الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، وعلى ابن عمه أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
حديثنا في هذه الليلة يتناول شيئا من سيرة والد الأئمة المعصومين، وناصر النبوة، أبي طالب عمران عليه السلام، لكي نبين شيئا من مناقبه، وسيرة جهاده، ودفاعه، ونصرته لرسول الله صلى الله عليه وآله.
ولنبدأ بما ورد في الخبر من طريق الإمامية من أن يونس بن عبد الرحمن وهو أحد أجلة أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، سأله قائلا: يا سيدي ما تقول فيما يقوله الناس من حديث الضحضاح؟ فقال: يا يونس إنك لو شككت في إيمان أبي طالب فإن مصيرك إلى النار، حديث الضحضاح ما رواه بعضهم في مصادر المدرسة الأخرى من أن أبا طالب هو في النار، وفي ضحضاح منها، يعني مكان إلى الساق، ويغلي منه دماغه من شدة النار.
لمَّا تعرض هذا الحديث على المقاييس، فضلا عما جاء عن طريق أهل البيت، سيتبين لك أن هذا الحديث من الأحاديث التي جُعلت من أجل ذم أبي طالب توصلا إلى ذم ابنه علي عليه السلام، أبو طالب في المدرسة الإمامية وعند غير الإمامية أيضا من المذاهب الأخرى، وبالذات الشافعية، والحنفية، مما أُلِّف في قضية إيمانه ودفاعه عن النبي الكثير من الكتب، أنهاها بعضهم إلى نحو (50) كتابا، قسم كبير منها أَلََّفه شافعيون، ومن أواخرهم مفتي مكة المكرمة أحمد زيني دحلان، وهو شافعي المذهب، بل نُقل أيضا عن السيد محمد بن علوي المالكي، وهو كبير المالكية في مكة المكرمة في زمانه، هذا إضافة إلى عدد من العلماء الأحناف الذين كتبوا في إيمان أبي طالب، وفي سيرة دفاعه عن دعوة رسول الله، وعن شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما الإمامية فحدث ولا حرج، من أيام الشيخ المفيد، الشيخ المفيد له كتاب قيم اسمه (إيمان أبي طالب)، موجود ومطبوع أيضا، وعلى الإنترنت موجود، أجاد فيه فيما أفاد من تجلية وإبداء مواقف أبي طالب عليه السلام.
أبو طالب تارة نبحث في دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأخرى نبحث عن نتاجه، وهل أن هذه كرامة إلهية أو لا، أن يختص الله إنسانا بأن يكون أئمة الهدى كلهم من نسل هذا الرجل العظيم، هو والد أمير المؤمنين، وجد الحسنين، والجد الأكبر لزين العابدين، وهكذا، هذه السلسلة إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، عليهم السلام جميعا، كلهم أبو طالب هو أبوهم.
نحن نعتقد أنه مثلا أن يختص الله خديجة بنت خويلد عليها السلام بأن يكون امتداد رسول الله وبقاء نسله منها دون غيرها، هي كرامة وليست شيئا صدفيا، صدفة لم تنجب (9) نساء، والتي أنجبت منهن كمارية يموت ابنها وهو صغير، وتبقى فاطمة الكوثر سلام الله عليها، لكي تملأ الدنيا خيرا من ذرية رسول الله، وتعطل تهمة ذلك الطرف بأن شانئك هو الأبتر؟!
هذا ليس شيئا طبيعيا، ليست صدفة أن خديجة عليها السلام تنجب والباقيات لا، ليست صدفة أن الله يختار وصي نبيه من صلب هذا الرجل دون باقي البشر، ثم الأئمة الطاهرون الباقون أيضا هم من هذه السلسلة، هذا لا نستطيع أن نحمله على الصدفة، بل لم يشهد -التفتوا إلى هذا المعنى- لم يشهد كربلاء في نصرة دين الله إلا طالبي من بني هاشم، لا يوجد ولا أحد من بني هاشم، لا من أبناء العباس، ولا من أبناء الحمزة، وهو عظيم الشأن، جليل القدر، كل من شهد كربلاء من بني هاشم هو ابن لأبي طالب أو حفيد له، أحفاد وأبناء الأحفاد فقط لا غير.
بنو هاشم الذين وجدوا في كربلاء هم إما أبناء علي عليه السلام، كالحسين والعباس وإخوته، أو أبناء هؤلاء، أبناء الحسين عليه السلام، أو أبناء الحسن المجتبى عليه السلام، وهم أيضا ينتمون إلى أبي طالب حيث يكون والد جدهم أو جد والدهم، والذين شهدوا أيضا آل عقيل بن أبي طالب سواء الذين كان خارجا مثل مُسلم أو داخل المعركة، قالوا (خمسة كلهم لصلب عقيل قد أصيبوا)، عبدالرحمن بن عقيل، أبو سعيد بن عقيل، وغير هؤلاء، وأبناء هؤلاء أيضا، يعني أحفاد أبي طالب، أو أبناء جعفر بن أبي طالب، محمد وعون، فهؤلاء إما أبناء عقيل، وهو ابن أبي طالب، أو أبناء علي وهو ابن أبي طالب، أو أبناء جعفر وهو ابن أبي طالب، لا يوجد أي هاشمي آخر استشهد في كربلاء لم يكن من أبناء أبي طالب، هل تراها صدفة مثلا؟!
عبد الله بن العباس وإخوته، أبناء العباس بن عبد المطلب، على الأقل فيما قالوا أبناء العباس بن عبد المطلب أخو أبي طالب على الأقل عنده (10) أبناء مباشرين، وكل واحد عنده ما شاء الله، لك أن تتصور على الأقل (30) أو (40) شخصا من نسل العباس بشكل مباشر أو غير مباشر، لا تجد أي واحد منهم شهيدا في كربلاء، عبدالله بن العباس تلميذ أمير المؤمنين لكن لم يشهد لا هو ولا أبناؤه ولا إخوته كربلاء، أي واحد منهم لم يشهد كربلاء.
المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، خرج مع الحسين عليه السلام من مكة المكرمة، وكان قد تزوج إحدى زوجات أمير المؤمنين عليه السلام بعد شهادة الإمام سلام الله عليه، المغيرة بن نوفل حفيد عبد المطلب، في الطريق مرض ورجع هو وزوجته فلم يشهد المعركة، وبالتالي من شهد المعركة من بني هاشم، واستشهد فيها دفاعا عن الحق والدين لم يكن إلا أولئك الذين انتسبوا نسبة مباشرة إلى أبي طالب سلام الله عليه.
إذا كان أبو طالب قد حمى دين الله في أول أمره مع رسول الله، فإن أحفاده قد حموا دين الله في نهضة الحسين سلام الله عليه، هل ترى أن كل هذه الأمور هي عبارة عن صدف أن يكون هو والد الأئمة وجدهم؟! وأن يكون من يدافعون عن الدين بحيث لولا تلك النهضة لاندثر الدين وانكسر عموده المستقيم، لا يكون فيهم أحد من بني هاشم إلا أحفاد هذا الرجل العظيم سلام الله عليه؟! لا نجد تفسيرا لهذا إلا نوعا من الكرامة الإلهية والانتخاب.
أصر قسم من المسلمين في السابق ضمن التأثر باتجاه مخالف لأمير المؤمنين وأبنائه، أصروا إلا على تكفير أبي طالب، وهذا أمر عجيب، وهل هناك سر خاص في أننا مثلا نجد غير أبي طالب يكفي من بعيد لو يقول كلمة بهذا الشكل على الطائر يصبح مؤمنا وحسن إسلامه، من الصحابة، وهم أفضل خلق الله بعد رسول الله، من بعيد يقول ويؤشر، وأحيانا بتصريحات بعضها يخالف بعضا، لما العباس يرافق أبا سفيان عندما اجتمع جيش رسول الله على أبواب مكة، وأُشعلت النيران، آلاف، كل واحد إذا يشعل له شمعة كم يصبح؟ فضلا عما إذا نار مسجرة، فجاء أبو سفيان وقال للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما، قال: ويحك إنها النبوة، هذه نبوة وليست ملكا، قال: هو ما أقول، نفس هذا الكلام يتردد فيما بعد: (لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل)، إنما هو ملك، ويتردد في الأثناء: (تلاقفوها يا بني أمية، فوالذي يحلف به فلان ما من جنة ولا من نار).
لما تأتي إلى هذه التصريحات مع ذلك الخط للأمويين يقول لك هذا الرجل أسلم، حسن إسلامه، صحابي، الصحابة أيضا هناك مثلث في نظرية الصحابة، يقضي بأن أصحاب رسول الله أفضل خلق الله بعد رسول الله، وأفضل من كل من يأتي إلى يوم القيامة، وأنهم جميعا عدول، كلهم عدول، مهما فهلوا هؤلاء ذهب، مها تصب عليه لا يتأثرون، وأنهم كلهم من أصحاب الجنة، الذي يرضى يرضى، والذي لا يرضى بكيفه، هذا مع التصريحات يصير بهذا العنوان، وآخرون أيضا ممن يقال إنه قال لرسول الله بالنبوة، يقال، هذه تصبح شهادة نهائية على صلاحه وحسن إيمانه إلا أبو طالب.
مئات الأبيات يصرح في بعضها، ويلمح في بعضها الآخر بإيمانه برسول الله، عشرات المواقف العملية التي تنتهي إلى الإيمان برسالة رسول الله، عشرات الأحاديث من أهله وأسرته تفيد بإيمانه العميق، بل وفي بعضها تصريحاته هو شخصا بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله، لكن كل هذا لا ينفع عند قسم من الناس، لو غيرت اسم أبي طالب فقط وجئت بـ(10%) من هذه الأشياء لشخص آخر لأصبح يقام له ويقعد ويوقر ويعظم، وهذه أيضا حقيقة من مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام.
إن شاء الله إحدى ليالي شهادة الإمام نتعرض إلى جوانب من مظلومية أمير المؤمنين، وواحد من مظلوميته أن والده اتهم بعدم الإيمان، بل بعضهم اتهم والدته، في تصريح عجيب لأحدهم قال، انظروا لحكمة الله سبحانه وتعالى، هذا القائل يقول هي كلمة هو قائلها، ويجب أن يقدم جوابها يوم القيامة، قال انظروا إلى الحكمة أن النبي يصبح نبيا مع كفر أبويه، على جلالة شأنه لكن أبويه كافران، وعلي بن أبي طالب على ما كان عليه مع كفر أبويه أيضا، يعني أيضا أمه وأيضا أبوه، على الأقل الآن إذا تدعي ادع على الأب، أما أمه كانت سادسة المسلمين من حيث العدد في الترتيب، لكن هذا هو، هذه جناية تاريخ على علي بن أبي طالب في شأن أبيه وشأنه أمه.
الآن دعنا من هذا الجانب، لو أردنا كأشخاص محايدين أن نتعرف على رجل، على عالم، على سياسي، على تاجر، كيف نتعرف عليه؟ يقولون في المنهج الاجتماعي:
الخطوة الأولى: نعرف اسمه، ما هو اسمه، بعد ذلك نلاحظ كلماته إن كانت له كلمات، إذا هو سياسي نرى كيف يتكلم في السياسة، من خلال كلماته، يؤيد مَن، يخالف مَن، يتحالف مع مَن، يتنافر مع مَن، حتى نحدد الدائرة الخاصة به، إذا هو عالم، نذهب ونقرأ كتبه أو خطاباته، ونرى هذا يتبع أي مذهب، من خلال لسانه وكلامه وكتابه يتبين هذا من أي مذهب، من أي ملة، في داخل المذهب من أي منهج، يميل إلى أي شيء، نستطيع أن نحدد تفكيره بأي نحو، هذه الخطوة الأولى وهو أن نعرف هذا الشخص بعد اسمه من خلال كلماته وتصريحاته شعرا ونثرا وخطابا وكتابة.
الخطوة الثانية: نذهب ونرى البيئة التي عاش فيها، هل عاش هذا في بيئة مسيحية؟ هل كان يذهب إلى الكنيسة؟ هل كانت أسرته مسيحية مثلا؟ مجتمعه مجتمع مسيحي أو لا؟ يهودي أو مسلم أو لا؟ في داخل الإسلام من هذا المذهب؟ أسرته معروفة بهذا المذهب أو بذاك المذهب؟ ما هي بيئته الاجتماعية التي كان يعيش فيها؟ عادة الإنسان يعرف من بيئته، تقول مثلا هذا من هذه المنطقة بسرعة يقول لك هذا من الشيعة، لماذا؟ لأن هذه البيئة بيئة شيعية، بينما من تلك المنطقة يقول لك هذا كأنه مسيحي لأن الذين يعيشون في هذه المنطقة مسيحيون، فالبيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان تُعَرِّفه.
الخطوة الثالثة: مواقفه، كان يعين مَن؟ ويعادي مَن؟ مَن هم أصدقاؤه؟ مَن هم أعداؤه؟ نحن نقول قل لي من تصادق ومن تخالل أقول لك مَن أنت، مَن أصدقاؤه؟ مَن ربعه؟ ومَن جماعته؟ ومع مَن كان يتعامل؟ لمَن كان يحسن؟ مَن كان يعادي؟ مَن كان يحارب؟ فهذه الأمور بمجموعها تشكل لك صورة كاملة قدر الإمكان عن أي شخص، وهذا إلى اليوم، أنت إذا جلس بجنبك واحد في سفر طويل، تريد أن تتعرف عليه، الأخ مِن أين؟ يقول لك من هذا المكان، بسرعة حددت منطقته الجغرافية، هذا إذن مسلم وليس يهوديا، ولا هو مسيحي، تستطيع أن تتعمق أكثر تذهب وتحدد مذهبه، تتكلم معه قليلا، يقول لك بعض الكلمات هي أشبه بشفرة، أنت تعرف أن هذا يفترض إذا كلامه صادق هذا من المذهب الفلاني، يقول لك (النبي صلى الله عليه وآله) بسرعة خلاص بعد وصلت، عادة أن هذه الصلوات هي لمن هم من شيعة أهل البيت أو ممن تأثر بهذا المنهج ضمن المذاهب الأخرى، وهكذا كلما تمشي قليلا، يتكلم قليلا خلاص بعد نصف ساعة أنت تستطيع أن تكون صورة أولية عنه.
دعنا نأتي ونطبق هذا المعنى في قضية أبي طالب عليه السلام، الخطوة الأولى: رجل نحن لا نعرفه، لم نعش معه بهذا المعنى، ولكن عرفنا اسمه (عمران أبو طالب ابن عبد المطلب من بني هاشم)، ماذا كان يقول؟ ماذا كان يصرح؟ تأتي هنا ترى كما كبيرا من الأبيات الشعرية التي كانت هي لسان العرب، تحفظ وتبقى، كان النثر متداولا بشكل قليل، لأنه لا يحفظ عادة، لكن الشعر سهل الحفظ، وأشبه بإذاعة في ذاك الوقت، واحد يريد أن يتكلم على جماعة يأتي بشعر هجاء، يمدح جماعة يأتي بشعر مدح، يعرب عن توجهاته يأتي بشعر وأبيات، وهكذا.
أبو طالب لما نأتي ونرى، نجد أن أبياته منها الصريح في نسبة النبوة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، فهو يخاطبه:
أَنتَ النَبِيُّ مُحَمَّد...قرمٌ أَغَرُّ مُسَوَّدُ
لِمُسَوّدين أَكارِمٍ...طابوا وَطابَ المَولِدُ
يقول أنت النبي محمد، وليس شخصا عاديا، لما تخاطب رسول الله بالنبوة، هذا يعني أنك تعتقد بذلك، وإلا كنت تقول كلاما آخر، يأتي في مكان آخر فيقول:
وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ... وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا
وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ...مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا
هنا سبحان الله يعني الخط الأموي يضيف بيتا يقول ويكمل بيتا مفتعلا:
لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّةً... لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا
الدارسون في مجال الأدب لما يأتون يقولون هذا ليس من سنخ أدب أبي طالب، يقولون نحن درسنا أشعاره، نمط شعر أبي طالب لا ينسجم مع هذا، وهذا يعرفه الدارسون في الأدب، الآن لو أن شخصا جاء مثلا، وأتى بشعر من أشعار المعاصرين، وقال هذا من شعر المتنبي، يمكن غير العارف بالأدب العربي يصدق، ولكن دارس الأدب العربي، يقول هذه ليست من عبارات المتنبي، ولا مستوى أدبه، ولا غايات شعره، هذا لا ينسجم مع ما نعرفه من المتنبي من فخامة الألفاظ، وقوة الصور، فهذا لا يمكن، ولذلك هذا بحث أساسا في تاريخ الأدب العربي، قسم من المتخصصين يأتي ويقرأ القصيدة ثم يُعَلَِم، هذا البيت منحول، وهذا غير البيت ذلك.
الدارسون يقولون إن هذا البيت أُدْخِل وأُقْحِم قسرا، ولذلك فإنهم يستشهدون به فقط، لا يقولون:
وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ... وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا
وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ...مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا
بل يستشهدون بهذا البيت فقط:
لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّةً... لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا
جميل العلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه، هذا مفخرة من مفاخر الإمامية حقيقة، في كتابه الغدير، الجزء السابع، عنده فصل فيه حوالي (80) صفحة حول أبي طالب وإيمانه، يقول هذا البيت، حتى لو تنزلنا وقلنا بأن أبا طالب قاله، نحن نعرف أنه كذب، ولكن لو فرضنا وتنزلنا، فأقصى ما يفيد أنه أنا لا أعلن، لا أعلن هذا الكلام، (لا أعلن) لا يعني (لا أؤمن)، فكم من الناس لا يعلنون إيمانهم لظروف معينة، على أنه فيه نقاش.
أبو طالب متى كان يخشى من هؤلاء الأشخاص؟ متى كان يخاف أبو طالب من مناصرة ابنه وإعلان ذلك، نعم، لجهة معينة تقتضيها حماية رسول الله، وحماية دعوته، كتم إيمانه، ولهذا قال الإمام الصادق عليه السلام في الحديث: (إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان، وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين).
أهل الكهف بقوا في قومهم سنوات طويلة، لا أحد يعلم بإيمانهم، إلى أن خرجوا من ذلك المجتمع، تقتضي حماية الإيمان أن لا يفصحوا عنه، ولذلك يؤتى أجرهم مرتين، لماذا؟ لأن الإيمان مع التقية، وفي ظروف أصعب بكثير من الإيمان في غير ظروف التقية، مثلا أسألوا المسلمين الذين هم في بيئة كافرة لا تسمح لهم بإظهار الإسلام، كم من المقدار يعانون؟ شيعة أهل البيت الذين هم في بيئة متعصبة، لا تسمح لهم بإظهار هذا التشيع، كم من المقدار يتأذون، كم يعانون؟ لهم الله واقعا، ولذلك يؤتيهم الله أجرهم مرتين لأن معاناتهم أكبر، أنت في بيئة شيعية مؤمنة، تتفاعل معك، تتفاعل معهم، وتذهب وتأتي براحتك، لست مضطرا إلى إخفاء شيء، ليست عندك معاناة مثل ذاك الإنسان الذي عنده معاناة كبيرة، ودائما في قلق وخوف لكيلا يُكْتشف ويُؤْذَى، فيؤتى أجره مرتين مثل هذا الإنسان.
أبو طالب يقول، بناء على هذا البيت وهو غير صحيح على رأي بعض العارفين بالأدب العربي، لو فرضنا أن هذا البيت أيضا قاله، فغاية ما فيه أنه أنا أبو طالب لا أستطيع أن أصرح بهذا الكلام، لا أستطيع أن أبينه إلى الناس، أما أنا فمؤمن به، فهو شيء آخر.
وعلى هذا المعدل تجد رسول الله صلى الله عليه وآله يستدعي ويستذكر شعر أبي طالب في المواقع المختلفة، وهذا الشعر ليس في النبوة وإنما حتى قبل النبوة، في قضية لما أقحطت قريش وأجذبت، ومنع عنها قطر السماء، وكان زمان عبد المطلب، ورسول الله كان صغير السن، ربما ابن (4) سنوات أو نحو ذلك، فاستغاث الناس بعبد المطلب، فجاء عبد المطلب يحمل ذاك الغلام محمدا، حتى جاء به وألصقه بظهر الكعبة، ورفع يديه إلى السماء، وأقسم على الله بحق الكعبة، وبحق هذا الغلام إلا ما سقى هؤلاء الناس من غيث السماء، فما أتم دعاءه إلا والسحب تتراكم، ويطم بعضها إلى بعض، وغابت الشمس من وراء السحاب، وأوجس الناس أنهم سيغرقون، فهرعوا إلى بيوتهم، ونزل الماء والمطر كأفواه القرب، وعبد المطلب يبتسم، سلام الله على عبدالمطلب، وعلى أبي طالب، وعلى رسول الله، وهنا انبرى أبو طالب ليقول:
وَأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ... ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ
نقول يا رسول الله، يا من استسقى بك جدك وعمك والناس فأغثتهم فأغثنا، يا رسول الله لقد أنقذت كفار قريش، وهم الجاحدون، بأن أغاثهم الله على يدك وببركاتك، ونحن نؤمن بك، ونسلم لك، ونصلي عليك، وعندنا حاجات ومطالب، نقدمك يا رسول الله بين يدي حاجاتنا إلى الله، فيا وجيها عند الله، اشفع لنا عند الله.
هذا قبل النبوة، وعبدالمطلب يعرف شأن رسول الله، والقوم يشهدون على هذه المعجزة، وأما بعد النبوة فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله، ومعه العباس بن عبد المطلب لكي يطلب النصرة، العباس استقال، قال يا ابن أخي أنت تعلم بأن قريش هم أِلب واحد علينا، أعداء لنا، أنت قادم بهذا الشكل سيفنوننا عن آخرنا، ولكن هَلُّم إلى عمك أبي طالب، ذاك (بقدها)، فجاء إلى أبي طالب، وقال له رسول الله إن الله قد بعثني نبيا لآمر بتوحيده ونبذ عبادة الأصنام، فهل تناصرني على ذلك؟ فقال له أبو طالب:
وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم... حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا
فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ...وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا
يا ابن أخي، أعلن صوتك، ولا تخف من أحد، إنك الرفيع جَدَاً، والأعلى نسبا، والله لا تطالك ألسنة حداد إلا نالته منا أسنة حداد، إذا واحد يتكلم عليك، لا نجيبه بالكلام، بل نجيبه بالسيف، انطلق، أنا وراك، وأناصرك، ولا تخفي شيئا عما قلت به.
هذا الذي يجعله فيما بعد يقول لقريش:
كَذَبْتُم وبَيْتِ اللهِ نُبْزى مُحمَّداً... ولمّا نُطاعِن دُونَه ونُناضِلِ
ونُسْلِمُه حتى نُصرَّعَ حَوْلَهُ... ونَذهَلُ عَنْ أَبْنائِنا والحَلائِلِ
وهذا نفس الشعر الذي أراده النبي في غزوة بدر، في غزوة عندما برز أبناء عبد المطلب، والنبي يقول: أنت النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، فبرز الحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب، الطرف المقابل مَن؟ عتبة، شيبة، والوليد، فما عدا علي والحمزة أن قتل قرنيهما، وضرب مبارز عبيدة بن الحارث على رجله، فقطعها، وأجهز عليه، على العدو علي والحمزة، نقلوا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب إلى خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال النبي لو كان أبو طالب حيا لقرت عينه، يرى إخوانه وأبناءه وأبناء إخوانه هم الذين يقاتلون وينصرون الطرف الأموي في نصرة رسول الله، لو كان يرى هذا تقر عينه وَيُسَر، أيكم يحفظ شعر أبي طالب؟ فقام أحدهم وقال أنا يا رسول الله، وأنشد:
وَأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِهِ... ثِمالُ اليَتامى عِصمَةٌ لِلأَرامِلِ
فقال له رسول الله، نعم هذا شعر أبي طالب، ولكن أريد غيره، النبي يحفظ هذا الشعر، ولكن التزاما منه بأنه ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة يس: 69]، ويجب عليه ألا يقرأ الشعر أمام الناس، قال من يقرأ لنا شعره؟ فقام آخر، وقال تقصد قوله:
كَذَبْتُم وبَيْتِ اللهِ نُبْزى مُحمَّداً... ولمّا نُطاعِن دُونَه ونُناضِلِ
قال نعم، هذا أريد، في أوج الانتصار، يقول لو كان أبو طالب موجودا، سيرى نتائج وثمرة دفاعه وجهاده ونصرته، الآن أثمرت في الانتصار على القرشيين، هذا في كلماته، وهي كثيرة، الوقت لا يسمح بأن نستعرض أكثر من هذا، أشعاره وكلماته ومئات الأبيات كما قلنا تشير إلى هذا المعنى، شعره الذي أرسله إلى ملك الحبشة، غير ذلك، فهذه شهادات، نحن قلنا أي إنسان نعرفه من خلال كلامه، من خلال شعره، من خلال كتابته، من خلال تصريحاته، ما هو أفضل من هذه التصريحات؟
الخطوة الثانية: عمل هذا الإنسان ماذا كان؟ كان بإمكانه في أدنى الفروض أن يصبح مثل العباس بن عبدالمطلب، لا نقول أن يصبح معاديا للنبي، يقول له والله الموضوع فيه بعض المداخلات، فيه من الصعوبة، أنا رجل وضعي في قريش كذا، كان زعيما في قريش، هو الآن سيواجهها، سيقابلها، فاسمح لي، يعني (أقدر أخدمك في غير هذا الموضوع)، أو يعتذر له بما اعتذر العباس بن عبد المطلب، أن قوتنا ليست بحجم قوة قريش، هؤلاء سيجتمعون علينا كلنا ويأكلون أكلا.
لكن الرجل من اليوم الأول، قال له اذهب وأعلن دعوتك، أنا حاضر، أي شخص يكلمك بكلام أشهر السيف في وجهه، فما الذي كان يدعوه إلى هذا؟ أهو الرحم؟ رحمه مثل رحم العباس بن عبد المطلب، مثل رحم الباقين الهاشميين.
أكثر من هذا؟ مواقفه العملية، منها ما حدث ليلة الإسراء والمعراج كما قيل، ليلة الإسراء والمعراج غاب رسول الله باعتبار أنه أُسري وعرج به إلى السماء ببدنه وروحه، فالنبي غير موجود في مكانه، وكان أبو طالب يتفقده في كل ليلة خوفا عليه من غدر القرشيين، بل كان ينيم بعض أبنائه مكان رسول الله ويأخذه إلى مكان آخر، حتى لو وقع هجوم على هذا المكان الذي كان رسول الله نائما فيه، يُقْتَل أحد من أبنائه ولا يُقْتَل رسول الله.
فلما فقده أبو طالب ليلة الإسراء والمعراج خشي عليه، يمكن قريش عملت فعلتها واغتالت النبي؟ فجمع بني هاشم من أبنائه وأبناء إخوته، وقال لهم إن محمدا قد غاب، ولا نعلم ماذا فعل هؤلاء به، يمكن ابن الحضرمية كما قال أبو جهل فعل عملا له.
لأنه جاء إلى النبي مرة، وكان النبي ساجدا، وبيده (فهر) حجرة حتى يضرب رأس النبي، فألصقها الله بيده، الآن قد فعل فعلة من هذا النوع؟ فليأخذ كل منكم (مِدية) سكينا حادة، وضعوها تحت ثيابكم، الموعد غدا صباحا مع طلوع الشمس عند الكعبة، كفار قريش يجتمعون هناك ويجلسون، فإذا تبين أنهم قتلوا محمدا فليخرج كل منكم (مديته) ويقتل أحدا منهم، أبا سفيان، أبا جهل أو غيرهما، (كل واحد يقف على رأس واحد ويجزه) حسب التعبير، فذهبوا فجرا ومعهم أبو طالب، وإذا برسول الله محمد قد أتى، فاطمأن قلب أبي طالب.
لكن حتى يعلم هؤلاء الجماعة درسا، قال لأبنائه وبني إخوته أخرجوا (مداكم)، كل واحد يخرج سكينه، وقال لكفار قريش، أنا قد كنت أمرتهم بأن يقتل كل واحد منهم واحدا منكم لو أصيب محمد بسوء، (فديروا بالكم)، لا تتصوروا أن القضية بسيطة، تقتلوا محمدا نقتلكم كلكم، فعرفوا هذا الأمر، ولذلك كفوا عن محاولات الاغتيال ما دام أبو طالب بهذه الطريقة من الدفاع، والنبي يقول: (ما سامتني قريش السوء وما طمعت في قتلي حتى مات أبو طالب) سلام الله عليه، هذه مواقف، وكم له من مواقف من هذا النوع؟ ما الذي كان يحدوه بهذا؟ وهو يصرح أن هذا نبي، وأنه كموسى، وأنه صاحب دعوة ودين، وأنه دعاني لذلك، وهذه هي مواقفه.
الخطوة الثالثة: بيئته التي عاش فيها، فهي تتكلم عنه، أمير المؤمنين عليه السلام في افتخاراته على معاوية، يقول له: (ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق)، لو كان أبو طالب غير مؤمن لكان أسهل على معاوية أن يقول أن أبا سفيان مسلم وأبوك غير مسلم، فإذن قولك بأن أبا طالب أفضل من أبي، لا ليس كذلك، ولكن إلى ذلك الوقت هذه الفرية لم تكن قد اخترعت بعد.
الإمام يفتخر به مرارا، وبقية الأئمة كذلك، قال الإمام السجاد السلام: (واعجبا كل العجب أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نهاه الله أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن؟)، حرام، امرأة مؤمنة تبقى على زوجية إنسان كافر، وقد أبقى رسول الله فاطمة بنت أسد على نكاح أبي طالب حتى وفاته، (10) سنوات من البعثة إلى وفاة أبي طالب على زوجية فاطمة بنت أسد وهي سادسة المسلمين، كيف يقر عليها؟ لماذا يبقيه زوجها وهو كافر؟ إما يجامل عمه، وهذا طعن في الرسول صلى الله عليه وآله، أو أن فاطمة بنت أسد ليست مؤمنة، بإجماع المسلمين هي كانت مؤمنة، ومن السابقات.
فإذن هذا كلام الإمام السجاد عليه السلام، يستفيد من هذا المعنى لإقناع الخصم إنه أنت إما تشكك في مصداقية رسول الله أو تشكك في إيمان فاطمة بنت أسد؟ وكلاهما لا يمكن، فإذن يبقى أن أبا طالب كان مؤمنا.
والإمام جعفر الصادق عليه السلام يقول شيئا أكبر من هذا: (لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة لأخرى لرجح إيمانه)، تستغرب؟ لا، لأن ضربة واحدة من ضربات ابنه في معركة واحدة، ربما لم تستغرق (10) دقائق تعدل عبادة الثقلين، (لَضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)، ضربة واحدة هي، كم استغرقت؟ (10) دقائق؟ (5) دقائق؟ لا نعلم، ضربة بهذه الطريقة، يجب أن تكون ضربة خاطفة، وهي تجاوزت عبادة الثقلين، فكيف بإنسان احتضن رسول الله من سن الـ(8) سنوات، في سن الـ(8) سنوات توفي جده عبد المطلب، وكَفَّلَه عمه أبا طالب، جده عبد المطلب جعل كفالته على أبي طالب، من سن الـ (8) سنوات إلى أن بُعِث بالنبوة كان عمره (40) سنة، هذه الـ(32) سنة كان معه، (10) عشر سنوات أيضا من البعثة، من أول البعثة إلى وفاة أبي طالب، ما هو المجموع؟ (42) سنة، من سن (8) إلى (40) هذه (32) إلى (10) سنوات البعثة، إلى وفاة أبي طالب، (42) سنة، وهو في حالة رعاية، وعناية، ودفاع، ومحاماة، وكفالة لرسول الله صلى الله عليه وآله، إذا ذاك ابنه ضربة واحدة بهذا الشكل، هذا (42) سنة كيف إيمانه واجهاده وكفالته وما شابه ذلك؟
ولهذا كان يُنَّظر دفاع أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ويستفاد منه في الاستنصار والاستغاثة، وهذا الذي نفهمه مما فعلته السيدة الصديقة الزهراء عليها السلام، عندما خاطبت أمير المؤمنين بـ(يا ابن أبي طالب).
الآن لو زوجتك واقعة في مشكلة، كيف تناديك؟ إما (أبو فلان) أو (يا فلان)، أما تأتي بـ(ابن فلان)؟ هذا يتبين أن ذاك أبوك عنده خصيصة خاصة، عادة تقول لك (يا أبو فلان) أنا أحتاج الأمر الفلاني مثلا، مستشفى أو مساعدة إلى آخره، أو إذا لا تريد أن تأتي بالكنية، تأتي بالاسم المباشر، (يا عبد الله) أو (يا فلان) أو (يا فلتان)، السيدة الزهراء عليها السلام هنا لم تقل يا (أبا الحسن)، لكن في وصيتها قالت (يا أبا الحسن)، هنا الموقف غير ذاك الموقف، ما قالت (يا علي)، وإنما قالت (يا ابن أبي طالب).
(يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين، قعدت حجرة الضنين... هذا اب أبي فلان يبتزني نحلة أبي وبليغة ابني)، ذلك بعدما غصبت حقها صلوات الله وسلامه عليها، وأُخذ منها بعد خلافة أمير المؤمنين، أُخِذ منها فدك، وذهبت إلى القوم، تعظ القوم في أتم خطاب، حكت المصطفى به وحكاها، (أيها القوم راقبوا الله فينا، نحن من دوحة الرسول جناها، لماذا لا تنظرون إلى حق رسول الله؟ أليس المرء يحفظ في ولده؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة)، ليس فقط ما راعيتمونا، ليس فقط ما احترمتمونا، وإنما عدوتم علينا، فأخذتهم حقوقنا، وعاتبت المسلمين بذلك العتاب المر، ما هذه السِنة عن ظلامتي، لماذا أنتم نائمون؟ (وما هذه الغميزة في حقي؟ ألم يقل رسول الله يحفظ المرء في ولده؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة)، ورجعت بأبي وأمي كما قالت، (خرجت كاظمة، وعدت راغمة)، ما حصلت شيئا، وكان لازما علي أن أخرج.
ثم التفت إلى أمير المؤمنين، (يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين، قعدت حجرة الضنين، نقضت قادمة الأجدل وخانك ريش الأعزل، افترست الذئاب وافترشت التراب، هذا أبي فلان يبتزني نحلة أبي وبليغة ابني، ويلاي في كل غارب، ويلاي في كل شارق، مات العمد، راح رسول الله، ووهن العضد، شكواي إلى ربي، عدواي إلى أبي...)