هكذا بيت فاطمة الزهراء
التاريخ: 23/2/1447 هـ
تعريف:

هكذا بيت فاطمة عليها السلام

كتابة الفاضل علي السعيد

(...لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سِرّاً وَعَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا، ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكَ‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَزَائِرَتِكَ وَالْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ، وَالْمُخْتَارِ اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللِّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي، بَلَى وَفِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ، وأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَالْغَبْرَاءَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ، وَ هَمٌّ مُهَيِّجٌ ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا، وَ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو، وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا، وَسَتَقُولُ وَ يَحْكُمُ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ...). بالرغم من أن جو المصيبة الفاجعة التي تجعل حزن أمير المؤمنين سرمدا، وتجعل ليله سهرانا مسهدا، وهو آية الله الكبرى في الصبر والتجلد، فإذا كان حال أمير المؤمنين عليه السلام هو بهذه الصورة فيما يرتبط بذكرى مصيبة فاطمة الزهراء عليها السلام، فما ظنك بنا نحن الضعفاء الذين لا صبر لنا كصبره، ولا تجلد كتجلده، إلا أنه لابد من ذلك لكي نلقي شيئا من الضوء على سيرة هذه السيدة الطاهرة المعصومة، وهو يشكل القسم الثاني من سيرتها، وقد بدأنا في ليلة مضت عن بعض سيرتها، من ولادتها إلى قدومها إلى بيت الزوجية، عندما اختار الله لها عليا أمير المؤمنين كفوا، ولم يكن لها، ولا يكون لها كفو أبدا غير أمير المؤمنين عليه السلام. نشير إلى بعض ما يرتبط بسيرتها تعرفا عليها، ومحاولة في الاقتداء، فاطمة في بيت هو ذلك الذي وُصِف بأنه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [النور: 36]، تتحمل مسؤولية هذا البيت، فتنجب في السنة الثالثة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله ابنها البكر الحسن سلام الله عليه، وفي السنة الرابعة ابنها البكر الإمام الحسين عليه السلام، وبعدها بسنتين تنجب زينب التي عرفت بالكبرى عليها السلام، ثم أم كلثوم عليها السلام، ولكي يختم إنجابها بمحسنها الذي أُسقط عنوة في السنة الحادية عشرة في الأحداث التي حصلت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله. أولا عندما ننظر إلى هذه المسألة أن امرأة تبدأ من عمر (11) سنة، فتنجب لأمير المؤمنين عليه السلام بشكل متتابع، وشبه متتابع أبناء وأسباط رسول الله صلى الله عليه وآله، مع صعوبة الحياة التي عاشتها وعاشها أمير المؤمنين، خصوصا في الفترة الأولى من زواجهما، كانت إلى ما قبل إعطاء النبي فاطمة فدكا، إلى ذلك الوقت كان وضع الحياة العام في بيت أمير المؤمنين عليه السلام كان وضعا ضيقا، وتعلمون عادة أن الضيق والفقر وقلة ذات اليد إن لم يكن يعامل بما ينبغي من الإيمان بالله، وحسن الظن به، والأخلاق الحسنة بين الزوجين من الممكن أن يكون هذا الضيق، وهذا الفقر منشأ للمشاكل، ومنشأ للمناكفات. الزوجة تتطلب متطلبات، والزوج لا يستطيع، أو العكس في هذه الحالة، أمامنا أحد طريقين، إما أن تتشنج العلاقة، فتصر المرأة الزوجة على أن تحصل على ما تريد ولو كان من الكماليات، ولو بأن يضطر زوجها إلى أن يذهب ويقترض، لِما لا تقترض؟ وهي أمور كمالية، لأنها مثلا تريد أن تعيش في مستوى معين من الرفاه والكماليات، والزوج في هذه الحالة، قسم من الأزواج أما أن يقدم حالة الوفاق فيذهب ويقيد نفسه بالقروض والديون من أجل أن يصنع متعة إضافية تصر عليها الزوجة أو أنه يرفض ذلك، وتبدأ المشاكل وقضية الطلاق، وأذهب إلى بيت أهلي، وأنت لم تعطني، وهو يقول لها أنت كذا وكذا، ومع السلامة، هذا من الأسباب التي جعلت الطلاق في بلادنا كما تقول الأخبار الرسمية في كل (7) دقائق توجد هناك حادثة طلاق، كل (7) دقائق، ليست (7) أيام ولا (7) أشهر، ولا (7) ساعات، كل (7) دقائق، يعني تقريبا في الساعة الواحدة قريب من (10) طلاقات، لماذا؟ أسباب متعددة، ولكن قلة الصبر من جهة، وكثرة التوقعات من جهة، والإصرار على ما لا ينبغي الإصرار عليه من جهة ثالثة، واستخدام الكلمة العنيفة قبل الكلمة الهادئة والبسيطة، هي وأمثالها هي التي تنتهي إلى فساد وخراب العلاقات الزوجية، ولذلك في بعض هذه المجتمعات أحيانا يحدث قبل أن يخرجوا صور ليلة الزفاف، قبل ما تخرج الصور هم ذاهبون وراء موضوع الطلاق! في المقابل عندما نقتدي بهذه الذوات المقدسة، ونرى كيف عاشوا حياتهم مع أنهم من الناحية الغيبية يستطيعون أن يعيشوا في أعلى الدرجات، نحن نعتقد أن عليا مستجاب الدعوة، وأن رسول الله قبله كذلك، وأن فاطمة الزهراء عليها السلام كذلك، ولو دعوا الله سبحانه وتعالى أن يخرجهم مما هم فيه من الصعوبة لكان حريا بالباري سبحانه وتعالى أن يستجيب لهم، ولكن أنت تجد أثاث فاطمة الزهراء عليها السلام جلد كبش، ينامان عليه في الليل ويبسطانه في النهار، هذه غرفة النوم جلد كبش، ينامان عليه ليلا ويبسطانه نهارا. وأما الكلام الحسن والكلام الطيب، وهو الذي يرطب الحياة، ترى لو امتلك الإنسان الأموال كلها، ولكن لم يمتلك اللسان الحسن هذا يصنع النكد لمن حوله، دعها تمتلك من الجمال إلى ما شاء الله، ودعه يمتلك الأموال إلى ما شاء الله، لكن لا يستطيع أن يتكلم كلاما حسنا، لا يُصَبِّر في موقع الشدة، ولا يُشَجِّع في موقع الحاجة إلى التشجيع، ولا يُثني في موقع الثناء، وهو لا يكلف الإنسان شيئا، أنا عندما أكلم زوجتي بكلام طيب، وهو صدقة من الصدقات، الناس تذهب هنا وهنا يبحثون ويجمعون الأموال حتى يتصدقون، الصدقة في بيتك، الكلمة الطيبة صدقة، هذه أنت تتركها وتذهب كيف تحصل على الأموال حتى يوم الجمعة تعطيها أحدا؟! يا أخي هذا أقرب إليك، ولا يخسرك شيئا، كلمة لسانك تحركه بما علمك الله سبحانه وتعالى، بدعاء بارك الله فيكِ، أو هي تقول بارك الله فيك، أو هي تمدحه، أو هو يمدحها، أو إذا حدثت مشكلة يتغاضى عنها، عفى الله عما سلف. هذا كله بإمكاننا أن نتعلمه من هذا البيت الذي ﴿...أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ...﴾، ترفع لما فيه، لما يحتويه من الداخل، يقول أمير المؤمنين عليه السلام لشخص من بني أسد، متى؟ بعد أن تولى الخلافة الظاهرية، يعني مر على هذه الحادثة (24) سنة أو نحو ذلك، قال يا أخا أسد أحدثك عني وعن فاطمة، (فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عَصَت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان)، أنت لا تتصور أن هذا كله أمور غيبية قد يفكر بعض الناس فيها، لا، هذه فاطمة الزهراء معصومة، وقبل كم ليلة تكلمنا عن خلقتها، وكذا، هذا موجود، ولكن أيضا كانت هناك الكلمة الطيبة، وكانت هناك العشرة الحسنة، وكان هناك الصبر على الصعوبة، وتحدي الشدة. اليوم إذا امرأة بالنسبة لها، بعض النساء الإنجاب بالنسبة لهن مشكلة عويصة، والزهراء عليها السلام في السنة الأولى أنجبت الحسن عليه السلام، في الثانية الحسين عليه السلام، بعد سنتين على الأكثر أنجبت زينب الكبرى عليها السلام، يعني خلال (4) سنوات هي ذات (3) من الوُلد بنين وبنات، وكل ابن يحتاج إلى نمط من الرعاية، هذا الصغير يحتاج إلى إرضاع، وذاك الأكبر منه يحتاج إلى مداراة، وهكذا، نحن اليوم إذا أنجبت الواحدة في بعض الحالات مولودا تحتاج له إلى شغالتين وغير ذلك وحضانة واصعد وانزل، ومع ذلك دائما تشكو أنها متعبة، ولا أستطيع وما أقدر، هذا البعض، الحمد لله قسم كبير من المؤمنات لسن كذلك، يتحملن، يصبرن، يربين، يؤدبن، يهذبن، جزاهن الله خير الجزاء. وهنا لابد أن أشير إلى نقطة بأن هذه الفكرة التي تحدث حاليا عند قسم من الناس، وهي ثقافة وافدة خاطئة، أنه أنا جئت أتزوج حتى أجلس في البيت؟ ليس عملي أن أجلس في البيت، عملي أصب كوفي إلى فلان وإلى فلتان من الأجانب؟ وأعمل طبخا إلى فلان وفلتانة من غير ذلك؟ وأخدم غيري بينما أستنكر وأستنكف على نفسي أن أقوم بدوري الطبيعي في داخل أسرتي وبيتي وأولادي؟ يعني العجيب أنه تغيرت المعادلة إلى درجة أن امرأة تذهب وتشتغل، دعها تشتغل، ولكن لا تتصور امرأة أن كونها في داخل بيتها ورعاية أسرتها وتربيتها وبناء هذا المنزل وما يحتاج إليه، لا تتصور أن هذا الشيء أهون من غيره، هذا أعظم شيء، هذا أفضل شيء، قصارى ما سيصنع هناك أنه ستحصل على زيادة في الأموال، ولذلك لا تجد امرأة تخدم في الخارج من دون أموال وتذهب تحارج عليها وتزيد وتنقص، فالغاية في كثير من الأحيان مبالغ مالية، هذه أين؟ وهذه الأم التي تحرص ليل نهار على رعاية أبنائها وبناتها وزوجها وأسرتها، وتحافظ على هذا البيت حتى لا يعتريه الخلل؟ هذا عند الله أعظم بمئات المرات من سائر الخدمات المختلفة الأخرى. أن تربي، أن تعتني، أن تحافظ على بيتها وزوجها وأسرتها، هذا هو الدور الأساس، مثلما أن الرجل أيضا ينبغي أن يقوم بهذا الدور فيضحي بأشياء أخرى من أجل حماية هذه الأسرة وتربية هؤلاء الأولاد، لا يكون شخص يقول لا أنا إذا ذهبت إلى مكان أغيب مثلا شهرا عن أهلي سيزيد راتبي (1000) ريال و(2000) ريال، طيب أهلك يضيعون، من الذي يربي؟ من الذي يعتني؟ من الذي يلاحظ؟ من الذي يحافظ؟ ماذا ينفعك أن تحصل على (10) أو (20) أو أكثر من ذلك من الأموال؟ ولكن ابنتك تشعر بالحرمان العاطفي، وغدا يغريها بعضهم بكلمتين أو ثلاث وتنحرف؟ من يربي ابنك؟ من يربي ابنتك؟ من الذي يعتني بأهلك؟ نحن نلاحظ تحديات الحاضر إلى درجة أن الإنسان على رأس بيته ملاحظا وناظرا ومربيا ومتابعا، ومع ذلك هذه التحديات قد تغلبنا، آتي وأقوم على أساس أن أترك أهلي بالأسابيع أو بالأشهر من أجل أن أحصل على مقدار معين من الأموال الإضافية؟ هذا لا ينبغي أن يكون، لا أريد أن أقول أن كل الحالات هي هكذا، ولكن أقول ينبغي تغيير النمط، تغيير الثقافة، الاهتمام بالأسرة رأس كل شيء، تربية الأبناء قبل كل شيء، الحفاظ على هذا البيت واستقراره، والبقاء في هذا البيت توجيها ونظارة، وغير ذلك قبل كل شيء، لا يسوى مال أن يضيع على أثره ابن من أبنائي أو بنت من بناتي، أو أن أسرتي بعد مدة من الزمان تهدد بأن هذا البيت ينهدم، والأسرة تتبخر. عندما نجد بيت الزهراء عليها السلام تصبر على ما كان، تتعاون مع زوجها، بعض اللفتات عندما تأتي في حياة الصديقة الزهراء عليها السلام، جاء علي عليه السلام ذات يوم فوجد أنه لا يوجد في البيت طعاما، علي أمامه أحد طريقين، يذهب إلى رسول الله، يقول له يا رسول الله أنا ابن عمك، وأنا سويت وعملت وكذا من أجل الإسلام، فأعطني أموالا وساعدني، هذا طريق سهل ويسير، أو لا، هو مع زوجته لا يستفيد من كونه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يستثمر أنه أنا قتلت فلانا وفلانا وإلى آخره في سبيل الإسلام، إذن يجب أن يعطوني في مقابل ذلك، فقال لها يا فاطمة عندك شيء، قالت لا، فقال لها أنا أذهب إلى شمعون. اليهود كانوا في المدينة هم الذين بيدهم رؤوس الأموال، وكان عندهم الصوف يشترونه بأثمان معينة ثم يصنعونه في شكل ثياب وملابس ويبيعونه بأثمان أغلى، فقال لها يا فاطمة أنا أذهب له، وأنت أيضا حيكي هذا الصوف، وأنا أذهب أبيعه ثم تطبخين شيئا، وبالفعل هكذا الذي حدث، يستطيع الإمام علي عليه السلام أن يتوسل بطرق أخرى، تقدر الزهراء لو كانت مثل بعض الناس، كيف هذا الوضع؟ ما هي القضية؟ لا يجوز ذلك، أنا كذا وكذا، أذهب إلى بيتي، أشحن شنطتي وأخرج، لا، لابد أن تقف مع زوجها في مثل هذا الأمر ويتعاونان، بالفعل هكذا إلى أن فتح الله عليهما، فأصبحا يتصدقان مما كان قد وهب رسول الله فدكا لفاطمة، لما نزلت آية: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: 26]، الرسول صلى الله عليه وآله أعطى فاطمة فدكا باعتبار أهم مصاديق القربى، فصارت أوضاعهم المادية أحسن وأصبحوا يصرفون على غيرهم، ويتصدقون. نحن ينبغي لنا أيها الأحباب، أيتها المؤمنات، ألا نكتفي بجانب الولاء، وهو أمر عظيم ومهم، وإنما نضم إلى ذلك جانب الاقتداء، انظر إلى فاطمة الزهراء عليها السلام كيف كانت، (فوالله ما أغضبتني منذ عاشرتها)، يحدث بين الزوجين أخذ ورد وكلام، اعتصم بالصمت والحلم، اعتصمي بألا تتكلمي، لأن الإنسان إذا أطلق هذه الكلمة أصبح أسيرا لها، ما الذي يجبر الإنسان على أن يتكلم كلاما سيئا ثم بعد ذلك يحاول أن يرقع، آنا آسف أو أنا آسفة، وقصدي كذا، وما قصدي كذا، وكنت في وضع كذا وكذا، أمسك نفسك من البداية، اجعل نفسك في مثل ذلك الموضع، لُذ بالصمت، لُذ بالحلم، لُوذي بالصمت، لُوذي بالحلم، ما دام الإنسان ساكتا لن يفسد شيئا لكن الكلام قد يكون وراءه الأخطار، أهدد زوجتي بالطلاق؟ هذه بوابة أيضا إلى ما شاء الله من المشاكل، هي تهددني بأنه تذهب إلى بيت أبيها، هو هذا الكلام، لِم يتكلم الإنسان بهذا الكلام غير الحسن حتى يتورط في تلك الورطات؟! فاطمة سلام الله عليها جاءت إلى بيت أمير المؤمنين سلام الله عليه، أنجبت له هؤلاء الوُلد، تقاسمت معه شؤون الحياة وقضاياها، وكانت نِعم العون، تعلم ما معناه؟ امرأة عمرها (11) سنة، في أول إنجاب لها، وزوجها باعتبار ضرورات الجهاد، كل فترة يخرج ويذهب إلى القتال، هذا بناء الاسلام يقام على سيفه، ورسول الله يدعوه، إذا قالت لا، ما لك حق أن تخرج، تعيق بناء الإسلام! الإمام أيضا من جهة يجب أن يذهب ويقاتل ويجاهد، ويأتي أيضا وينفق ويكد ويكدح من أجل هذا البيت وهذا المنزل، وفي ذلك نعم القدوة لنا اتباع أمير المؤمنين عليه السلام. هذا الباب باب طويل وعريض، لا أريد التفصيل فيه أكثر، سأذهب إلى جانب آخر يرتبط بهذه الليلة، وما فيها من الظلامة، وما فيها من المأساة، في حياة الزهراء عليها السلام وجدنا أمورا لم نجدها في حياة سائر المعصومين عليهم السلام، الغرض الأساس منها إبراز جانب المظلومية، وإبقاء هذه المظلومية إلى أيامنا، ما وجدناها في سائر حياة المعصومين بالرغم من أن أولئك أيضا ظلموا واضطهدوا وأوذوا، ولكن وجدنا في حياة الزهراء أمورا لا نجدها في غيرهم، الغرض منها كان تثبيت فكرة الظلامة، واستمرار هذه الظلامة. أول ذلك موضوع خفاء قبرها سلام الله عليها، المفروض في الحالة العادية أن المُتوفى يوصي بتعاهد قبره، وأن يُعرف ذلك القبر، ويُقرأ عليه القرآن، وهكذا، هذا إلى الآن الوصايا إذا تلاحظها أن يدفن في مقابر المسلمين، وأن يتعاهد بالقرآن، وأن يتصدق عنه في ليلة الدفن، وألا يهجر من قبل أبنائه، وأن ليلة الجمعة روح المتوفى تأتي وترفرف على بيوت أحبته ويناديهم في طلب أن يزوروه، وأن يتصدقوا عنه، وأن يقوموا بأعمال نيابة عنه. في موضوع الزهراء عليها السلام وجدنا أنها أوصت أمير المؤمنين وصية جازمة بقيت في آثارها إلى يومنا هذا، أن يُعَفَِي موضع قبرها، وألا يخبر أحدا عن ذلك القبر، وإلى يومنا هذا، قبر الزهراء عليها السلام غير معروف بأمر من الأئمة عليهم السلام، مثلا قبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أمر أمير المؤمنين أولاده أن يخفوه ولو بشكل مؤقت خوفا من أن ينبشه الخوارج، ولذلك أمير المؤمنين لم يدفن في الكوفة، أمير المؤمنين استشهد في الكوفة، ذهبتم وتذهبون، المسجد واضح، وبيته أيضا واضح مجاور له، تم الخروج بجنازة أمير المؤمنين من الكوفة إلى النجف الأشرف التي ذاك الوقت ما كان فيها عمران أصلا، كانت تسمى بالذكوات البيض، أشبه بصحراء مهجورة، الغرض من ذلك ماذا؟ ألا يُعرف قبر الإمام لأن أعداءه من الممكن أن ينبشوا قبره، لكن هذا ما بقي إلى الأخير، مثلا في زمان الإمام زين العابدين عليه السلام كان هو وأولاده وأصحابه يذهبون لزياره قبر أمير المؤمنين عليه السلام في الذكوات البيض يعني النجف الآن، وبعض الزيارات كزيارة أمين الله زارها الإمام السجاد في ذلك المكان، مكان معلم ومعروف، وكان يشير إليهم، فكان قبر الإمام علي فيما بين بني هاشم وأولاد الأئمة وقسم من أصحابهم معروف، وأما بعد مجيء هارون العباسي على أثر قضية معينة مشهورة عُرف قبر أمير المؤمنين لجميع الناس، لأنه لاذت به إحدى الظباء من صياد أراد أن يصطادها، فلاذت بذلك القبر، وبالتالي عُرف، سئل ما هذا؟ فقيل هذا قبر علي، ويتوارث الخبر فيه واحدا بعد واحد. فأُخفي قبر الإمام عليه السلام مدة معينة من الزمان لغرض معين، الإمام السجاد كان يعلم وأخبر عنه، الإمام الباقر يعلم وأخبر عنه، الإمام الهادي عنده الزيارة الغديرية المفصلة لما ذهب إلى سامراء مر على قبر أمير المؤمنين، وهناك أيضا زار أمير المؤمنين بهذه الزيارة، فضلا عن سائر الأئمة عليهم السلام. لكن قبر فاطمة عليها السلام لم يُخبر أمير المؤمنين عنه، ولا الحسنان أخبرا، ولا الأئمة المعصومون إلى الإمام العسكري صلوات الله وسلامه عليهم أخبروا، يعني حوالي (240) أو (250) سنة ظل هذا القبر مخفيا، ولا يزال إلى يومك هذا لا يستطيع أحد أن يقول هذا بالتحديد قبر فاطمة عليها السلام، في البقيع يمكن، بجنب بيت رسول الله يمكن، عند الروضة يمكن، بعيد من ذلك يمكن، لا أحد يعلم، ولا يستطيع أحد أن يضع يده في مكان ليقول إن هذا هو قبر فاطمة، الغرض ما هو؟ الغرض أن يبقى ذلك شاخصا لمظلوميتها صلوات الله وسلامه عليها، وحزنها وغضبها على من ظلمها حقها، وهذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام. في إجراءات الدفن، في إجراءات الصلاة، أيضا نفس الكلام، الزهراء عليها السلام أمرت ألا يُؤْذَن القوم بجنازتها ولا بالصلاة عليها، مع أن الاستحباب الشرعي ليس بهذا الشكل، في الحالة العادية يستحب إذا مات ميت من المسلمين أن يُندب المسلمون، تعالوا، شيعوه، صلوا عليه، إلى آخره، الزهراء ترى أن هذا الجانب أهم من قضية ذلك الاستحباب، حتى لا يقال إن الأمور كلها طيبة، وكانت زعلانة قليلا، كما قال بعضهم الزهراء زعلت قليلا، وبعد ذلك لما تبين لها أنها مشتبهة في قضية الميراث رضيت وترتبت الأمور وحضروا الجنازة وصلوا عليها، لا، لا، فاطمة تريد أن تقول إنها تعلن للجميع أنها غاضبة، أنها واجدة، أنها غير راضية. بل إن بعض النساء مثلا لما قضت فاطمة عليها السلام أرادت أن تحضر لكي تلقي نظرة الوداع عليها، وكانت أسماء بنت عميس هذه المرآه الصالحة، زوجة جعفر الطيار في البداية، ثم زوجة أبي بكر، ثم زوجة أمير المؤمنين عليه السلام، أسماء بنت عميس كانت هي التي شهدت شهادة الزهراء، وأخذت منها، وسمعت منها وصاياها، وهي التي أخبرتها عن قضية النعش الذي رأته في الحبشة، والتي يستر بشكل عام حجم البدن، لأن الزهراء عليها السلام كانت لا تريد أن يُعْرَف حجم بدنها، المبالغة في أمر التستر حتى وهي في حالة الموت، فلما بعض النساء أردن أن يلقين نظرة الوداع حسب التعبير على الزهراء عليها السلام، رفضت أسماء بنت عميس، لماذا؟ قالت أنا موصاة، فقيل في ذلك للخليفة الأول الذي كان زوج أسماء بنت عميس أن هذه زوجتك تمنع بعض النساء من الدخول على فاطمة حتى يروها ويودعوها، فجاء الخليفة إلى أسماء وقال أصحيح ما يقولون أنه تمنعينهن؟ قالت بلى، لأن فاطمة قد أمرتني بذلك، لا تدعين بعض النساء أن يدخلن علي لأنه أنا غاضبة، أنا واجدة، أنا حزينة، أنا غير راضية، فلا يأتي أحد مثلما يقولون (يقتل القتيل ويمشي في جنازته). وهكذا عندما أُريد أن تسترضى، ودخل عليها أشاحت بوجهها إلى ناحية الجدار، وأشهدتهم على أنها غير راضية، وأنها واجدة، وهذا بالنسبة لمن كان له قلب يجب أن يكون منتبه، هذه فاطمة عند الجميع حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، أما أنها ماتت بلا بيعة لإمام، وإما أنها لا تعتقد بمن هو موجود أنه إمام وأنه ينبغي بيعته، فماتت حين ماتت وهي واجدة صلوات الله وسلامه عليها، وأعلنت مرارا وتكرارا عن هذا الغضب، وهذا الحزن، وهذا الأذى الذي تعرضت إليه، وهو شيء ليس بالقليل الذي جرى عليها بأبي وأمي.
مرات العرض: 6842
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 123578 KB
تشغيل:

ما ينبغي معرفته عن الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام