الصلاة الإبراهيمية : إنتماء وتفضيل ومرجعية دينية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 17/9/1432 هـ
تعريف:

الصلاة الابراهيمية تفضيل وانتماء ومرجعية

 

 كتابة الأخت الفاضلة مريم الرمضان

صياغة الأخ الفاضل عبد العزيز العباد

( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[1] صدق الله العلي العظيم

مقدمة

   حديثنا يتناول ذكر الصلاة على محمد وال محمد وأنه انتماء وتفضيل ومرجعية دينية، لنكن قليلاً مع نفس الآية الكريمة المباركة وما يستفاد منها، حتى نرى  هل أن القضية في هذا الآية هي في ضمن حدود استحباب ذكر الصلاة أو وجوبها أو أنها تشير إلى معان أعلى من هذا الأمر أو أنها ليست مسألة فقهية فرعية وإنما هي من ضمن مسائل تلك العقائد التي تشير إليها هذه الآية الكريمة المباركة؟

   كيفية صياغة الأوامر في القرآن الكريم  

 الصيغة الأولى: صيغة الأمر  

   الآية المباركة تبدأ أولاً ببداية غير معهودة أبداً في أوامر القران الكريم ونواهيه. أوامر القرآن الكريم ونواهيه إما تأتي بصيغة الأمر ( إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها)[2] ، أو ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى )[3]

 الصيغة الثانية: صيغة فعل الأمر  

صيغة فعل الأمر، كأن تقول (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ)[4]، (َآتُوا الزَّكَاةَ)[5] أو ما هو في حكم هاتين الطريقتين 

   أو يأتي بطريقه أخرى.. إن الله يأمركم في النواهي كالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ويقول (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا)[6]

   لكن هذه الاية الكريمة المباركة تبدأ بطريقة غير مألوفة ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )[7]

   لا يوجد عندنا في ما نعلم على سبيل المثال في غير هذا المورد في القرآن الكريم (إن الله يزكي فزكوا)…(إن الله يخمس فخمسوا)…(إن الله يصلي الصلاة المكتوبة فصلوا

  لماذا بدأ الله نفسه بالصلاة على النبي؟  

     هنا في القرآن الكريم في ذكر الصلاة على محمد وال محمد، يبدأ بحرف توكيد (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ) ايضاً  ثم يقول (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).

الإضافة هنا أيضا تقديم الله في الصلاة على النبي يقال لتعظيم الأمر وللإشارة إلى أهمية هذه القضية، لتشريف هذه الصلاة وإعلاء مقدارها لأن كل شي إذا أضيف إلى الله عز وجل إكتسب من عظمته، إكتسب من شرفه، إكتسب من علو شانه.

   لاحظ عندما تقوم بصف مجموعة من اللبنات ( والطوب ) في مكان ما وليكن خمسين لبنة مثلاً، فلن تكون لها قيمة مادية أو معنوية، أما إذا قلت أن هذا هو بيت لله ووقفت هذا المكان مسجداً أصبح له عنوان آخر وترتب عليه مجموعة من الاحكام، لا يجوز تنجيسه ولا يجوز مكث الجُنب ولا الحائض ولا النفساء فيه ولا يجوز  بيعه ولا يجوز إدخال النجاسة إليه وسائر الاحكام التي تترتب على ذلك فما الذي تغير؟

   نفس اللبنات الخمسين ، التغيير فقط إننا أضفناها إلى الله عز وجل اي  نسبناها إليه تعالى وقلنا هذا بيت الله فاكتسب ذلك المكان وذلك المحيط شرف الله عز وجل وشأن الله عز وجل وعظمة الله عز وجل،

   هنا أيضا نفس الكلام ، القول إن الله يصلي على النبي يزداد بذلك تعظيم أمر تلك الصلاة ويراد بها التفخيم لشأنها ليس فقط الله الذي يُصلي، وإنما أيضا أعظم خلق الله وأطوع خلق الله تعالى وهم الملائكة (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[8].    

   فهؤلاء من أعظم خلق الله عز وجل وهم من الكثرة بحيث (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[9]، لا يعلم أحد عدد الملائكة وما جاء في الروايات في تحديد عدد الملائكة، إنما هو للتقريب، فعندما تأتي رواية وتقول إن كل شجرة في البر والبحر قد وكل بها ملك من الملائكة، إنما ذلك لأجل تقريب  الصورة للإنسان الذي لا يستطيع أن يتخيل او أن يتصور مقدار عدد الملائكة، وإلا الأمر أعظم من هذا، فكل هؤلاء وقبلهم ربهم (يصلون على النبي) بعد ذلك يأمر المؤمنين بالصلاة عليه.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .

ليس فقط الملائكة وإنما مادام الله يصلي على شخص فإن الكون الذي يطيع الله ، والسماوات والأرضون التي قالت لربها عندما أمرها أن تأتي طائعة أو مكرهة ( قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) . فالأفلاك والمحيطات والمجرات وكل ما خلق الله تتجاوب مع ربها في الصلاة على النبي لأن هذا هو مقتضى أن تطيع ربها ، نعم كل شيء صلاته وتعبده وتسبيحه بحسبه وبطريقته والله قد علم تسبيحه وعبادته .. يبقى هذا الانسان الذي اعطي حرية الاختيار ، فإنه قد أمر من قبل الله تعالى بأن يصلي على النبي ويسلم .

 معنى صلاة الله وصلاتنا على النبي

نفس الصلاة - صلاة الله على النبي – يوجد فيه بحث لا نريد التفصيل فيه، لكن إجمالا هي دعاء ورفع منزلة وثناء واحترام، فالصلاة منا لرسول الله دعاء والصلاة من الله عز وجل لرسول الله وآله ثناء عليه ورفع لمنزلته.وقد ورد في الأحاديث التفريق بين الصلاتين بأن صلاة الله على النبي ثناء ورفع منزلة ، وصلاة العبد عليه دعاء وطلب من الله بأن يثني عليه ويرفع منزلته .

 هل التسليم على النبي سلام عليه أو تسليم له؟

التسليم على النبي (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) يوجد له تفسيران :

التفسير الأول :

التفسير الأول وسلموا تسليما ، هو بمعنى القاء السلام عليه ، فمثلما تقول اللهم صل على محمد وال محمد، قل اللهم سلم على محمد وال محمد او إذا ذهبت إلى زيارته تقول السلام عليك يا رسول  الله، فهذا سلام منك لرسول الله في حالة حياته أو في حالة مماته، فهنا التقدير بالعطف صلوا عليه وسلموا عليه تسليما هذا التفسير الأول .

التفسير الثاني:

يقول بأن هذا حكم جديد مستأنف وتقدير معناه سلموا له تسليما ، ويقول بعض العلماء أن تفسير وتفصيل هذا المعنى جاء في آية أخرى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[10]

فعلى المؤمنين أن يصلوا على النبي صل الله عليه واله فهذا حكم، وأن ينقادوا لطاعته راضيين في أوامره من غير ان يكون في أنفسهم أي تردد او كراهية لأحكام رسول الله صلى الله عليه وآله.

هل أختلف المسلمون في تنفيذ أوامر ونواهي النبي صل الله عليه واله؟

   مما يؤسف له أن قسما من المسلمين لم يقبل بتنفيذ بعض الأحكام التي أتى بها النبي صلى الله عليه وآله مثل قضية الغدير لما نصب رسول الله صل الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام إماما وولياً، فجاء بعضهم إلى النبي صل الله عليه وآله وقال: يا رسول الله هذا الأمر من عند الله ام من عندك؟ قال: بل هو من الله، فولى غير راضٍ بذلك ، وقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأنزل علينا حجارة من السماء ( أي بمعنى نرفض هذا القرار وهذا التنصيب ) فهذا قسم يرفضه رفضاً واضحاً.

وقسم آخر يقبل لكن غير مُسَّلِم به يود لو أن النبي صل الله عليه وآله لم يقل ذلك الكلام، فيعتقد أن هذا الأمر ليس الأفضل وليس بالقرار الصائب،كان من الأفضل لو أن النبي صل الله عليه وآله لم يفعله، فهذا يصدق بالنبي صل الله عليه وآله ولكن بدون قناعة داخلية ورضا نفسي.

وهناك قسم ثالث جعلنا الله وإياكم منهم يرى إنما يأمر به النبي صل الله عليه وآله هو الأصلح وهو الافضل والأمثل ويسارع إلى تنفيذ الأمر الصادر من رسول الله صلى الله عليه وآله سواء كان موافقا لهواه او مخالفا ،لأن لديه اعتقادا ويقينا بأن النبي صل الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى.

   فالآية تتكلم عن قسم من المؤمنين الذين يتحاكمون إلى رسول الله صل الله عليه وآله وإذا حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وقرر شيئا أطاعوه وحين الإطاعة لم يجدوا في أنفسهم حرجا ولا حسيكة تردد او أذى في أنفسهم مما قرره رسول الله صل الله عليه وآله، مثل رُشيد الهجري والمقداد بن الاسود الكندي رضوان الله عليهم، فالمقداد في موقف الذي تحدث مع النبي صل الله عليه وآله قال: يا رسول الله سر بنا فو الله لو سرت بنا برك الغماد لسرنا معك ولو خضت بنا البحر لخضناه معك. فمثل هؤلاء يسارعون لفعل أي شي يفعله رسول الله صل الله عليه وآله.

هل الصلاة على النبي واجبة شرعا

   الآية الكريمة المباركة -بناء على التفسير المذكور آنفاً -تريد أن تقول أن على الإنسان المؤمن مسؤوليتين تجاه رسول الله صل الله عليه وآله:

   الصلاة على محمد وال محمد وبعد ذلك التسليم والانقياد والطاعة لأمر نبي الله صلى الله عليه واله كل هذا في حدود البحث الفقهي والفرعي. فهل الصلاة على النبي صل الله عليه وآله واجبة أم هي مستحبة؟ وهل تجب دائماً أم أنها فقط في الصلاة ؟

فعند أتباع مدرسة الخلفاء هذا النقاش موجود كالشافعي وأحمد بن حنبل.

أما عند الإمامية فإن الصلاة واجبة على رسول الله صلى الله عليه وآله الأطهار في تشهد الصلاة وإذا إنسان رفض الصلاة على النبي صل الله عليه وآله أو على آله متعمدا فإن صلاته تكون باطلة وإلى هذا المعنى أشار الإمام الشافعي بشعره:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له 

   فهذا قد يكون البحث ضمن الإطار الفقهي والفرعي، فنحن نعتقد أن الآية الكريمة المباركة بضميمة تفسير رسول الله صل الله عليه وآله لها، ينقل الآية من البحث الفرعي الفقهي  إلى البحث الأصلي العقدي، ليرتقي البحث فيها من أنها توجب الصلاة في التشهد للصلاة أو توجب الصلاة في العمر مرة كما ذكره بعضهم.

   سيتبين بعد قليل أنه عندما نزلت الآية الكريمة المباركة، فيروي "أبو حمزة الثمالي" عن "كعب" - وهو أحد أصحاب النّبي (ص) أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية قلنا: قد عرفنا السلام عليك، فكيف نصلّي عليك؟ فقال: "قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد...)[11]

 أما في مصادر أهل مدرسة الخلفاء فيضاف كما صليت على إبراهيم وال إبراهيم إنك حميد مجيد، وهذا الحديث من الأحاديث  التي تكاد تبلغ مرتبة التواتر، فقد ذُكر في معظم المصادر الأصلية للحديث كصحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والمستدرك على الصحيحين وللحاكم وسنن الترمذي بأسانيد متعددة عن صحابة متعددين وكذلك المصادر المتأخرة كالصواعق المحرقة وكتب التفاسير وغيرها فحدث ولا حرج فهذه الصلوات معروفة بالصلوات الإبراهيمية.

    أما مدرسة اهل البيت سلام الله عليهم فيصعب على الإنسان عَدّ الكتب التي ورد فيها تفسير الصلاة الواردة في القرآن الكريم على النبي بهذه الصلوات، فالقرآن الكريم لما يأتي بمبدأ عام فيفسره النبي، فلا يُقبل منه إلا ما يفسره النبي صلى الله عليه وآله.

   مثال ذلك، القران الكريم قال (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً  )[12] فلو لم يأت تفسير الصلوات من الرسول الله صل الله عليه وآله بهذه الكيفية كأن تقف وتكبر تكبيرة الإحرام وأن تقرأ الفاتحة والسورة وتركع وتسجد، لولا أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .. لكان بإمكان أي إنسان أن يأتي بالصلاة بأي كيفية كانت فتكون مقبولة، لأن الله تعالى قال ( أقيموا الصلاة ) فأي صلاة بأي كيفية تكون مقبولة، ولكن بعد ما جاء تفسير الكيفية من رسول الله وقال الصلاة المطلوبة كما أصلي أنا، فأي إنسان في ذلك الوقت صلى خلاف صلاة رسول الله صل الله عليه وآله لن يقبل منه .

   فالنبي صلى الله عليه وآله أمر أن تؤدى صلاة الصبح بركعتين فلو صلاها شخص بخمس ركعات لن تقبل منه،لانه ليس المطلوب أي صلاة، المطلوب الصلاة التي وضحها رسول الله صل الله عليه وآله وبينها.

   كذلك بالنسبة للزكاة ( وآتوا الزكاة ) كان قبل بيان النبي صل الله عليه وآله عندما يعطي أي شخص أي مبلغ فقد أتى الزكاة، لكن بعدما فصلها رسول الله صل الله عليه وآله بحيث حُددت في الأنعام الثلاثة وفي الغلات الأربع وفي النقدين وتكون بهذه المقدار من المال وبهذا النصاب صارت الزكاة المطلوبة هي هذه بالتحديد فأي زكاة أخرى لا تحل محل هذه الزكاة الواجبة.

كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله:

   نعود للصلاة على النبي صلى الله عليه وآله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) قبل بيان رسول الله لهذه الصلاة ، كان أي شكل من أشكال الصلاة كان مقبولاً.

   ولكن بعد توضيح النبي صل الله عليه وآله لأصحابه ( حينما تصلون علي تقولون اللهم صل على محمد وال محمد ) صارت الصلاة محددة تماماً كالصلاة اليومية والزكاة التي حددها النبي صل الله عليه وآله.

   فهذه الصلاة محددة بصيغة معينة ولا تُقبل أي صيغة أخرى كأن تقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى صحب محمد وعلى كل من عرف النبي محمد كل هذه الزيادة يجب على الإنسان أن يسأل نفسه هل هي مشروعة ام لا ؟!.

   مثل الصلاة اليومية فلا تُقبل كيفية أخرى إذا خالفت ما جاء به رسول الله صل الله عليه وآله، فمثلاً صلاة الفجر هي ركعتان وكأنه يريد أن يعطي حق الله وزيادة فيقول جاء بها النبي ركعتين أزيدها ركعة لله إضافية فهذه الصلاة غير مقبولة

لماذا اكتفت الآية بذكر الصلاة على النبي دون الآل؟

   لماذا لم يذكر الآل في القران الكريم بأن تكون الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ (وآله) وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ؟

الجواب :

   جاء القران الكريم بأصل الصلاة وجاء تفسيرها عند النبي كما جاء بأصل الزكاة وجاء النبي يوضح نصابها وجاء بأصل الحج وجاء تفصيل المناسك من عند النبي ، فلو فرضنا أن القران الكريم جاء بتفاصيل المسائل تفصيلاً دقيقاً كالصلاة وكيفيتها وتفصيل الحج ومناسكه وكيفية تفصيل الزكاة وكيفية تفصيل آل البيت، فلماذا إذاً يقول القران الكريم (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )[13] لماذا يأمر القرآن الكريم الناس بأخذ الأوامر والنواهي من النبي صلى الله عليه وآله والقرآن به التفاصيل ؟!

   آنئذٍ تكون القاعدة حسبنا كتاب الله، وآنئذٍ لا داعي للسيرة النبوية لأن كل شي موضح في القران الكريم، لماذا نكون وراء الفرع والأصل موجود؟!

   فكان لابد إذاً أن تأتي بهذه الصيغة حتى يكون (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )، ويكون طاعة النبي مقياس لطاعة الله تعالى (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)[14] أضف إلى ذلك، يحتاج النبي صل الله عليه وآله إلى مواضع متعددة بأن يُذكّر ويوضح في أكثر من مكان بصفة الصلاة بكذا وكذا ويراقب تطبيقها وهو يمارسها صل الله عليه وآله وآله ويبثها بين الناس.

   إن هذا مثل ما هو موجود بالسابق وهو موجود الآن، فهناك قسم من الناس لا يروق لهم ولا يحبون أن يصلوا على آل النبي إلى جنب النبي محمد صل الله عليه واله.

   فمن المفارقات في مصادر مدرسة الخلفاء في هذا المبحث، يقولون أن النبي سُئل كيف الصلاة عليك؟ تارة عن كعب بن عجره وأخرى عن بشير بن سعد وثالثة عن غيرهما كيف الصلاة عليك؟ فقال قولوا اللهم صل على محمد وال محمد، لكن تجدهم في نفس هذا المصدر قبل الحديث وبعد الحديث يكتبون صلى الله عليه وسلم ويقولون أن الصلاة في أحاديثهم مقرونة بالآل، فلو كان هذا الكلام في كتاب آخر كان من الممكن أن يكون معذوراً لكن في نفس الكتاب !!

    وبعض هؤلاء يصعب عليهم أن ينطقوا بالصلاة على محمد وآل محمد فعندما يَصِلُون إلى موضع الصلاة على النبي يختصرونها بالصلاة عليه وحده فيحذف الآل أو تكون بهذه الكيفية صلعم أو بلفظ آخر ...

   نعم البعض من أتباع مدرسة الخلفاء من هو ملتزم بمفاد الصلاة الإبراهيمية وإن كان حنبلي المذهب، فحينما يأتي إلى ذكر النبي صلى الله عليه وآله يقول صلى الله عليه وعلى آله لان هذه الصلاة مفاد تفسير الروايات للصلاة الإبراهيمية، فغير هذه الصلاة غير مقبولة، هذا الأمر ينقلنا إلى من حذف الآل وهو ملتفت إلى هذا المعنى، فإذا أضيف الآل يرتقي إلى مبحث أعلى، مبحث عقدي في قضية التفضيل، فالتفضيل كلام عند أصحاب المذاهب يقتضي الأفضلية لعلي بن أبي طالب عليهم السلام على جميع أصحاب الرسول صل الله عليه وآله، كما يذهب إلى ذلك الإمامية.

  هل يتساوى المُصلِّي والمُصلَّي عليه؟

   عندما تتأمل في الآية الكريمة المباركة مع تفسير النبي صل الله عليه وآله إليها سنرى قضية التفضيل محسومة لماذا؟

 لأنه لا يعقل أن يكون من يُصلَى عليه مساوياً في الفضيلة لمن يُصلِي عليه، فواضح أن المسلمين جميعاً بمن فيهم الصحابة والتابعين وتابع التابعين إلى يوم القيامة مأمورين بالصلاة على النبي محمد وعلى آل محمد، فإذاً الخليفة الأول مأمور بالصلاة على علي بن ابي طالب لا بل على الحسن والحسين.

   فهل يعقل أن الذي يُصلَى عليه بالصلاة التي هي عبارة عن دعاء وثناء واحترام وتعظيم بعد صلاة الله وملائكته عليه يساوى بمن يُصلِي عليه ؟!

فالمسلمون جميعاً من السابقين إلى اللاحقين مأمورون بأن يصلوا عليهم، فثبت بهذا من يُصلَى عليهم أفضل ممن يُصلِي عليهم هذه مرحلة، ويوجد مرحلة أعلى من هذه في البحث العقائدي بناء على تفسير (ويسلموا تسليما) بمعنى الإنقياد وليس بمعنى إظهار السلام (ويسلمو له تسليما) فصارت هذه الآية وما ثبت فيها من أحكام ثبت لرسول الله صل الله عليه وآله وبتفسير رسول الله صل الله عليه وآله ثبت لأهل بيته اذا تريدون أن تصلوا علي صلوا على أهل بيتي وأنا معهم مقرونين في هذه الصلوات وفي هذا التسليم .

   إذاً صار معنى الآية الكريمة كما جاء عن الإمام الرضا سلام الله عليه (ويسلموا له تسليما) صار واجبا على جميع المسلمين من الخلفاء ومن بعدهم أن يسلموا في المرجعية الدينية وفي الأوامر والنواهي لآل محمد،فصار البحث ليس مجرد فقط أن نرفع أصواتنا بالصلاة على محمد وال محمد بل أكثر من هذا، صارت الآية الكريمة تثبت أفضلية أهل البيت عليهم السلام على من عداهم، فتثبت مرجعيتهم الدينية، لأن علامة إيمان المؤمنين أن يسلموا تسليما لمن ورد ذكرهم في هذه الآية المباركة بتفسير رسول الله صل الله عليه وآله لها بمحمد وأهل بيته الطاهرين.

فإذاً مرجعية أهل البيت أوامرهم ونواهيهم بالنسبة لجميع المسلمين ثابتة بنص هذه الآية المباركة. 

أصناف الصحابة:

    كان هناك صنفان اجتماعيان في تاريخ المسلمين مختلفان ايام النبي صل الله عليه واله.

    صنف من الصحابة هم المفضلون لدى مدرسة الخلفاء، وهؤلاء وجودهم الاجتماعي متميز وكذلك نمط رواياتهم متميز وبتبع ذلك أفعالهم السياسيه متميزة.

    وصنف آخر محيطهم الاجتماعي محيط علي بن ابي طالب عليه السلام وأبنائه، فنمط الروايات التي ينقلونها تكشف عن ولايتهم وتوجهاتهم، وأعمالهم أيضاً واضحة يستطيع الإنسان تتبعها بشكل جلي. 

  بعض الصحابة المفضلين في مدرسة الخلفاء كأنهم وضعوا علامة استفهام لتفسير النبي للصلاة الإبراهيمية، فيُنقل عن بعض كتب مدرسة الخلفاء أن النبي صل الله عليه وآله دخل على جماعة من الصحابة في مجلس، فسأله بشير بن سعد: يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ فأطرق النبي كالمغضب وأطال الصمت حتى تمنينا أن لو لم يسأله بشير ، ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وال محمد كما صليت على إبراهيم وال إبراهيم.

    لذلك قسم من الناس تعجبوا لماذا النبي لم يجب وأطال بإطراق رأسه، المفروض أن النبي صل الله عليه وآله حينما سئل يجيبهم، فيتبين أن هناك شيئا ضائعا في القضية .

  إما هو بسبب طريقة السؤال فقد يكون فيها شيء من عدم قبول تفسير النبي أو لدعوات السائل  باعتباره من أتباع الخلافة القرشية، يعني توجهات بشير بن سعد ما كانت منسجمة تماما مع توجهات أمير المؤمنين عليه السلام فهو واحد من الذين شيدوا مسألة الخلافة في السقيفة. فعندما يسأل هذا من موقع معين عن هذا الأمر، او أن النبي صلى الله عليه واله كان يرى في هؤلاء الأشخاص أنهم لا يحبون أن تشيع فكرة إقتران الصلاة على النبي بالصلاة على آل رسول الله، في مقابل ذلك أسرع النبي في إشاعة الفكرة ودعا إليها وبينها وحتى أنها أثرت في مذاهب مدرسة الجمهور، فالمذهب الشافعي مثلاً يعد الصلاة على النبي في التشهد جزء من الصلاة ولا يصح تركها وكذلك الأمر بالنسبة للإمام أحمد بن حنبل إمام الحنابلة لكثرة ما ورد من التأكيدات.

ما الآثار المترتبة على الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)

     في الحديث عن جابر الأنصاري "من أصبح وصلى على محمد وعلى محمد واله عشرا وأمسى وصل على محمد واله عشرا نالته شفاعة محمد "…

 في حديث آخر منقول عن أمير المؤمنين عليه السلام ان رسول الله صل الله عليه واله (لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلي الداعي على محمد وال محمد)

 في حديث ثالث ( أنه من لم يصل على النبي أخطأ الله به طريق الجنة)

 في مقابل هذا عن رسول الله صل الله عليه وآله (من صلى علي صلاة واحدة صليت عليه عشرا ومن صلى عليّ عشراً صليت عليه مائة ومن صلى علي مائة صليت عليه ألفاً ومن صليت عليه ألفاً صلى الله عليه ومن صلى الله عليه لم يعذبه وأدخله الجنة)

 في مقابل هذا تشير فضيلة الصلوات وجاء بها النبي لتكون معلَماً للناس ليس فقط للفقه ولكن من مجال العقيدة والانتماء والمرجعية الدينية وصلى الله على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين 

 [1] ) الأحزاب 56

[2] ) النساء : 58

[3] ) النحل 5:9

[4] ) البقرة : 43

[5] ) نفس المصدر السابق

[6] ) ال‘سراء : 32

[7] ) سبق ذكر المصدر

[8] ) التحريم : 6

[9] ) المدثر: 31

[10] ) النساء : 65

[11] ) مجمع البيان

[12] ) الإسراء: 78

[13] ) الحشر: 7

[14] ) النساء :

مرات العرض: 5725
المدة: 00:55:24
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 19 MB
تشغيل:

الطب النبوي..نظرة جديدة
 دولة النبي في المدينة المنورة