عن التربية في أحاديث النبي ( مولد الحسن )
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/9/1432 هـ
تعريف:

عن التربية في أحاديث النبي محمد

 

صياغة سماحة الشيخ جعفر البناوي

روي عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أخذ بيد الحسن والحسين: أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس أباً وأما الحسن والحسين أبوهما علي وأمهما فاطمة بنت محمد، ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدةً الحسن والحسين جدتهما خديجة وجدهما رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينبُ بنت محمد، ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة الحسن والحسين عمهما جعفر وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب، أيها الناس ألا أن الحسن والحسين في الجنة وأباهما وأمهما في الجنة وجدهما وجدتهما في الجنة وخالهما وخالتهما في الجنة وعمهما وعمتهما في الجنة ألا ومن أحبهما دخل الجنة([1]).

المناقب والفضائل في أحاديث النبي:

إن أحاديث المناقب والفضائل فيها معارف عقدية ومناهج تربوية لابد أن يلتفت الإنسان إلى تفاصيلها مضافا إلى أنها تفيد المنقبة والفضيلة إلى الإمام المخصوص بالرواية.

والمتأمل والمتدبر في هذه الأحاديث يجدها تناقش قضايا أبعد من الفضيلة بالإضافة الى الفضيلة والمنقبة، وهذا ما نجده في عموم أحاديث المناقب والفضائل، فعندما ينقل الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وآله >أن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة< فهذا ينبغي أن يفهم بالإضافة إلى ما فيه من مدح وثناءٍ ومنقبةٍ للحسنين ينبغي أن يُفهم في باب العقائد أن الحسن والحسين هما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعليٍ أفضلُ خلق اللهِ على الأطلاق.

قد يتسيدُ في الدنيا بعض الناس على أثر دفع الأموال أو على أثر القوة القهارة الجابرة      - فيقدم الأموي وهو مؤخر ويؤخر العلوي وهو مقدم- فمن الممكن أن تجد حاكماً لا يساوي ثوبه الذي يلبسه قيمة ولكن مع ذلك هو يحكم العلماء المؤمنين و الأبرار و يتقدم عليهم في كل شيء و يملك المال دونهم.

هذه معادلة الدنيا ولكن في الآخرة حين يقول الله سبحانه وتعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}([2]).

فلا يمكن أن يتقدم شخص في الجنة إلا بعد أن يكون في واقع أمره مقدم على جميع الناس، فلا مال ينفع، ولا قوة تشفع، ولا سلطة ترفع، ولا واسطة لا تنفع الواسطة هناك في أن يتقدم على غيره لا ينفع المال في أن يصبح أفضل من الآخرين لا ينفع القوة و السلطان في أن يصبح حاكماً على غيره و إنما هناك من كان في واقع أمره أفضل من الآخرين قُدم و إلا أُخِر فهذا الحديث الذي ينقله أتباع المدرستين في باب الفضائل و المناقب نجد انه بشيء قليل من التأمل انتقل من بحث المناقب و الفضائل إلى بحث العقائد و التفضيل و هكذا الحال بالنسبة إلى سائر الأحاديث الأُخر.

المنهج التربوي في أحاديث المناقب

السؤال الذي نود الإجابة عليه هو: كيف يمكن للإنسان في زماننا المعاصر الاستفادة من أحاديث المناقب والفضائل؟

حين نتأمل في بعض ما ورد من مناقب وفضائل الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه وتسميته، نلحظ أن تلك المناقب والفضائل تكشف عن دلالات اجتماعية، وأخرى عقدية، والدلالة الاجتماعية تنبئ بمنهج تربوي يمكن للإنسان أن يستفيد منه في زمانه المعاصر.

فقد روي عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: لما ولدت فاطمة الحسن (عليهما السلام) قالت لعلي (عليه السلام): سمه فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخرج إليه في خرقة صفراء فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في [خرقة] صفراء ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها، ثم قال لعلي (عليه السلام): هل سميته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال (صلى الله عليه وآله): وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل.

فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط فأقرئه السلام وهنئه وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون فهبط جبرئيل (عليه السلام) فهنأه من الله عز وجل ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبر قال: لساني عربي قال: سمه الحسن فسماه الحسن([3]).

الدلالة الاجتماعية:

هذا الحديث الشريف يذكر في باب المناقب، ويشي بمجموعة من الآداب والأحكام والمبادئ الاجتماعية التي تبتني عليها الأسرة المسلمة، وهي كالتالي:

أولاً: مبدأ التشاور والتراضي في الأسرة المسلمة:

قد ينشأ نزاع بين الوالدين في مسألة تسمية الولد، فرب قائل هي من الأمور التي تُوكل إلى الأم باعتبار حملها به تسعة أشهر؟ إذ تحملت من أجله ما تحملت؟ وعانت ما عانت؟ أو هو من حق والده؟

عن الحل لمثل هذه الخلافات وغيرها في الأسرة المسلمة هو التشاور والتراضي، وهذه قاعدة عامة في الأمور المشتركة في داخل المنزل الأسري، إذ لا بد فيها من التشاور والتراضي وقد ذكر القرآن الكريم مثالاً على ذلك في أمر فطام الطفل، فقال جل شأنه: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}([4])، والمثال ليس مقيدًا بهذا الموضوع، فالقرآن الكريم يوجه الأسرة المسلمة بضرورة التشاور والتراضي في داخلها.

إن فاطمة الزهراء، وأمير المؤمنين عليهما السلام قدما لنا درسا قيما في التشاور والتراضي، ففاطمة عليها السلام قدمت حق أبيه في تسميته على حقها، وذلك مراعاة لكنية الأب، فالبيئة العربية والإسلامية تهتمان بكنية الأب، لذا يستحب أن ينادى الإنسان بكنيته، لما فيه نوع من التعظيم والتشريف، وأن لا ينادى (الأب) باسمه، فلا تقول له (حسن) أو (عبدالله) أو (حسين)، بل قل له أبا (فلان) إن كان لديه ولد.

لقد اهتم أهل البيت عليهم السلام بتكنية الأولاد، وإن لم يتزوجوا، أو كانوا صغارا، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: >إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز([5]) أن يلحق بهم<([6]).

فالكنية هي العنوان الاجتماعي للإنسان، إذ سوف يعرف وينادى بها في المجامع المختلفة، ومن هنا قدمت فاطمة الزهراء عليها السلام هذا الحق لأمير المؤمنين عليه السلام؛ لأن له الحق في تسمية المولود.

قد يحدث تصدع في الأسرة المسلمة نتيجة استبداد الزوج أو الزوجة برأيهما، سواء كان في تسمية الأولاد، أو غير ذلك، والحل الأنسب والأكمل لمثل هذه الخلافات هو التشاور والتراضي.

ولم يقف الأمر في تسمية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام عند أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يستبد في التسمية، بل قال: >ما كنت لأسبق باسمه رسول الله<، وفي ذلك دلالات عقلية ودينية واجتماعية، منها:  

أولاً: النبي هو أعقل الخلق وأحكم الحكماء، وأن الاسم الذي سوف يختاره سوف يتوافق مع هذه القدرة العقلية، والحكمة العالية لديه.

ثانياً: موقعه الديني، فهو رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا ريب أن الله يسدده في هذا الأمر وفي غيره.

ثالثاً: موقعه النسبي، فهو جد هذا المولود ووالد أمه، فكل هذه الأمور موجبة لأن يسمي النبي هذا المولود.

والنبي صلى الله عليه وآله بدوره قدم حق الله سبحانه وتعالى في تسمية الولد، فقال:>وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل<، ففضل رأي السماء، ولعل جهة الاستحباب في جهة الاحترام >وما كنتُ لأسبق باسمه ربي<، فقدم الإمام حق النبي، والنبي بدوره قدم حق الله عز و جل.

ثانيًا: من حق الطفل تسميته باسم حسن

من المستحبات المؤكدة تسمية الولد باسم حسن، ولعله حق من حقوقه؛ لأنه سوف يلحق به.

حين جيء بالإمام الحسن عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وانتظر أمر ربه جلّ شأنه في تسميته، وقد شير عليه بأن يسميه (شبر) وهو من الأسماء الدينية باعتباره ولد نبي من أنبياء الله عز وجل، ولكن في تلك البيئة العربية ما كان مألوفًا، لذا قال النبي صلى اله عليه وآله وسلم أن >لساني عربي<، وهذا الاسم عبراني، فربما سيشعر صاحبه بالغُربة حين يعيش في المحيط الاجتماعي.

إن لأسماء الأولاد دلالة اجتماعية، فلا يكفي أن تكون التسميةُ تسمية دينية؛ لأن الاسم عنوان للمسمى سوف يصاحبه إلى أخر عمره، لذا ينبغي أن يكون مألوفًا في بيئته الاجتماعية، فقد يسمي أحد اسم ابنه باسم ديني ولكنه غير مألوف كأسماء الملائكة (صلصائيل) و(دردائيل)، فهذه الأسماء وإن كانت دينية لكنها غير مألوفة اجتماعية، لذا فضل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يكون اسم ابنه (شبر) مع أن (شبر) اسم ولد نبي من الأنبياء؛ لأنه لاحظ المحيط الذي سوف يعيش فيه الذي لا يألف هذا الاسم، وعبر عن ذلك بأن قال: >لساني عربي<.

مضافا إلى التسمية الدينية والألفة الاجتماعية، لا بد من أخذ الاعتبار إلى معناه الذي سوف يلاز م الطفل حتى سنوات متقدمة من عمره.

النبي صلى الله عليه وآله قد غير بعض أسماء المسلمين، وذلك لبعض ما فيها من القبح وعدم الانسجام مع البيئة العربية من تلك الأسماء: (عبد الكعبة) وهو اسم لأبي بكر قبل الإسلام، فسماه الرسول صلى الله عليه وآله (عبدالله)([7])، و(عاصية) فاستبدل الاسم بـ (جميلة)، وزينب بنت جحش كان اسمها (برة) فسماها النبي (زينب)([8]).

ثالثًا: اللون وأثره على الطفل:

لما رأى النبي صلى الله عليه وآله الحسن ملفوف بخرقة صفراء، قال: >ألم أنهكم أن تلفوه في [خرقة] صفراء، ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها< فلا شك بأن فعله صلى الله عليه وآله نابع من حكمة، لذا فإن علماء النفس يؤكدون لما للألوان من أثر على نفسية الإنسان وبالذات على نفسية الطفل، ويقررون أن أفضل الألوان بالنسبة إلى الطفل في بدايات أمره ووجوده هو اللون الأبيض، إذ له أثر على نفسيته، بالأخص على عينه، فاللون الأبيض أفضل الألوان بالنسبة إلى الأطفال.

ولعل طلبه صلى الله عليه وأله الخرقة البيضاء باعتبار أن أقرب شيء سوف ينظر إليه هذا الطفل هو الرداء أو القماش الذي سيلف به فهذه أول ملاحظة جانب الطفل ملاحظة مصلحة الطفل حتى في اللباس الذي يلبسه و يلف به.

رابعا: الاشباع العاطفي:

ينقل الرواة وأرباب السير أن الأقرع بن حابس التميمي كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فرأى الرسول يقبل الحسن بن علي فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ثم قال: >من لا يرحم لا يرحم<([9]).

من هنا يؤكدون علماء النفس التربوي والاجتماعي على أن من العوامل الرئيسية الجريمة والانحراف (الفراغ العاطفي)، حيث تدل التجارب والإحصاءات والاستبيانات أن من العوامل الأساسية التي تنتج المجرمين سُلوكياً والمنحرفينَ أخلاقياً الفراغ العاطفي والخلاء النفسي.

الولد الذي لم يحصل على حنان في صغره، ولم يحتضن في طفولته، ولم تشبع عاطفته من والديه، وكذا الفتاة إن لم تحصل على من يقولُ لها كلاماً طيباً، فحينها سوف تنجذب إلى أي كلمة من الخارج.

الإنسان بفطرته وبخلقته يحب الحنان، يحب أن يُحب، وأن يحتضن، وأن يشعر بالاهتمام، فإذا ما حصل على هذا، ووجده في رفقته ممن يثنون على فعله، وعلى كلامه، ويرتبطون به صار جزءًا من تلك الرفقة، فإن كانت رفقة انحراف وجريمة، أصبح جزءًا منها.

لذا بات من الضروري أن يشبع الآباء والأمهات أولادهم بالعاطفة، لما فيها من حصانة من الانجرار نحو الفئات المنحرفة.

النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يُصرح بحب الحسنين فكان يقول: >اللهم إني أحُبُهما<، ولا يقف الأمر عند هذا بل: وإني أُحبُ من يحبهما ثم يدعو لمن يحبُ الحسنين.

الدلالة العقدية:

الدلالة الأخرى في الحديث هي الدلالة العقدية التي تشير إلى منزلة أمير المؤمنين عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك بقوله: >إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى<([10])، هذا معنى عقدي، إن الله سبحانه وتعالى يقول:{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ }([11])، ففي الرواية يُشير رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الخليفة القائمُ بالأمرِ من بعده.

 

(1) انظر: بحار الأنوار للمجلسي: ج36، ص319، وينابيع المودة للحنفي القندوزي: ج2، ص221.

(2) سورة الأنبياء، الآية: 47.

(3) بحار الأنوار: ج43، ص238.

(4) سورة البقرة، الآية: 223.

(5) النبز: أي اللقب الذميم.

(6) وسائل الشيعة للحر العاملي: ج21، 397.

([7]) فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ج7، ص7.

([8]) مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص18 .

([9]) صحيح البخاري: ج7، ص75 .

([10]) روي عن سعد بن أبي وقاص قال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال اما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي. [صحيح مسلم: ج7، ص120]

([11]) سورة الأعراف، الآية: 142.

مرات العرض: 5723
المدة: 00:42:42
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 14.6 MB
تشغيل:

 معجزات النبي ص : برهان الصدق
 غزوات النبي : إدارة عسكرية وشجاعة شخصية