13 حسيني طوال العام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/1/1446 هـ
تعريف: حسيني طوال العام كتابة الفاضلة أفراح البراهيم عما قليل تنتهي المراسم الشعائر والظاهرية التي حفل بها الموسم الحسيني ، وكل هذه الشعائر المباركة والطيبة قد لا نجدها في ليلة الغد ، والأكثرية تنتهي من إحياء هذه المراسم في الثالث عشر من شهر محرم الحرام و الذي يصادف يوم دفن جسد الإمام الحسين عليه السلام والصفوة من أنصاره و أصحابه. بعد ذلك يمكن تقسيم وتصنيف الناس إلى أقسام ، قسم من هؤلاء لا يكون أمر وقضية الإمام الحسين عليه السلام وشعائره وعزاؤه وما شابه ذلك في حاضره وحياته إلى السنة الأخرى ويقول بعضهم لبعض نسأل الله البلاغ في السنة القادمة ، و هذا الارتباط القوي الذي كان في أيام العشرة وحالة الولاء والدمعة والحزن والتفاعل والخدمة والاستعداد تتجمّد مؤقتًا وتدخل في مرحلة سبات إلى السنة القادمة. و قسم آخر يستمر على ارتباطه مع هذه القضية فبين فترة وأخرى يحضر مجلسًا ويقيم عزاءً وما شابه ذلك ، لكن ذلك يكون بشيء بسيط لإبقاء مقدار من العلاقة بالقضية الحسينية ، هذان صنفان من الناس نسال الله أن يثيبهما وأن يزيد في توفيقهما ، ولكن يبدو أنّ هناك قسمًا آخر وإن كان ضئيلا ونرجو أن يزداد هذا بمرور الزمان تبقى قضية الإمام الحسين عليه السلام والروح التي اكتسبها في أيام العشرة الحسينية دافعًا ومحركًا وقوة له في أثناء سنته كلها . هؤلاء الناس نادرون وبإمكاننا أن نكون منهم و لنسعى أن نكون منهم ، فهؤلاء يتزوّدون من هذه الجرعة لفترة طويلة تمدّه بالطاقة لتكفيه مدة أطول ، وليس كالتعليم الذي يتلقّاه طالب قد لا يستفيد منه طيلة عمره ، لكن ما نتعلّمه في مدرسة الحسين عليه السلام وبما أخذناه من روح وقوة وولاء هل نستطيع الاستفادة منه طول سنتنا وهل هو كافي لتغيير عادات الإنسان على الأقل إلى محرم القادم ؟؟ ، فيما يرتبط بتغيير الإنسان لنفسه لا شك ولا ريب وهذا نجده في حياتنا العادية نجد أنّ موسم المحرم يغير قسمًا من عادات الإنسان على الأقل في شهر محرم ، يغير شيئًا في إيمان الإنسان وفي شعوره بالولاء ويشعر بحالات من الصفاء قد لا يجدها في سائر الأوقات ، فتراه منفقًا ويغدق أكثر من الشهور الأخرى ، وهذا ممّا لا يحتاج إلى برهان ، ونحن نشاهد بالعيان أنّ ازدحام الناس وتواجدهم في هذه الليالي المباركة أكثر من الليالي الأخرى ‘ وإن كانت المجالس هي نفسها والخطيب نفسه إلا أنّ الشعور والروح الحسينية يكون بمستوى أعلى ممّا يدفعها لإحياء هذا الموسم في كل البلدان ، ترى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام يتحرّكون في كل مكان من أول محرم إلى العاشر تجد هذه الحركة مستمرة ، وهذا من آثار هذا الشهر المبارك الذي يشعل هذا المقدار من الولاء الذي دخل إلى وجدانه ، وهذا الحماس الذي دفعه لإحياء هذا الدين ، وكذلك الإيمان الذي دفعه لحضور كل مجالس الحسين عليه السلام والحرص على حضورها وإن تعارضت مع مسؤولياته ومهامه الأخرى . ولكن لا بدّ أن يستمر في هذه الحالة ليس فقط في شهر محرم بل لابدّ له أن يعيش بهذه الروحية في عمله وخدمته وإنفاقه وعطائه في العشرة الثانية والثالثة وينقلها أيضا إلى شهر صفر وإلى بقية الأشهر ، لا أن يغلق الباب ويقتصر التأثير على هذا الشهر فقط ، بل لا بد أن ينقل هذا التأثير إلى ما بعده من الأزمنة لا أن يسأل الله البلاغ فقط . بالإمكان الإبقاء على ذكر القضية الحسينية وإحيائها وما يرتبط بها ، كل حسب إمكاناته وقدرته ، وليكن ذلك إما إنشاء مجلس حسيني ولو في الشهر مرة ، وهذا ما فيه من البركات والخيرات التي لا تحصى ، منها ما هو بركات غير مرئية يكفي أنّ في هذه المجالس مواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله والسيدة الزهراء عليها السلام ، وفيها من الثواب العظيم ، والآثار الاجتماعية الكثيرة منها اجتماع المؤمنين وائتلافهم ، وكون هذا المجلس مجلس هداية وصلاح وإرشاد للأولاد فهذه المجالس خير فرصة لإرشاد وتعليم الأبناء وتربيتهم ، ناهيك عن أنّ هذه المجالس فيها ذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وآله ، هذه المجالس التي تفتتح بالقرآن الكريم ممّا تجعل الذاكرين في محط عناية الله ورحمته ، ويطرح فيها المجالس الفقهية والعقائدية وذكر القصص الهادفة التي تؤثر على تنشئة الأجيال وهدايتهم ، خاصة أنّ الأبناء قد لا يتأثرون من آبائهم لكن هذه المجالس لها تأثيرها وفاعليتها على أخلاقهم ، ناهيك عن بركات هذه المجالس وآثارها العلمية والثقافية والأخلاقية والتربوية ، هذه المجالس التي تنير لأهل السماء كما تنير النجوم لأهل الأرض ، ومن بركاتها معرفة الناس لأهل هذه المجالس أنهم أهل الخير والصلاح تتّجه لهم أنظار الآخرين فيقصدون ودّهم وشرف الانتساب لهم ، وهذا ممّا لا يحتاج الإنسان فيه إلى بذل الجهد والوقت لإثبات معدنه الأصيل وسمعته الحسنة والطيبة . إضافة إلى أنّ احتياجات المجتمع لهذه المجالس كثيرة فبعض الخطباء يتطرّقون إلى العقائد وبعضهم إلى المشاكل الاجتماعية ، والبعض الآخر يدرك حاجة المجتمع للمعرفة التاريخية فيتحدث عن سيرة الأئمة، وبالإمكان جمع هذه المحاضرات وتخزينها على المواقع الالكترونية ليسهل الوصول إليها كما يقوم البعض بجمعها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ممّا يسهل الوصول إليه بدون بذل الجهد والوقت والمال الذي يحتاجه من يريد أن يطبع كتابًا واحدًا فهو بحاجة لدار نشر وعملية توزيع وبيع ، وهذا من الطرق التي يتمكن بها الإنسان أن ينشر فكر الإمام الحسين عليه السلام ويكون حسينيًا طوال العام ويبث هذه المحاضرات في مختلف المواقع الالكترونية ، وإرسالها إلى المجموعات الوتسابية الكثيرة التي يهتم أصحابها فقط بإرسال الصباحيات والصور المستهلكة التي لا فائدة منها والتي قد لا يتلفت لها معظم الناس ويريدون التخلص منها ، ولكن على العكس من ذلك إن كان المحتوى ملخص محاضرة اجتماعية وعقائدية مهمة نافعة له وللآخرين ، بل وحث الآخرين وتشجيعهم على ذلك حيث أنّ ذلك يمنحه الأجر والثواب ويسهم في نشر العلم والتعلّق بالإمام الحسين عليه السلام من خلال النشر الثقافي والإعلامي لما يرتبط بشهر محرم الحرام ، ولنفترض أنّ لدينا خمسين محاضرة فلنرتبها خلال هذه المدة في كل شهر ننشر محاضرتين أو ثلاث منها وبهذا يضل الارتباط بالقضية الحسينية دائم ويمنح صاحبه الثواب وثواب من عمل وسمع وتأثر بما نشر ، على العكس لو كان ما ينشر من عمل تافه أو حرام فإنه له وزره ووزر من عمل به ، وكذلك إن ساهم في نشر هذه القضية على مستوى اللغات الأخرى وأصبح بالإمكان الآن التمكن من الترجمة بشكل أسهل عن طريق الذكاء الاصطناعي . وهنا سؤال يطرح نفسه هل أنا مسؤول تجاه نشر هذا العلم للغير ، أم هو مختص بالنبي وأهل البيت عليهم السلام أو هو مختص بالعلماء فقط أو كل من استطاع وذلك في قوله تعالى ( ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) نقول لا شك بأنّها مسؤولية الرسول وأهل البيت عليهم السلام والعلماء ، ولكن لا يمنع أن يحملها الإنسان العادي أيضًا ويسعى في الدعوة إلى نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام والمساهمة في نشر فكرهم والتحفيز على ذلك والمتابعة أيضًا والإنفاق في سبيل ذلك حتى يعمّ فكر الإمام الحسين عليه السلام وبالتالي نشر القضية المهدوية حيث ينشر فكرة الظهور والأمل بظهور المخلص الذي يرفع رايته لأخذ ثأر الإمام الحسين عليه السلام فقد نقل في الروايات أول ما ينادي به رفع مظلومية الإمام الحسين عليه السلام ( ألا يا أهل العالم إنّ جدي الحسين قتل عطشانا ) ونحن كذلك لنا أن نقتدي بإمام زماننا ونبلّغ مظلومية الإمام الحسين عليه السلام على كل العالم ، هذا الإمام الذي انتصر للإنسان واستشهد هو وأهل بيته من أجل الإنسانية وإقامة الدين . وأيضًا من المهم أن يفكر الموالي بإنشاء المراكز الثقافية باسم الإمام الحسين عليه السلام ضمن الأطر والقوانين و الأنظمة التي تتيحها الدولة ، وقد ظهرت الحسينيات أيام الفاطميين في مصر وهي عبارة عن بناء مربع الأركان يذكر فيه قضية الحسين ونهضة الحسين ورثاء الحسين عليه السلام وهو يختلف عن المسجد ، ومنذ ذلك اليوم أنشئت الحسينيات الكثيرة على مستوى العالم . ولا ريب أنّ هذا الذي أنشأ هذه الفكرة و قضية الاهتمام بالإمام الحسين عليه السلام والمجالس يحصل على الثواب العظيم فكلما ذكر الإمام الحسين في كل مكان كان له من الثواب العظيم ، ونحن كذلك بإمكاننا أن ننشئ هذه الأماكن التي يذكر فيها الإمام الحسين عليه السلام ضمن الأطر القانونية ، وكذلك الإطعام والسقاية باسم الإمام الحسن عليه السلام ضمن الأطر والقوانين التي تسمح بها البلاد وهذا ممّا يجعل الحسين حاضرًا معنا طوال العام لا أن تكون العلاقة فقط من الموسم إلى الموسم القادم . الأعداء حاولوا طمس ذكر الإمام الحسين عليه السلام وبالغوا في إيذائه وقطع رأسه ورفعه على رأس رمح طويل وقطع خنصره وطحن أضلاعه حتى أنّ الإمام السجاد عليه السلام لم يتمكّن من رفع جثته إلا بالاستعانة بالبارية وهي الحصير التي تصنع من الخوص حيث طلب من بني أسد مساعدته في ذلك ، وبرغم كل ما فعل بنو أمية بقي ذكر الإمام الحسين عليه السلام ، ناهيك عن دور السيدة زينب عليها السلام و ما قامت به من نشر القضية الحسينية ، وحقيقة يتعجّب الإنسان من صبرها وصبر الإمام السجاد عليه السلام فقد روي أنه عندما مرّوا بجثث القتلى كادت أن تفيض روحه حتى سألته السيدة زينب عليه السلام : ( مالي أراك تجود بنفسك لا يجزعنَّك ما ترى ، فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (ص) إلى جدّك وأبيك وعمِّك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرِّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرَّجة ، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء ، لا يَدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلاَّ علواً.) وبالفعل كم حاول أعداء أهل البيت عليهم السلام طمس القضية الحسينية وهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام على مدى خمسة عشر قرنا ، لكن ترى الآن هذا القبر شامخًا يقصده الزوار من كل مكان وعلى مختلف الديانات.
مرات العرض: 3812
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 84342.99 KB
تشغيل:

12 دور الزوجات في النهضة الحسينية
14 هل مصيبة الحسيم هي الأعظم في الكون؟