قال الله العظيم في كتابه الكريم:
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]
يتناول حديثنا في هذه الليلة شيئا من سيرة الشريف المرتضى علم الهدى، علي بن الحسين الموسوي رضوان الله تعالى عليه المتوفى سنة 435 ه، وهو أحد أعلام الفكر والعلم في مذهب أهل البيت عليهم السلام.
نستهدف في حديثنا عن العلماء والفقهاء جانبين:
الجانب العلمي والمعرفي: وهو التعرف على سيرة هؤلاء الأعلام الذين كان لهم دور بارز في حفظ ونشر مذهب أهل البيت، وبيان أحكام الدين والإسلام في القرون الماضية، ويشمل ذلك دراسة حياتهم الشخصية، وأدوارهم العلمية، ومؤلفاتهم،وهذه المعرفة هي علم نافع يُثري الفكر ويُعزز الوعي، بخلاف بعض العلوم التي قد تكون غير ذات فائدة حقيقية.
الجانب التربوي والأخلاقي: حيث تقدم سيرة هؤلاء العلماء نموذجًا يُحتذى به في الاجتهاد، والصبر، والإخلاص في خدمة الدين. فمعرفة جهودهم وتضحياتهم تُلهم الأجيال للاستمرار في طلب العلم وخدمة المجتمع.
عندما يتحدث القران الكريم عن الانبياء يقول:
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ أي:سر على هذا المنهج، لأنهم قمم عالية في العلم والتقوى والاخلاق والعطاء.
هذه القدوات تصنع لنا طموحات عالية وخاصة في العبادة والأخلاق والعلم.
من الواضح أن الأشخاص الذين بلغوا مراتب عالية في هذه الجوانب يمكن أن يكونوا مصدر إلهام لنا، ليس بالضرورة أن نصل إلى مستواهم تمامًا، لكن يمكننا الاقتباس من سيرتهم وتحقيق مستوى أعلى مما نحن عليه.
ألف الشريف المرتضى مايقارب 180 كتابا، وكل كتاب في بابه يعد فتحا ولايستغنى عنه.
ما ذكرته عن شريف المرتضى وكتبه يشير إلى أن العلماء العظماء تركوا لنا إرثًا لا يُستغنى عنه، وأعمالهم تُعد فتحًا في ميادينهم، مما يجعلنا نتطلع إلى الاستفادة منهم، هذا يعكس فكرة أن التعلم من السابقين يمكن أن يرفع طموحاتنا لمستوى معقول يمكن تحقيقه.
الشريف المرتضى سيد من الأسرة الهاشمية ينتمي إلى الامام الحسين ع
من خلال موسى بن جعفر الكاظم، فهو موسوي.كثير من السادة الذين يُعرفون بأنهم موسويون يعود نسبهم في النهاية إلى الإمام موسى الكاظم والذي هو من ذرية الإمام الحسين عبر والده الإمام جعفر الصادق، وهناك سادة آخرين قد ينحدرون من ذرية الإمام السجاد من خلال أبنائه الآخرين، مثل زيد بن علي بن الحسين المعروف بالشهيد زيد، لكنهم أقل عددًا مقارنة بالسادة الموسويين.إذن الشريف المرتضى موسوي ينتمي إلى الإمام الحسين من خلال موسى بن جعفر ع.
الشريف المرتضى(علم الهدى) تلميذ بارز للشيخ المفيد (محمد بن النعمان البغدادي).
كان يتمتع بمكانة علمية كبيرة أهّلته لتكون له المرجعية الدينية والزعامة العلمية بعد أستاذه المفيد. هذه الزعامة لم تأتِ فقط بسبب كونه فقيهًا أو متكلّمًا، بل لأنه كان موسوعيًّا في علمه.
بالرغم من أن الشيخ المفيد كان لديه العديد من التلامذة البارزين، مثل الشيخ الطوسي، وأبو الفتح الكراجكي، إلا أن المرجعية العلمية والدينية آلت إلى الشريف المرتضى، مما يعكس مكانته العلمية، حتى زملائه الذين درسوا معه عند الشيخ المفيد، مثل الشيخ الطوسي، أصبحوا فيما بعد تلاميذا له.
وكان أخوه الشريف الرضي جامع نهج البلاغه رغم كونه عالمًا فقيهًا أيضًا، اشتهر أكثر بكونه أديبًا وشاعرًا.
بينما حظي الشريف المرتضى بالزعامة العلمية والمرجعية الدينية.
إذن الشريف المرتضى لم يكن مجرد فقيه أو متكلم، بل كان رمزًا علميًا شامخًا، استطاع أن يفرض نفسه كقائد علمي للطائفة بعد أستاذه الشيخ المفيد، وكانت مرجعيته العلمية مؤثرة لدرجة أن زملاءه أصبحوا لاحقًا تلاميذه، مما يعكس مدى تفوقه الفكري والعلمي.
وسُئل الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري عن السيد المرتضى بعد أن حضر مجلسه فقال:
يا سائلي عنه لمَّـــا جئت أسأله *** ألا هو الرجلُ العـــــاري من العارِ
لو جئته لرأيتَ الناس في رجل *** والدهرُ في ساعةٍ والأرضُ في دارِ
وهذه إشارة إلى علمه الغزير، وفضله الواسع، ومكانته العالية.
وهي شهادة من شاعر غلب على أدبه وشعره التشاؤم،وعرف بفكره العميق ونقده الحاد، وكان من الشعراءالذين لم يجاملوا في مدحهم أو قدحهم. إذا امتدح شخصًا، فذلك يعني أنه وجده جديرًا بالثناء حقًا. فهو يرى أن الجلوس مع الشريف المرتضى كأنه لقاء بكل البشر، وأن العلم والمعرفة التي يمتلكها كأنها اختصار للزمن كله في لحظة. وداره كانت بمثابة عالم كامل لمن زاره. هذا يدل على احترامه الشديد لهذا الرجل، وهو أمر نادر من شاعر مثل المعري، الذي كان معروفًا بنقده اللاذع ورفضه المجاملات.
انتقلت المرجعية العلمية الدينية من قم والري- التي كانت في زمان الشيخ الكليني رحمه الله مؤلف "الكافي" والصدوق مؤلف "من لا يحضره الفقيه"- انتقلت من بلاد الري من قم إلى بغداد حتى الشيخ الكليني نفسه سافر في أواخر حياته إلى بغداد وكذلك الشيخ الصدوق،فانتقل الحجم العلمي إلى بغداد وصارت مجمعا للعلماء.
خلال فترة البويهيين فُتحت أبواب الحرية العلمية والفكرية على مصراعيها للجميع، فشهدت بغداد نهضة علمية وفكرية كبيرة استقطبت العلماء والفقهاء والمتكلمون والمفسرون. جاء الشريف المرتضى في مثل ذلك الوضع وبرز بين الأقران أيما بروز. وكان رحمه الله ثريا بما ورث من آبائه وفي نفس الوقت كان سخيا، وكان مفكرا للمستقبل، لذلك استطاع أن يوقف قريةكاملة على أهل العلم،حيث وفر لهم الكتب والدفاتر والمحابر والمعيشة وحتى الملابس.
هذا القرية الزراعية آلت إليه من آبائه فقام بوقفها في هذا السبيل. وهنا بين قوسين أشير إلى أن الوقف في هذه الموارد ما يرتبط بنشر العلم وحماية ورعاية العلماء هو من أبقى الأمور و أكثرها فائدة، فأوقف هذه القرية على طلاب العلم وعلى الكتب التي من الصعب على طلاب العلم الحصول عليها لعدم توفرها في ذلك الزمن. وكان يجري لكل طالب راتبا شهريا قدره خمسة عشر دينارا، وهو مبلغ كان كافيا لتغطية احتياجاتهم في ذلك الزمن .
كما عرف الشريف المرتضى بالسخاء فقد أسس مكتبة لانظير لها في زمانه،كانت من أعظم المكتبات في عصره ،حيث ضمت ثمانين ألف كتاب، وهو عدد ضخم جدا حيث كانت الكتب تُنسخ يدويا، وكان يشتريها من هنا وهناك ويبعث وراءها حتى تُشترى.
للأسف، هذه المكتبة القيّمة كانت من بين الممتلكات التي دُمرت عندما دخل السلاجقة بغداد بقيادة طغرل بك، الذي أسقط الدولة البويهية. وقد تعرضت المكتبة للحرق والدمار، مما أدى إلى فقدان كنز علمي ثمين.
وكان من جملة ما أطعم للنيران وللمياه مكتبة الشيخ الطوسي والمكاتب الأخرى التي كانت موجودة في بغداد. وحتى يحصل الشريف المرتضى على هذه الكتب كان يشتريها بأثمان مرتفعة.
في إحدى الحوادث كان أحد الأدباء يمتلك كتاب “الجمهرة”، وهو كتاب نفيس في اللغة العربية. وحينما عرض الشريف المرتضى عليه بيعه لإضافته إلى المكتبة العامة يستفيد منها طلاب العلم، وافق على مضض وبثمن مرتفع، إذ كان مضطرًا لذلك بسبب ضيق ذات اليد.
عندما وصل الكتاب إلى الشريف المرتضى، بدأ بتصفحه ليتأكد من اكتماله، فوجد في نهايته أبياتًا شعرية كتبها مالكه، ينعى فيها فراقه للكتاب كما ينعى الإنسان أعزّ أحبّته، معبرًا عن ألمه لاضطراره إلى بيعه، حتى إنه قال: "لو استطعتُ أن أبيع روحي قبله لفعلتُ".
تأثر الشريف المرتضى بهذه الأبيات وفهم معاناة الرجل، فاستدعاه وأعاد إليه الكتاب، بل ووهبه الثمن الذي دفعه مقابل بيعه، وأضاف إليه ثمانين دينارًا أخرى. وكان هذا المبلغ في ذلك الوقت كبيرًا، حيث كان راتب طالب العلم لا يتجاوز خمسة عشر دينارًا تكفيه لأشهر، وهكذا لم يستعد الرجل كتابه فحسب، بل حصل على أكثر مما كان يأمل.مما يعكس سخاء الشريف الرضي وجوده وكرمه.
اتسمت الدولة البويهية بقدر كبير من الحرية الفكرية، حيث لم يكن هناك قمع لأصحاب المذاهب المختلفة، بل وصل الأمر إلى تعيين قاضي القضاة من مذهب مختلف عن مذهب السلطة، كما كان الحال مع عبد الجبار الهمداني، الذي كان معتزليًا رغم أن البويهيين لم يكونوا على هذا المذهب.
كان عبد الجبار الهمداني شخصية فكرية كبرى، تنقّل بين المذاهب، فبدأ أشعريًا ثم انتقل إلى الاعتزال بعد تأثره بأحد القضاة في بغداد. تميّز بغزارة الإنتاج، وكان كتاب "المغني في التوحيد والعدل" من أشهر مؤلفاته، يقع في عشرين مجلدا ناقش فيه مختلف مسائل العقيدة والكلام، وخصص آخر مجلد لموضوع الإمامة، حيث طرح فيه رأي المعتزلة القائل بأن الإمامة تُختار من قِبَل الناس، وليس هناك نص إلهي أو تعيين رباني، كما أنها لا تختص ببيت معين، بل تكون متاحة لكل من تتوافر فيه شروط العلم والقيادة.
جاء رد الشريف المرتضى في كتابه “الشافي في الإمامة” ليؤكد على رؤية الإمامية بأن الإمامة ليست مجرد اختيار بشري، بل هي نصٌّ إلهي وتعيين رباني، وأن العصمة شرط أساسي في الإمام، مما يجعلها تختص بأهل البيت (ع وفقًا للنصوص الدينية.
تكرر الرقم ثمانون في حياة الشريف المرتضى بشكل لافت؛ فقد توفي وعمره ثمانون عاما،
واحتوت مكتبته على ثمانين ألف مجلد، مما يعكس مدى اهتمامه بالعلم والمعرفة، وكان عطاؤه لذلك الرجل ثمانين دينارًا، مما يدل على كرمه وسخائه.
هذا التكرار ربما يكون مجرد مصادفة، لكنه يعكس رمزية عميقة ترتبط بحياته العلمية والعملية، وكأنه كان مكرسًا لنشر العلم والخير طوال حياته.
آلت المرجعية الدينية والزعامة العلميه وإلاداره الاجتماعية إلى الشريف المرتضى في عهد بني بويه، حيث كان يقيم في بغداد. وقد زاده شرفا انتسابه إلى سيد الخلق محمد ص،
فكان أبوه نقيب الطالبيين، ثم صار بعده نقيب الطالبيين الشريف الرضي، ثم مع وفاة الشريف الرضي لأنه توفي مبكرا سنة 406 قبل وفاة أخيه بحوالي 30 سنة صار الشريف المرتضى هو نقيب الطالبيين.
نقيب الطالبيين هو رئيس السادة، كانت هناك مؤسسة تُعنى بتوثيق سيادة الأشخاص من بني هاشم المنتسبين إلى السلالة الطالبيّة، أي ذرية أبي طالب هذه النقابة كانت تعمل على تنظيم شؤونهم، وحماية حقوقهم، والتدخل في حل النزاعات بينهم.
كما كان للنقابة دور تأديبي إذا ارتكب أحد أفراد هذه العائلات أفعالًا مخالفة أو تسببت في مشكلات، حيث كان النقيب يتحدث معه ويوجهه.
ألَّف الشريف المرتضى عددًا كبيرًا من الكتب، حيث يُنسب إليه ما بين 172 و180 كتابًا. وتمتاز مؤلفاته بتفرُّدها في مجالاتها، إذ تحمل في طياتها جوانب ابتكارية تجعل أثرها ممتدًا لمئات السنين..
كتاب “تنزيه الأنبياء” وكتاب “الشافي في الإمامة” هما من المؤلفات المهمة للشريف المرتضى.
وأشاد المرحوم والعالم الفقيه الشيخ محمد جواد مغنيه بهذين الكتابين وعدهما
من الكتب التي يُستغنى بها ولا يُستغنى عنها، أي أنها شاملة في موضوعها ولا يمكن الاستغناء عنها عند البحث في المسائل التي تناقشها.
كان كتاب "تنزيه الأنبياء" فتحا في بابه مفصلا مستدلا ببراهين عجيبة وغريبة، وكذلك كتاب "الشافي في الإمامة". ومن كتبه في الأصول "الذريعه إلى أصول فقه الشيعة". ومن اثر هذا الكتاب أن شيخ الطائفه الطوسي -تلميذ المفيد وتلميذ الشريف المرتضى كذلك- عندما شرع في
تأليف كتابه المسمى "بعدة الأصول" نهج نفس منهج الشريف المرتضى، ووسع الدائرة وشرح، إلا في بعض المسائل التي اختلف معه فيها، فهو مؤسس وراسم برنامج وخريطة لعلم أصول الفقه في كتابيه "الانتصار" و "المسائل الناصريات" في الفقه المقارن. ويعد الفقه المقارن أصعب من الفقه الخاص ، ربما من السهل على البعض أن ياخذ متن المسألة فيعرف مصادرها ورواياتها والقواعد الأصولية والفقهية التي تجري فيها، فيعمل فيها رأيه ويستنبط، لكن أن يحيط فيها
برأي الحنابلة والمالكية والشافعية والحنفية وبعض المذاهب الأخرى التي اندثرت، (مثل مذهب الليث بن سعد مذهب الاوزاعي، ومذهب ابن راهويه وغيرهم) إحاطة بأرائهم وأدلتهم والرد عليها، وتثبيت الحكم الشرعي كما يراه شيعة أهل البيت هذا من الأمور الصعبة. فكتب الشريف المرتضى كانت من هذا لنوع.
وجاء كتابه كتاب "تنزيه الأنبياء" في بيان الخلاف في نزاهة الأنبياء عن كبائر الذنوب وصغائرها.
( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) فعندما نقرأ قول الله تعالى:
وقوله تعالى: ﴿ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ﴾
وقوله تعالى: (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)
وقوله تعالى: (فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)
( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) وقوله تعالى :
كيف يمكن نسبة المعصية للأنبياء والرسل ؟.
و ما جاء في بعض مصادر المسلمين في تفسير الآيات حول سيد الانبياء المصطفى في قوله تعالى:
( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ )
وفي قوله تعالى:﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰۤ أَن جَاۤءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّهُۥ یَزَّكَّىٰۤ أَوۡ یَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰۤ ﴾
سوف نجد الأجوبة الشافية حول الإشكالات المتعلقة بتفسير هذه الآيات في هذا الكتاب "تنزيه الأنبياء"
ففي مقدمة هذا لكتاب يقول:
(اختلف المسلمون في نسبة الذنوب إلى الأنبياء فقالت الشيعة الإمامية: لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب سواء الكبائر أو الصغائر، لا قبل النبوة ولا بعدها، ويقولون في الأئمة مثل ذلك).
وجوز أصحاب الحديث والحشوية (هم المحدثون القائلون بنفي التأويل) حديث يقول: إن (داوود ع
تمشى على السطح فرأى امرأة أحد قواده أُورِيَّا تغتسل ،وكانت جميلة فأرادها لنفسه، لذلك أرسل قائده أُورِيَّا العسكري في أكثر من معركة حتى يقتل، فلما قتل تزوجها).
وكذلك جوزوا على نبي الله سليمان أنه أقبل يضرب سوق الخيل وأعناقها لأنها كانت سبب فوت الصلاة.
هؤلاء يرون أن المعصية والذنوب كبيرها وصغيرها يمكن أن تصدر من الأنبياء.
كما جوزوا الرواية التي تتحدث عن النبي أنه كان يُهدى إليه الخمر قبل بعثته، وبعد بعثته أهداه أحدهم خمرا، فقال له النبي إنها حرمت.
وأما المعتزلة فقالوا: يمكن أن تصدر من الأنبياء المعاصي في الحالين، لكن لا يستحقون اللوم ولا العقوبة، وهذا من موارد الافتراق بين المعتزلة وبين الشيعة الإمامية.
وأجمع الإمامية استنادا إلى الأدلة القطعية على استحالة وقوع المعصية والذنب من النبي، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، قبل النبوة أو بعدها بشكل مطلق. وقد تناول الشريف الرضي اثني عشر موضعًا في القرآن الكريم تُوحي ظاهريًا بنسبة الذنب أو العصيان إلى النبي، بالإضافة إلى ما ورد في كتب الحديث. وردّ عليها جميعًا بردّ علمي دقيق، مدعوم بالأدلة، مفندًا سوء الفهم المرتبط بهذه الآيات.
وتؤكد الأدلة العقلية القطعية أن عصيان النبي - سواء كان عمدًا أو سهوًا - يؤدي إلى بطلان نبوته، إذ أن المعصية العمدية تجعله في مصافّ الفاسقين، فكيف يكون نبي المؤمنين فاسقًا؟! بل حتى إن لم يكن العصيان عمديًا، فكان يجب حينها الإنكار عليه.
فقد قال قبلها: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ،) ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) عندما قال القران:
فكيف يكون نعم العبد ثم يرتكب الذنوب وهو الذي وصفه بأنه تائب قريب من الله.
قامت الأدلة النقلية أيضا من طريق مدرسة أهل البيت بل من القران الكريم على نفي ذلك، أقصى ما تفيد هذه الآيات والروايات التي قد يشم منها نسبة المعصية أنها تفيد الظن. معنى ذلك أن الألفاظ إنما تفيدك احتمال أن يكون المعنى هكذا. فلفظة عصا يعني ارتكب المعصية والمخالفة الدينية، لكن أصل معناها في اللغه ليس كذلك، وإنما مطلق المخالفة، فلو أن الله أمرك بغسل الجمعة ثم لم تفعل يقال في اللغة العربية عصيت أمر الله مع أنه مستحب من المستحبات. أمر الله عز وجل بالذكر فقال :﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) ولو إن إنسانا ماذكر الله ذكرا كثيرا يقال له في اللغة العربية أنه عصى أمر الله.
إن ترك المستحب يمكن أن يقال عنه "عصى"لأنه خالف الأمر، لكن هذا لايعني أن فعله يستوجب العقاب. فكم من الناس يعصون الأوامر وهي ليست معصية تستحق العقوبة، بل بعضها كان إرشاديا والأمر الإرشادي لا يستحق عليه العقوبة، مثل نصيحة الطبيب بعدم شرب الماء البارد عند الإصابة بالاحتقان ،فإذا خالفها الشخص فهو لم يرتكب ذنبا شرعيا ، بل فقط لم يأخذ بالنصيحة.
أوامر لله عز وجل كما يقول العلماء هي أوامر إرشادية إلى الأفضل والأصلح.
عندما أمر الله آدم بعدم الاقتراب من الشجرة أدت مخالفته لأمر الله إلى الهبوط من الجنة ، لكنها لم تكن معصية تستوجب العقوبة الأخروية ، بل كان أمرا إرشاديا له أثر دنيوي.
الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه بحث هذه المسألة ، خصوصا فيما يتعلق بمسألة تنزيه الأنبياء عن المعصية، وعالج هذا الموضوع.
كما تحدث السيد الشريف المرتضى عن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك في كتابه تنزيه الأنبياء في القسم الثاني.
كان الشريف المرتضى شاعرا من أحسن وأكبر الشعراء في رثاء أبي عبد الله الحسين
وقد أوصى أن ينقل جثمانه إلى كربلاء ليدفن إلى جنب الإمام الحسين.
دفن في بغداد أولا، ثم نقل جثمانه بعد ذلك ليدفن بالقرب من مرقد الإمام الحسين في كربلاء، وهذا من موارد الاستثناء من نبش قبر المؤمن أنه إذا أوصى أن ينقل إلى مكان أفضل وأحسن باعتبار أنه لايجوز النبش إلا في موارد معينة يذكرها الفقهاء هذا واحد منها.
نقل إلى كربلاء لأن هناك الملاذ والملجأ، يقول الشاعر في حق أمير المؤمنين:
إِذا مُتُّ فَادْفِنِّي إِلى جَنْبِ حَيْدَرٍ أَبِي شُبَّرٍ أَكْرِمْ بِهِ وَشُبَيْرِ
فَلَسْتُ أَخافُ النَّارَ عِنْدَ جِوارِه وَلا أَتَّقِي مِنْ مُنْكَرٍ وَنَكِيرِ
فَعارعَلى حامِي الحِمى وَهُو فِي الحِمى إِذا ضَلَّ فِي البِيْداءِ عِقالُ بَعِيرِ
هؤلاء حماة كرام بهم يلجأ المستجير في الشدائد ، وإن كان في أمير المؤمنين مثال لذلك،فهو ثابت ومتجسد في الحسين.
الشريف المرتضى مدفون بجوار الحسين ليس في نفس الضريح وإنما في الخارج تحديدا على الجهة اليمنى عند الدخول.