في خطبة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام قالت (واشهد أن لا إله الا الله، كلمة جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في الفكر معقولها)
نتابع حديثنا في الاذكار ومضامينها وقد سبق أن قدمنا حديث حول ذكر لا إله الا الله وقلنا إنه أول الاذكار وهو الذي يبتني اليه كل شيء بعده فالإنسان لا يستطيع أن يسبح الله بمعنى أنه لا يمكن نفي النقص عن الله الا بعد أثبات وحدانيته ولا يمكن للإنسان أن يثبت صفات الكمال لله كالكرم والرحمة وبقية صفاته الا بعد اثبات وجوده ووحدانيته وهذا ما يعبر عنه أحيانا للتوضيح بالقول ثبت العرش ثم انقش .
اولا لا بد أن يثبت الانسان وحدانية الله والوهيته سبحانه وتعالى وبعد ذلك تأتي الصفات ، فالانسان يستعين بالله الذي لا اله الا هو ويشكر الله الذي لا اله الا هو فلو حصل أي خلل في المبدأ فما كان بعده كل شيء يكون مختلا ، لذلك رأينا في القرآن الكريم أن آيات كثيرة تناولت هذا الذكر وهو الذي يكون أساس العقائد ، آية الكرسي والتي هي من أهم العقائد واشرفها في القرآن الكريم ويترتب عليها ما يترتب من الأثار تبدأ بهذا الذكر الله لا اله الا هو ، وهكذا في غيرها من الايات المباركة ، استشهدنا بكلمة من خطبة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، خطبتها الفدكية المشهورة قالت فيها (وأشهد أن لا اله الا الله ، كلمة جعل الاخلاص تأوليها وضمن القلوب موصولها وأنار في الفكر معقولها الى نهاية الخطبة والتي تقول فيها ،الممتنع من الابصار رؤيته ومن الالسنة صفته ومن الاوهام كيفيته )،هذا الذكر وهذه الشهادة التي هي ثمن الجنة ، فكما مر علينا أن ثمن الجنة كلمة لا اله الا الله وبوابة الدخول الى دين الله عز وجل فهو اول كلمة تقال لدخول الاسلام ، بوابة لا تنفتح الا بقول لا اله الا الله محمد رسول الله صل الله عليه واله وسلم .
كلمة اشهد أن لا اله الا الله كلمة جعل الاخلاص تأويلها فالاخلاص يأتي بمعنى الخلوص ، خلوص الشيء عما عداه ويأتي ايضا في المعاني الشرعية بمعنى النية الخالصة ، عندما يقول الانسان لا اله الا الله فهو يخلص نيته لله عز وجل وهذا هو الذي يترجمها ، فمن يذهب للمسجد لديه عدة اهداف منها رؤية الاصحاب وادء واجب صلاة الجماعة او لحضور مجلس ذكر ، لكن المطلوب أولا أن يكون ذهابه للمسجد والصلاة خالصا لله سبحانه وتعالى بحيث لو انتفت كل العوامل الاخرى فالانسان استجاب لنداء الله حي على الصلاة هو الذي ساقه للمسجد ورغبته في عبادة الله هي التي حركته للتوجه للمسجد وايضا قول لا اله الا الله يجعل قائله اعتقاده بان ايمانه بالله سبحانه وتعالى خالصا لا شريك له ولا مثيل له ولا نظير له ولا شيء يعيبه وهو يساوي معنى ماذكرناه في بحث سبحان الله وهو تنزيه لله سبحانه وتعالى .
الاخلاص هنا بمعنى التخليص ، فالله سبحانه وتعالى لا اله الا هو ليس معه شريك ولا وزير ولا ند ولا شبيه له ، وضمن القلوب موصولها فما تصل اليه قلوب الناس حيث أن الايمان بأن لا اله الا الله هو من الفطرة السليمة ، لو ترك الانسان وفطرته ولم تلوث هذه الفطرة بشهوات أوأخطاء فكرية سيهتدي الى الله سبحانه وتعالى وأنه لا اله الا هو ، بهذا المقدار جعل الله القلوب ضامنة له اي جعل القلوب موصولة بما وصلت اليه القلوب والعقول من وحدانية الله فاصبحت بضمان ذلك مسؤلة عنه، وأنار في الفكر معقولها ،كل أنسان يفكر يهتدي لهذا المعنى معنى عقلي واضح .
ذكر لا اله الا الله يتكون من قسمين ، قسم نفي وقسم ايجاب وأثبات ، وفي بعض الروايات لدينا كلمة اولها كفر وأخرها ايمان ، عندما يقول أنسان لا اله ويسكت فهذا يدل على الكفر لانه يجحد الوهية الله عز وجل وحينما يكمل ويذكر الاستثناء الا الله اصبح مؤمن موحد لا يوجد اله ولا رب الا اله ورب واحد هو الله سبحانه وتعالى ، وعلى هذه الكلمة في معناها كل معارك الجاحدين من بدء الخليقة الى يومنا هذا والى ان يبعث الله الناس من قبورهم هي على هذه المشكلة هل هناك اله آخر غير الله وليس فقط من معنى الكلام وانما من ناحية التطبيق ، نمرود عندما يهدد نبي الله أبراهيم ليس لانه قال بلسانه كلمة لا اله الا الله فهي رسالة ودعوات جميع الانبياء ، نمرود عندما يعارض ابراهيم لان ابراهيم يقول لا اله الا الله ونمرود يعارضه فيقول أنا بديل لله اوأنا مع الله وأمري قبل كل أمر ، كذلك فرعون الذي ادعى الربوبية فقال أنا ربكم الاعلى ،ففي رأي فرعون هناك اله ادنى وهناك اله أعلى يتمثل في فرعون ، يرد تسأل هل القانون الوضعي هو الذي يقول رأيه في هذه الامور ام القانون الالهي ، حتى في بعض بلاد المسلمين في قضايا الاحوال الشخصية قسم النكاح والميراث والطلاق وما شابه ذلك تقول بلسان المعنى انه يوجد اله غير الله فالقانون الموضوع لا يوافق قانون الله بل القانون الوضعي الذي سنه الانسان ، فالله يوجب شيء والقوانين الوضعية توجب شيء آخر مثل الميراث قانون الله يقول للذكر مثل حظ الانثيين والقانون الوضعي يقول بالتساوي ، الله يقول أن الطلاق من مسؤلية الزوج لان الطلاق بيد من أخذ بالساق وهو الذي اعطى المهر والقوانين الوضعية تقول غير ذلك بأمكان الزوجين الطلاق في غير موضوع الخلع الذي هو تخريج شرعي ، كذلك قضية ولاية الاولاد والنفقة على الاسرة وغيرها من الامور الشخصية التي تسمى بقوانين الاحوال الشخصية في كثير من بلاد المسلمين هي على خط المخالفة مع لا اله الا الله فمن الذي يحكم ويقول هذا صحيح او ذاك باطل اما الله او غيره او معه اخرون بينما كلمة لا اله الا الله تقول بانه لا يوجد غير الله ولا يوجد معه احد وانما الحكم الا لله اي حاكم او حكم او قانون اخر مالم يكن منطلقا من شرع الله ومن حكم الله فهو حكم باطل لانه ادعا غير مباشر للربوبية والالوهية ، لذلك كان ينبغي كما تقول السيدة فاطمة الزهراء في خطبتها حول الاخلاص (كلمة جعل الاخلاص تأويلها )، ان يكون نية الانسان خالصة لله عز وجل وفعله خالصا منطلقا من اوامر الله عز وجل ، من هذا الموقع كانت كلمة لا اله الا الله من أعلى الاذكار ومن أهم الاقوال ، الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم ( وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فعبدون ) اول ما يخبر الرسول قومه هو ان لا اله الا الله قولا وفعلا ومن ثم تأتي بقية المسائل صفات الله وخصائصه واوامره ، فالاختلاف مع الكفار هو الفهم الصحيح لقول لا اله الا الله فاذا اقروا بذلك وفهموه الفهم الصحيح اصبحوا مؤمنين ، اما اذا اصروا على بقاء قوانينهم التي تعارض قوانين الله فهم ليسوا بمؤمنين .
افراد الله سبحانه وتعالى بالالوهية ثم بالعبودية والطاعة في العبادة والقانون والمجتمع هذا جميعه ينطلق من لا اله الا الله فهي من الاذكار العظيمة ، وكما ذكرنا أن اعرابي جاء الى رسول الله صل الله عليه واله فسأل الاعرابي الرسول هل للجنة ثمن فأجابه نعم فقال ما ثمنها فقال لا اله الا الله ثمنها ، وأنها افضل العبادة ، في رواية عن رسول الله انه قال ( افضل العبادة قول لا اله الا الله ) .
لها ايضا أثار متنوعة منها ما ذكر في الروايات اول اثر لها انها تهدم الذنوب ففي اي وقت يستطيع الشخص ان يكرر قول لا اله الا الله فهو بهذا كلما قال لا اله الا الله هدم ذنب بل ذنوب ، وكلما كرر الانسان هذا الذكر فهو يهدم ويبني فالنفي يناسب الهدم و الاثبات يناسب البني .
في الرواية عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال ، قال رسول الله محمد صل الله عليه واله ( لقنوا موتاكم لا اله الا الله فإنها تهدم الذنوب فقالوا يا رسول الله فمن قال في صحته قال ذلك أهدم وأهدم أن لا اله الا الله انس للمؤمن في حياته وعند موته وحين يبعث ) من المستحبات التي يقوم بها الناس ويداومون عليها هي عملية التلقين للميت عندما ينزل به الى قبره يأتي معه احد العارفين ويضع يده عليه واحيانا يهزه فما زالت الروح معلقة بالبدن لم تنفصل عنها تماما فالروح لا تنفصل الا بعد فترة طويلة فهناك مراحل متعددة في انفصالها عن بدن صاحبها ، ولهذا يقال ان الميت يسمع وقع نعال اهله وهم يغادرونه بعد دفنه ،فما زال يوجد نحو اتصال بين الروح والجسد ، فالتلقين له فائدة فعندما يلقن الميت عقائده ويلقن الكلمات الحقة والشهادة لله بالوحدانية وللرسول بالنبوة وللائمة بالإمامة فهو يكون حاضر الجواب وايضا فهي تهدم الذنوب هدما لمن يكررها في صحته وحياته في اوقات فراغه وعمله يستطيع تكريرها ويحوز على الثواب العظيم والفائدة الجلية فهي تهدم الذنوب بشكل كبير كما انها تكون انيس لقائلها في الحياة والممات وساعة البعث ، وفي الحديث عن امير الؤمنين علي عليه السلام قال ( ما من عبد مسلم يقول لا اله الا الله الا صعدت تخرق كل سقف لا تمر بشيء من سيئاته الا طمستها ) .
الاثر الثاني لذكر لا اله الا الله بناء في الجنة كما انها تهدم الذنوب والسيئات فهي تبني لقائلها في الجنة قال الامام الصادق عليه السلام ( ما من قائل حين يأوي الى فراشه لا اله الا الله مئة مرة بنى الله له بيت في الجنة ) يستطيع الشخص ان يجعل له عادة حسنة بدل العادة التي اعتادها قبل النوم بالنظر الى الجوال بالرغم من اثاره السلبية على عينيه وعقله وصحته فيستبدل هذه العادة السيئة حين التوجه للنوم بالوضوء اولا فمن بات على وضوءه بات وفراشه كمسجده ويمسك بسبحة حسينية فمن ميزة السبحة الحسينية انه ان من يمسكها حتى لو لم يذكر فيحسب ذاكرا ويبدأ بقول لا اله الا الله وتكرارها قبل النوم فاذا اكمل مئة مرة بنى لنفسه بيت في الجنة وهو ماكانت تدعوا به اسية بنت مزاحم في مقابل تعذيب فرعون لها بسبب ايمانها بالله عز وجل ، بهذا الذكر اصبح بناء بيت في الجنة عملية سهلة وميسرة للإنسان المؤمن .
الحديث عن الامام الصادق عليه السلام ( من قال حين يأوي الى فراشه لا اله الا الله مئة مرة بنى الله له بيتا في الجنة ) وهنا كناية عن المبالغة في اهتمام الله بهذا الذكر ففي بعض المواقع يأمر الله ملائكته باعطاء الثواب لعباده ولكن في هذا الموقع يبين الامام بان الله هو من يبني بيت لعبده في الجنة جزء ما قام به من التهليل لله سبحانه وتعالى.
ومن أثار هذا الذكر الكفاية من الفقر والانس في القبر عن الامام ابي عبد الله عليه السلام (من قال مئة مرة لا إله الا الله الملك الحق المبين أعاذه الجبار من الفقر وأنس وحشة قبره وأستجلب الغنى وأستقرع باب الجنة) هذا ليس بديل عن السعي لكسب الرزق ولكن عدل وأعانه لزيادة الرزق والتوفيق والتسهيل من الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المهلل والمكرر لذكر لا إله الا الله فالله لديه مفاتيح خزائن السماوات والارض وهو الذي يرزق عباده بدون حساب ومن حيث ما يشاء.