لنستح من الله حق الحياء 21
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 28/8/1443 هـ
تعريف:

21/ لنستح  من الله حق الحياء

 كتابة الفاضلة تراتيل 

  في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام قال: " يا هشام رحم الله من استحي من الله حق الحياء فحفظ الرأس وما حوى . والبطن وما وعى وذكر الموت والبلى وعلم ان الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات". 

هذه الوصية كما تحتوي على كلمات من إنشاء الإمام عليه السلام نفسه فإنها تتضمن أيضا توجيهات من رسول الله ومن أمير المؤمنين عليهما السلام وقد أشرنا فيما مضى عند الحديث عن الفقرة السابقة ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يوصي أصحابه و في هذه الفقرة.

 قلنا ان الامام الكاظم عليه السلام يستدعي بعض كلمات الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وفي ذلك فوائد متعددة منها الإشارة الى ان علمه من علمهم وإضافة الى ذلك فيها إشارة الى ان هذا المطلب الذي يقوله الإمام قد تم التأكيد عنه في حديث المعصومين لذلك الإمام يقوم بذكره و التأكيد عليه إذن نفس النص جاء في حديث رسول الله فقد ذكر ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال :" استحيوا من الله عز وجل حق الحياء فقيل يا رسول الله , فكيف نستحيي من الله ؟ فقال : من حفظ الرأس وما حوى . والبطن وما وعى وترك زينة الحياة الدنيا وذكر الموت والبلى فقد استحى من الله عز وجل حق الحياء" تعبير حق الحياء أي الدرجة العالية من الحياء , ما يستحقه الله من ان يستحى منه ذلك ان في تعابير النصوص الدينية تارة تأتي بمثل (فاتقوا الله ما استطعتم ) أي بقدر طاقتكم في الأمر الواجب , وتارة يأتي في تعبير آخر (فاتقوا الله حق تقاته ) حق تقاته هي هذه أي مرتبة عالية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم , هنا نفس الكلام موجود انه ( فاتقوا الله ما استطعتم )أي استحيوا من الله ما استطعتم لكن الدرجة الأعلى و المثلى التي ينبغي ان يطمح اليها الانسان المؤمن , والدرجة المثلى هو ان يستحييه حق الحياء وهذا ما يناسب الله وليس ما يناسب طاقتي وقدرتي والواجب . ما هو حق الحياء بقرينة رواية ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه واله وبقرينة التفريع بالفاء (فاء التفريع او الشرح للنص ) فحفظ الراس وما حوى أي ان رأس الانسان فيه منافذ العلم حيث فيه عين الانسان وبها يلتقط الصور والاشياء المقروءة وفيه الاذن وأيضا يستلم من المحيط الخارجي الأصوات سواء كانت صوت درس او صوت اغنية صوت شيء مفيد او شيء ضار فهذه منافذ العلم في الانسان بل بناء على ما هو معروف ومشهور ان العقل او التعقل هي في رأس الانسان ونحن لسنا بصدده ولكن إمكانيات الانسان تنسب الى منطقة الرأس , فاول شيء مما يستحي الانسان ربه به حق الحياة هو راسه فيحفظ العين عن النظر الى المحرمات وهذه من اصعب التحديات في هذه الأزمنة في السابق كان الواحد اذا خرج الى الأماكن الكذائية يرى الصور الخليعة لكن اذا لم يذهب فانه لا يراها , اليوم يشاهدها حتى لو لم يذهب فهو يشاهدها حتى وهو يقرأ الاخبار او يشاهد التلفاز او يقرأ خبر من الاخبار عبر الجهاز الذكي ,و الذي يصونه هو ان يحتجب بالحياء من الله عز وجل بحيث لا ينظر الى ما حرمه ربه عليه ويحفظ عينه التي هي جزء من راسه فهو يحفظ عينية من ان تقع على غير العلم النافع فيحفظها عن كل معلومات باطلة ضاره و هكذا الحال مع الاذن فيحفظها مما حرم عليه , وكذلك البطن فهو يدخل فيه من الطعام والشراب وما شابه ذلك فهذا البطن اذا أراد الانسان ان يحفظه فلابد ان لا يوعيه الا من الكسب المحلل نحن في هذه الأيام في أيام ذكرى وفاة الزهراء عليها السلام.

 و قد اشرنا الى هذه كما أشار اليه غيرنا وهي ان الزهراء عليها السلام تكونت من طعام الجنة بعد ان امر الله عز وجل نبيه ان يعتكف ويعتزل زوجته ويصوم النهار ويقوم الليل هذا لم يحصل الا مرة واحده في هذا الكون , فقال لها :" يا خديجة ما اعتزلتك عن قلا , هو امر ربي" حتى اذا اتم المدة المقررة وهو صائم في النهار قائم في الليل عند وقت الإفطار نزل عليه جبرئيل بطعام من الجنة في بعض الروايات سفرجلة وفي بعض الروايات تفاحة ولا يمتنع ان يكون كلا الامرين لان طبق الجنة ليس بالضرورة نوع واحد او حبة واحده فقد يكون متعددة فاخبره جبرئيل ان يأكل من هذا طعام الجنة ولا يشرك معه احد ابدا ثم يأتي بيته و يقارب زوجته لان الله سيخرج من صلبه فاطمة الزهراء سيدة النساء العالمين , هذا معناه ان نطفة فاطمة لم تتكون فقط من الحلال وانما من خصوص طعام الجنة وهذا شيء استثنائي فاذا كانت بنيتها الجسدية من طعام الجنة فكيف بنيتها الروحية , هذا أيضا يشير لنا الى اثر دور الطعام في نطفة الرجل وفيما يتخلق منها ومن زوجته فاذا احدهم مأكله ومشربه حرام وكذلك زوجته ولا يبالي فماذا يتوقع ان يخرج ابناءه ؟ هل يتوقع ان يكون ابناءه من الصديقين او العلماء المخلصين مثلا ؟ هذا نادر جدا . قصة المقدس الاردبيلي نقلناها سابقا ربما .

 لذا ينبغي على الإنسان ان يحفظ البطن وما وعى بقدر الإمكان وينبغي ان يسعى لذلك لأنه يؤثر على إيمانه هو يؤثر على أخلاقه وقد يؤثر على نسله وذريته (وذكر الموت والبلى ) غفلة الإنسان تدعوه عادة الى ان لا يستحي من الله ذات مره قرأت ان احد الممثلات جيء يخبرها انه لماذا تحجبت و هي تتكلم فعندما سألت كيف انت اعتزلت التمثيل وتحجبت وصرتي في طريق الاستقامة؟ وكانت تمثل على المسرح مسبقا بصورة غير لائقة , تقول : طول عمري كنت هكذا وفجأة وأنا على المسرح أضاء ذهني شيء ما فتصورت ماذا لو كان الله ينظر الي وانا على هذه الصورة ! امام الناس اعضائي ومفاتني مكشوفة أما الخلق الان لو كان ربي امامي وينظر هل كان سيرضى عني أو يغضب علي ؟ فخجلت من نفسي وخجلت من ربي وانسحبت من ذلك المكان وقررت ان لا اعود الى هذا المسار , مجرد ان يتصور ربه وهو في المعصية وبمجرد ان يستحي من الله فانه ينتهي الامر فانه يجعل لنفسه عصمة بنسب من ربه . ذلك الشخص الذي يعصى عادة لا يستحي من الله قد يستحي من الخلق , هل رأيتم أحد يمارس الزنا امام الناس ؟لا , لأنه يخجل منهم ويستحي فانت يامن تستحي من الناس فالله أحق من الحياء من خلقه . وإذا كان هؤلاء يرون بعض الشيء فإن الله يرى كل شيء , ان شاء الله نتذكر الله في كل شيء فهذا يصنع فينا الحياء فعندما يسول لنا الشيطان ان نرتكب اثما او ذنبا فإننا نتذكر الله عز وجل ونستحي في إحدى الروايات ان أحدا سأل رسول الله كيف استحي من الله ؟فقال اله استحي بقدر حياءك من عين قومك (فقط بهذا المقدار يكفي ليس اكثر ) عندك شيخ في منطقتك ؟ استحي من ربك كما تستحي من شيخ منطقتك وكما تستحي من أبيك وعمك وجارك , كيف تخفي عنهم هذه المعصية لأنك تخجل تستنكف , الله أحق ان تستحي منه فهو أبصر بك وبهم . 

ذكر الموت ينفع فإذا تذكر أن وراءه حساب وعقاب وموقف أمام الخلائق والإشهاد وسوف تسأل امام الجميع وامام رسول الله صلى الله عليه وآله , إذا شاهدنا النبي بهذه الحالة يضع رسول الله يده على فمه أسفا انك وانني لم ننهج منهجه ام انه يبتسم ويرحب و يحتضن لأنك جئت نقيا صافيا مؤمنا , تصور هذا الموقف مع النبي والزهراء وأمير المؤمنين والحسن والحسين والمعصومين عليهم السلام , فإذا كان كذلك فان ذلك يكون حريا بالإنسان أن يدعوه بأن يستحي من الله ليس عبثا ان يأتي الحث والاستحباب والوصية ان نقرأ في يوم الجمعة سورة الجمعة لأنه بها طرقات ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) الجمعة اية 8 هذا تذكير أسبوعي حتى لو كان الفرد لم يتذكر فان يوم الجمعة يأتي ويسمع هذا التنبيه والتذكير ( وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوف بالشهوات ) الانسان قد يزعل لأنه عندما يأتي الصبح فانه لابد ان يقوم من نومه و لربما هو للتو دخل في النوم إذا كان من أهل السهر والاستيقاظ للصلاة ثقيل جدا عليه لكن هذا هو طريق الجنة فهو محفوفة بالمكاره. 

وكذلك أن يعطي الأموال في واجبه الشرعي فإن الإنسان لا يرتاح له,لماذا؟ لأن هذا كسبه وتعب في تحصيله لذلك هو يكره دفعه لغيره و هذا طبيعة الإنسان .كأنما يعطي جزء من حياته، لكن الجنة محفوفة بالمكاره، وهكذا سائر الأعمال والطاعات فيها تكلفة فيها صعوبة, اجتناب المعصية أيضا فيه صعوبة يحتاج إلى صبر يحتاج إلى تجلد يحتاج إلى تصميم يحتاج إلى قطع. لكن هذا هو طريق الجنة، و مثال على هذا عندما يقال لك مثلا لكي تصل إلى منزلك لابد أن تمر على طريق غير معبد به تكسير وليس هناك طريق غيره يؤدي الى منزلك , انت تريد طريق معبد لا هذا الطريق المكسر لكن لا يوجد طريق غيره ولو ذهبت الى طريق آخر ربما سوف يأخذك الى خارج البلدة فلا مفر من هذا الطريق الذي يوصلك إلى المنزل لابد أن تمشي فيه مع وجود العثرات والصعوبات وكذلك الجنة لكي تصل إليها فإنها حفت بالمكاره ، وإن كانت لذائذ في واقعها الصلاة ,الإنسان لو رفع عنه الحجاب لن يرى أنها صعبة فإن الخبر يقول "لو علم العبد ماله في صلاته لود أن لا يفتل منها إلى يوم القيامة " , لو رأى حقيقة ماذا يتنزل عليه و ماذا يحصل له أثناء تأدية الصلاة فإنه لن يرغب في ان ينهي هذه الصلاة أصلا، بينما لأنه نحن محجوبون فلا نعرف فوائد ومنافع الصلاة وحقيقة الصلاة. لذلك ننهي الصلاة خلال 5 دقائق ونعتبرها كثيرة. لكنما الجنة محفوفة بالمكاره، والنار محفوفة بالشهوات . هنا مثال جدا بسيط لكي يبقى في ذهنك , الطابق الثالث حتى يصعد الماء له ماذا يحتاج ؟؟ الى دينامو أي قوة دفع. لكنما الطابق السفلي لا يحتاج فهو منحدر لا يحتاج إلى أن تدفع الماء لذلك ترى المطر عندما ينزل يتوجه إلى أين ؟ إلى الوادي فيتشكل سيلا , الإنسان هكذا حتى يصعد إلى الأعلى يحتاج إلى قوة دفع و دينمو بينما حتى ينزل و يتسافل ويذهب وراء الشهوات والنار فهو لا يحتاج إلى شيء. فقط يترك نفسه وحسب التعبير الدارج فإنه (يتدحرج على الأخير) الجنة والنار هي هكذا تحتاج جهاد دائم حتى تصعد توصل الجنة لكن النار لا تحتاج إلى هكذا فقط اغمض عينك لا تفتحها . فقط اذهب وراء ما تريد من شهوات وأهواء، فيصل ذلك الفرد الى النار أي الجنة محفوفة بالمكاره، والنار محفوفة بالشهوات نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم و أرحامنا وأهلنا من أهل الجنة، وأن يبعدنا عن النار، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

مرات العرض: 3416
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 27137.53 KB
تشغيل:

31 المسبوبون والمحتقرون لهم ملكوت السماء
ضيافة الله وكرامته في شهر رمضان