ما ينبغي معرفته عن الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام
التاريخ: 22/2/1447 هـ
تعريف:

ما ينبغي معرفته عن الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

كتابة الفاضل علي السعيد

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، صلى الله عليك يا رسول، وعلى ابن عمك أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، صلى الله عليك يا سيدتي ومولاتي يا فاطمة يا سيدة نساء العالمين، صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبدالله الحسين، ما خاب من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم، يا ليتنا كنا معكم، فنفوز فوزا عظيما، لكنما الأمر لله، لا حول ولا قوة إلا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} سورة الشعراء (227)، والعاقبة للمتقين، عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد. نتعرض في هذه الليلة إذا وفق الله إلى شيء من سيرة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، ونستكمل الحديث ربما في ليلة أخرى نظرا لاتساع هذه السيرة العطرة وتشعبها، وكثرة ما يمكن أن يقال فيها، ولعل بعض ما يقال بالنسبة إلى قسم من الحاضرين هو إعادة لما هو معروف عندهم، وتأكيد لما هو ثابت في أذهانهم، وعلى كل حال يتحقق به ما وُعِد من الثواب من أن ذكر محمدٍ وآل محمد عبادة، كما أنه قد يساهم في رفع جانب من المظلومية التي تعرضت لها هذه العترة الطاهرة من إخفاء فضائلها، ومناقبها، وتغييب إمامتها في الأمة، فليكن هذا أيضا غرض من أغراض الحديث في سيرة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها. لنبدأ من بداية خلقتها، الروايات الواردة من طريق أهل البيت عليهم السلام، تفيد أن هناك إعدادا إلهيا خاصا لقدوم هذه السيدة الجليلة، لم يحظَ بذلك الإعداد فيما نعلم أحد من النساء في الإسلام، بل ولا في غير الإسلام، فإن رواياتنا وهي كثيرة تفيد أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه المصطفى أن يعتكف، وأن يعتزل مدة من الزمان، وأن ينشغل بالأمر العبادي ليلا، والصيام نهارا، وأن يقلل قدر الإمكان من تواصله مع الناس، وكان ذلك بعد بعثته سلام الله عليه وعلى أهل بيته بـ(4) سنوات وأشهر. أن يعتكف النبي صلى الله عليه وآله، يبقى صائم النهار، قائم الليل، يقتصر في ممارسة العلاقة مع الناس على أدنى الدرجات استعدادا لحدث، وهذا فيما نفهم لم يحصل لغير الاستعداد للزهراء، فإن المحقق تاريخيا أن رسول الله صلى الله عليه وآله أنجب من خديجة بنات أخريات، وبنين أيضا، وهو الرأي المحقق خلافا للرأي القائل بأن باقي البنات هن ربائب، الرأي المحقق تاريخيا والذي تدل عليه روايات أهل البيت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أُنجب له من خديجة بنات وبنين، وكان خيرهن وآخرهن وأفضلهن فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، وقد ولدت بعد بعثة رسول الله بـ(5) سنوات ولدت فاطمة الزهراء عليها السلام، ضمن هذا البرنامج الإعدادي الاعتكافي العبادي ضمن توصية من الله عز وجل مدة من الزمان. لما انقضت تلك المدة بعد (4) سنوات وأشهر من بعثته صلى الله عليه وآله أُمر بأن يقارب زوجته خديجة بعد أن أكل من طعام الجنة الذي جاء به جبرائيل، إما أثناء المعراج أو نزل به إلى الأرض، أن يأكل من طعام الجنة، وألا يطعم معه أحدا غيره، وأن يقارب في تلك الليلة زوجته خديجة سلام الله عليها، لأنه في قضاء الله وقدره أن تتخلق في تلك الليلة النطفة الطاهرة والإعداد لفاطمة الزهراء باعتبارها الحوراء الإنسية. حوراء نسبة إلى الجنة وتخلقها، وإنسية باعتبار أن دورها في الدنيا يقتضي الجانب الإنسي، لكن أصل خلقتها ومنشأ تكونها هو مما يتكون منه الحور من الجنة، ولذلك عرفت وهي الوحيدة التي عرفت بأنها الحوراء الإنسية، تجمع ما بين جانب الجنة في تكونها، وجانب الدنيا والإنس في دورها وعملها وما ينتظر منها، وبالفعل هذا هو الذي حدث، فبعد مرور الأشهر المعينة والمدة الخاصة، وفي تمام السنة الخامسة بعد بعثة رسول الله، وُلدت سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها. هنا لابد لنا من وقفة، وهي أن مصادر مدرسة الخلفاء عندهم إصرار غريب على إنكار أن يكون تاريخ ولادة الزهراء بعد بعثة النبي بـ(5) سنوات، ويصرون إلى حد الاستماتة في أن يقولوا بأن ولادة الزهراء كانت (5) سنوات قبل البعثة وليس بعد البعثة، يعني الفارق سيكون (10) سنوات، هذا الإصرار الغريب الذي نراه في كتبهم ليس إصرارا بريئا، وإنما يدخل فيه جانب عقائدي، ويفتح علينا بابا أن كثيرا من الأحاديث والأحداث الثابتة تاريخيا غُيرت أو قُلمت أو حُذفت بدوافع عقائدية فقط كما سيأتي في الحديث أيضا. أنت تقول ما هو الفرق بين أن يكون قبل البعثة بـ(5) سنوات أو بعد البعثة بـ(5) سنوات، لا، هذه منظور فيها إلى جهات متعددة، النظرة الأولى: نفي أن يكون تخلق الزهراء عليها السلام فيه جانب من الجنة، امرأة عادية، والدها وحين كان رجلا عاديا أيضا في رأيهم لأن النبي رجل عادي، بل بعضهم قال كان على دين قومه قبل البعثة، وبعضهم يُنسب إليه من الشائع أنه كان يُهدى له الخمر وإلى غير ذلك، ففي رأي هذه الجهة أن فاطمة امرأة عادية، أبوها الذي كان على الأقل إلى ذلك الوقت قبل البعثة رجلا عاديا بكل المقاييس، كما ذكرنا يقولون على دين قومه وكان يُهدى له الخمر، يأكل كل ما ذبح على النصب، هذا موجود في مصادرهم، فرجل عادي عنده امرأة أيضا امرأة عادية خديجة في رأيهم، التقيا على فراش الزوجية أنجبا فتاة عادية. لكن لما تصير هذه الرواية لا، أشار بعضهم بشكل صريح إلى هذا الأمر، فقالوا إنه لما كانت قد ولدت قبل البعثة بـ(5) سنوات، فلم يكن جبرائيل بالذي يهبط على رسول الله أو يأتي إليه بشيء، لماذا يأتي بجبرائيل إلى رسول الله، ورسول الله ذاك الوقت ليس نبيا أصلا، لِما يأتي عنده؟ هنا يتبين لماذا هذا الإصرار، القضية ليست قضية مجرد تاريخ (am.pm) كما يقولون قبل البعثة أو بعد البعثة، لا، وإنما الغرض أن يقال إنه لا معنى لأن يكون تخلق فاطمة فيه جانب من الجنة، لأن إذا حدث شيء يعني جبرائيل جاء به، جبرائيل إنما جاء ينزل على رسول الله بعد بعثته، قبل البعثة ما كان ينزل عليه. والحال أن الثابت أنها ولدت بعد البعثة بـ(5) سنوات، وضمن هذا البرنامج الإعدادي الذي قلناه، هل تنتهي المسألة هنا؟ لا، هذا عجيب، الذي ابتكر من المدرسة الأخرى فكرة التفريق والتقديم لقضية الميلاد لا شك عنده ذكاء استثنائي، فأولا هذه ليست لها ارتباط لا بالجنة، ولا خلقتها كحوراء إنسية، ولا أن جبرائيل جاء بشيء، ولا أن رسول الله نزل عليه، ولا ولا، وليست هناك علاقة، لكن هناك أكثر من هذا، سيأتي شيء آخر. لما يقال إن فاطمة عليها السلام ولدت قبل البعثة بـ(5) سنوات، مدة البعثة كم سنة؟ (13) سنة يصير المجموعة كم؟ (18)، تزوجت فاطمة بعلي في السنة الثانية للهجرة، يعني لما تزوجت كم كان عمرها؟ (5) زائد (13) زائد (2) يساوي (20)، في عرف العرب في ذلك الوقت في زمان رسول الله امرأة بائرة، لا أحد ينظر إليها، السن الاعتيادي في ذاك الوقت، راجعوا التاريخ (10) سنوات، (11) سنة، (12) سنة، هذا هو المعدل العام، أما امرأة تبقى إلى عمر الـ(20) هذه امرأة لا أحد يرغب فيها، ولا ينظر إليها أحد، وقد ذكر بعض كتاب دائرة المعارف الإسلامية التي أنشأها مستشرقون هذا المعنى بشكل صريح، وأن فاطمة إنما تزوجت وعمرها (19) سنة، وهذا يعني أنها لم تكن مرغوبة من المسلمين، امرأة بدل أن تتزوج في ذاك الزمان بعمر (10) سنوات و(11) سنة، انتظرت ضعف المدة حتى يتعطف عليها ابن عمها علي، ويأخذها بينما سائر النساء، وفلانة من النساء، النبي يراكض وراءها من عمرها (6) ست سنوات كما قالوا، بعض زوجات النبي زعموا أن النبي من عمرها (6) سنوات جاءته خرقة من الجنة فيها صورتها، وظل يدور عليها، وخطبها وعمرها (6) سنوات، ولما صارت (9) سنوات تزوجها، فاطمة الحوراء الإنسية سيدة نساء العالمين بجب أن تنتظر (20) سنة، لا أحد يرغب فيها إلا ابن عمها أخيرا بينما غيرها لا، يتم التهافت عليها بل بالعمر المبكر، هذا أمر ثان. الأمر الثالث: إنه إذا قيل بأنه ولدت في هذا التاريخ وبقيت إلى أن توفيت وعمرها مثلا في سنة (11) هجرية ذاك الوقت يصبح عمرها قريبا من (30) سنة، امرأة عمرها (30) سنة يصير هذا، حتى لو ضمن الأمراض العادية أو ما شابه ذلك، أما إذا قيل لا هذه امرأة في نيعة الشباب، عمرها (17) أو (18) سنة، واختطفت على أثر فعل فاعل، وما جرى عليها سيختلف الحال. فأولا نحن نلاحظ هذا الأمر، وسيفتح لنا أبوابا على أن قسما مما جاء في التاريخ من تغيير الأحداث، من تزوير الأحداث، من تقديم وتأخير حتى بهذا المقدار، هذه (5) سنوات، لكن قبل لو بعد، هذه ليست بريئة، ليست عادية، وإنما تدخل فيها قضايا عقائدية لإثبات شيء، ونفي شيء آخر، سيأتي بعد قليل كيف أنه حتى هذا الكلام سيتناقضون فيه. المهم أن ولادة الزهراء عليها السلام فيما يعتقد أهل البيت، ووردت الروايات الكثيرة فيه، أنه كان بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله بـ(5) سنوات، فَوِلِدَت بعد نبوة النبي، وبهذه الطريقة الخاصة، وبهذا الإعداد، ومن طعام الجنة تخلقت تلك النطفة التي ستكون منها بدن وخلقة فاطمة الزهراء، إذا كان البدن هو بهذه الطريقة، تخلق من الجنة كحوراء، فما ظنك بالروح، الروح هذا أيضا كلام آخر يجب أن يكون فيه، الروح هو الذي يجعلها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. فاطمة عليها السلام بقيت تحت رعاية أمها الصديقة الطاهرة خديجة بنت خويلد، وما أدراك ومن أدراك، يكفي يكفي أن أحاديث رسول الله وصفت بالكمال (4) نساء من البشر، واحدة منهن وهي سيدتهن فاطمة، والأخرى خديجة سلام الله عليها، (كمل من الرجال كثير، وكمل من النساء، فاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد، ومريم بنت عمران، وآسيا بنت مزاحم، وأفضلهن فاطمة بنت محمد). فوصفت بالكمال من بين نساء البشر، وأما علاقة رسول الله صلى الله عليه وآله بها فحدث ولا حرج، فإن رسول الله تزوج (9) نساء بعد خديجة، منهن البكر، ومنهن الثيب، ومنهن الشابة، ومنهن المتقدمة في العمر، ومنهن سامية الدرجات كأم سلمة، أم سلمة امرأة نصيرة الولاية، ثانية السيدة خديجة عليهما السلام، لكن كل هذه النساء بمن فيهن من ذكرنا وغيرهن لم ينسيه ذكر خديجة سلام الله عليها. تتصور بعد حوالي (12) سنة من وفاة السيدة خديجة عليها السلام، ورسول الله لا يفتأ يذكرها، ويتكلم عنها، ويثني عليها، ويكرم من كانت تكرمه خديجة، وإذا جاءت أختها هالة، وطرقت الباب تسلم على رسول الله، ينهض النبي هكذا مسرعا، (صوت خديجة) (صوت خديجة)، لأن صوت أختها يشبه صوت خديجة العزيزة الأثيرة الكريمة، فينهض رسول الله صلى الله عليه وآله لمشابهة صوتها بصوت خديجة. فبقيت فاطمة الزهراء تحت رعاية أمها، كفاها أن الله سبحانه وتعالى قد عوضها ما أنفقت بيتا في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، ولقد أعطت ذلك العطاء العظيم، أحد الأشخاص يسأل أمير المؤمنين عليه السلام يقول له أراك تتكلم عن رسول الله، رسول الله أعتق فلانة وأنفق على فلان، وجهز جماعة الحبشة في رحلتين كبيرتين، وفعل كذا وكذا، فمن أين كان لرسول الله هذا المال؟ قال ويحيك، فأين ذهب إذن مال خديجة؟ كل هذه الإنفاقات من خديجة سلام الله عليها، وهي التي ماتت حين ماتت، ولم يكن عندها ثوب يسترها من أعلاها إلى أسفلها حتى جيء بكفنها من الله عز وجل عبر جبرائيل، وأضاف إليه رسول الله رداءه الخاص. تربت فاطمة تحت يد هذه المرأة لترى فيها هذا العطاء الذي لا حدود له، ولا أمد له، عطاء بلا حساب، مليونيرة بمقاييس ذلك الزمان، (10%) من الحجم المالي في مكة كان بيد خديجة، هل نحن نفهم هذا؟ قالوا كانت إذا ذهبت القوافل إلى اليمن أو إلى الشام في هجرة التجارة كان لخديجة من كل (100) ناقة (10) محملة بها، يعني (10%) من الثروة، لكن آخر الأمر بأبي وأمي تبقى بلا ثوب يكفيها لكفن، هل رأيتم عطاء في الوجود مثل هذا العطاء؟ سلام الله على خديجة. إلى أن توفيت بعد (5) سنوات من إنجابها لفاطمة الزهراء سلام الله عليها، عندما توفيت خديجة كانت فاطمة عليها السلام عمرها (5) سنوات في السنة الـ(10) لبعثة رسول الله، وبقيت فاطمة فيما نعتقد تحت رعاية فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب، وذلك لأن خديجة لما توفيت سلام الله عليها تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله سودة بنت زمعة، سودة بنت زمعة إحدى زوجات رسول الله، لا يظهر من التاريخ أنه كانت هناك عناية خاصة من قبل سودة بفاطمة عليها السلام، أولا لأنها كانت امرأة كبيرة السن، وثانيا قد يكون لأن سودة كانت محسوبة على الجهة الأخرى في زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله، من خلال بعض القرائن يستفاد ذلك أن في زوجات رسول الله ما يشبه الخطين، أم سلمة ومعها جماعة، وغير أم سلمة ومعها جماعة آخرون من النساء، سودة كانت ضمن ذلك الاتجاه الآخر. فبقيت فيما نعتقد تحت رعاية من فاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن صارت الهجرة، هاجرت فاطمة عليها السلام وفاطمة بنت أسد وبعض رحل النبي، قاد ذلك الركب علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، لما تذهب أيضا للتاريخ ترى من الذي بعث رحل رسول الله لا تجد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه يعني هو أوضح من أن يُخفى، ولكن بالتالي هذه ليست أول ظلامات أمير المؤمنين عليه السلام وإنكار فضائله. وصلت عليها السلام إلى مدينة رسول الله، ونزلت مع أبيها في البيت الذي أعده أبو أيوب الأنصاري، أبو أيوب واحد من أصحاب رسول الله العظام المخلصين لأهل البيت عليهم السلام، وله مواقف مهمة في هذا الجانب، وتحتاج إلى دراسة خاصة، فأعطى لرسول الله قسما من بيته، القسم الأسفل وهو مع زوجته بات في الأعلى بالرغم من أن كبار أهل المدينة وتجارها وزعمائها عرضوا على رسول الله أن ينزل عندهم، وكل واحد كان يحاول أن يتشرف برسول الله، النبي صلى الله عليه وآله أحال الأمر على القضية الغيبية، وقال أين بركت الناقة: (دعوها فإنها مأمورة)، أي مكان بركت الناقة فيه ذاك هو منزلي، وبالفعل جاءت هذه الناقة ونزلت في حيث مسجد رسول الله، الآن مقابل هذا المسجد كان بيت أبي أيوب الأنصاري، جاء رسول الله وحمل رحله ودخل إلى بيته، وفاطمة كانت معه صلوات الله عليهما. الآن نحن دخلنا على السنة الأولى من الهجرة وستنتهي، هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله كانت في شهر ربيع، و إلى أن انتهت أمير المؤمنين عليه السلام كما تعلمون رجل مكافح ووراءه أمه فاطمة بنت أسد، لا يستطيع أن يقول والله أنا ابن عمي رسول الله والآن كل مرة أذهب لرسول الله ليساعدني ويعطيني وإلى آخره، فشمر عن ساعد الجد، في المعارك تراه في الصفوف في الأولى، في أيام السلم تجده في الزراعة، فكان يزرع في النخل، ويستنبط الآبار، ومن خلال ذلك كان يصرف على والدته، وعلى أمور حياته، ذاك الوقت عمر أمير المؤمنين (25) سنة. تأتي قضية زواج الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، هنا أيضا ترى ما الذي يصنعه الخط الآخر من التغيير والتبديل من أجل إثبات ما عندهم من أفكار، هل كان زواج فاطمة عليها السلام زواجا عاديا أو كان زواجا سماويا؟ نحن نعتقد نحن الإمامية أن هذا يأتي ضمن سلسلة طبيعية، فالتي كانت خلقتها بتلك الطريقة لابد أن تكون أمورها الأخرى أيضا منسجمة مع هذه الطريقة، فنعتقد أن تزويج فاطمة لعلي عليه السلام ضمن مخطط إلهي هو اتصال النبوة بالإمامة، وامتداد هذا الخط الإلهي في صورة أئمة الهدى عليهم السلام، يجب أن يجتمع علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء ضمن إطار الزوجية، ويقدما للعالم هذه الثلة الصفوة الطاهرة الذي أخبر عنها رسول الله فقال: (ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي بن أبي طالب). وضمن تخطيط إلهي استثناء في الحالة في حالة الأنبياء، حالات الأنبياء إبراهيم وموسى وغيرهما، كل نبي ذريته من صلبه، والأنبياء من صلبه، أنا محمد رسول الله استثناء من هذه القاعدة، لابد أن يجتمع في ذلك فرعا عبد المطلب، علي عليه السلام من جهة، ورسول الله عبر ابنته من جهة أخرى، وهذا أيضا قرار إلهي. أنا أنقل لكم الرواية التي ينقلها الطبراني، وابن حبان في صحيحه، وغيرهما، وتعليق بعض المتأخرين حولها، الرواية هكذا كما ينقل الطبراني وابن حبان البستي، يقول في السنة الثانية للهجرة كان الخليفة الأول أراد أن يتزوج فاطمة عليها السلام، طبيعي هذا أي إنسان يرغب في مثل فاطمة سواء لجهة دينية أو لجهة دنيوية، هذه بنت النبي وبنت الرئيس وبنت الزعيم، فضلا عن الجهات الكمالية والجمالية والدينية، فيقول فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال يا رسول الله أنا فلان وقد عملت وفعلت كذا وكذا، آمنت بك، فعلت كذا، وإني خاطب فاطمة، ذاك الوقت بناء على قولنا نحن فاطمة عمرها (10) سنوات، تخطو في الـ(11)، الخليفة كان يتخطى الـ(50)، فقال أنا خاطب فاطمة، فرسول الله صلى الله عليه وآله قال له: (إني أنتظر أمر الله فيها)، لا أملك جوابا، فخرج -هذا النص الطبراني وغيره- وهو يقول هلكت وأهلكت، فرآه الخليفة الثاني ما الخبر؟ فقال له ما حصل، وأنه أنا ردني رسول الله ورفض، فقال أنا أذهب أخطبها، إذا أنت ردك أنا ممكن لا يردني، وهو أصغر منه سنا، فجاء وذكر نفس الكلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (إني أنتظر أمر الله فيها) ورجع، فذهب وهو يقول كما قال من تقدمه. فقالا هلم نذهب إلى علي بن أبي طالب، نقول له أنت اذهب واخطبها، إذا المنع على الجميع سيمنع، إذا علينا خاصة نفهم الموضوع، فذهبا إلى علي وكان قد استنقعت قدماه في الطين إلى ساقه، يشتغل في الزراعة، فجاءا لعلي وقالا: يا علي لما لا تخطب فاطمة؟ قال: أفعل إن شاء الله، فغسل رجليه وساقيه، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منفردا، وجلس عند رسول الله مطأطئا برأسه إلى الأرض، فقال له رسول الله: يا علي ما حاجتك؟ فقال: يا رسول الله فداك أبي وأمي إني ذكرت فاطمة، يعني ليس أنا فارس بدر وسويت وعملت وإلى آخره، وإنما أنا ذكرت فاطمة، وما قال إني خاطب إياها، هذا من التعريض بالأمر والأدب في طلب الحاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي على الرحب والسعة. لحظة دخل إليها لأن للبنت نصيب، وإن كان رسول الله ولي على كل أحد، لكن فقط حتى يعلمنا، فقال لفاطمة يا فاطمة هذا علي يذكرك، فطأطأت برأسها خجلا وحياء، وسكتت، فقال: الله أكبر، صماتها رضاها، ورجع إلى أمير المؤمنين، فقال: يا علي على الرحب والسعة، ما عندك؟ فقال قال له: عندي درعي وناضحي البعير الذي أستقي عليه، قال: أما درعك فلا تحتاج إليه، أنت يتدرع بك الجيش لا تحتاج إلى درع، بعه وبع كذا، فباعها وكانت بـ(500) درهم، (400) ونش، كما يقولون يعني حوالي (500) درهم، فجاء وصبها عند رسول الله صلى الله عليه وآله، ورسول أخذ قبضة منها وأعطاها إلى عمار بن ياسر، وقال اذهب واشترِ بها لفاطمة كذا وكذا، وأعطى غيرها لكي يشتري بعض أثاث المنزل، وهكذا. بعض المؤرخين لما يأتون فيما بعد من المتأخرين يرون أن هذه فضيلة، ليست فضيلة بسيطة، أن رسول الله يرد اثنين من أكابر صحابته، ويجيب عليا فورا، نفس الوقت نفس اللحظة، لا أنتظر أمر الله كذا، ولا غير ذلك، أمر الله هو هذا، افترض أن يقول لا، انتظر غدا عصرا، لا، أو يوم ثان، لا، نفس الوقت، بينما قال قبل قليل إني أنتظر أمر الله فيها، بل قال له على الرحب والسعة، يعني أن هذا هو أمر الله بالذات، ولهذا مثل بعض المحشين مثل الألباني وغيره من يقول هذا متنه منكر، لا يتحمل كيف أن النبي يرد آخرين ويقبل لعلي بهذه الطريقة، هذا لا نقبل متنه، صعب التحمل، لكن هذا هو الذي حصل، وأن الله عز وجل إنما كان يريد أن يتزوج النور من النور، وأن ينشأ ذلك البيت الذي سوف ينزل الله فيه عز وجل: ﴿...إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [ الأحزاب: 33] ملاحظة فقط قد تكون فيها إضاءة، هل أن هذا المبلغ كان قليلا وزهيدا، البعض يرى أن المهر هذا قليل، وأنه يستحب أن يكون مهر الفتاة من الناحية الدينية مهرا قليلا، ويستدلون بمثل هذا العدد (500) درهم، البعض الآخر يقول أما المهر الأصلي لفاطمة ليس هذا، مهر فاطمة عليها السلام شفاعتها لشيعتها، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، مهر فاطمة كما ورد في الروايات أنهار في هذا العالم تغذيه بالرواء والسقاية، لكن حتى هذا المقدار الذي يقال، هل هو قليل؟ قسم آخر يقول لا، لماذا؟ لأن قيمه المال إنما تقاس بحسب القيمة الشرائية له لا بحسب العدد، دينار مثلا قبل (50) سنة في النجف الأشرف، يصير شيئا كثيرا جدا لكن الآن لو تعطيه إلى طفل لا يقبل أن يحمله، لماذا؟ لأن قيمته الشرائية ذاك الوقت قيمة كبيرة، فتقاس الأموال بقيمتها الشرائية. يقول لك لما نأتي الآن (500) درهم، تساوي (50) دينارا، لأن الدينار (10) دراهم، ذاك الوقت ينقلون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى إلى عروة البارق دينارا على أساس أن يشتري شاتا له بدينار واحد، هذا عروة كان شاطرا ذهب واشترى بدل الواحدة بالدينار اشترى اثنتين، فدعا رسول الله له بأن تكون صفقته رابحة، فإذا المقدار المتعارف عادة أن شاتا تساوي دينارا واحدا، (50) دينارا يعني يساوي كم؟ (50) شاتا بحسب ذلك الزمان، احسب الآن، (50) شاتا كم تساوي بقيمتها الشرائية؟ ليس شيئا قليلا، فإذا حسبناها بعدد الدراهم والدنانير سيكون عدد قليل، وهذا يستفاد منه استحباب أن يكون مهر المرأة شيئا قليلا، لا يبالغ في المهور، ولكن إذا قسناه بحسب القيمة الشرائية سيتغير الموضوع، أنه لا هذا مقدار معتد به ومهم. فبني ذلك البيت بيت الزهراء عليها السلام على هذا الأساس، وفيه عجيب من التوجيهات منها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى أنما دون الباب لفاطمة عليها السلام، من العناية بالمنزل، ومن الترتيب فيه، ومن السقاية، وما شابه ذلك، وما بعد الباب هو لعلي بن أبي طالب عليه السلام، تقول فاطمة سلام الله عليها: (فلا يعلم إلا الله قدر سروري على أن كفاني رسول الله صلى الله عليه وآله مزاحمة الرجال هنا وهناك)، آتي بهذا، وأبعث بذاك، فنوع من التقسيم في هذه الأسرة بحيث يكون خارج المنزل لعلي ومن مسؤولياته، وداخل المنزل لفاطمة سلام الله عليها، نعم يبقى التعاون في كل الحالات هو سيد الموقف. هذا البيت صار عنوانا لكثير من التشريعات والآداب، وتنزل القرآن الكريم، سورة من السور ارتبطت بهذا البيت، وهي سورة (هل أتى) عندما جاء مسكين ويتيم وأسير إلى أهل هذا المنزل، ونزلت السورة في شأنه، وأهم من ذلك ما كان يشير رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسلمين بأن هذا البيت هو مصدر الطهارة، هو مصدر النزاهة، هو مصدر الفكر، هذا المنزل تعلقت به إرادة الله التكوينية وليست التشريعية، التكوينية في أن يكون من فيه طاهرا مطهرا بعيدا عن الرجس معصوما، وهذا في إشارة أنه إذا تريد تأخذ دينك خذ من هذا المكان. مارس رسول الله صلى الله عليه وآله الكثير من الممارسات التي توجه إلى هذا البيت، ترى بعض الأشياء يجب أن نفهمها في حجمها الواقعي، لما نقول سد الأبواب إلا بابه، هي القضية فقط قضية حتى يعبر من بيته إلى المسجد؟ لأنه المسجد لما بُنِيَ، بَنى المسلمون في ظهره وبلصقه بيوتهم، فكل واحد فتح بابا، وقت الصلاة يفتح الباب ويدخل إلى المسجد، فأمر رسول الله بأن تسد الأبواب جميعا بما فيها باب حمزة سيد الشهداء إلا باب أمير المؤمنين عليه السلام، حتى بعضهم زعل في هذا الأمر، فقال لست أنا الذي أمرت بسدها، إنما الله أمرني بذلك، أنت تتصور أن القضية فقط أقرب إلى الإمام علي بدل أن يخرج خارج بيته ويأتي إلى منزله؟ يوفر على نفسه خطوتين؟ لا، هذا فيه معنى أنه لا تأخذوا العلم الإلهي إلا من بابه، وبابه هو علي عليه السلام، مدينة العلم رسول الله وبابها علي، الباب الشارع على علم رسول الله هو باب علي عليه السلام، وهذا لا يرتبط بأحد آخر حتى لو كان عم النبي، عم النبي على العين والرأس، لكن العلم والهداية والوصاية والخلافة وغير ذلك هي عند علي بن أبي طالب، وكل شيء بحسابه. كذلك بالنسبة إلى هذا البيت: ﴿...إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [ الأحزاب: 33]، يقول ابن عباس (6) أشهر لما نزلت الآية المباركة كان رسول الله يأتي ويطرق الباب على بيت علي وفاطمة، ويقول: (السلام عليكم أهل هذا البيت)، ﴿...إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، تتصور أن الأمر فقط هكذا لو لا؟ فيه معاني أكثر، فيه معاني توقير أهل هذا البيت، الأخذ منهم، الالتجاء إليهم، الاحترام لهم، (6) أشهر، عجيب يعني (180) مرة، إذا كان في اليوم مرة واحدة، رسول الله يطرق عليهم الباب بل لم يكن رسول الله يدخل بيت فاطمة إلا بعد أن يطرق عليها الباب، ويستأذن، إذا جاء من غزو كان أول ما يبدأ يبدأ ببيت فاطمة قبل بيوت نسائه، ويستأذن عليها قبل أن يدخل، فتقول يا أبتاه يا رسول الله، البيت بيتك، وأنا ابنتك، وجاريتك، لا تحتاج إلى أن تستأذن، لا يوجد أحد غريب، وأنت رب البيت، وأنت والد أهل البيت، فلا تحتاج إلى استئذان، لكن حتى يعلم البشر بعده.
مرات العرض: 6832
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 119200.89 KB
تشغيل:

موقف الامام علي تجاه الهجوم على بيته
هكذا بيت فاطمة الزهراء