معرفة الله في كلمات الإمام علي
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/9/1431 هـ
تعريف:

معرفة الله في كلمات الامام علي عليه السلام

كتابة الأخت الفاضلة زهراء محمد

من خُطبة لأمير المؤمنين عليه السلام: ( أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإِخْلاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ وَمَنْ قَالَ: «عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنُهُ.  كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَم، مَعَ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُقَارَنَة، وَغَيْرُ كُلِّ شيء لا بِمُزَايَلَة
• هذا المقطع هو جُزء من إحدى خطب أمير المؤمنين عليه السلام وهي واحدة من خُطب كثيرة تحدث فيها أمير المؤمنين عليه السلام عن معارف توحيدية عالية، ويُعد الإمام أول من فتق باب الحديث في العقائد وفي معرفة الله عزّ وجل بهذا المستوى وبهذا العمق والدقة في ذلك الوقت من الزمان حيث أن هذه الخُطبة من المفترض أنها أٌلقيت في الفترة ما بين سنة 35ه إلى 40ه أي في الثلث الأول من القرن الأول.
• يُعتبر كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك الزمان وفي مبحث العقائد وبالذات ما يرتبط بالعلم الإلهي بهذا المستوى من الدقة والتقدم من الأسباب التي دعت بعض المتأخرين الاشتباه والخطأ في القول بعدم صحة نسبة نهج البلاغة إلى أمير المؤمنين مثل الذهبي وآخرين من غير مدرسة الإمامية.
• هُناك من اشتبه بهذه الشُبهة القائلة بأن مباحث العلم الإلهي وأن نفي الصفات لا بد أن يكون لكي تتحقق العقيدة الصحيحة وأن من أثبت الصفات فقد قرن ومن قرن فقد ثنّى ومن ثنّى فقد جزّء لم يتم تداولها إلا في العصور الإسلامية المتأخرة أي من بعد سنة 200 وبالتالي أن يتحدث عنها الإمام في العقود الثلاثة الأولى أو الأربعة بعد الهجرة فهذا حديثُ من غير الممكن لأنه لا يوجد أثر ولا حديث عن الخُلفاء ولا عن الصحابة في هذا الشأن بل ولا حتى عُشر معشار مثل هذا الحديث فكيف يتحدث عليّ ابن ابي طالب بهذه الدقة وبهذا العمق في مباحث لم تُطرح في الساحة الإسلامية إلا متأخر بعد 170 أو 180 سنة ، والجواب على ذلك أن هذا هو الفرق بين عليّ ابن ابي طالب عليه السلام وبين غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآلة ولو كان عليّ ابن ابي طالب كغيره من أصحاب النبي لما اعتنى به الامامية هذا الاعتناء ولما أعتُبر كلامه كلام رسول الله وهو مصدر من مصادر التشريع ولو كان حديثه كحديث من عاصره من الأصحاب لما كان له ميزة عليهم فهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآلة ففتح شيء من تلك الكنوز المخبوءه  وأفهم الناس كيف ينبغي أن يُتحدث عن الله عزّ وجل وهذه هي ميزة الإمام عن غيره وإنما هو علم يُتوارث عن رسول الله فحديثه عليه السلام في هذا المبحث وبهذا المستوى والعمق ليس مُستغرباً وليس نادراً لأن نهج البلاغة مليء بخُطب الإمام عليه السلام التي تحتوي على مباحث عالية من العلم الإلهي والعلم الطبيعي بالإضافة إلى سائر المباحث الدينية.
*تأملات في الخُطبة...
 يقول الإمام (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ)
تُعتبر معرفة الله جلّ وعلا من مسائل أصول الاعتقاد التي تتقدم في الشرف والمرتبة والأهمية على مسائل الفروع الفقهية كوجوب الصوم والصلاة بالرغم من أهميتها إلا أن أصل الاعتقاد بالله ومعرفته هو الأصل
فهناك من درجات المعرفة ما هو كامل وناقص ومشكك فعندما يكون حدّ تصديق الانسان بمستوى القول بأن الله موجود وهو سميع بصير هذه ليست معرفة تامة بل ناقصة ومُشككة بأصل وجود الله سبحانه وتعالى.
(وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْديقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ) التصديق به يعني الجزم بنسبة الشيء إلى الشيء كالجزم بأن الله بصير أي أن تكون مستيقن بنسبة هذا الأمر إلى الله تعالى، وكمال التصديق به توحيده لأن معرفة أن الله موجود توجد عند كثير من الناس حتى كفار قريش كانوا يعتقدون بأن الله موجود وهو الخالق يقول الباري: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)  ولكن لم يكن لديهم توحيد الله بل كان تعدد الآلهة والاشراك بالله هو دينهم  وكذلك بعض فرق المسيحية ترى أن الله ثالث ثلاثة وأن الله سبحانه غير قادر على إدارة هذا الكون بأكمله لوحده ولا بد له من مساعدين واعتبروا أن المسيح عيسى ابن مريم هو أحد هؤلاء المساعدين لذلك يُطلقون عليه بـ الرب يسوع.
*مثال توضيحي للمعرفة الناقصة والمشككة...
عمر ابن سعد عندما عُرض عليه مُلك الرّي وظل يُخير أمره بين الدنيا والآخرة فقال: يقولون إن الله خالق جنة ونار وتعذيب وغلّ يدين فإن صدقوا فيما يقولون إنني أتوب إلى الرحمن من سنتي. هذا مثال واضح على تلك المعرفة بالله سبحانه التي تشوبها الكثير من الشوائب والتشكيكات بدليل قوله إنه إذا كان هذا الكلام صحيح أحتاط لنفسي وأتوب وإن لم يكن صحيحاً فقد فُزت بدنيا وملك وثروة.
(وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإِخْلاصُ لَهُ)
إن كمال توحيد الله لا يكفي بالألفاظ والقول بالاعتقاد بأن الله واحد فقط فهي مرتبة أولى أما المرتبة الكاملة فهي بالتوجه إلى الله بالعمل الخالص أي أن يكون العمل كُله لله عزّ وجلّ ،كأن تُصلي الصلاة مُشاطرة بينك وبين الله بأن جُزء منها يكون لله والآخر إلى غير الله كمن يذهب للمسجد للصلاة ويُريد بذلك شهادة حُسن سيرة وسلوك بأنه يُصلي في المسجد حتى إذا ما أقدم على وظيفة أو زواج تكون الصلاة في المسجد شافعة له، والصلاة بهذه الصورة وبهذه النية لم تكن لله عزّ وجلّ وإنما كانت لغيرة وهذا في بعض الصور يؤدي إلى بطلان الصلاة.
(وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ)
يتمحور معنى نفي الصفات في افتراض أن للصفة وجوداً مُستقلاً إلى جانب ذات الله عزّ وجلّ كأن تقول هذه صفة العلم إلى جانب وجود الذات وهي الله سبحانه وتعالى وهذا ما تعتقد به الإمامية بل والعدلية عموماً ومنهم المعتزلة  فهم يتفقون في الاعتقاد بأن صفات الله الذاتية هي عين ذاته نفسه فقد ورد في الخبر عن الامام الصادق عليه السلام : ( إن الله عِلمٌ كُلهُ وقُدرةٌ كُلهُ وحياة كُله) بمعنى لا يوجد شيء اسمه الله وقُدرةٌ تضاف إليه أو الله وصفة العلم تُضاف إليه فمن وصفه بهذه الصفة أي قال هناك ذات وهناك صفات زائدة عليها فقد ثنّاه وهذا مسلك خاطئ عند الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام في معرفة الله لأن ذلك ينتهي إلى اثنين والله واحد لا شريك له، لذلك لا بدّ من نفي الصفات على هذا النحو لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ( العلم شيء والله شيء آخر) فإذا قيل هذا القول كأن هناك شيء زائد عليه وبذلك يكون الله مُركب من ذات وصفة وهذا حال البشر وليس حال الله عزّ وجلّ.
(فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ)
أي من قال بأن الله موجود ولكن العلم أو الحياة أو القدرة أُضيفت له كقرين وبالتالي يُصبح هناك شيئان واجبان في الوجود إذاً هناك إلهان والإمام يقول (من قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزّأه) أي إذا جُعل الله مُركب من ذات وصفة أمكن أن يُجزّأ مثله كمثل أي شيء مُركب من أشياء من الممكن تجزئته وإذا أصبح مُركباً فإنه بذلك يكون مُحتاجاً إلى أجزاءه بل سيكون حاله كباقي الأشياء والمخلوقات وبالتالي تشابه الله سُبحانه وتعالى وباقي مخلوقاته بينما يقول الله في كتابه الكريم:( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
(ومن جزأه فقد جهله) أي من قال بأن الله يمكن تجزئته وهو ذات وأُضيف لها الصفة فهذا بحسب تصنيف أمير المؤمنين عليه السلام جاهل بمعرفة الله لأن الله ليس كمثله شيء
(ومن جهله فقد أشار إليه) حينما يُصبح الله جلّ شأنه قابل للتركيب بذلك يكون جسماً وإذا أصبح جسم يُمكن أن يُشار إليه والإمام يقول:( ومن أشار إليه فقد حدّه) أي من أشار إلى الله فقد جعل له أبعاد معينة فالإشارة إنما تكون للأشياء المحدودة والمعدودة وهذا عينُ الجهل بالله عزّ وجلّ.
(وَمَنْ قَالَ: «فِيمَ» فَقَدْ ضَمَّنَهُ)
أي من قال إن الله موجود في سماء دون أخرى أو أرض دون ثانيه لأن هذا الكون الواسع وما يحتوي من مليارات النجوم والكواكب والمجرات الذي لا نرى منه سوى ما تراه العين فهل هو موجود فيما نراه أم في تلك المجرات والكواكب التي لا نراها فإذا ما قيل هذا الكلام فهذا يعني أن أي شيء إذا وجد في مكان فقد احتواه ذلك المكان وبالتالي لا يكون أيضاً في مكان آخر.
• هذا بعض الكلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذكر صفات الله عزّ وجلّ والذي وضع أُسس للتفكير الكلامي والعقدي للمسلين حتى يتجنبوا الخطأ في معرفة ربهم وحتى لا يتورطوا في التشبيه والتجسيم ولكن مع الأسف لم ينتبه المسلمين إلى هذا المعنى إلا الإمامية والمعتزلة الذين أخذوا بقول أمير المؤمنين وبقي فئات كثيرة من المسلمين لم يستضيئوا بعلم أمير المؤمنين ومن هذه الفئات ما يُعتبر مذهبهم مذهباً رسمياً للمسلمين في هذا الزمان إلا أنهم ومع الأسف ارتطموا في التشبيه والتجسيم، وأصبح البعض منهم يعبد رباً له يدان ورجلان وعينان وجسم وهذا مُخالف لقوله تعالى: ( ليس كمثله شيء) بل استدل بعضهم بحديث غير صحيح ومُخالف للقواعد الدينية المؤسسة في هذا الباب وهو ما نُقل عن رسول الله صلى الله عليه وآلة : (إن الله قد خلق آدم على صورته ستين ذراعاً)  

في الجواب على مثل هذا الحديث حقيقتان:
1- في منهج الإمامية والعدلية عموماً لا يُعتبر بأحاديث الآحاد في المسائل العقائدية إنما ذلك نافع في مسائل الفروع الفقهية أما في أصول العقائد لا يُعمل به حيث أن المطلوب في العقائد هو الجزم والقطع واليقين وهذا لا يحصل بالخبر الواحد حتى وإن وصل هذا الخبر الواحد في سلسلة الرواة إلى الإمام المعصوم فلا يُقبل العمل به لأن العقيدة محورها الدليل العقلي والبُرهان الذي يُفيد العلم والقطع أو حديث مُتواتر بطرق مختلفة إذا لم يُعارض الأدلة العقلية أو الأصول الدينية الثابتة.
2- في خصوص هذا الحديث فإنه نُقل منقوصاً ومن الطبيعي النقل الناقص يُنتج نتيجة خاطئة والحديث هو كما نُقل: (أن النبي مرَّ على أحدهم وهو يضرب غُلام له وهو يقول له: قبحك الله وقبح من أنت على صورته فقال له النبي: لا تقل هذا فإن الله خلق آدم على صورته)  يتبين من هذا الحديث الفرق الشاسع بين المعنيين ففي هذا الحديث النبي صلى الله عليه وآلة لم يُبين ولم يُثبت أن لله صورة وأنها ستون ذراعاً لأن الله لا صورة له والصور هي من آثار ذوي الأبعاد، فقد كان النبي يُبين صورة آدم فقط ويعترض على مقالة القائل في الحديث قبحك الله وقبح من أنت على صورته.
• هذا الناتج من البعد عن منهاج أمير المؤمنين عليه السلام في المعرفة الحقّه فخُطب الإمام عليه السلام مع قلتها إلا أنها غنية وكافية لمن أراد أن يعرف ربه معرفة صحيحه بعيدة عن التشبيه والتجسيم ومُنزِهه لله عن كل ما لا يليق أن يُنسب إليه، فأمير المؤمنين عليه السلام صحيح أنه أُخّرَ في الخلافة ولكنه صحابي وقول الصحابي وعمله حُجه إذاً لمَ هذا الإجحاف في حق أمير المؤمنين وتأخير حديثه وعِلمه! بلى إنهم أخروا نصيبهم من العلم الحق والهُدى والسعادة وبهذا لم يستفد العالم الإسلامي تمام الاستفادة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام نظراً للإعراض الحاصل عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآلة مدة 25سنة وحتى حينما بايعوه وأخذ زمام الأمور لم تُتُاح له الفرصة الكافية في إطلاق علمه إلا 5 سنوات وخلال هذه السنوات أيضاً الظروف كانت صعبة ولم تُساعد الإمام في طرح وتبيان علمه وهديه وهو أيضاً لم يُصب لعلمة حملة عليه السلام وهو القائل وهو يضرب على صدره: (إن هاهُنا لعلماً جماً لو أصبت له حملة).

 

 

 

 

 

 

 

مرات العرض: 3459
المدة: 00:53:59
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2586) حجم الملف: 15.4 MB
تشغيل:

الإمام الحسن ع وسياسته
 الإمام علي وإدارة الانسان