قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم (تسبح له السماوات السبع ومن فيهن والارض وأن من شيء الا يسبح بحمده)
حديثنا في سلسلة معاني الاذكار يتناول معاني التسبيح وهو أحد الأذكار العظيمة الواردة في القرآن الكريم وفي الروايات نتعرض الى هذا الذكر والى بعض معانيه ومفاهيمه.
في البداية نشير الى أن هذا الذكر بصيغه المختلفة جاء في القرآن الكريم في موارد متعددة بلغت 89 موردا ، كقوله يسبح لله ، سبحانك اللهم ،فسبح بحمد ربك ، يسبحوا ، سبح، وغيرها من الصيغ المتعددة جاءت في 89 موضعا في آيات القرآن الكريم ، وابتدأت 6 سور من القرآن الكريم بأية فيها تسبيح ففي سورة الجمعة بدايتها ( يسبح لله ما في السموات وما في الارض ) وفي سورة الأعلى (سبح أسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى ) وهكذا ( سبح لله ما في السموات وما في الارض ) وغير ذلك فهناك 6 سور قرآنية بدأت بالتسبيح أما بصيغة الماضي سبح ،أو بصيغة المضارع يسبح ،او بصيغة الأمر سبح، وأحيانا بصورة المصدر( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ) في سورة الاسراء.
وقد لا نجد بهذا المقدار من الحضور في آيات القرآن الكريم وبداية السور ذكر أخر غير ذكر الحمد فهذين الذكرين وردا في افتتاح بعض السور القرآنية ووردا في مواضع كثيرة من الآيات القرآنية.
التسبيح يتحدث عنه القرآن الكريم بأنه فعل الكون كله ، ليس فعل العباد وليس فعل الاشياء فقط بل كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى يسبح لله ، تسبح له السموات السبع وما فيهن ومن فيهن وايضا تسبح له الارض بمقتضى العطف يعني الارضون السبع وبمقتضى العطف ايضا من فيهن وما فيهن فكل شيء في السماء والارض عاقل كأن يعبر عنه بمن او غير عاقل يعبر عنه بما أكان في السموات او الارض كل ذلك يسبح لله فيقول (وإن من شيء الا يسبح بحمده ) فكل شيء في هذا الكون يسبح بحمد الله ،وبهذا يكون التسبيح اعظم من أن يكون مجرد ذكر كقول الانسان سبحان الله ،فهذا الذكر اللفظي هو من مراتب التسبيح ،ولكن عندما يقول وأن من شيء الا يسبح بحمد الله فهو يقصد بأن الحجر والمدر والحديد وسائر المخلوقات جميعها تسبح بحمد الله ،أي شيء في هذه الدنيا من مخلوقات الله يسبح بحمده وقوله وأن من شيء يعني وما من شيء فيقول العلماء أن هذا من أبلغ صيغ العموم ، ما من شيء الا يسبح بحمده.
فما هو هذا التسبيح الذي يسبح لله عز وجل جميع السماوات والارضون وما فيهن وما بينهن وكل شيء في الخلق.
ذكرنا في بحث الصلاة على محمد وآل محمد أن صيغة الصلوات لم ترد في أي من الواجبات أو المستحبات فقول الله ( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) هنا الدرجة دون ذلك فكل شيء يشارك في التسبيح بينما في الصلاة على محمد ذكر أن الله وملائكته ومن خلق الله سبحانه وتعالى يشاركون في هذه الصلوات ولهذا على العباد أن يشاركوا في الصلاة على رسول الله صل الله عليه واله وسلم ، في التسبيح استثنى الله الخالق الباري عن التسبيح وبقي كل شيء يشارك في عملية التسبيح لله عز وجل جميع المخلوقات يسبحون بحمده فماذا يعني التسبيح وماذا يعني بحمده .
ورد اثر التسبيح لدى الانبياء واضح بالنسبة لهم ويعلمون أهميته ويعرفون أثاره، فحينما تتكلم الآيات عن نبي الله يونس عليه السلام يقول (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون) هذا من أثار التسبيح لدى نبي الله يونس الذي يتحدث عنه القرآن الكريم فيما يرتبط بأحد الانبياء، نبينا المصطفى صل الله عليه واله يخاطبه الله سبحانه وتعالى فيقول (وسبح باسم ربك العظيم ) ويقول في آية أخرى (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) و الله سبحانه وتعالى يعطي لرسول الله علاج لما يلم به من مضايقة الكفار والمعارضين له بالتسبيح فيتخذ التسبيح والسجود لله عز وجل دواء لذلك .
ماذا يعني التسبيح: التسبيح في اللغة العربية له معنيان أحدهما ينطبق فيما نتحدث عنه والاخر لا ينطبق، المعنى الاول من التسبيح سبح ويسبحوا وسبح بمعنى السعي السريع (ان لك في النهار سبحا طويلا) يعني سعي وحركة وما شابه ذلك ويقال للفرس السريع السير سابح بل حتى السباحة المعهودة في البحر باعتبار انها نحوا من السعي والانسياب السريع في الماء، هذا المعنى ليس محل بحثنا ولا يرتبط بموضوع الذكر.
المعنى الآخر والذي يرتبط بحديثنا هو أن التسبيح بمعنى الابعاد والتنزيه، التنزيه بمعنى الابعاد عما يشين وعما لا يليق، فيما يرتبط بالله عز وجل التسبيح هو التنزيه المطلق عن كل نقص وعن كل ما يشين، مثلا الحاجة للطعام يعتبر نقص بالنسبة لله سبحانه وتعالى فهو دليل الضعف والحاجة فنحن نسبح الله وننزهه عن هذا النقص.
حاجة الانسان للنوم شيء طبيعي ولكن الله نسبحه وننزهه عن هذه الحاجة فهو لا ينام فنقول ( الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) فالنوم يدل على العجز والنقص ولهذا الآية تنفي عنه هذه الحاجة وأن كان النوم للحظة واحدة ونسبح الله وننزهه عن هذه الحاجة ، كما أن حاجة الانسان للزوجة والولد والمعين في تجارته وحياته شيء طبيعي ولكن الله ننزهه عن ذلك والآيات القرآنية تنفي عنه تلك الحاجة ( لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) فمن يحتاج للمعين هذا نوع من النقص والعجز فننزه الله عن ذلك .
فاذا معنى التسبيح في قول سبحان ربي الاعلى وبحمده سبحان ربي العظيم وبحمده أي ان الانسان في مقام ينزه الله عز وجل ويبعده عن كل نقص يعتقد فيه القداسة المطلقة والكمال المطلق وعدم وجود عجز او نقص واي شيء يخل بمقام العبودية والربوبية تلخيص كل هذه في قول سبحان الله، سبحان ربي، معنى ذلك تنزيه الله عن كل هذا النقص والحاجة.
يوجد بحث في العقائد يبحثون العلماء فيه صفات الله واسمائه عز وجل فيقسمون صفاته واسمائه الى صفات واسماء جمال وصفات واسماء جلال او جلال واكرام، تبارك ربك ذي الجلال والاكرام ،في تعابيرهم يستخدمون عبارة صفات جلاليه وصفات جمالية ، الصفات الجلالة ترتبط بالتسبيح ،ليس له شريك ليس عاجز ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، لا يحده حد ، لا يغلبه غالب ، لا يتمرد عليه أحد، لا يخرج من سلطانه شيء ، بعبارة أخرى الصفات والاسماء التي تبدأ بصفة سلبية بنفي هذه تسمى بصفات واسماء الجلال ، لا تأخذه سنة ولا نوم مبدؤه بالنفي والسلب هذه من صفات الجلال ، لم يكن له شريك في خلقه هذه ايضا من صفات الجلال وهكذا .
وهناك صفات تسمى بالصفات الجمالية وفي التعبير القرآني الاكرام وهي الصفات المثبتة، الرحمان، الرحيم، اللطيف، السميع، الخبير.
في دعاء الجوشن قسمان لصفات الله ففي بعض منه يقول يا رحمان يا رحيم يا حنان يا منان يا جبار يا قهار يا غفار يا ستار وغيرها هذه جميعها صفات جمالية صفات الاكرام وفي المقابل صفات جلاليه، يامن لا شريك له، يا من لا ند له، يامن لا كفوا له، هذه جميعها تبدأ بصفات سلبية بالنفي.
التسبيح مربوط عادة بصفات الجلال ففي التسبيح تنزيه الله عن الشريك والضعف والحاجة والظلم والنوم وتنزيه الله عن كل صفة لا تليق بالله عز وجل ، وفي التسبيح الثاني الاكرام ترتبط بالحمد اكثر الذكر الموجود سبحان ربي الاعلى وبحمده ، التسبيح فيها للتنزيه والاجلال ،وقول بحمده هي صفات الاكرام والاثبات ، فقول الرحمان الرحيم الكريم اللطيف هذه جميعها صفات جلاليه وحينما نقول لا تأخذه سنة ولا نوم ، لا شريك له ، لا ضد له ، لا ند له ، ليس له نظير ، لم يلد ولم يولد ، وغيرها مما ورد في الادعية مما فيها النفي هذه صفات التنزيه وهي التي تتولاها ويتولاها التسبيح ، المصلي في الركوع والسجود يأتي بهما المصلي معا صفات الاجلال والاكرام حينما يقول سبحان ربي الاعلى وبحمده المصلي ينزه الله ويقدسه ويبعده بسبحان الله عن كل ما ينقصه وبحمده يعني الصفات الايجابية اللطيف والكريم و العليم والخبير، كل هذه الصفات تتولاها قول وبحمده .
وأن من شيء الا يسبح بحمده، فمن الواضح طريقة تسبيح الانسان المؤمن يسبح بحمد الله والملائكة تسبح بحمد الله ولكن الشجرة كيف تسبح بحمد الله ، فالله قال ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، الحجر يسبح الله ولكن الانسان لا يفقه تسبيحه ، وأحد وجوه تسبيح الجمادات وما في حكمها كالحيوان فهناك معنى أخر أن كل خلق من خلق الله عز وجل هو شاهد على علم الله وحكمته وعلى عدم وجود نقص فيه أبدا ، العلماء الذين يبحثون في أعضاء الانسان وكتبوا في تنزيه الله وتعظيمه وان العلم يدعو للإيمان ، فحينما ينظرون الى اي عضوا من اعضاء الجسم البشري يقولون بعظمة خلق الله وانه لا يوجد أكمل من خلق الله وتكوينه فهي تعطي ما خلقت له وايضا تعطي جمال كالعين وتكوينها بهذه الكيفية تعطي النتيجة الكاملة المطلوب منها وكذلك تعطي جمال لوجه الانسان ،حينما ننظر للشجر والحجر والبحر وغيرها من مخلوقات الله والكيفية والشكل الذي خلقها الله عليه نرى أنها تؤدي ما خلقت من أجله وتضفي جمال ،فجميع المخلوقات لها شهادتان شهادة حمدية وشهادة تسبيحيه لله عز وجل ، الشهادة الحمدية تقول الله خالق قدير فهو خلق الاشياء في أجمل وأكمل صورة وتدل على حكمته وعظمته سبحانه وتعالى والشهادة الثانية التي نأخذها من خلق الله هي على ان الله ليس فيه نقص ولا عجز وان هذه الشجرة وغيرها من المخلوقات لا ينقصها شيء لتؤدي الوظيفة التي خلقت من اجله هذا كله تنزيه وتبراءه لله تعالى عن اي نقص أو عجز ، فكل شيء في الخلق يسبح الله بحمده فالمخلوقات حينما ينظر لها الانسان يرى كمال الله وجماله وعدم النقص فهو عالم حكيم مدبر لجميع مخلوقاته ،سبحان الله العظيم الاعلى نسبحه ونقدسه وننزهه عن اي نقص ونسأله سبحانه وتعالى أن يفيض علينا من حمده والآه وأن يحجب عنا كل سوء وشر ومكروه أنه على كل شيء قدير.