وصية الامام الكاظم لهشام .. لماذا مهمة ؟1
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/10/1442 هـ
تعريف:

وصية الامام الكاظم لهشام .. لماذا مهمة ؟

كتابة الفاضلة تراتيل

بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين , جاء في وصية الامام ابي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليهم السلام لهشام بن الحكم البغدادي انه قال : يا هشام ان الله تبارك وتعالى بشر اهل العقل والفهم في كتابه فقال ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ  الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ( الزمر 17-18 , يا هشام ان الله اكمل للناس الحجج بالعقول وافضى اليهم بالبيان ودلهم على ربوبيته بالأدلاء ان الله وعظ اهل العقل ورغبهم في الأخرة وقال ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الانعام:32 "

هذه الفقرة جزء من وصية طويلة من الامام الكاظم الى احد اهم اصحابه وأصحاب ابيه الصادق عليهما السلام وهو هشام بن الحكم , ذكر هذه الوصية المرحوم الكليني في كتابة الكافي وأيضا ذكرها معاصره الشيخ الحراني في كتابه " تحف العقول عن ال الرسول" , هذه الوصية من الوصايا المهمة لذلك سوف نتعرض لها بالتأمل في فقراتها وبالنظر في توجيهاتها وهي تكتسب الأهمية من جهات متعددة منها :

جهة القائل (المتكلم)

فكرة انه (لا تنظر الى من قال وانظر الى  ما قيل) هي ليست في كل الموارد صحيحة , فان القائل مثلا لو كان هو رب العزة والجلال كقوله في القران فهذا يختلف عن قول عبده فلا يصح هنا ان تقول ( لا تنظر الى من قال وانظر الى  ما قيل) فمن قال هنا هو مهم جدا بل كل الأهمية فيه نظرا لان من قال هو الله وفي كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يدية ولا من خلفه  فهذه الكلمة أحيانا تجري مجرى المثل و هي صحيحه في بعض الموارد فقط وليس في كل الموارد , ففي بعض الأماكن فنحن أولا ننظر الى من قال فاذا كان هذا ا لقائل يستحق العناية نظرنا في مقاله , اما اذا كان القائل لا يستحق العناية كإبليس مثلا فلا ننظر الى كلامه , و كذلك اذا كان القائل كافر جاحد وهذا بعكس ما اذا كان القائل مقاله معصوم-مطلقا سواء نبي او امام-لأنه لا يحتمل فيه الخطأ او الكذب و  لذا القران الكريم لا ينطبق عليه هذا  وكذلك الامام المعصوم , لكن لو كان القائل هو الانسان العادي فكلامه يحتمل الخطأ والصواب 

فأول ما ننظر الى هذه النظرية ونطبق هذه القاعدة سنجد ان القائل هو امام معصوم وهو الامام موسى الكاظم عليه السلام ومقاله مقال صادق واضاءته اضاءه تامه فالمتكلم له أهمية وهكذا فان الوصية تكون مهمة كونها من امام معصوم .

 المخاطب

لان المتكلم الحكيم يعطي كل مستمع بحسبة مثلا المدرس الحكيم الذي يقوم بتدريس الفصول الدنيا فانه لا يدرس المعادلات الصعبة لأنه يعلم ان هذا لا يتناسب مع عقليتهم  . لكن اذا دخل هذا المدرس الحكيم بعد قليل على طلاب الصف الثانوي في حصته الثانية مثلا فانه يختلف الحال ويعطيهم ما يتناسب مع حالهم . نلاحظ هنا ان المعلم واحد لكن المستمعين متعددين في مستوياتهم لذلك هو يعطي ذاك بحسبه وهذا بحسبه وهكذا الامام المعصوم يعمل

لذلك العلماء يلاحظون الروايات التي يرويها فقهاء الاصحاب بانها مختلفة عن الروايات التي يرويها اشخاص عاديون فهؤلاء تطرأ لهم مسألة فيعطيهم ا لإمام الإجابة بحسب حالهم لكن عندما يجيب الفقيه فانه يتحدث له ويشير الى بعض القواعد وبعض الأدلة وينبهه بما هو مرتكز في ذهنه من المعلومات 

هشام بن الحكم عقلية من اعظم العقليات في أصحاب المعصومين عليهم السلام لذلك قبل انتماءه الى طريق اهل البيت عليهم كان من قوته العلمية و درجته العقلية انه لا يتنزل ان يناقش هؤلاء الفقهاء المعاصرين لأنه لا يرى ان عندهم علما فهو اذا تناقش مع ا حدهم فانه يغلبه 

احد أصحابه  قال سأستأذن له الامام الصادق عليه السلام حتى يتناقش معه فلو كان هشام في مذهب اهل البيت لرجونا ان ينتفع المذهب به , فقد كان فيلسوفا ولكن لم يكن له باع في الفقه حتى قيل انه له رواية واحده في الفقه ولكنه كان في العقليات وفي علم الكلام والاستدلال على الله و على النبوة والامامة لديه الكثير فهو متكلم أي عالم بعلم الكلام اكثر منه فقيها 

اذن الامام الصادق لهشام بالحضور فخرج الصحابي ليخبر هشام ثم ان هذا الصحابي رجع للإمام وقال له : ان هذا هشام ابن الحكم , فقال له الامام: عليّ تتخوف منه ؟! فاعتذر الصحابي من الامام وعرف انه زلّ 

وعندما جاء هشام على الموعد المقرر فطرح الامام الصادق على هشام سؤال وقال له اذهب وهات جوابه وبالفعل هشام لم يكن يمتلك الجواب , فرجع هشام بعد يومين و اخبر الامام انه لا يمتلك جواب فأعطاه الامام الجواب ثم اعطاه الامام سؤال ثاني لكن هشام أيضا لم يعرف الجواب فعرف انه يواجه فقيها ليس كأي فقيه وهو لابد ان يكون مؤيد من الله سبحانه وتعالى , 

ففكر هشام  ان التفسير والفقه هو مما حصل الامام عليه من اباءه واجداده لكن الاحاديث الفلسفية و العقلية من اين له! , فقال للإمام : هذه الاحاديث الفلسفية والعقلية من اين اخذتها ؟ فقال الامام لهشام: "يا هشام ان الله اعدل من ان يفترض حجة امام على الناس ثم لا يكون عنده كل ما يحتاجون اليه" 

فكيف يأمر الله اطاعة ولي الامر طاعة مطلقة وهو لا يمتلك ما يحتاجونه , لذا انتهج هشام منهج اهل البيت وبما انه متمكن جدا فقُرّبَ في زمان الامام الصادق ورفع منزلته بالرغم من صغر سنه حتى قيل انه لم يلتحى بعد , الشاهد ان الامام رفع منزلته ويجلسه بجانبه وهذا اثار حفيظة بعد الكبار لأنه بعمر احفادهم  وهناك احاديث كثيرة في شأنه وفضله . وقد صار هشام من أصحاب الامام الكاظم عليه السلام وله مناظرات كثيرة وقد استعاذه الامام لما جاء ذات مره فقال له الامام : اخبرني ماذا صنعت مع عمر بن عبيد – وهو من شيوخ المعتزلة وقد دعمه العباسيون لمعارضة اهل الفقه والكلام من اتباع اهل البيت لينفصلوا بشكل كامل عنهم ) فقال هشام :انا ذهبت حيث عمر كان جالس و كان هناك جموع كثيرة متحلقين حوله فتخطيت الرقاب و سألته فقال : تفضل ، فقلت له : سؤالي بسيط وساذج اريدك ان تتحملني , فقال : تفضل , فقلت له : اعندك يد ؟ فقال: بلى , قلت : عندك عين ؟ فقال: بلى , قلت : عندك رجل ؟ فقال: بلى , قلت : ما تصنع بها ؟ قال : اليد ابطش بها والعين أرى بها والرجل اسعى بها , فقلت له : عندك قلب ؟  فقال : بلى , قلت : و ما تصنع به ؟ قال: القلب هو القيم على كل هذه الأعضاء فهو يعطيها أوامر , يا عمر ما رضي لأعضائك الا وقد ترك لها امام قيّم عليها ا تراه تركك بلا امام ؟؟ فسكت عمر ثم قال : من اين انت ؟ قال هشام: من اهل الكوفة  فقال عمر: انت هشام بن الحكم او سمعت منه  ؟

الامام الصادق فيما بعد قال لهشام : من اين اتيت بهذا ؟ قال قسم منه سمعته وقسم منه من عندي جمعته , قال الامام : "هذا مكتوب في كتب الأنبياء السابقين."

 فالحاجة الى الامام موجود في الكتب السابقة ومذكوره 

هشام بهذه المكانة وهذه المنزلة التي يتكلم بها والامام يتركه يتحدث للناس ثم يعقب عليه ليؤيده وان لكلامه أصول في الكتب والديانات 

الظرف الذي كان يعيشه الامام وهشام :

كان هناك مشكلة فكرية حول موقع العقل في تيارين اساسين في ذك الوقت وهما مدرسة الحديث و مدرسة الرأي .

فمدرسة الرأي يراسها ربيعة الراي وأبو حنيفة وهي امتداد لما اسسه الخليفة الثاني وابتعدوا بمقدار عن النص واخذوا بجانب من الاجتهاد و الراي وابتكروا احكام واراء و تطورت هذه الفكرة حتى اصبح المذهب الحنفي هو الشاخص الأكبر لهذه المدرسة  

اما مدرسة الحديث فهم ينظرون للاحاديث بدون إعمال العقل فلو ورد في الحديث ان الله ينزل من السماء السابعة فهو هكذا لديهم بدون فهم ما يلزم من هذا الكلام من لزوم التشبيه والحركة والتجسيم الممتنعين عن الله 

وفي العقائد كان هناك الأشاعرة والمعتزلة كل من الطرفين لم يحسن التعامل مع العقل بين افراط وتفريط , فتاتي كلمات من الامام يتحدث فيها عن العقل ودوره وما ينشطه وما يثبطه لجعل العقل في مكانه الطبيعي 

وقد شهدت فترة حياة الامام الصادق أيضا حالة من الحماس الشديد عند قسم من شيعة اهل البيت حيث الانسياق وراء الاتجاه الثوري و المواجهة العنيفة للسلطة لاسيما في اتجاهات بني الحسن المجتبى حيث كان لهم اتجاه ثوري وقسم من اتباع اهل البيت تأثروا بهذا الحالة من الحماس الشديد في الساحة الشيعية 

بشكل عام كانت  الساحة الشيعية تحتاج الى ترشيد والاحتكام الى العقل بشكل اكبر حتى لقد اثر عن الامام زين العابدين  عليه السلام:" وددت لو انني افتدي ببعض لحم ساعدي خصلتين من الشيعة  منها النزق وقلة الكتمان " النزق أي سرعة الحركة الى الامور من دون تبصر و دون تعقل 

الانسان في حياته ينبغي ان لا يتأثر بكلام الاخرين كثيرا , و لا ينخدع بكلام الاخرين وبأساليب التحاليل , وهذا يحصل لبعض الأشخاص بالرغم من  كثرة التجارب المرّة التي يرونها امامهم  لان العقل لديهم ليس حاكم عندهم في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية وغيرها لذلك يجب ان نقدم العقل امام كل شيء  

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين


مرات العرض: 3421
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 30224.29 KB
تشغيل:

شهر النبی والشفاعة لماذا ؟ 6
وصية الامام الكاظم وقيمة العقل في القرآن 2