الفحص الطبي وصحة الأجيال
بسم الله الرحمن الرحيم
الفحص الطبي وصحة الأجيال
قال الله العظيم في كتابه الكريم : ـ حاكيا عن لسان زكريا ـ : رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (آل عمران:38) .
* من تطلعات أهل الايمان ودعائهم لله ، أن تكون ذريتهم طيبة ، والجهة الأظهر من هذا الوصف هو ( الطيبة المعنوية والأخلاقية ) لكن يمكن أن يستفاد منها أيضا ( الطيبة في مجال الصحة والسلامة البدنية ) ، وذلك أنه ليس من المحتمل أن يطلب الانسان من ربه ذرية صالحة أخلاقيا ، ومريضة من الناحية البدنية .
* إن الملاحظ والمتأمل في وضع مجتمعنا يجد عددا من الأمراض المستوطنة فيه ، وهي تستنزف الكثير من أمواله وصحة أبنائه(1) ، وتجلب لهم المتاعب والمصاعب . مثل مرض الثلاسيميا ، وتكسر خلايا الدم المنجلية ( السكلسل ) . والأول كما يقول الأطباء ، يسبب ـ في بعض درجاته ـ بطئا في النمو ، وضعفا في الجسم ، وربما أدى للوفاة أحيانا . وأما الثاني فيتسبب عن تحول كريات الدم الحمراء إلى شكل المنجل والتصاقها بجدران الشعيرات الدموية ، وإغلاقها الذي يسبب عدم وصول الاكسجين إلى تلك المناطق .. وينتج عنه الآلام الشديدة ، وأحيانا تآكل في المفاصل ، وربما أدى إلى الوفاة في بعض حالاته .
* حيث أن هذه الأمراض وأمثالها ، وراثية وهي إنما تنتقل بالتزاوج بين المصابين والحاملين .. فإنه من الضروري التحرك للسيطرة عليها ، وهو ممكن في هذا الزمان ، فإنهم ينقلون أن جزيرة قبرص كانت قبل حوالي ثلاثين سنة ، تعاني من مشكلة مرض الثلاسيميا ، فوضعت خطة وطنية للفحص وتحذير الأشخاص المصابين من التزاوج فيما بينهم ، وقد انتهى المرض بينهم كما يذكرون في أيامنا هذه ..
ولهذا فإن العقل يقضي بلزوم التحرك لتجنيب الأبناء والذرية التي سينجبها الانسان من تلك الآلام الكبيرة المرافقة لهذه الأمراض ، ولو عرض على أحد هذا الأمر : أن يتزوج ( وهو مصاب ) من امرأة مصابة بالمرض أو حاملة له ، وتكون النتيجة أن يتعذب كل منهما في العناية بولدهما ، وأن يتعذب الولد في طيلة حياته ، أو أن يختار للزواج امرأة سليمة من هذه الجهة ، فينجو من تلك المعاناة ويضمن لابنه كذلك .. فإن العقل يحكم بلزوم اختيار المرأة السليمة . وبالعكس أيضا لو كان المرأة مصابة يقضي باختيار رجل سليم .. والحمد لله فإن الخيارات كثيرة .
كما أن العقلاء أيضا في ممارساتهم وبناء حياتهم ، هو على هذا فإذا احتملوا خطرا وضررا بهذا المستوى فإنهم يجتنون ما يؤدي إليه بلا ريب !!
ونحن نشاهد كيف كانت عناية الشريعة المقدسة ، وتوجيهاتها للانسان لكي يتخير لنطفته ، فلا يتزوج الحمقاء لأن اللبن يعدي ، وأمثال ذلك ، فمن الطبيعي أن تكون من مقاصد الشريعة أيضا الحفاظ على السلامة .
* واليوم وقد أقر ـ بحمد الله ـ قانون إلزامية الفحص للزوجين قبل أن يتم العقد لهما ، فإننا نعتقد أن هذه خطوة مهمة وجيدة في القضاء على الأمراض المذكورة ، ويبقى على الناس أن يهتموا بمثل هذا الأمر ، ونحن لا نعتقد أن القضية تقف عند حدود الزواج والمتزوجين ، بل نعتقد أن من المناسب أن يكون كل انسان عارفا بوضعه الصحي بالمقدار الذي يمكنه من تجنب ما يهدد حياته فقد رأينا كيف أن البعض يكون لديه مرض من الأمراض الخطيرة وهو غير شاعر به ، فيتناول ما يسيء إلى وضعه الصحي أكثر .
نسأل الله سبحانه أن يعطي المؤمنين الصحة والعافية وأن يعينهم على أداء وظائفهم الدينية والاجتماعية إنه على كل شيء قدير .
-------------------------------------
(1) نقلت جريدة الوطن السعودية في عددها بتاريخ 5/10/1424 مقابلة مع السيدة هدى المنصور مديرة مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية في المملكة ومما قالته المديرة: إن المملكة من أعلى دول العالم في نسبة الإصابة بأمراض الدم الوراثية بصورة رسمية ومن آخر الدول في وضع الوقاية منه وقد وصلت نسبة حمل المرض إلى 30% من عدد السكان وأن مرضى الدم الوراثي يمثلون 60% تقريبا من إجمالي المعاقين فيها وهذا يكلف الدولة ما يقارب 250 مليون ريال سنويا كمعونة إعاقة للمصابين إضافة إلى 100 ألف ريال للعلاج لكل مصاب أيضا وهذا وذلك يكلف ميزانية الدولة ملايين الريالات في حين أن الفحص الوقائي من تلك الأمراض لا يزيد عن خمسة ريالات للفرد الواحد - أما مرض الثلاسيميا أحد أمراض الدم فإن المصاب به يعتمد في حياته على نقل أكياس الدم كل 20 يوما مدى الحياة وأما مريض المنجلية فقد تفاجئه الأزمات المؤلمة وتجعله يتردد على المستشفيات أسبوعيا بل ويتعرض لنخر وتآكل في العظام وتركيب مفاصل مرات عديدة - وقالت إن أسباب كل هذه الأمراض المؤلمة نتيجة الزواج دون الفحص الضروري الذي لا يكلف أكثر من خمسة ريالات للفرد الواحد ..