2 المخدرات حرب ضد الدين والمجتمع
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
المكان: مسجد الخضر
التاريخ: 1/1/1445 هـ
تعريف: المخدرات حرب ضد الدين والمجتمع 3 | كتابة الفاضلة اسراء | ﴿فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ ۝٢٢ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰۤ أَبۡصَـٰرَهُمۡ ۝٢٣ ﴾ - سورة محمد ننطلق من هذه الآية المباركة في حديثنا بعنوان: المخدرات حرب ضد الدين والمجتمع، الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يتحدث عن فئة تولت وأدبرت وأعطت ظهرها لأحكام الله وتشريعاته فأفسدوا في الأرض وقطعوا الأرحام فكان نتيجةً لذلك أن لعنهم الله وجعل أبصارهم وبصائرهم عمياء فصاروا لا يسمعون نصيحة ولا يبصرون هدىً. يمكن أن تنطبق هذه الآية على فئات كثيرة يجمعها صفة واحدة، وهي صفة الإفساد في الأرض والإدبار عن هدى الله عز وجل. والإفساد هنا لا يعني إفساد التراب والأحجار والأشجار، إنما المقصود الأول من الإفساد في الأرض هو الإفساد في أهل الأرض وهم خلق الله عز وجل، فبمقتضى ذلك هو يفسد في خلق الله، فيفسد دينهم وأخلاقهم وفطرتهم وأمورهم. وتنطبق هذه الآية المباركة بأوضح الانطباق على من يروج المخدرات وينشرها في وَسَط المسلمين بل في وسط الناس عمومًا. علماؤنا، بل علماء الفريقين، يقولون أن الأديان السماوية جاءت من أجل خمسة مقاصد رئيسية. هذا الكلام مذكور عند علماء مدرسة الخلفاء وأيضًا مذكور في كتاب الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، المؤلف لكتاب اللمعة الدمشقية، وهو من كبار وأعاظم علمائنا، استشهد سنة 786هـ ولديه كتب كثيرة من جملتها كتاب الفوائد والقواعد ويحتوي على قواعد نحوية وفقهية وأصولية وهو كتاب نافع جدًا. في هذا الكتاب يقول، أن الأديان السماوية جاءت من أجل خمسة مقاصد رئيسية. المقصد الأول: هو حفظ الدين. فلذلك شُرّعت سنة تحريم الارتداد عن الدين باعتبار أن الدين هو برنامج الباري إلى الناس في سبيل حياة أفضل، فالارتداد عن الدين يضعفه. المقصد الثاني: حفظ العقل، فالعقل هو أكبر نعم الباري على الإنسان وبه يثيب الله وبه يعاقب وبه كرم الله الإنسان على جميع خلقه. فالإنسان ليس أسرع ولا أقوى المخلوقات، لكنه أكرم المخلوقات بالعقل الذي وُهب له. فالإنسان إذا استخدم عقله تقدم حتى على الملائكة. فشرع الدين تشريعات فيها المنع والتحريم من المسكرات والخمر وما يرتبط بها تحريمًا شديدًا للحفاظ على هذا المقصد. فالله سبحانه وتعالى لعن في الخمرعشرة ولم يرد لعنًا مثل هذا اللعن على شيء آخر، فلعن الله غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها. فلحم الخنزير على الرغْم من قباحته بالنسبة للمسلمين إلا أنه لم يصل لدرجة الخمر حيث لعن الله عشرة فيه، لأنها تُنهي وتدمر عقل الإنسان الذي به يكرم على جميع الخلق وبه صارالإنسان محل لرسالة الله عز وجل. المقصد الثالث: حفظ المال، فالله أعطاك قوة لتكسب المال الحلال وأتاح لك الكسب الحلال، ومن رحمة الله أن المكسب المحرم هو شيء يسير جدًا. فبعض العلماء يستفيد من قصة نبي الله آدم في تبيين نسبة الحرام إلى الحلال، فالله وهب لنبينا آدم الجنة طولًا بعرض يأكل منها كيف يشاء إلا شجرة واحدة لا يقربها. فمثل ذلك قد أتاح الله للإنسان المعاملات المالية المحللة ولم يمنعه من الامتلاك إلا بالطرق المحرمة. المقصد الرابع: حفظ النسب. لذلك تجد أن الأنساب في الديانات محفوظة، ولا يقبل الانتساب إلا ضمن العقد الشرعي. فمجرد لقاء رجل بامرأة لا يصنع هذا أبًا ولا هذه أمًا. لأن بهذه الطريقة تضيع الأنساب وطريق حفظ الأنساب هو بتشريع الزواج. المقصد الخامس: حفظ النفس، فكم وكم من المتعاطين وجدوهم جثث هامدة في المراحيض -أكرمكم الله- وفي أقذر الأماكن والشوارع. وهذا كله نتيجة للإدمان، فالغذاء الصحي يستهلكه الإنسان بنسبة طبيعية ولا تتضاعف كل يوم، أما المخدرات فيستهلكها في البداية حبة واحدة ولكن تتضاعف الحاجة لها كل يوم حتى تنتهي حياته. وهنا أيها الأحبة نلتفت إلى أن كل هذه المقاصد التي صارت التشريعات على ضوئها تُنقض وتُهتك جميعها بترويج المخدرات والمتاجرة بها وتوزيعها في وسط المسلمين! أما العقل، فواضح جدًا أثر المخدرات المهلك على الإنسان حيث يبدأ بقدر بسيط، يتعوده الجسم فيطلب الأكثر فالأكثر وهكذا إلى أن يفقد السيطرة على عقله. والعلماء والباحثون يذكرون في بعض أنواع المخدرات كالشبو والميثامفيتامين أن الإنسان حين يتعاطاه تتغير برمجته العقلية وينتج عن ذلك هلاوس قد تجعله يشعر أن والده مثلًا هو عدوه فيجرأ على قتله، ويرى أن عائلته هي عدوته فيُحرقها كما حصل في بعض الحوادث المؤسفة. فيفقد الإنسان تلك الجوهرة القدسية التي قال فيها ربنا عندما خلقه مخاطبًا العقل: أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقًا أفضل منك، بك أثيب وبك أعاقب. أما الدين، فإذا تعاطى الإنسان المخدرات وأدمنها، فإنه لا يعرف ربًا ولا نبيًا ولا فرضًا ولا حكمًا شرعيًا ولا غير ذلك. إذا كان شارب الخمر تمر عليها ساعة لا يعرف فيها ربه من شدة سكره! فما بالك فمن يتعاطى المخدرات؟ فهو يفقد حس الزمان والمكان وكل شيء. أما عن حفظ المال، المال الذي ينبغي أن يُكسب من حله ويصرف في محله ويُسأل الإنسان يوم القيامة عنه، حيث لا تجوز قدما عبد على الصراط حتى يسأل عن خصالٍ وعن ماله من أين اكتسبه وفي أين أنفقه. فما بالك بالذي يُنفق المال من أجل أن يشتري شيئًا يدمر به حياته، فقد يسرق من وسط بيته من أجل أن يشتري هذه المخدرات. فهذه الآفة خسارة شديدة واستنزاف للمال على المستوى الفردي. أما على مستوى الأمة فحدث ولا حرج. هنالك إحصائيات تقول أن دول من ضمنها دول خليجية تخسرعشرات المليارات بسبب هذه الآفة، تارة في معالجة المدمنين، وأخرى في متابعة المروجين. والنسَب كذلك يُقضى عليه بالمخدرات، باعتبار أن الأسر تنهدم حيث أن المدمن لا عقل ولا دين ولا فكر حاضرعنده كي يُدير أسرته! بل قد يعتدي عليهم وعليهنّ، فلا خطوط حمراء عند المدمن. من هنا، العالم أجمع، سواء كان العالم المتدين أو غير المتدين أعلن أن المخدرات هي فعلًا آفة العصر! ذكرت الأمم المتحدة في تقريرأن عدد المتعاطين للمخدرات على مستوى العالم يبلغ 285 مليون إنسان! وذلك 5% من البشرية! وتصور ماذا سيجر هذا التعاطي من أضرار. أما في العالم العربي وَحْدَهُ فبلغ العدد 10 ملايين متعاطي، أي 1 من كل 15 شخص هو متعاطي للمخدرات! لذلك انتهض العالم بدرجة أو بأخرى لمقاومة هذا البلاء المبرم، وبطبيعة الحال لم تستطع السلطات لوحدها مهما بلغت من قوة لتحارب هذه الآفة، بل لابد أن يشترك الناس ويلتفتوا أن هذا الأمر يهددهم تهديدًا مباشرًا! في بلادنا والحمد لله رب العالمين، تقوم الدولة بجهد كبير لمكافحة هذه الآفة بتشكيل فرق لضبط المروجين والمتعاطين. فيضبطون أعدادًا مهولة من المخدرات لو وصلت إلى بائعيها ومروجيها ومستهلكيها لا أدري بأي وضع سنصبح! توصي مرجعيتنا الدينية عن أنه ينبغي مساعدة فرق مكافحة المخدرات في أعمالها وفي ما تقوم به، فجميعنا نستطيع مساعدتهم لأننا عندئذ نساعد أنفسنا. فنسأل الله أن يوفق هذه الجهود وينصرهم وهذه هي رسالتنا الأولى. الرسالة الأخرى هي للطرف المقابل وهم البائعين والتجار والمروجين، تارة نتحدث ضمن الإطار الديني فنقول أن هذا الفعل الأمور المحرمة والمستقبحة شرعًا. تُسأل المرجعية الدينية، ما حكم الأموال عند الشراء والبيع من شخص يروج المخدرات؟ فيجيب أن هذا المال سُحت ولا يجوز التصرف فيه. ألا تعلم ما وراء هذه المعاملة؟ إن هنالك بعض الأشخاص يموتون من أثر استخدام هذه الحبوب والمواد وبعض الأسر تتفكك وتُهدم، وغيره وغيره من الآثار والجرائم فيكون ذلك كله نتيجة لفعلتك. وأما من لا يعرف الدين، فنقول له تفكّر، الإنسان السَوي لماذا يريد كسب الأموال؟ أليس من أجل أن يصبح وجيهًا في المجتمع؟ هذا الذي يتاجر بالمخدرات أليس لابد له أن يخفي حاله من أجل ألا يُسأل من أين له هذه الأموال؟ فقد فقَد التمتع بالأموال والصحبة الاجتماعية وفي نهاية الأمر سيُعرف ويشار إليه بالبنان كما يشار إلى البعير الأجرب. فيُسأل المرجع الديني، ما حكم الشراء ممن يبيع المخدرات ولكن عنده بضائع أخرى كبيع السيارات وغيرها؟ ويجيب أنه ينبغي مقاطعته حتى في الجوانب الأخرى إذا كان من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فماذا انتفع هذا المروج من ذلك؟ خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. رسالة أخرى وخصوًصا للشباب، لا تُجرب! لا تجرب المجهول. فقد يأتيك شخص وخصوصًا في أيام الامتحانات ويقول هذه الحبوب تجعلك نشيطًا لتذاكر جيدًا وتحصل على الدرجة النهائية. احذر! فهذه الحبة الأولى هي التراب الذي يضعونه فوق الفخ، والتجربة الأولى هي الإدمان الأخير. لو لا سمح الله قد دخل أحدهم في هذه التجربة، نقول له لم يتأخر الوقت! قِف وقل كرامة للحسين سيد الشهداء الذي جاء لحفظ الدين وحفظ العقل وحفظ الأحكام وحفظ الأسرة وتحقيق أهداف الدين وضحى بدمه أنا أقف وأعاهد الحسين ألا أتقدم خطوة بل أتراجع وأعالج ذلك فهذا طريق النجاة. وأخيرًا رسالة إلى الأسر والعوائل، الوقاية أفضل من العلاج. يا أيها الأب الكريم، إغفالك أبنائك وبناتك والذهاب إلى الديوانيات والانشغال عن أبنائك قد يؤدي إلى أن تكون في غفلة بينما ابنك يختطفه الخطافون، وذلك الوقت ستضطر أن تركض سنوات حتى تسترجعه. فاهتم من الآن وأنفق عليهم مالًا، عاطفةً، واهتمامًا. انتبه أن يكون ابنك عنده حالات متغيرة، أصدقاء جدد، أمور خفية، حياة سرية، أو وضع صحي غير طبيعي. علامات كثيرة انتبه عليها حتى تعرف أن ابنك قد يكون لا سمح الله مُستهدفًا من قبل مروجي المخدرات. وكذلك أيتها الأمهات انتبهن لأسركن! فنحن نوجه رسالة إلى الأسرة بلزوم الانتباه المكثف لأسركن. هذه المقاصد هي أهداف إمامنا الحسين الذي خرج لطلب الإصلاح في أمة جده. فهل نضيع ذلك بيدنا؟ قال قولته الشهيرة للوليد ابن عتبة ابن ابي سفيان عندما طلب منه البيعة، فأقبل الإمام الحسين عليه السلام على الوليد وقال: «أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله» فلنتنبّه إلى أن مروج المخدرات قد يكون أسوأ حالًا من شارب الخمر دنيًا وآخرة! فعلينا بالحذر ثم الحذر.
مرات العرض: 3415
المدة: 01:00:00
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 14104 KB
تشغيل:

1 من برنامج المعصومين في محرم
3 فلينظر الإنسان إلى طعامه