نعم لحجية العقل لا لتأليه العقل 10
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1443 هـ
تعريف:

10/ نعم لحجية العقل لا لتأليه العقل

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

مما جاء في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم أنه قال: (يا هشام إن لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول)، هذه الكلمة هي من أشهر الكلمات في تراث أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم ومن بعدهم لقوة مضمونها واختصارها.

قوة المضمون باعتبار أن الإمام عليه السلام قد جعل الحجج على الإنسان حجتين، حجة ظاهرة وهي الرسل والأنبياء والأئمة، فهؤلاء مبلغون عن الله عز وجل أوامره نواهيه، فلا يستطيع إنسان أن يقول في يوم القيامة لم يصل إلي هدى الله، وعلى فرض أنه لم يصل إليه هدى الله فهو معذور من هذه الناحية، لكن قد أخبر القرآن الكريم: (وإن من أمة إلا خلى فيها نذير)) أي انه لا توجد أمة ولا قرية إلا وقد وجد فيه نذير سواء كان هذا النذير رسولاً أو كان إماماً ووصياً.

من الممكن أننا لا نعرف تاريخهم باعتبار قوله تعالى: ((ورسلاً قد قصصناهم عليك ورسلاً لم نقصصهم عليك)) ولكن بمقتضى هذا الدليل أنه لابد لتمامية الحجة على الخلق أن يكون هناك رسول ووصي ومنذر من الله عز وجل حتى تكون لله الحجة البالغة على خلقه، وأيضاً ما ورد القرآن الكريم وأحاديث المعصومين بل وحكم العقل من أنه لا يصح العقاب من غير بيان وهذه قاعدة عقلية مقررة عند العلماء لا خلاف فيها بأنه لا يمكن أن تكون هناك عقوبة إلهية من قبل الإعذار والإنذار والتبشر والإخبار، فإذا لم يأتنا النبي فلا يصح أن يقال لنا لماذا لم تصلوا ولماذا لم تصوموا، إذاً فلا بد من أن يكون هناك حجة لله عز وجل يبلغ أوامره ويقوم بها هو حتى يحتج الله به في الجانبين (النظري والعملي).

الجانب النظري: أن يوصل إلى الخلق تعاليم الله عز وجل.

الجانب العملي: أن يقوم هو بتطبيقها حتى لا يقول بشر أنه ليس بإمكاننا أن نلتزم ولا نستطيع ذلك أمام الشهوات، فلا يمكن لأحد أن يقول لا نستطيع أن نصبر على الفقر فهوينا في السرقة، هنا يقال لهم أن هؤلاء الرسل بشر وقد تضغط عليهم نفس الظروف التي تضغط عليكم أو أكثر، لكنهم التزموا بأوامر الله طيلة حياتهم.

إذاً فإن هذه هي الحجة الظاهرة وتشمل الرسل والأئمة كما هو صريح هذا الكلام وهذا من الأدلة على لزوم أن يكون أئمة من بداية الخلق إلى يوم الدين، بل أساساً إن كلمة الإمام تشمل النبي وتشمل الوصي والمعصوم الذي يأتي من بعده، وهو أيضاً مما يستدل به على وجود الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا الزمان، كما نستدل بها أيضاً على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد أن يكون قد خلَّف أئمة من بعده وإلا بطلت هذه الحجة، فالرسول يأتي بالقرآن الكريم يبينه من جهة ويطبقه من جهة أخرى، وبناءً على نظرية الإمامية نستطيع أن نقول أن التعليم والتوجيه والأحكام لا تزال مستمرة بما أعطاهم الله سبحانه وتعالى من علم الكتاب وبما ورثوه من علم رسول الله مما لا يحتاج البشر إلى أكثر من ذلك كما أن هناك تطبيق عملي لهذه الأوامر، ففي زمان أمير المؤمنين عليه السلام كان هو المطبق التام للقرآن الكريم، وفي زمان الحسن كذلك والحسين وفي زماننا  في تطبيق الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

الحجة الثانية: الحجة الباطنة وهي العقول، فالبعض يتساءل بأنه لماذا لا نكتفي بالعقل ما دام هو حجة، وبالذات في هذه الأزمنة مع شيوع الثقافة العلمانية أو محاولة علمنة الحالة الدينية يشتد الحديث في هذا الموضوع، فتارة يقال لك أن هناك أزمنة مختلفة فكان في القديم مثلاً زمن الخرافة والأساطير وكانوا يعبدون الطوطمة والقوة الخفية وبعدها أصبحت عبادة الأصنام وما شابه ذلك، ثم انتهت فترة الخرافة وجاءت فترة الأديان وكما يقول هؤلاء وهو غير صحيح بأن الناس توجهت إلى أنه من اللازم أن يعبدوا إله واحداً أو قوة غيبية واحدة فكانت هناك اليهودية والمسيحية وجاء الإسلام أيضاً، ففترة الأديان كما يدَّعي هؤلاء فسرت للعالم شبه تفسير ما يحدث فقالت أن الله هو الذي ينزل المطر ويحيي الزرع، وبعدها مرَّت البشرية بمرحلة جديدة وهي مرحلة العلم من بدايات النهضة الصناعية في أوروبا وقد تعرف فيها الإنسان على الأسباب العلمية فقالوا ليس الله من ينزل المطر وإنما الشمس تقوم بتبخير الماء ويصعد إلى الفضاء ويمر بمنخفضات جوية أو مناطق باردة يتكثف فيها البخار فينزل إلى الأرض على شكل مطر، وكذلك الهزات الأرضية والزلازل هي عبارة عن احتكاك صفائح الأرض ضمن معادلة معينة، وقالوا نظراً لذلك أصبح هناك انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى (من مرحلة الدين إلى مرحلة العلم)، ولم ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل قالوا أن الآن في هذه الأمنة تأتي مرحلة العقل وهي مرحلة متطورة لا تحتاج إلى أمور دين ووحي وغيب وقرآن وغير ذلك وإنما عقل الإنسان تطور تطوراً كبيراً فأصبح هو الحاكم والمشرع، وهذا ما يسميه المفكرين بتأليه العقل أي أن العقل أصبح وكأنه إله.

لماذا لا نقول أن العقل هو الحجة والمشرِّع والقائد للبشر؟ هل إن هذا العقل يعني عقل كل إنسان أو يعني العقل العام؟

فنحن نلاحظ أن الناس كلها لديها عقول ومع ذلك تختلف آرائهم وأحكامهم وتصوراتهم، فلو طرحنا موضوع معين أو مسألة معينة نجد أنه لا يتفق عليها جميع الناس ولذلك يلجؤون إلى موضوع الأكثرية، إذاً فماذا أصبح هذا الإختلاف إذا كان العقل برأيهم هو القائد الذي لا ريب ولا شك فيه؟

السبب في ذلك هو أن العقل الذ هو جوهرة نورية ربانية فيه رشحة من نور الله عز وجل فهو مرتبط بالإنسان، وحيث أنه مرتبط بالإنسان فإنه يتأثر بإقباله وإدباره، برغبته وبخوفه، ولذلك فإنه في كثير من الأحيان يكون محكوماً بهوى الإنسان وشهواته، ولولا هذا كله لاختار كل البشر الطريق السليم ولكانوا جميعهم على مستوى عالٍ من الأخلاق والممارسة السلوكية، لذلك نرى أن النبي والإمام لا بد أن يكون معصوماً لأنه لو لم يكن معصوماً لغلبت عليه شهواته كما أنه لا بد أن يكون معصوماً عن السهو والغفلة لأنه لو لا ذلك لسهى في بعض أحكامه عن طريق الحق.

إذاً فإن النبي لديه عقل كسائر البشر، لكن عقل هؤلاء البشر من الممكن أن تسيطر عليه الشهوات فتعطل عمله إما بالكامل كالمنحرفين انحرافاً تاماً، أو أنها تعطل عمله في بعض الأجزاء كالشهوات والسهو والغفلة وغير ذلك.

لذلك نقول أن هذا التنظير الموجود يكفيه خللاً وخطأً ما نجده في العالم اليوم الذي من المفترض أن تكون جميع قادته أعقل الموجودين، وإن كانوا على مستوى عالٍ من العلم أو متقدمين في العمر إلا أن هذا العالم لم يطهر من الشهوات والحروب ولم يخرج فيه الإنسان بالصورة المثلى، وهنا يتبين أن هذا العقل مخلوط بالأهواء، فهذا المستشار الفلاني عندما يتخذ قراراً يفكر في العائد المادي لدولته لا في الإنصاف والحق والصواب مع أنه مستشار من أعلى المستشارين، كما أنه يجرد القوات المسلحة من دبابات وطائرات حتى يحتل بلداً آخر، فنجد أن هذه العقول غلفت بغلاف المصلحة والهوى والشهوة ولذلك أنتجت هذه النتائج.

مما يظهر من ذلك هو أن العقل ليس مصوناً عن التأثر بالهوى والشهوات، إلا في حالة العصمة كقيادة الأنبياء والمعصومين، فكما أن لديهم حجة ظاهرة فإن الحجة الباطنة وهي العقل محمية بالعصمة وبريئة من الشهوات، أيضاً نلاحظ أن العقل إن لم يكن هادياً إلى الله فإنه لا يسوى قطميراً ولا يستحق شيئاً، بينما العقل الذ يعاضد الله وينتهي على ما انتهوا إليه ويصوب ما أراده الله سبحانه وتعالى للبشر فهو العقل الحقيقي الذي خلقه الله عز وجل.

يقول إمامنا سلام الله عليه: (إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الحجة الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول)،  أعظم الدين دور الحجة الإلهية بكلا قسميها ولذلك جعل الحجتين دليلاً في استنباط الأحكام الشرعية أيضاً.

 

مرات العرض: 3401
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 26425.4 KB
تشغيل:

من هو أكثر الناس معرفة بالله 9
ما هي مساحة العقل في الشريعة 11