والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، صلى الله عليك يا رسول، وعلى ابن عمك أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، صلى الله عليك يا سيدتي ومولاتي يا فاطمة يا سيدة نساء العالمين، صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبدالله الحسين، ما خاب من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم، يا ليتنا كنا معكم، فنفوز فوزا عظيما، لكنما الأمر لله، لا حول ولا قوة إلا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} سورة الشعراء (227)، والعاقبة للمتقين، عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد.
من المواضيع التي تتمتع بمستوى كبير من الأهمية في قضية فاطمة الزهراء عليها السلام موضوع الهجوم على الدار، وما ترتب عليه من آثار، وهذا الموضوع يتناوله الفريقان شيعة أهل البيت عليهم السلام، يتناولونه باعتباره المظهر الأبرز للظلامة التي حصلت لبنت رسول الله صلى الله عليه وآله، والنتيجة الأشد سوادا المبكرة لإبعاد أمير المؤمنين عليه السلام عن الخلافة والإمامة، وأن هذه أول باكورة لتلك القضية التي هي إبعاد أمير المؤمنين وتسلط آخرين مكانه.
في نفس الوقت الطرف الآخر أيضا يركز على هذا الأمر بدوافع مختلفة يجمعها إنكار هذا الأمر، يجمعها إنكار حصول شيء من هذا القبيل بأي درجة من درجاته، وتتعدد الصياغات التي يقدمها الطرف الآخر للتشكيك في مثل هذا الأمر، نظرا للانفتاح الموجود في هذه الأزمنة بين الحدود الفكرية والثقافية فيتسرب إشكال من هنا، وجواب من هناك، وما شابه ذلك، ولهذا قد يجد الباحث نفسه مضطرا للإجابة على بعض هذه الأمور.
المدرسة الأخرى ولا سيما الفرع الطائفي منها يقدم هذا الكلام أنه أولا لا يمكن لأن يحدث هذا الأمر وهو الهجوم على بيت علي عليه السلام لأمرين، الأمر الأول: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يعرفون موقع فاطمة الزهراء، ويعرفون شأنها وجلالتها، فليس من المعقول أن يقدموا على عمل من هذا القبيل، ولو فرضنا أن أحدهم صنع ذلك باقي الصحابة وباقي المسلمين من الممكن أن يتصدوا له نظرا لأنهم يعرفون منزلة فاطمة، فإذن لا يمكن أن يحصل شيء من هذا القبيل أمام مرأى المسلمين الذين هم يعرفون منزلة الزهراء عليها السلام، هذا تقريب.
الأمر الثاني: وهو أشد وأشنع وعادة يركز عليه أنه علي بن أبي طالب شجاع وقوي، بل هو أشجع المسلمين، وفي نفس الوقت هو غيور، فكيف يتسنى لمن هو أشجع المسلمين أن ينظر إلى جماعة يدخلون إلى بيته، ويقومون بما يقومون، ويعتدون على زوجته، وهو جالس هكذا، واضع يده على خده؟ إما ألا يكون شجاعا أو ألا يكون غيورا أو أن هذا الحدث لم يحصل أصلا؟ والتركيز هو على هذا القسم الثاني غالبا.
سوف نحاول أن نتعرض بشكل سريع إلى القسم الأول، ثم نعطف الحديث على القسم الثاني، أما القسم الأول فمع أن بحثه بحث طويل جدا، ومهم جدا، وربما يحتاج إلى حديث خاص فيه، ولكن مجرد إشارة، قسم من الناس يتصورون أن الأحداث تجري على أساس الأفراد فقط، فلان إنسان أعجبه أن يحصل شيئا ولذلك قام به، لكن كثيرا من الأمور التي حصلت في تاريخ المسلمين كان يحركها منطق الدولة التي تتحرك ضمن قواعد معينة قد تتأثر بالأفراد وقد لا تتأثر.
في هذا المنطق الحاكمون عادة من الأمويين والعباسيين ونظرائهم يعملون تسلسلا، يقولون لك الإسلام الآن يتوقف على هذا الحكم، على حكم بني أمية، بقاء الدولة يتوقف على هذا، لبقاء الدولة لابد أن نقتل الحسين بن علي، فلنقتل الحسين بن علي، لماذا؟ صحيح هذا؟ هذا ابن رسول الله؟ كذا كذا، لكن الدولة الإسلامية، الإسلام وبقاء الدين يعتمد على أن نقضي على هذا المتمرد، نقضي عليه، هذا في كثير من الموارد جاء بالصراحة، قال أحد أصحاب رسول الله لفاطمة عليها السلام لما خاطبتهم في أمر التحريش على دارها قال: (إن هذا أقوى فيما جاء به أبوك)، يعني حتى يبقى الدين الذي جاء به أبوك ويصمد ويثبت يجب أن نعمل هذا العمل، يجب أن يأتي علي بن أبي طالب ويبايع بالقوة أو بالرضا، لأن القضية ذاك الوقت بقاء الإسلام يعتمد على ماذا؟ على أن يبايع علي بن أبي طالب راغبا أو راغما، يأتي أو نحن ندخل باب بيته ونجره جرا، إذا لم يحدث، قال: فإن لم أفعل؟ بايع، قال: لا أبايع، قال: بل تبايع، قال: فإن لم أفعل، قال: تقتل، تقتل هكذا بكل سهولة، قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله؟ قالوا: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا.
المهم أن يثبت هذا النظام الذي جاءت به السقيفة بأي قيمة، بقتل علي؟ فليقتل، لا توجد مشكلة، بقتل سعد بن عبادة سيد الخزرج؟ والخزرج أكبر قوة في الأنصار لمجرد أنه قال منا أمير ومنكم أمير، نتقاسم الموضوع، فنادى المنادي (طؤوه بأقدامكم)، دوسوه، وبعد ذلك لما خرج من المدينة وذهب إلى الشام، ذهبوا وراءه واغتالوه في الليل بالسهام، وأخرجوا حكاية أن الجن قتلت سعد بن عبادة، وأنشؤوا على لسان أحد الجن.
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة.... ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده.
تذهب إلى الشام، ما لم تبايع تُقتل، أنت سيد الخزرج، نصف المدينة بل أكثر من نصف المدينة بيدك، لكن يجب أن تبايع، هذا منطق الدولة، هذه الحكومة، هذه البيعة، هذه السقيفة يجب أن تتم بأي ثمن من الأثمان، وهذا ضمن المقدمات التي ذكرناها (أن هذا أقوى فيما جاء به أبوك)، يعني بقاء الإسلام وتقوية الدين تستلزم أن يؤتى بعلي بأي ثمن لكي يبايع، لا يوجد فيها مجال، إذا نهض، الزبير يشهر سيفه، نجرده من السيف، ونكسر سيفه، ونهدده بضرب بسيفه.
هذه الفكرة فكرة أنه كيف يمكن لأصحاب النبي وهم يعرفون منزلة الزهراء أن يقوموا بهذا الأمر، لا، هذه تتجاوز قضية أن القسم الحاكم والفئة المسيطرة تعمل ترتيبا، تقول الإسلام الآن ممثل بالسقيفة، ممثل بالخليفة، بقاء الدين هو هكذا، رسول الله عمل كل هذه الأشياء حتى هذا يبقى، أي شخص يخالف هذا معناه أنه يخالف رسول الله، إذا يخالف رسول الله يقتل، وهذا إلى وقت متأخر عندهم، (الحسين قُتل بسيف جده)، فإذن هذه أول فكرة.
قلت إن هذا حديث مفصل، يعني كيف أن تاريخيا في بلاد المسلمين تم تصوير أن أمر خلافة السقيفة هي التي يعتمد عليها الإسلام، وبقاء الإسلام بقاؤها، وإذا شخص عارض هذه الخلافة يعني عارض الإسلام يعني يُقتل، وقد تطبق هذا، هذا نصف ما سمي بحركة المرتدين على هذا الأساس، فعلا كانت هناك جماعة مرتدون تبع مصالح وكذا، لكن قسم آخر قالوا لقد أخبرنا رسول الله بأن الخليفة من بعده علي بن أبي طالب، ونحن مأمورون أن نسلم زكواتنا إليه، لا يجوز أن تسلم زكواتك إليه، بل يجب أن تسلمها إلى هذه الخلافة، وإلا تقاتل وتقتل، وفي نفس الليلة أيضا تسبى نساؤك.
فأول فكرة هي أنه كيف يمكن لأصحاب رسول الله أو للمسلمين في ذلك الوقت أن يقوموا بهذا الأمر في موضوع فاطمة الزهراء، الأمر طبيعي جدا، حتى لو ما فرضنا الدوافع الشخصية، وهي موجودة، يعني هؤلاء صحيح أصحاب رسول الله، لكن نحن والرأي الصحيح لا يعتقد بعدالة جميع أصحاب رسول، هناك فيهم عدول، وهناك فيهم خونة، وهناك فيهم مقصرون، وهناك فيهم انتهازيون و و إلى آخره، حتى لو هذه الفكرة نأتي بها، نفس فكرة أن الدولة والسقيفة والخلافة والحكومة هي يعني الإسلام، وأن أي شخص يعارضها يعني أنه يعارض الإسلام، وما جاء به رسول الله، فإذن لا قيمة لهذا المعارض ولو كان أخا رسول الله، ولو كان هو الذي شاد الإسلام بسيفه، ليست له قيمة في ذلك الوقت، ولو كان سيد الأنصار، أقوى قوة اجتماعية، كل هؤلاء يضربون في مقابل بقاء الخلافة والقيادة والحكومة القائمة، فيحدث هجوم على بيت الزهراء أو تهديد بالإحراق أو كذا، هذا بعد أمر جدا بسيط وعادي إذا وصل الأمر إلى القتل، وأن يهدد علي بن أبي طالب بالقتل، والذي قال كان جادا في هذا الأمر، هذا بالنسبة إلى القسم الأول.
القسم الثاني والذي عادة كما قلت يصير التركيز عليه، والذي يستفز فيه الإنسان الشيعي المؤمن، علي بن أبي طالب شجاع لو لا؟ غيور لو لا؟ إن كان شجاعا وغيورا فلا بد أن يرد الهجوم على بيته وإلا ليس شجاعا، وليس غيورا، لأن أي إنسان، حتى لو لم يكن شجاعا ولم يكن غيورا سينهض ويدافع عن بيته، فكيف بعلي بن أبي طالب؟ إما تقولون هذا علي بن أبي طالب ليس شجاعا، ولا غيورا، وإما تقولون هذا الكلام كله كلام غير صحيح.
أولا نحن نعتقد أن الذي يطرح السؤال والإشكال بهذه الطريقة ليس مهما عنده أن يقال حتى علي بن أبي طالب ليس شجاعا بل هو جبان، وليس غيورا بل هو أسوأ الناس غيرة، وليس إنسانا يعادل غيره، هذا يصرحون به، صاحب كتاب منهاج السنة المحمدية يصرح بهذا القول، ويقول أن علي بن أبي طالب أخطأ في (17) موضعا، وخالف القرآن فيها، وهذا يعبر عن تنظير إلى فئة كبيرة من الناس، يقول علي بن أبي طالب ما قاتل من أجل الديانة، وإنما قاتل من أجل الرئاسة، ليس رجلا مبدئيا حتى يقاتل وكذا وكذا، ثم أنه لا يختلف عن غيره، غيره أعلم منه، وغيره أشجع منه، وغيره قبله، وغيره في الفضل أحسن منه، وو إلى آخره.
فبالنسبة إلى تلامذة هذه الفئة وهذه الجماعة لا توجد عنده مشكلة أن يقال علي بن أبي طالب ليس شجاعا، وليس غيورا، وليس عالما، وليس فاهما، ولم يسبق إلى الإسلام أصلا، لأنه كما زعم قال إن علي بن أبي طالب أسلم وهو صغير لا يعقل ما يقول، غيره أسلم وهو كبير وفاهم وإلى آخره، يجب أن تقول لرسول الله، أنت يا رسول الله الذي تعلم عن هذا كيف دعوت علي بن أبي طالب للإسلام وجعلته في يوم الإنذار ويوم الدار إن هذا أخي ووصيي ووارثي وخليفتي وعمره (10) سنوات، أيكم المخطئ في ذاك الوقت؟ فقط مثال هؤلاء طبعا ليست عندهم مشكلة أن تختار أي اختيار، اخترت أن علي بن أبي طالب جبان، أهلا وسهلا، اخترت غير غيور، أيضا أهلا وسهلا، غير عالم، أيضا أهلا وسهلا، لأنه لا يشعر بأي نحو من أنحاء الانتماء أو الاحترام لعلي بن أبي طالب.
أما الجواب على هذا، ففي عدة مراحل، المرحلة الأولى سؤالهم هكذا، علي بن أبي طالب إما أن يكون شجاعا وغيورا أو لا؟ فإن كان كذلك فكيف لم يرد على من تحداه واقتحم بيته؟ إذا رد معنى ذلك أن هذا الكلام كلام غير صحيح، ننقض عليهم هذا السؤال، الله سبحانه وتعالى قادر أو عاجز؟ لا شك أنه قادر، وليس بعاجز، الله صادق والعياذ بالله أو كاذب؟ لا شك أنه صادق، إذن هذا الذي يقول: ﴿۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾
[ الحج: 38]، قرآنا يخبر الله سبحانه وتعالى عن أنه مدافع عن الذين آمنوا، وعن الأنبياء، وعنده قدرة على ذلك، وغير عاجز عن ذلك، كم من آلاف الأنبياء قتلوا، ونشروا بالمناشير، وأحرقوا بالنيران؟ كم من عشرات الآلاف ومئات الآلاف من المؤمنين المخلصين بالله عز وجل، قد قتلوا وأحرقوا وعذبوا وأوذوا؟ أين: ﴿۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾
[الحج: 38]، لم يدافع، الله لم يدافع عن هؤلاء، هل دافع عن أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يوضعون في وسط الأشجار وينشرون؟ كلا، هل دافع عن سائر الأنبياء الذين قتلوا وَغُلي بعضهم بالزيت؟ لم يدافع، هل الله قادر على ذلك؟ نعم قادر، لماذا لم يصنع؟ نفس الكلام إما الله قادر أو عاجز، إما الله بصير أو غير بصير، لا يرى ما يحدث؟ إذا كان كذلك كيف وقد أكد وحتَّم ووعد: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)، وإلى اليوم نحن نجد المؤمنين في مختلف أنحاء الأرض يعذبون ويؤذون ويقصفون ويقتلون ويشردون وغير ذلك، أين: ﴿۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: 38]؟ إذا كان يدافع بسم الله، دعنا نرى، لا يوجد دفاع، هذا نقض.
النقض الآخر، أنزل من الباري سبحانه وتعالى إلى ما يرتبط بسيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، لا شك أن رسول الله أقوى وأشجع وأعظم من علي بن أبي طالب، هذه عقيدتنا، بل عقيدة المسلمين جميعا، وما كان عند علي عليه السلام إنما هو شمة من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو القائل: (وكنا إذا اشتد القتال، واحمر البأس لذنا برسول الله صلى الله عليه وآله)، نحن نذهب ونحتمي بالرسول.
رسول الله أشجع خلق الله عز وجل وأقواهم في زمانه، يمر على المسلمين، ياسر وزوجته سمية وابنهما عمار، ويراهم يعذبون ذلك العذاب الشديد الشنيع إلى حد أن زوجة ياسر أم عمار طعنت في قلبها بالحربة، بعدما مددت، غير تكشفها، هكذا حصل، رسول الله الذي عنده القوة الذاتية والشجاعة والقدرة، وعنده مدد من الله عز وجل، وعنده الولاية التكوينية التي لو أراد أن يقلب عاليها سافلها لفعل، أقصى ما يستطيع أن يمر، ويقول: (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، هذا هو، ما هو (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)؟ ماذا تفيدهم هذه؟ ماذا تصنع بهم؟ يرى لو ما يرى؟ يرى، عنده قدرة لو لم تكن عنده القدرة؟ عنده قدرة، شجاع لو غير شجاع؟ شجاع، ولكن كالكلام في خالقه، وكالكلام الذي سيأتي في علي، ليس المدار على القوه فقط، وإنما المدار بالإضافة إلى القوة، على الحكمة، متى؟ على الحكم الشرعي، وعلى الحكمة العملية، متى ما جاء الأمر الشرعي: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾
[الحج: 39]، جاء أمر شرعي يجوز المواجهة وآنئذ تصير معركة بدر وأحد، والنبي هو يبدأ ولا يدافع، يسمع بقافلة قادمة من تلك الجهة وهو يذهب ليتحرش فيها، لماذا؟ لوجود أمر شرعي وحكم شرعي، ولوجود حكمة عملية.
الله سبحانه وتعالى أيضا في بعض الموارد يفعل: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ [الشمس: 14]، وفي بعض الموارد، لا، يترك الموضوع هكذا، ويأكلها المؤمنون موعودين بالجنة وموعودين بالنعيم الأخروي.
متى جاء الحكم الشرعي؟ متى كانت الحكمة العملية تقتضي ذلك؟ آنئذ يستطيع النبي أو الوصي أن يتأخر؟ بعد ذاك الوقت ليس قراره هو، ليس بكيفه أو بمزاجه، لا، هنا حكم شرعي لابد أن ينهض للقتال، إذا كان في قتال، ينهض للدفاع إذا كان فيه دفاع، يذهب وراء المصالحة إذا كانت مصالحة، هذا الحكم الشرعي، إذا لم يأت؟ الحكم الشرعي مقيد بهذا الأمر.
أمير المؤمنين عليه السلام القضية لم تكن القضية أن يقاتل هو، وإنما القضية أنه هل هناك حكم شرعي يترتب عليه نصرة الإسلام عندما ينهض بهذا النهوض أو لا؟ هل هناك حكمة عملية تقتضي أن يتحرك الإمام بهذا الاتجاه أو لا؟ إذا كانت حكمة عملية، إذا كان هناك حكم شرعي، أهلا وسهلا، أمير المؤمنين عليه السلام لا يتأخر عنه، إذا لم يكن فيجب أن ينتظر (25) سنة، (25) سنة، من سنة (11) هجرية إلى سنة (35) هجرية، ذاك الوقت ينتظر ويعالج الأمور قدر الإمكان بما تقتضيه حاجة الدين وبقاء الإسلام، وهو قال أيضا: فخفت إذا أنهض هذا النهوض المباشر وأتحرك باتجاه المواجهة العسكرية اللامحدودة والذي الطرف الآخر ما كانت عنده مشكلة فيها، لم تكن عنده مشكلة فيها، والقضية في مثل الأمور لا تنتهي فقط بالشجاعة، الإمام الحسين عليه السلام هو ابن أبيه في شجاعته، لكن الخلافة والحكومة جهزت له (30) ألف شخص، وذهب شهيدا.
أكثر من هذا، أمير المؤمنين كما في بعض الروايات رد الهجوم بشكل محدود، في كتاب سليم بن قيس الهلالي، والكتاب سبق أن تحدثنا عنه في شهر رمضان، هل هو معتبر اعتبارا نهائيا أو أنه ساقط سقوطا نهائيا أو أنه في غير محل اعتبار، والرأي المتوسط السليم هو أن يؤخذ منه كل خبر على حده، ثم يُنظر إلى القرائن التاريخية، يُنظر إلى الروايات الأخر، فإن كانت معاضدة لأخبار هذا الكتاب، عُمل بها بهذا المقدار، وإذا لا، الأخبار والقرائن تخالفه، يصير حاله حال سائر الكتب التي هذا الخبر منها خبر غير موثق.
في بعض هذه الأخبار التي جاءت أن أمير المؤمنين عليه السلام نهض وأخذ برجل من الكبار الذين هجموا على بيت الزهراء، ورفعه ورض به الأرض، وقال: (يا ابن أبي فلان لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله لعلمت إنك لا تدخل بيتي)، أنا عندي قوة، عندي قدرة، لكن هذه القوة، وهذه القدرة محكومة بالحكم الشرعي الذي ينهاني عن القتال، أنت تريد أن تجرني إلى قتال ينتهي إلى أن الإسلام كله يتهدد، أنا محكوم بهذا، لا أستطيع، أنا لا أستطيع أن أذهب في المعركة إلى النهاية التي أنت تريدها، بهذا المقدار هذا الذي قام إليه وجلد به الأرض، وقال السبب هو هذا: (لولا كتاب من الله سبق)، وفي ذلك إشارة إلى توصيات رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الجانب.
فأمير المؤمنين سلام الله عليه أولا بحسب هذه الرواية رد شيئا مختصرا بحيث لا يجر الأمر إلى القتال، الأمر الآخر كما ذكرنا، أن قوه علي وشجاعة علي عليه السلام هي محكومة بالحكم الشرعي، وبالأوامر الإلهية، لا بالغضبة الذاتية، أنا بعد استحمقت وأخذتني الغيرة وشلت كل شيء وحطمت الذي أمامي، ليس كذلك، بالرغم من أن هذا جدا صعب على الإنسان المؤمن، ولا سيما مثل أمير المؤمنين عليه السلام.
أمير المؤمنين يؤرخ هذا في رده على رسالة معاوية بن أبي سفيان، معاوية فيما بعد أرسل إلى علي بن أبي طالب رسالة أيام مناكفة معاوية لعلي عليه السلام، قال له: (وأعهدك تأخذ جليسة دارك تمر بها على بيوت المهاجرين والأنصار تستنصرهم على أصحاب رسول الله؟) يعني أنت شايل زوجتك وتذهب من هنا وهناك وهي تخطب فيهم وتتكلم وإلى آخره؟، فأمير المؤمنين عليه السلام قال له: (وما على المؤمن من غضاضة أن يكون مظلوما في ذات الله، ولعمري لقد أردت أن تذم فمدحت، وأردت أن تفضح فافتضحت)، نعم أنا فعلت هذا الشيء، لأنه كان هو الأمر المتاح بالنسبة إلى أمير المؤمنين بعدما أغلق باب المواجهة العسكرية الصارخة والصاخبة، لكن لابد من بيان موقف الإمام، ولابد من تحشيد الرأي العام بهذا المقدار لا يمتنع منه.
نتلخص من هذا الكلام إلى أن ما يقوله البعض من تشويش يقصد به كما قلت هو بالنسبة لهم أمير المؤمنين عليه السلام لا يعد في حقيقة هؤلاء حتى من الخلفاء الأربعة، هذا غريب ها؟! أول من ربَّع رسميا بالخلافة بحسب اعترافاتهم كان أحمد بن حنبل الشيباني، الإمام أحمد إمام المذهب الحنبلي، متى؟ سنة (241) هجرية، بعد قرنين ونصف من الزمان من وفاة رسول الله، الاتجاه الرسمي في ذاك لم يكن يرى عليا الخليفة الرابع، هذا مذكور عندهم، راجعوا ابن عساكر وغيره، في الشام يقال لك لم يكونوا يربعون بعلي، يحسبون خلفاء رسول الله (3) فقط.
وأما في قضية التفضيل، التفضيل الذي يفترض أن عليا هو أفضل الخلق بعد رسول الله كما هو الحق وعليه مذهب أهل البيت، المفروض أن القسم الثاني يقول لا، التفضيل هو بحسب الخلافة، يعني علي بن أبي طالب رقم (4)، لأنه في الخلافة رقم (4)، لكن هناك تيارا عريضا من كبار أتباع تلك المدرسة يقول هكذا، كنا نفاضل بين الناس أيام أبي بكر وعمر، ثم لا نفاضل بعد ذلك بين أحد، الناس كلهم سواسية، علي بن أبي طالب حاله حال سائر أصحاب رسول الله، حاله حال مروان بن الحكم، وحال هذا، وحال وذاك.
فمثل هؤلاء عندما يأتون ويعترضون على قضية الهجوم على الدار، ويشكلون لك مجموعة من المقدمات وكذا وكذا، الأمر بالنسبة لهم سيان لأنه علي بن أبي طالب كما ذكرنا يعبر عنه، بأنه أخطأ في (17) موضعا، وأنه لم يكن أعلم من غيره، ولم يكن أشجع من غيره، ولم ولم إلى آخره، والغرض هو هذا الانتصار في اللجاج المذهبي والحجاج المذهبي الطائفي ليس أكثر، والحق حق هو ما ذكرناه من أن عليا عليه السلام كرسول الله، كالباري سبحانه وتعالى لا يتحرك هؤلاء ضمن معادلات القوة فقط والقدرة والشجاعة، وإنما يتم التحرك ضمن إطار هذه، بالإضافة إلى جهة الحكمة والحكم الشرعي.
والإمام أمير المؤمنين عليه السلام تحرك ضمن هذا الإطار، وحصل ما حصل من الهجوم على الدار، والذي كانت فاتحة حقيقة، أنت إذا تريد أن تعرف ماذا جرى في البداية، يكفيك أن تعرف ما جرى في النهاية على الحسين عليه السلام، أنت تصور أن الحسين بن علي بن أبي طالب، كل صحابة رسول الله رأوه معززا مكرما عند النبي صلى الله عليه وآله، يحمله على كتفه وعلى عنقه، إلى آخره، وهو يوم عاشوراء أيضا يقول لهم أنا ابن رسول الله، هذا ثوب رسول الله، هذه دابة رسول الله، مع ذلك أنت ترى أنهم قتلوا الإمام الحسين بهذا النحو الفجيع، ما من أولئك إلا من كان من الصحابة أو كان من التابعين وأبناء الصحابة، والذين عندهم معرفة برسول الله، ومعرفة بالإمام الحسين عليه السلام، فما الذي يستنكر إذا صنعوا بالحسين هذا الأمر أن يصنعوا بالزهراء عليها السلام بذلك الأمر، خصوصا إذا صار ترتيب القضية على أساس أن هذه خلافة وحكومة وقيادة وإمامة، وبقاء الإسلام مرتبط فيها، وأي واحد يقصر في الخلافة وفي البيعة هذا متآمر وإلى آخره، فكان ذاك نتيجة هذا.