في الحديث المروي عن الامام علي ابن موسى الرضا عليه السلام انه قال (بسم الله الرحمن الرحيم أقرب الى الاسم الاعظم من بياض العين الى سوادها ) .
مقدمتان لهذا الحديث :
المقدمة الاولى: الديانات فيها امور متعددة فيها ثقافة ورويئة وفلسفة، فحينما يؤمن الانسان باله واحد وان يؤمن بيوم القيامة، وان يؤمن بانه لم يخلق عبثا بل من اجل هدف وغرض وهذا يتبين في قول الله سبحانه وتعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) وما يتصل بذلك من المسؤوليات العبادية والنظام العبادي والاخلاقي، هذه نسميها فلسفة ورؤية الديانة، مثلا الفكرة التي تقول بوجود الهين اثنين وهم من يسمون بالثانوية نسبة بوجود الهين إله الخير واله الشر، وهذه تختلف في رؤيتها وتفاصيلها عن نظرية الاسلام الذي يقول بالتوحيد بخلاف النهج الخاطئ الذي أتخذه النهج المسيحي الذي يقول بوجود ثلاثة ألهه فالفكر المسيحي يقول بان الله ثالث ثلاثة، وهذه من العقد التي لم يستطيعوا شرحها شرح واضح هل هم متساوون في المكانة او ان بعضهم من بعض فهم يؤمنون انهم ثلاثة اولا الاب وهو الذي يفترض ان يكون الله سبحانه وتعالى والابن وهو النبي عيسى عليه السلام وروح القدس، وهذا المنهج الخاطئ الذي يقولون به يغالط المنهج الصحيح الذي جاءوا به الانبياء وهو التوحيد، وانما حصل التحريف على يد من جاء بعدهم وهذا المنهج منهج التثليث يختلف عن منهج التوحيد الالهي وهكذا، فكل ديانة وفرقة لا تكون فرقة الا إذا كان لديها تمايز عن غيرها للإيمان اما بشكل كامل او بشكل جزئي في فلسفتها ونظرتها للحياة فلابد ان يكون لكل ديانة فلسفتها و افكارها ومنهجها المختلف عن الاخرين .
الاسلام لديه رؤيته الخاصة تبدأ بالتوحيد وتنتهي الى العودة للخالق سبحانه وتعالى يوم القيامة وبينهما فلسفة الحياة وواجبات الانسان تجاه ربه من خلال نظامه الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي ،هذا يجب ان يكون موجود في كل دين والاسلام لديه ذلك .
هناك شيء أخر يجب ان يتوفر وهو الممارسات العبادية فمن اجل تحقيق العبودية لله لابد من وجود طريقة لتحقيق ذلك ،فالإسلام يبين كيف يتقرب اتباعه ومن ينتمون اليه الى ربهم في مقابل العبادة الاقتراحية والتي تخضع احيانا لأهواء البعض ،الدين الصحيح يقول هناك عبادة توقيفية خاصة بشكل معين لا يمكن ان يتقرب الى الله الا بها ،الصلاة في دين الاسلام هي بهذه الكيفية لا تزيد ولا تنقص ولا يقبل الاقتراح فيها فمثلا صلاة الظهر اربع ركعات من اراد ان يزيدها تقربا لله لا يجوز له ذلك ،فنظام العبادة نظام توقيفي محسوب وهذا موجود في أغلب الديانات وكذلك موجود في الديانات شعارات وهي عبارة عن تحويل الرؤية الكونية والفلسفة الى شيء بسيط وقريب ،فمثلا حينما نتكلم عن الرؤية الكونية لله عز وجل وتجاه اسماءه الحسنى فهي تحتاج الى محاضرات كثيرة لهذا الباب ،واكثر الناس اما انه ليس لديهم وقت لذلك او قدرتهم الذهنية ليست حاضرة، فهؤلاء يحتاجون الى شعار واشارة وشفرة بحيث يشير الى تلك المسألة الكبرى فمثلا حينما يقول الشخص لا اله الا الله ،هذا ذكر وشعار لما قدمه الدين من براهين على ان عقيدة التوحيد هي العقيدة الصحيحة وانه الله لا اله الاهو ،محمد رسول الله صل الله عليه واله وسلم هذا شعار من الشعارات ترتبط بثقافة الدين الاسلامي ورؤيته ،ولذلك حينما يريد شخص الدخول الى الاسلام يعطى شفرة وشعار و هي قول لا اله الا الله محمد رسول الله فبهذا يصبح الانسان مسلم .
فالاذكار في الغالب هي نوع من انواع الشعار المختصر للفلسفة المفصلة للدين والعقيدة فحينما يقول الله اكبر فهو يعني ان الله اكبر ليس عن سائر مخلوقاته فقط فهذا المعنى البسيط لهذا الذكر ،فالله اكبر من ان يوصف ،واكبر من ان يعلم ،فبهاتين الكلمتين الله اكبر يعطى للانسان المسلم اختصار لعقيدة مفصلة هي التي يتكلم عليها في باب العقائد ولذلك اهمية الاذكار في دين الاسلام بل في سائر الديانات قبل التحريف لها اهمية كبرى وهي اختصار العقائد ، فحينما نقول اشهد ان علي ولي الله هذا اختصار جاء من براهين وردت في كتب كثير ة كالعلامة الحلي وما كتب في افضلية امير المؤمنين وتفضله على غيره هذا جميعه يرد في ذكر اشهد ان علي ولي الله .
اهمية هذه الاذكار في انها مختصرة ويسيرة الحفظ وهي سهلة التداول كما انها تنقل الانسان الى تلك العقائد الكبيرة .
فهذه جهة من جهات لزوم الاهتمام بالأذكار الواردة وان الاذكار الواردة تكون واردة عن المعصومين وليست اقتراحية ،فالأذكار التي ينبغي التمسك بها اما وردت في القرآن الكريم او وردت في أحاديث رسول الله واله الاطهار ،فهذه الاذكار اهميتها انها تذكير وتركيز لاهم العقائد من هنا نرى شيء مهم جدا من اهتمام المعصومين في امر الاذكار وترتيب الاثار عليها .
احيانا يكون الذكر فقط من اجل تلخيص عقيدة وهذا يحققه ،وأحيانا اخرى يكون لها اثار وهذه الاثار هي اثار أخروية وهو الثواب من الله سبحانه وتعالى فحينما يقول الشخص الله أكبر او لا إله الا الله او حينما يقول الشخص بسم الله او سبحان الله هذه الاذكار جميعها لها ثواب عظيم عند الله سبحانه وتعالى ،كما ان لها اثار على النفس من تكرار ذلك باللسان ،وامر ثالث ان لها اثار وضعية في عالم التكوين ففيها اقتضاء التأثير في الكون فمن قال أحد الاذكار كأن يقول بسم الله الرحمان الرحيم يرد عليه ملكان قد هديت على أثر هذا الذكر ،وإذا قال الشخص لاحول ولا قوة الا بالله قال له ملكان قد كفيت فبالإضافة إنك حصلت على علامات الهداية وهناك ايضا مؤهلات الكفاية من العدو والشر والبلاء ومالم يمنع من حصول ذلك مانع ، فهذه الاذكار خلاصة فلسفة الدين وثانيا فيها ثواب عظيم جدا وثالثا فيها اثار تكوينية كما سيتبين عند قراءتنا لهذ الاذكار .
المقدمة الثانية :
ان في الحديث (بسم الله الرحمان الرحيم هذا الذكر أقرب لاسم الله الاعظم من سواد العين لبياضها ) فالاسم الاعظم في عقيدة المسلمين هو ذلك الاسم الذي له فاعلية في الكون فمن يمتلكه كأنما اعطاه الله ولاية تكوينية بحيث يتصرف في الكون بالحسنة وبما تقتضيه الحكمة وهو اعلى درجة من درجات العلم بحيث من حاز على بعض اجزاءه يكون لديه هذه المراتب ،وبسم الله الرحمان الرحيم قريبة جدا من اسم الله الاعظم فبه تفتح الابواب وبه يدفع البلاء وبه يستجاب الدعاء وبه يقمع الاعداء والقريب من اسم الله الاعظم هو بسم الله الرحمان الرحيم ،فهذه الاذكار التكوينية ليست على حسب الرياضيات فليس كل من قال بسم الله الرحمان الرحيم يتغير الكون له ،فترتيب شيء على شيء هو على سبيل الاقتضاء وليس على سبيل الرياضيات او الهندسة ،الله يقول في القرآن الكريم ادعوني استجب لكم ولكن ليس كل دعاء يستجاب ،فالأمر ليس بنحو المعادلات الرياضية ،فلو الله استجاب لكل من يدعوا لن يبقى هذا الكون ولأختل النظام الالهي في الخلق .
اصدق كلام هو كلام الله فحينما يقول ادعوني استجب لكم تكون الاستجابة بحكمة الله في خلقه وبقدرته وسرعة استجابته ،كذلك من قال بسم الله الرحمان الرحيم سيكون له اقتضاءه وتأثيره الا إذا عارض ذلك حكمة الهية او كان هناك مانع يمنع من تحقق ذلك التأثير.
بسم الله الرحمان الرحيم هو ذكر من الاذكار التي لها اثار عظيمة ،في الحديث عن النبي محمد صل الله عليه واله وسلم (في هذا الذكر الذي من استعمله كل صباح ومساء وكل الله به عز وجل اربعة املاك يحفظونه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وكان في امان الله عز وجل لو اجتهد الخلائق من الجن والانس ان يضاروه ما قدروا وهو بسم الله الرحمان الرحيم بسم الله خير الاسماء بسم الله رب الارض والسماء بسم الله الذي لا يضر مع اسمه سم ولا داء بسم الله اصبحت وعلى الله توكلت بسم الله على قلبي ونفسي بسم الله على عقلي وديني بسم الله على اهلي ومالي بسم الله على ما اعطاني ربي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض والسماء بسم الله السميع العليم ) ومعنى بسم الله تارتا يستعين الانسان بالله عز وجل فالاسم مقصود هو الله بذاته وايضا حينما يقول الانسان بسم الله فانه يبدئ عمله بسلطان الله .
في حديث أخر عن ابي سعيد الخدري وهو كان على منهاج اهل البيت عليهم الصلاة والسلام ينقل الحديث عن النبي صل الله عليه واله وسلم (من قال إذا خرج من اهل بيته بسم الله قال له ملكان هديت فان قال لا حول ولا قوة الا بالله قالا وقيت فاذا قال توكلت على الله قالا كفيت فيقول الشيطان كيف لي بعبد هدي ووقي وكفي )
وفي حديث ثالث عن الامام الكاظم عليه السلام انه قال ( ما من احد دهمه امر يغمه او كربته كربة فرفع رأسه الى السماء وقال بسم الله الرحمان الرحيم بسم الله الرحمان الرحيم بسم الله الرحمان الرحيم فرج الله كربته واذهب همه ان شاء الله تعالى )
هذا الحديث يشرح مؤثرات ومقتضيات وليس معادلات هندسية ورياضية بل تخضع لحكمت الله وارادته وليس لقدرته وقوته فقط .
بل قيل في تفسير الآية المباركة بسم الله مجراها ومرساها او مجريها ومرسيها وكل قراءة تختلف عن المعنى الاخر فحينما نقول بسم الله مجريها ومرسيها تعني ان المجري والمرسى عائد الى الله عز وجل بينما حينما نقول بسم الله مجراها ومرساها اي ان حالة كونها جارية او راسية فهي بإرادة الله سبحانه وتعالى فبسم الله زمان جريانها وبسم الله حين رسوها والمعنى الثالث بسم الله مجراها ومرساها كأنما نقول ان وقودها هو الله سبحانه وتعالى فالسفينة تتحرك بالطاقة النووية واخرى بالبترول ولكن هذه السفينة تتحرك باسم الله فهو وقودها ومحركها وكذلك وقوفها باسم الله عز وجل لا الرياح ولا المجاديف وانما المحرك لها هو اسم الله هو وقودها ومحركها .
كذلك من الامور التي ذكر الله له تأثير كبير عليها ويجب القيام بالتسمية قبل الذبح ،،فالذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها حين الذبح وان استقبل القبلة وفري الاوداج الأربعة ان لم يذكر اسم الله عليها تكون ميتة ولا يحل اكلها بعكس ما ذكر عليها اسم الله حين الذبح تكون حلال وفي الآية ( فكلوه حلال طيب ولا تأكلوا مما لم يذكر أسم الله عليه وانه لفسق ) فذكر الله يقلب الحرمة الى الحلية ومن النجاسة للطهارة ويجعل الانسان محميا مهديا هذا كله ببركة ذكر الله عز وجل .