنود الجهل القذر . ومن جنود العقل الحياء ومن جنود الجهل القحة . فقسم من الناس عندهم حياء طبعي فلو قلت له كلام خادش تراه يحمر ويعرق فقد وصف سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (أحيا يعني أكثر حياءً من العذراء في خدرها) فالفتاة المؤمنة في حوالي سن السابعة عشر أكثر أقل وقبل زواجها تكون شديدة الحياء وهذا لا أقل في الزمن الماضي وإن كان هذا لايزال في أوساط المؤمنات . وفي مقابلها القحة وهي قلة الحياء فبعضهن على وسائل التواصل الاجتماعي حين تسمع بعض كلماتهن تتصبب عرقًا وهي لا يوجد في وجهها حياةٌ ولا حياء وأنت الذي تستمع لا تقدر على مواصلة الاستماع لما تقوله وهذه هي القحة . القصد من جنود العقل والإسراف من جنود الجهل . ونلاحظ أنه لا يقول التقتير وإنما يقول القصد ومنه جاء الاقتصاد ، وقصد الشيء يعني نوى عليه وقصدت أن أعمل الشيء الفلاني ومن هنا أخذ القصد ويعني الإنفاق المتوازن فيصير قصدًا واقتصادًا والذي هو ملبس المتقين ( وملبسهم الاقتصاد ) فهو ليس قابضًا يده لأن قبض اليد بخل وهو غير مطلوب ولا مسرف وإنما هو مقتصدٌ فهو ينفق ولكن بهدف وبغرض وغاية . ومن ذلك العافية والبلوى وهي أن الإنسان عنده عافية وفي مقابلها أن يكون الإنسان مبتلى بامتحانات صعبة في حياته . الحكمة من جنود العقل وضدها الهوى من جنود الجهل الوقار من جنود العقل والخفة من جنود الجهل السعادة من جنود العقل والشقاء من جنود الجهل التوبة من جنود العقل والإصرار من جنود الجهل المحافظة من جنود العقل والتهاون من جنود الجهل المحافظة على أي شيء مال حافظ عليه سمعة أخلاق صلاة نوافل حافظ عليها . والتهاون هو أن يأخذ الإنسان الأمور بالتساهل فيوم يصلي ويوم يترك الصلاة ومرة يحفظ أمواله ومره يهملها وهذا من جنود الجهل . والنشاط من جنود العقل والكسل من جنود الجهل . إذا أردت اختبار نفسك في هذا الأمر في يوم الجمعة انتبه لنفسك هل تحضر صلاة الجماعة أم لا ؟ فأنت تتعجب من قسم من الناس ففي يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وأفضل الأيام فيه يسهر الليل على أمور غير مهمة عادةً ثم يجرها نومة إلى الساعة الثانية أو الثالثة فيفوت على نفسه هذه الفرصة العظيمة . الفرح من جنود العقل والحزن من جنود الجهل والمقصود هنا الحزن الذي ينتهي إلى الاكتئاب ويمنع الإنسان من عمل الخير ، أما الحزن الإيجابي بمعنى أن الإنسان يحزن على تقصيره ويحزن على ما ينبغي الحزن عليه كأبي عبدالله الحسين عليه السلام هذا من أعظم جنود العقل . الألفة من جنود العقل والفرقة من جنود الجهل . السخاء من جنود العقل والبخل من جنود الجهل . الخشوع من جنود العقل والعجب من جنود الجهل . صون الحديث من جنود العقل والنميمة من جنود الجهل . الاستغفار من جنود العقل والاغترار من جنود الجهل . الكياسة من جنود العقل والحمق من جنود الجهل . بهذه الصفات ينتهي مولانا الإمام الكاظم عليه السلام من هذه الوصية البديعة لهشام بن الحكم والتي أمضينا طيلة سنةٍ من الزمان في أفيائها وحدائقها و نجتني ثمارها . نسأل الله تعالى الذي جعلنا مع الإمام الكاظم في أحاديثه أن يجعلنا معه في الجنة مشفوعين بشفاعته وشفاعة آبائه وأبنائه إنه على قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين مغالطة العقل والحرية كتابة الفاضلة أم سيد رضا قال الله العظيم في كتابه الكريم: ((أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)). حديثنا بعنوان مغالطة العقل والحرية، وهو يأتي في ضمن حلقات عن المغالطات أو بعض المغالطات التي تنتشر في المجتمع المسلم ويراد نشرها على أوسع نطاق، هذه الأفكار التي سنعبر عنها بالمغالطات هي أفكار في الغالب غربية تعود عليها المجتمع الغربي ومارسها وكان هناك جسور من خلالها ينتقل هذا الفكر إلى مجتمعنا المسلم، وحيث أنه فكر غير سليم من الناحية الدينية لذلك يحاول البعض إعطاء هذا الفكر وهذه المغالطة صورة مقبولة في الإسلام بل وربما استدلوا ببعض الكلمات الدينية لتثبيت حقائق غير دينية. ففي المجتمع المسلم يصعب على الإنسان أن يصدم برفض القضايا الدينية فيتم تغليفها بغلاف ظاهره حسن، وهذا نفس الأمر الذي يفعله الشيطان فهو لا يأتي للإنسان المسلم ويقول له اترك الصلاة، وإنما يقول له ليس المهم الصلاة بل المهم هو أثر الصلاة فإذا كانت الصلاة لا تؤثر فيك ولا تغير أخلاقك فاتركها، أو عندما يقول لك في صلاة الجماعة أنك ربما ترائي الآخرين ويختلط لديك حظ النفس بحظ الله عز وجل فالأفضل لك ان تصلي بخشوع في بيتك، فلو قال لك الشيطان اترك الصلاة في المسجد مباشرة فلن تقبل نفسك ذلك. هنا أيضاً نجد أن من المغالطات ما يرتبط بدور العقل بالنسبة إلى أحكام التشريع وبالنسبة إلى صياغة حياة الإنسان، فأصحاب المغالطات يأتون ويقولون بأن العقل هو أهم شيء في الدنيا وعندنا من أهم الأدلة دليل العقل وكذلك أئمتنا عليهم السلام قالوا بأن أول ما خلق الله العقل وهذا مروي عن الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الكاظم عليهم أفضل الصلاة والسلام بان (أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر وقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أفضل منك ،بك أثيب وبك أعاقب)، فيأتي أصحاب المغالطات ويقولون بأن الإنسان لابد أن يفكر في الأحكام الشرعية فإذا كانت توافق عقله فليعمل بها وإذا كانت لا توافق عقله فلا يعمل بها. هذا الكلام غير صحيح لأن العقل في نظر الدين ليس إلهاً، فالفكر الوافد عند الغرب قد جعل العقل إلهاً فقد ألَّه العقل وأزال الإله، فالحديث الذي يستدل به نجد أن العقل فيه مخلوق ثم مأمور قال له عز وجل أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر، ولذا فهو عبد مطيع لله عز وجل لأنه أقبل بأمر الله وأدبر بأمره أيضاً ولأنه كان مطيعاً لله سبحانه وتعالى قال له بأنه ما خلق خلقاً أفضل منه، ولكن العقل الذي يدبر عن الله ولا يقبل عليه ويأمره الله فلا يطيعه ويكون حكمه على خلاف حكم الله عز وجل فهذا العقل ليس له قيمة عند الله عز وجل. عندما يأتي أهل المغالطات ويقولون لك بأن تحكم عقلك في الأحكام الشرعية، فسيصبح عندنا كما هو عند الغرب بأن آخر ما وصلوا له هو أن المجالس النيابية ومجالس الشيوخ شرعوا زواج الشاذين رسمياً ووقعه الرئيس الأمريكي، وصوتوا على ذلك برأي الأكثرية بأن زواج الشاذون والشاذات أمر قانوني طبيعي ولا مشكلة فيه، فلا نستبعد أنه خلال سنوات نفس هذه المجالس النيابية سوف تشرع أن العلاقة الجنسية وزواج الأخت من أخيها وزواج الأم من ابنها وزواج الأب من ابنته والمعاشرة الجنسية الكاملة ليس فيه مشكلة وهذا أمر طبيعي وقانوني ولا يحق لأحد أن يعترض عليه، كما حصل في تاريخ البشر عندما أجاز المجوسية زواج الأرحام، فهم في أول أمرهم كانوا أصحاب كتاب سماوي وعندهم نبي مرسل لكن بعد فترة من الزمان سطر ملكهم ببنته وكانت تعجبه فأراد من الفئة الدينية أن يوافقوا على ذلك فلم يقبلوا وقد قام بقتلهم ومزق الكتاب السماوي الذي كان عندهم وأصدر تشريعاً بأن هذا الأمر طبيعي وأن زواج الأرحام لا مشكلة فيه إلى أن جرى هذا التشريع سائداً عند المجوسية. نجد أن هؤلاء الذين هم في مجلس الشيوخ والمجالس النيابية في نظر الغربيين هم نخبة العقلاء فهم لا ينتخبوا شخص بلا شهادات ولا مستوى وإنما ينتخبوا نخبة المجتمع، ولكن نجد أن هذه النخبة تصوت بالأكثرية على قانونية زواج الشاذين بالشاذين والشاذات بالشاذات، فهذا العقل حينها لا يسوى حتى ذرة تراب لأنه ليس العقل الذي يخاطبه ربنا عندما قال ما خلقت خلقاً أفضل منك، فكيف يخلق الله خلقاً بهذا المستوى يشرع ضد أحكام الله وضد الفطرة والقيم ويعلن الحرب على الله تعالى. فيأتي من هم في مجتمعاتنا المسلمة من يسوق لهذا بصورة مخففة فيأتي ويقول لك لا تؤجر عقلك لغيرك ولا تسمع لآخرين، واللطيف أنه يقول اسمع كلامي أنا ناقل الفكر الغربي ولا تسمع لغيري، فقد قال سبحانه وتعالى: ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) أي أنه ينبغي على الإنسان أن لا يتبع الحسن من القول بل الأحسن ولا ريب أن العقل لا يهدي إلى الشيء القبيح وإنما يهدي إلى الحسن بل وإلى الأحسن، إذاً فإن من المغالطات التي تشاع ويراد أن تؤثر في الناس هو هذا المعنى أن نعتمد على عقولنا وعقولنا هي الحكم والفيصل بل وحتى الشرع لا بد أن نخضعه إلى العقل أيضاً. هل العقل إله أم عبد؟ إذا كان إلهاً فكلام الغربيين صحيح ولا ينبغي الاعتراض عليه في كل الأمور، فينبغي عليه أن يقبل بزواج الشاذين والشاذات ونكاح المحارم وغير ذلك لأنه جعل عقله أي هواه إلهاً كما قال تعالى: ((أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)) فالقرآن الكريم يحذر ويقول بأن هذا ليس عقلاً، فالمتشرع يقول بأن الكلمة الفصل هي لله عز وجل وإذا وصل العقل إلى خلاف ما شرع الله فيتبين أن هذا ليس عقلاً وإنما هوى وشهوة وغفلة، فلا يوجد إله غير الله سبحانه وتعالى وأن كل ما في الكون هو عبد لله عز وجل، فالعقل والإنسان والنبي والطبيعة كلها عبيد لله عز وجل وقانون العبد هو أن يأتمر بأمر مولاه. المغالطة الثانية: ما يرتبط بالحرية، فينتشر في مجتمعاتنا أن الإنسان حر يختار أي طريق يريد، فهو حر في بدنه، في عبادته، في علاقاته ما دام أنه لم يضر غيره، وهذا ما يمهد لقضية الشاذين والشاذات بأنهم أحرار لو أرادوا أن يتحولوا من جنس إلى جنس آخر لأنهم لم يضروا غيرهم. هذه الصورة بالطبع هي صورة واضحة وغير صحيحة فالإنسان ليس حراً وإنما هو عبد شاء أم أبى، فما سوى الله السيد الرب الذي لا يسأل عما يفعل والذي هو على كل شيء قدير وبكل شيء محيط فما سواه كلهم عبيد، فمن يقول عكس ذلك من المغالطات المرتبطة بالحرية وغيرها فهو ليس حراً وإنما عبد متمرد على نظام العبودية، فهو لا يستطيع أن يبكر في مجيئه لهذه الدنيا ولادة ولا يستطيع أن يتأخر ولو يوم واحد في مغادرته عن هذه الدنيا، فلا شأن له ولا شيء عليه في وجوده لا في أصله ولا في تفاصيله، كما أن شكله الجميل الذي خلقه الله عليه لم يختاره هو بنفسه كما جاء في الدعاء عندنا: (لم تُشهد أحداً خلقي ولم تجعل إلي شيئاً من أمري). فإذا كان الإنسان عبد فلابد أن يلاحظ ما الذي يريده الله عز وجل منه؟ فإذا كان متمرداً فعليه أن ينتظر جزاءه في الدنيا والآخرة، فبعض الذنوب لها آثار سلبية في هذه الدنيا وبعضها ليس لها كذلك وإنما جزاؤها في الآخرة، فإذا كان الأمر هكذا فإن أصل فكرة (أنا حر) هي غير صحيحة كما قال تعالى: ((قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)) فالحر هو الذي لا ينتظره حساب أو جزاء سواء اختار الطريق الصحيح او الطريق الخاطئ، لكن هنا معنى الحرية هو أنه لا يوجد شيء تكويني يمسك يدك ولك حرية اختيار طريقك لكن ليس المعنى أنه لا يوجد أحد يتابعك بعد اختيارك، فأنت متابع ومراقب وكل عمل تقول به هو مسجل، إذاً فنحن أحرار في أصل الاختيار ولكن كل اختيار له نتائج. من المهم جداً أن نلتفت إلى المغالطات التي تسرب لنا في عباءة ثقافية أو في لباس ديني أحياناً أو ضمن ما يسمى بالانفتاح الفكري وما شابه ذلك، فكلها عبارات نتيجتها أن أفكاراً خاطئةً تنقل عبر جسور معينة إلى بلادنا وشبابنا. وقد شهدنا ما حصل في المونديال بأن الغرب أرادوا إدخال شعار الشاذين إلى تلك الدولة ويتعجب الإنسان من إصرارهم على ذلك، حتى عندما قامت تلك الدولة برفض هذا الشعار قامت وزيرة داخلية إحدى الدول بوضع الشعار تحت رداءها ثم قامت بنزع الرداء ليرى الجميع ذلك الشعار، فلو أن واحداً من بلاد المسلمين عمل شيء مخالف للقانون عند الغرب في بلادهم فسيقومون بمعاقبته، لكن هم لديهم إصرار عجيب وجهاد وسعي ليجعلوا كل العالم يقوم من أجل أن يتمكن الشاذون من ممارسة شذوذهم في أي دولة كانت حتى وإن كان دينها وفطرتها وأخلاقها لا تسمح بذلك. للأسف نرى البعض يحاول أن يروج لأصل الفكرة، فقد لا نجد المفكرين يروجون للشذوذ لأنه أمر صعب ولكنهم يروجون للحرية التي تنتهي إلى الإيمان بهذا الأمر والتي ستنتهي غداً إلى نكاح المحارم، فالذي يقول اتركوا لهذا أن يتزوج من مثله سيقول أيضاً اتركوا لهذا أن يتزوج من بنته وأخته وأمه، لذا فإن الذي يهم هو أن نقف أمام هذه المغالطات لأن الجذر والأصل عندما يكون خاطئاً فإن الآثار ستكون خاطئة أيضاً. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المهتدين والهادين وأن يكرمنا باتباع المنهج القويم إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
مرات العرض: 4208
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 31939.66 KB
تشغيل:

19 | بهذه التصرفات يعرف عقل الانسان
20 | لماذا لا يدخل الجنة بخيل