14 هل مصيبة الحسيم هي الأعظم في الكون؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 14/1/1446 هـ
تعريف:

هل مصيبة الحسين هي الأعظم في الكون

كتابة الفاضل علي السعيد

جاء في زيارة عاشوراء للإمام الحسين عليه السلام، يخاطب الزائر فيه الإمام فيقول: (أبا عَبْدِاللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ أهْلِ الإسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَميعِ أهْلِ السَّماواتِ...)، هذه الزيارة من الزيارات المعروفة والمشهورة والمروية عند الشيعة الإمامية، وينبغي التأمل في فقراتها، ونحن ننطلق منها للحديث عن جواب لسؤال: (لماذا كانت مصيبة الإمام الحسين عليه السلام أعظم المصيبات على جميع أهل السماوات؟)، في بعض الروايات: (وعلى جميع أهل الأرض)، في هذه الزيارة، (وعلى أهل الإسلام)، طبعا هنا الواحد يجب أن يركز كمبدأ ثم يقول: (لماذا؟) ربما أيضا قسم من الناس يسأل، إنما سؤال المستفسر والمستفهم أو أحيانا سؤال المشكك، (كيف تكون هذه أعظم مصيبة؟)، هناك بعض الحروب حصل فيها قتل بمئات الألوف وعشرات الملايين، الحرب العالمية الأولى والثانية مثلا، عشرات الملايين ذهبت من البشر ضحية هذه الحروب، فهي إذن مصيبة، مصيبة أعظم من حيث العدد، أو تكون نوعية المصيبة كما قال بعضهم وتساءل، نحن رأينا عوائل تقطع، أوصالا أوصالا، يُعتدى عليهم بشتى أنواع الاعتداءات، فكيف لا تكون تلك المصائب أعظم؟ كما قلت، قد يطرح هذا السؤال متسائل مستفسر، وقد يطرحه مشكك غير قابل لهذا الأمر، ونحن نجيب على هذا الجواب في عدة نقاط، وهي: أولا: إشارة إلى ما ورد في هذا النص: (أَبا عَبْدِاللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ أهْلِ الإسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَميعِ أهْلِ السَّماواتِ...)، فقد يقول لك إنسان، هناك بعض أهل الإسلام ليسوا ولا يرون هذه المصيبة مصيبة عظيمة، وإنما يمرون عليها مرورا عابرا، وجواب ذلك، إن الزيارة تشير إلى الإسلام الحقيقي، من كان مسلما حقيقيا، وعرف عن الحادثة بأبعادها بشكل صحيح، وسمع ما جاء عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها، هذا إذا هو مسلم من اللازم أن تكون عظيمة عليه، فإما أن يكون لم يصله خبر، أو وصله خبر بشكل مزيف، قبل عدة سنوات نحن بحثنا هذا الأمر في كتاب: (أنا الحسين)، وبينا بأن الاتجاه الأموي والخط الأموي حاول أن يغيب مصيبة الإمام الحسين عليه السلام عن الأمة بأساليب مختلفة، على مدى قرون كثيرة إما خففها بشكل كبير، فصارت الكتب سطرا واحدا، هناك من المؤرخين من كتب عن معركة عاشوراء، مؤرخ هذا، يؤرخ لتاريخ الإسلام، مع ذلك كتب عن معركة عاشوراء فقط في ثلاثة أسطر، هذا الحدث العظيم! الذي لو يريد أن يكتب بحسب الأيام كل يوم سطرا، يحتاج أن يكتب له كذا من الصفحات، فكيف إذا كان غير ذلك، لو يريد أن يكتب جزءا من خطب الإمام الحسين عليه السلام، يحتاج كما كبيرا ليكتب، لو يريد أن يكتب الأشعار المتبادلة، أسماء الشهداء لو يريد أن يكتبها يحتاج له الكثير، لكن هذا هو جزء من تعمد الاتجاه الأموي أن يغير ويغيب هذه الحادثة العظيمة الشديدة عن الأمة، وإلى حد ما، استطاع أن ينجح لفترة من الزمان، لذلك قسم من الناس في غير الدائرة الشيعية أو المتعرفة على التشيع يستغربون: (لماذا يفعل الناس بأنفسهم هكذا، من البكاء والنياحة وإحياء الأمر كل سنة، وما شابه ذلك؟)، وهذا يبن أن الاتجاه الأموي إلى حد ما استطاع أن يؤثر في الأمة، ومسؤولية أتباع أهل البيت عليهم السلام، والحمد لله يقومون بمقدار جيد في ذلك في تعريف هذه النهضة والمصيبة والمأساة، فلا أحد يأتي يستشكل أنه كيف عظمت على أهل الإسلام والحال أننا نجد أن قسما من أهل الإسلام لا يهتمون بها ولا يرونها عظيمة، بل لا يعرفون عنها، الجواب على ذلك، لو كان أحد من أهل الإسلام حقيقة، ووصله خبر كربلاء، وعرف ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحادثة، لا يمكن إلا أن تكون عظيمة وجليلة عليه، وإلا هذا يكون مكذبا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا هذا يكون على خلاف خط رسول الله، الأكثر من الناس الذين لا يهتمون بقضية كربلاء مغيبون، غير عارفين، نعم هناك فئة من هؤلاء متعصبون طائفيون ومعادون إلى هذا التوجه، إلا أن أكثر الناس إنما هم مغيبون عن هذه الحادثة. نرجع إلى حديثنا الأول، لما تقولون إن حادثة كربلاء وقضية الحسين ومأساته أعظم مصيبة في الكون؟ أهل السماوات جلت عندهم، أهل الأرض جلت عندهم، في زيارة الناحية: (بَكَتِ السَّمَاءُ وَسُكَّانُهَا، وَالجِنَانُ وَخُزَّانُهَا، وَالهِضَابُ وَأقْطَارُهَا، وَالبِحَارُ وَحِيتَانُها)، إلى حد أنه في بعض الروايات ذُكر أنه: (وما يُرى وما لا يُرى بكى على أبي عبدالله الحسين عليه السلام)، كل هؤلاء يؤرخون هذه الحادثة ويحزنون لها، بهذا الحجم فعلا القضية كبيرة أم لا؟ ألا يكون قتل ملايين من البشر أعظم؟ ألا يكون في بعض الحالات تقطيع الأجسام وتذويبها مثلا بالأسيد غير ذلك؟ ألا يكون هذا أكثر؟ الجواب كما قلنا في عدة نقاط: النقطة الأولى: إن قضية (الأعظم) و(الأقل)، نحن لا نستطيع أن نحددها في الأمور الظاهرية، وأما في الأمور غير الظاهرية، لا سبيل لنا إلا ذلك، يعني، أنا أستطيع أن أقول إن هذه البناية أكبر من تلك البناية، واضح؟ لنفترض هذه عشرة طوابق وتلك مثلا خمسة طوابق، هذه مساحتها ألف متر وتلك مساحتها عشرة آلاف، في الأمر الظاهري أستطيع أنا وأمثالي من الناس أن نحدد أيهما أعظم أو أيها أكبر، وأما في الأمور الظاهرية، أمور المعنويات، أمور العبادات، أمور المنزلة عند الله عز وجل، هذه لا نستطيع أن نتعرف عليها إلا بالإخبار الإلهي إخبار الله عز وجل، مثلا: هل هو الأعظم أن أصلي مئة ركعة في النهار مثلا أو الأعظم أن أبكي في الليل بمقدار خمس دقائق من خوف الله؟ هذه قضية ليست ظاهرية، ولا تستطيع أن تحسبها على هذا الأساس، لا، ليس كذلك، الصلاة مئة ركعة معنى ذلك أن الإنسان يحتاج إلى جهد كبير فيها، ويقرأ كذا من آيات القرآن، إذا مئة ركعة فيها، ويبذل فيها وقتا أطول وجهدا أكثر، فهي إذن أفضل؟ لا يمكن أن يجزم الإنسان بها الأمر أبدا، وإلا كان كاذبا، لماذا؟ لأنه قد تكون في هذه الأمور وهذه المقاييس وقد لا تكون هذه هي المقاييس، لذلك أنت تتعجب مثلا لدينا ما ورد من الروايات أن قطرة دمع، دمعة واحدة في جوف الليل من خوف الله عز وجل تطفئ بحارا من النار! ما هي مقاييسها الظاهرية؟ أبدا لا يمكن أن يكون مفهوما، دمعة واحدة تطفئ بحارا من النيران! أنا إذا النار مشتعلة في مكان معين ما هو القدر من الماء الذي تريده حتى تطفئها؟ بحار من النار ما هو القدر الذي تحتاجه إلى إطفائها؟ شيء كبير جدا، هذه الدمعة ما هو مقدارها الظاهري؟ ليس لها مقدار، ولكن أخبرنا الله عز وجل الذي خلق النار وغضبها، وخلق الخشوع والدمعة الخاشعة، ورد في الروايات عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو عن أهل بيته صلوات الله عليهم أن هذه الدمعة الصغيرة البسيطة تطفئ ذلك الأمر، في المقابل ورد في الروايات عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام)، ما هو تفسيرها الظاهري؟ يعجز العقل عنه ولا يستطيع، درهم واحد من الربا، ذاك زنا! الذي هو شيء عظيم، وزنا بذات محرم! في أين؟ في بيت الله الحرام! هذا لا يمكن بالمقاييس الظاهرية أبدا أن يستوعبه الإنسان، لكن إذا صح الخبر عن رسول الله وعن أهل بيته الكرام، هذا إخبار عن الباري سبحانه وتعالى، والباري هو الذي يستطيع أن يحدد هذا أسوأ أو ذاك أسوأ، هذا أكثر عذابا لو ذاك أكثر عذابا، هذا أعظم أو ذاك أعظم، فأول مرحلة أو نقطة نشير إليها أن قضية الأعظم والأكبر وما شابه ذلك في الأمور الظاهرية التي هي تحت اختيار البشر، يستطيع الإنسان أن يقول، في المساحة، وفي الطول، وفي العرض والوزن، وما شابه ذلك، الإنسان العادي يستطيع أن يصل إلى هذا الأمر، أما في الأمور التي ترتبط بالمعنويات وترتبط بالروحيات وترتبط بالأمور الإلهية، بالثواب وبالعقاب وما شابه ذلك، هذه اختصاص الله سبحانه وتعالى، لا يستطيع الإنسان العادي أن يصل إليها بمقاييسه، ولا يستطيع في كثير من الأحيان أن يفهمها بعقله، لكن من اللازم أن يخضع لها إذا جاء الخبر الصادق عن الله سبحانه وتعالى، هذه النقطة الأولى. النقطة الثانية: إنه ورد عن نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعن أهل بيته الطاهرين هذا المعنى، ليس حديثا واحدا، ولا حديثين، ولا عشرة ولا أكثر، وإنما ورد متواترا عن النبي وعن أهل البيت عليهم السلام شدة وعظمة هذه المأساة بحيث لا يقارن بها غيرها أبدا، لابد أن أشير بين قوسين هنا حتى أرفع إشكالا أن هذا لا يعني (الأفضلية)، هناك قسم من الناس يشتبهون ويقولون إذا كانت مصيبة الحسين عليه السلام بهذا الشكل فإذن فهو (أفضل) من رسول الله، هذا خطأ، هناك شيء نحن نسميه (خصائص) و(فضائل)، العلماء يسمونه (خصائص) وهناك شيء اسمه (فضائل)، بعض الأنبياء لهم خصائص، جاء النبي عيسى بن مريم عليه السلام وأحيا الموتى بإذن الله، النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتِ بهذه المعجزة، كمعجزة رئيسية، هل معنى ذلك أن النبي عيسى بن مريم أفضل من رسول الله؟ كلا، من خصائص النبي عيسى أن يحيي الموتى، من خصائص ومعاجز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن الكريم إضافة إلى سائر المعاجز الأخرى، لكلٍ معجزته الخاصة، كون ذلك يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، لا يعني أنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خاصية ذاك هي هذه، وخاصية رسول الله هذه، ولا تؤثر تلك الخاصية على أفضليته. بالنسبة لمولانا الإمام الحسين عليه السلام، متواتر لدينا أن الله عوض الحسين عن شهادته بأن جعل الشفاء في تربته، وجعل استجابة الدعاء تحت قبته، وجعل الإمامة في ذريته، خاصية تربة الحسين عليه السلام أنه يوجد فيها الشفاء، هل هذه الخاصية موجودة في تربة الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام؟ لا، ليست موجودة، ليست مذكورة، ليس مذكورا، هل معنى ذلك أن الإمام الحسين عليه السلام أفضل من أبيه عليه السلام؟ كلا، هذه خاصية تختلف عن الفضيلة، فلما أحد الأشخاص يقول مثلا إن الحسين بكته الجن والإنس والطير والوحش والحيتان، وجلت مصيبته في السماوات على أهل السماوات، وبكت عليه الأرض وسكانها ووو إلى آخره، لا أحد يأتي ويقول فإذن معنى هذا أنه أفضل من رسول الله، لا، ليس كذلك، لماذا؟ لأن هذه خاصية وليست أفضلية، ولا ينبغي أن يشار إلى أنه كل خاصية تعني تفضيلا وإلا ستحدث مشكلة لدينا، الأنبياء عليهم السلام لديهم خصائص كثيرة لم تؤثر كخاصية أساسية عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أنه اجتمع له كل ما كان لديهم، لكن ذاك اختص بهذه الخاصية، الرسول لم يختص بها، جمعها وغيرها، وله فضائل لا تحصى، ووجود تلك الخاصية لدى هذا النبي أو لدى هذا الولي لا يجعله متقدما وفاضلا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نفس الكلام هنا، جاء في خصائص الحسين عليه السلام أنه تبكيه الجن والإنس والوحش والطير وما يرى وما لا يرى، وفي زيارة الحسين عليه السلام في أول يوم من رجب: (اَشْهَدُ لَقَدِ اقْشَعَرَّتْ لِدِمائِكُمْ أظِلَّةَ الْعَرْشِ مَعَ أَظِلَّةُ الْخَلائِقِ، وَبَكَتْكُمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَسُكّانُ الْجِنانِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وأمثال ذلك، لم يورد هذا مثلا في حق الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، هل أن الإمام الحسين أفضل من الإمام الحسن؟ ليس بالضرورة، هذه خاصية، هل أن الإمام الحسين عليه السلام أفضل من الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام؟ ليس بالضرورة، لأن هذه خاصية وليست كل خاصية تعني تفضيلا بالضرورة، لا تعني وجود الخاصية الأفضلية بالضرورة، قد تعني وقد لا تعني، ورد هذا المعنى في شأن الإمام الحسين عليه السلام بروايات وأحاديث متواترة، أحيانا من حيث اللفظ وأحيانا حتى من حيث المعنى، حتى إذا اللفظ مختلف لكن المعنى متفق ومتواتر، جاء هذا عن رسول الله وعن الأئمة المعصومين عليهم السلام، وهم يبلغون في ذلك عن ربهم سبحانه وتعالى. مادام قدمنا المقدمة الأولى وهي أن معرفة الأكثر والأعظم والأشد بيد الله عز وجل، ومن عند الله، قال النبي ناقلا عن ربه وليس اقتراحا من نفسه ولا باجتهاد من ذاته، وإنما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، فما بلغ به فإنه عن الله عز وجل، فهذه نقطة ثانية. النقطة الثالثة: إن الممارسات التي قام بها الأنبياء عليهم السلام تفيد هذا المعنى، ولم يقوموا بها اتجاه سائر الأنبياء ولا حتى بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مثلا لدينا من الروايات أن نبي الله آدم على نبينا وآله وسلم وعليه أفضل الصلاة والسلام لما توسل بالأئمة المعصومين عليهم السلام عند الله عز وجل ليتوب عليه، وقد رأى أسماءهم حول العرش، لما أجرى الأسماء المقدسة على لسانه وصل إلى اسم الحسين عليه السلام فخشع قلبه، بل في رواية سالت دموعه، (سالت) تختلف عن أنه (دمعت) عيناه، الشيء السائل يحتاج إلى أن يكون كمية كبيرة حتى ماذا؟ حتى يسيل على الأرض، وهذا فيه كناية عن دموع غزيرة من نبي الله آدم عليه السلام، فبكى وسالت دموعه، وعندها سأل، يا رب أو يا جبرائيل، أرى لما ذكرت سائر الأسماء كان الأمر عاديا، لكن لما ذكرت هذا الاسم الخامس سالت دموعي وخشع قلبي، لماذا؟ فأخبره الأمين جبرائيل عن الله عز وجل عن قضية كربلاء، وما يجري على الحسين عليه السلام، فزاد عندئذ بكاؤه وندبه، سائر الأنبياء عليهم السلام لدينا في الروايات أيضا بمناسبة وأخرى بكوا، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رحمة الله على الشيخ صالح الكواز، تحدثنا عنه قبل سنتين ربما في هذا المكان أيضا في سلسة شعراء الحسين عليه السلام، فقد أشار إلى هذا المعنى في إحدى غرر قصائده، قال: بـــكــاك آدم حـــزنــاً يـــــوم تــوبـتـه وكـنت نـوراً بـساق الـعرش قد سطعا كــفــى بـيـومـك حــزنـا أنـــه بـكـيـت لــــه الـنـبـيون قــدمـا قــبـل أن يـقـعـا ونـــوح أبـكـيـته شــجـواً وقـــلَّ بـــأن يـبـكـي بــدمـع حـكـى طـوفـانه دفـعـا ونــار فـقـدك فــي قـلـب الـخـليل بـهـا نــيـران نـمـرود عـنـه الـلّـه قــد دفـعـا كـلـمـت قــلـب كـلـيـم الـلّـه فـانـبجست عـيـنـاه دمـعـاً دمــاً كـالـغيث مـنـهمعا ولـــو رآك بـــأرض الــطـف مـنـفرداً عـيـسى لـما اخـتار أن يـنجو ويـرتفعا بالنسبة إلى الغير لم يحدث مثل هذا الشيء، أمير المؤمنين لا يذكر أنه مثلا أن الأنبياء بكوا على مصيبته، ليس هذا لأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أقل أفضيلة من الإمام الحسين، أو أن مصيبته ليست عظيمة، لا، هذه من خصائص الإمام الحسين عليه السلام أنه بكاه كل هذا الكون، وبكته الأنبياء، وبكاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبكاه أمير المؤمنين عليه السلام، وبكاه الإمام الحسن عليه السلام، وبكته الأئمة المعصومون عليهم السلام، بذلك النحو الذي لم نره بالنسبة إلى أحد لا من النبي بل ولا في سائر الأنبياء ولا في أحد من المعصومين أيضا، على جلالتهم وعظم منزلتهم، هذا أيضا ما يذكر في هذا الجانب، يعني ممارسة الأنبياء بعد ممارسة الكون بعد ممارسة الجن والإنس والحيتان والبحار والبر والبحر وما يرى وما لا يرى، هذه من خاصية هذه الشهادة الدامية، هذا راجع إلى ماذا؟ لماذا حصل هكذا؟ الحقيقة أننا لا نعلم، الذي يستطيع أن يجزم لهذا السبب أو ذاك يمكن أن يناقش، لا نعلم لماذا، نعلم بأن الله سبحانه وتعالى اختص الحسين عليه السلام بهذه الخاصية أنه جلت مصيبته وجلت رزيته في السماوات على أهل السماوات وجلت رزيته على أهل الإسلام والأنبياء ووو، هذا نعلمه، وصل، لماذا؟ لا نعلم، قد يكون باعتبار أن الإمام الحسين عليه السلام هو ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو روح رسول الله، بل هو مجتمع أهل الكساء، أهل الكساء هم صفوة البشر، نزلت فيهم الآيات المباركات، آية التطهير وغيرها، وتلخص أهل الكساء في الإمام الحسين عليه السلام حين واقعة كربلاء، وهذا ما تشير إليه كلمات العقيلة زينب عليها السلام، عندما أخبرت أنه ذلك اليوم مات جدها رسول الله، ماتت أمها فاطمة الزهراء، مات أبوها أمير المؤمنين، مات أخوها الإمام الحسن، كل هؤلاء في ذلك اليوم، وقد عبر الشاعر السيد صالح القزويني عن ذلك بقوله: فحياةُ أصحابِ الكساءِ حياتُه *** وبيومِ مصرعِهِ جميعاً صُرِّعوا كلهم في ذلك انتهوا، ولم يبق من أهل الكساء الذين اجتمعوا في شخصية الإمام الحسين عليه السلام أحد في يوم عاشوراء بعد مقتله، قد يكون لهذا السبب، ولمنزلة الحسين عليه السلام، قد يكون لسبب آخر وهو بسبب أن ما ارْتُكِب من الحسين لا نظير له، شخص بهذه المنزلة التي يُستسقى به السحاب، الشخص الذي كان بهذه الميزات، مع ذلك يُعَطَّش حتى تتشقق شفتاه سلام الله عليه، الإنسان قد يصبر على الجوع لكن على العطش لا يصبر طويلا، والحسين عليه السلام مع إمكانه أن يشرب وأن يتقدم على باقي النساء والأطفال لكنه لم يشرب، وإنما جعل الماء لأولئك الأطفال والنساء، بعدما عُطِّش قُتِل أهله وولده وأصحابه، حتى الطفل الصغير! حتى الطفل الرضيع! حقيقة الإنسان عندما يفكر في مثل هذه المصائب يتعجب عن أي خسة أو أي دناءة بلغت بأولئك الأجلاف، أنت معقول أنت تقتل رجلا شابا كبيرا، يقاتلك بالسيف، لكن طفلا صغيرا لم يدرِ ما الغاية ولم يلتفت إلى هذه الأمور ومع ذلك فُعِل به ما قد فُعِل، وقُدِم حتى يُسقى شيئا من الماء، أنت تأتي وترميه بسهم، فتذبحه من الوريد إلى الوريد؟! انتهت المعركة، قتل الحسين بتلك الصورة المفجعة التي سمعتموها في يوم المقتل، وطحنت أضلاعه طحنا، بهذه الطريقة! وفوق هذا سُبيت نساؤه! وهذه ليست لها سابقة في تاريخ المسلمين أن يشهّر برأس ابن بنت رسول الله على رمح طويل، ويطاف به في البلدان، وأيضا مع تلك النسوة الطاهرات العفيفات! هي لم يكن يرى ظل شخصها كما يقول الشاعر السيد حيدر الحلي: ولم تر حتى عينها ظل شخصها *** إلى أن بدت في الغاضرية حسرى فقسم من الناس يقول لهذه المصيبة وعظمتها من أطرافها المختلفة صار لها هذا الاهتمام، صارت عظيمة، صارت كبيرة، صارت أعظم مصيبة في هذا الكون، قد يكون الدافع لذلك أن الطرف المقابل طرف أبدى من اللؤم والخسة ما لا حد له، يعني لا بينه وبينهم عداوة شخصية، يسألهم، بأي شيء تطلبوني؟ بقتيل لكم قتلته؟ بمال لكم استهلكته؟ لا، إذن ليست أمورا شخصية، على شريعة غيرتها؟ سنة بدلتها؟ لماذا تجردون أسيافكم لقتلي؟ ألا تعرفون من أنا؟! ألست أنا ابن بنت نبيكم؟! وابن وصيه؟! فبعضهم يرى أن سوء الدوافع وتفاهة الأسباب التي كانت تحرك أولئك القوم يجعل من اللازم أن تكون هذه المصيبة مصيبة عظيمة وعجيبة، وهي على أهل السماوات وأهل الأرض كذلك، وقد يكون هناك أسباب أخر، وقد يكون مجموع هذه الأسباب، لكن الحق أننا لا نعلم عن الأسباب الحقيقية التي نرى هذا السبب أو ذاك السبب، يعطي لهذه المأساة والمصيبة عظمتها، ولكن هل هذه هي كل الأسباب؟ نحن لا نستطيع أن نحكم بذلك، نحن نستطيع أن نقول نعم إن هذه الأسباب معقولة، ولكن قد تكون هناك أمور لا تدركها عقولنا، مكانة للحسين عند الله عز وجل، مقام عند الله للحسين عليه السلام جعل مصيبته بهذه العظمة، وبما لم نتوصل إلى ذلك الأمر، الذي نعلمه أنه حزن الأئمة المعصومون عليهم السلام، وقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه المصيبة قبل حدوثها، وهو على خلاف طبيعة الأشياء، هل رأيت الإنسان مثلا يُبَكى قبل موته؟ لا يُبَكى الإنسان قبل موته، يعني هل رأيت أحدا يعلم أن رسول الله حي يأتي ويُبَكى على النبي قبل موته؟! يُستغرب منه هذا الأمر، هل يعلم الإمام علي عليه السلام أنه سيموت بعد مدة من الزمان، الآن يَبكي؟ يُستغرب، ولم ينقل لنا في التاريخ هذا المعنى، لكن الحسين عليه السلام حصل له الشيء وبكى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مرات العرض: 4172
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 69522.99 KB
تشغيل:

13 حسيني طوال العام
15 تربة الحسين عليه السلام