ما هو المكتوب في انجيل المسيح 30
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 3/8/1443 هـ
تعريف:

30// ما هو المكتوب في إنجيل المسيح

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

جاء في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم قوله: (يا هشام طوبى للمتراحمين أولئك المرحومون يوم القيامة، طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة، طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك هم المتقون يوم القيامة، طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة) هذه فقرة من وصية الإمام الكاظم عليه السلام وقد ذكرنا في أحاديث مضت أن الإمام عليه السلام بدأ يستشهد بكلمات المسيح عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام لأغراض متعددة سبق الحديث عنها، وفي هذه الفقرة ذكر عليه السلام أن هذا مكتوب في الإنجيل.

الإنجيل: إما هي كلمة سريانية كما هو عليه قسم من اللغويين ومعناها البشارة، فكما أن للقرآن الكريم تسميات باللغة العربية كذلك الإنجيل له تسمية باللغة السريانية ومعناها البشارة، وبعض اللغويين قالوا أن الإنجيل هو بمعنى الصفو، نَجَلَ الشي أي نَخَلَ الشيء، وبناءً على هذا المعنى فهو صفو الكلام وصفو التوجيه، لكن الأكثر هو أن هذه الكلمة أصولها سريانية وهي بمعنى البشارة.

في لمحة خاطفة لأننا تحدثنا عن هذا الموضوع بشكل مفصل في كتاب (من قصة الديانات والرسل)، حول الإنجيل وكيف تطورت كتابته وكيف حصل له التحريف وماذا فيه وردود علمائنا على ما جاء من فيه من أخطاء، يظهر من هذا أن هناك شيئاً مكتوباً في الإنجيل يحتوي على أصول المعرفة الدينية والأخلاقية بل التشريعية أيضاً وقد أشار القرآن الكريم في 17 آية تحدث فيها عن الإنجيل بلسان التعظيم والتكريم وأشار إلى أنه فيه هدى ونور، فهذا الإنجيل الأصلي الذي ينظر إليه في القرآن الكريم بعين الإحترام ويذكر بلسان التعظيم ربما لا يكون موجوداً الآن في يد أحد من العلماء المسيحيين لأنهم يذكرون أن أول التدوين لما قاله المسيح وأخبر عنه، كما حدث عندنا نحن المسلمون من تأخر كتابة السنة النبوية إلى حوالي سنة 99 للهجرة عند مدرسة الخلفاء، فإنه يظهر هذا أيضاً عند المسيحيين، ولذلك هناك ما يشبه الإجماع بين المؤرخين على أن أول تدوين بشري لما أُثِر عن المسيح من حكم وأقول وتوجيهات كان بعد ثلاثين سنة من رفعه إلى السماء كما هو عند المسلمون أو من صلبه كما هو عند المسيحيون، فلا أحد يعلم أين هي النسخة الأصلية للإنجيل، فالكتابة بدأت بعد ثلاثين سنة واستمرت هكذا فيزداد جزءاً ويظهر إنجيل جديد كل فترة حتى وصل إلى 59 إنجيلاً كلها مكتوب عليها (إنجيل عيسى)، فحدث ما يشبه الفوضى في الأمر وهذه من مشاكل التدوين وتأخره، فالسنة القولية والفعلية وتسجيلها عن عيسى بن مريم تعرضت إلى نفس المشكلة التي تعرضت لها سنة رسول الله بأنها دونت في سنة 99 للهجرة مع أن عند الإمامية تم التدوين في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا ما نجده في كتاب علي عليه السلام بأنه تكرر إملاء رسول الله بخط علي بن أبي طالب، فسنة النبي فيما نعتقدها محفوظة تماماً هي عند آل محمد، وهذه هي ما يشير إليه الإمام الباقر والإمام الصادق عندما يقولون: (مانحن والرأي في شيء، إنما هي أصول علم نتوارثها كابراً عن كابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله)، لكن المدرسة الأخرى منعت تدوين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أشرنا إلى ذلك في محاضرات سنة النبي في شهر رمضان الماضي، فحصل لهذه السنة كالذي حصل لقضية الإنجيل عن المسيحيين، فصارت هناك أحاديث كثيرة عند المسلمين مفتعلة ومصطنعة ومزيفة وقد زيد فيها ونقص منها وحذف وغير تماماً كالذي حصل عند بني إسرائيل فيما يرتبط بالإنجيل.

على أثر هذه الفوضى، في سنة 300 من ميلاد عيسى بن مريم اجتمع رؤساء الإكليروس الديني عندهم وهو كالمرجعيات الدينية اجتمعوا في مؤتمر مشهور وتحت نظر السلطة الحاكمة واتفقوا على أربعة أناجيل من بين 59 إنجيل وهي السائدة إلى الآن وهي إنجيل جولس ولوقا ويوحنا، وهذه الأناجيل أيضاً فيها كثير من المشاكل واذلك علماؤنا مثل المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي رضوان الله تعالى عليه وهو أستاذ أساتذة مراجعنا الحاليين وكان متخصصاً في القرآن وفي المناظرات مع اليهود والنصار وكان يقرأ العبرانية والسريانية والنسخ الأصلية للتوراة والإنجيل بلغتها الأصلية وهو مجتهد فقيه بارع عنده عدة كتب في نقد العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل) ويبين أن هذه النسخ لا يمكن أن تكون كتاب الله فإن فيها نسبة النبي عيسى إلى القسوة والتعدي على أمه العذراء وفيها نسبة شرب الخمر له وفيها نسبة البغاء والزنا للأنبياء وأشياء لا يرضى فيها أي مؤمن لنفسه فضلاً عن أن يكون نبياً من أنبياء الله، وكذلك المرحوم الشيخ محمد حسين كاسف الغطاء عنده كتاب أقل من حيث عدد الصفحات ولكنه أيضاً مليء بالفوائد.

لكن الإنجيل الأصلي بالفعل فيه هدى ونور، فلو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم مما يعني أن الإنجيل الأصلي هو رسالة الله وأحكامه وتشريعاته وأنه في زمانه كان الرسالة التي يجب على الناس جميعاً اتباعها ولكن مع الأسف طرأ عليها التحريف والتغيير والتزوير، فعندما ينقل الإمام الكاظم عليه السلام من الإنجيل إنما ينقل من الإنجيل الأصلي وليس الإنجيل السائد عندهم، وقد يكون من الممكن أيضاً أن بعض هذه الفقرات تكون موجودة في الأناجيل المعاصرة، لكن الإمام عليه السلام حيث نعتقد أن المعصومين أحاطوا علماً بالكتب السماوية السابقة وبعلم القرآن الكريم أيضاً، فمن ذلك يستشهد بكلماته فيقول: (يا هشام مكتوب في الإنجيل هشام طوبى للمتراحمين أولئك المرحومون يوم القيامة) الجزاء من جنس العمل، فإذا كنت في هذه الدنيا راحم ومتراحم فستلقى يوم القيامة أيضاً رحمة، لكن ذلك البعيد لو كنت قاسٍ متجبر وجلاد فسوف تلقى في يوم القيامة العدل بالمقاييس الإلهية، فلو أنك ضربت أحداً فربما يكون جزاؤها يوم القيامة بالمقاييس الإلهية لعله مليار سنة، فهذه ليست قسوة وإنما جزاء وأنت موعود فيه، فكما يكون بينك وبين العبد وعود فكذلك مع الله سبحانه وتعالى فيقول لك بأنه خلقك وأنعم عليك بكل شيء وعليك أن تطع حتى تدخل الجنة خالداً فيها وإن لم تطع إلا خمسين سنة أو سبعين سنة مثلاً فهذا يكون بحسب الوعد الإلهي والله لا يخلف الميعاد.

وفي المقابل أيضاً إن ظلمت غيرك ولو نصف ساعة من الزمان أو شتمته شتمة واحدة أو ضربته ضربة واحدة فإن هذا سوف يواجهك يوم القيامة بعذاب شديد وتكون الشدة بحسب مقاييس الله وليس بمقاييسنا، فالجزاء من جنس العمل.

كذلك لو كان أناس متراحمون في هذه الدنيا لا يقسون ولا يتجنون ولا يهينون ويبادرون بالإعتذار إذا اخطأوا على غيرهم فهؤلاء يرحمهم الله، بينما قسم من الناس يفتخرون بقسوتهم على غيرهم فهؤلاء يجهزون أنفسهم لما سيلقونه يوم القيامة، ارحم تُرحم وإن قسوت فسيُعدَل معك، فعندما يقول الإمام: (طوبى للمتراحمين) يقال أن طوبى هو اسم من أسماء الجنة العالية وهي مشتقة من الطيب ويقال للمؤمنين طبتهم فادخلوا هذه الأرض الطيبة والجنة الطيبة، وهناك قول آخر بأن طوى تعني مرحى، أي مرحباً وأهلاً وهو نوع من الإستقبال الطيب، فارحم أخاك وجارك وصديقك وغيرهم من الناس.

ينقل في أحوال الإمام زين العابدين عليه السلام أن أحد عبيده أساء، فبعضهم يقول بأنه كانت عند الإمام شاة فكسر رجلها وبعضهم يقول غير ذلك، فقال له الإمام: لم فعلت ذلك؟ قال: لأني أمنتك، فلو كان شخص غير الإمام لعاقب ذلك العبد ولكن الإمام عليه السلام رفع يده إلى السلام وقال: الحمد لله الذي جعل عبدي يأمنني، فهذه نعمة يحمد الإمام ربه عليها بأنه ليس جبار ولا قاس مع أن عبده مسيء إليه.

(طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة)، المصلح يقرب القلوب ويحث على العفو عن الإساءة وغير ذلك من الأمور الحسنة كأن يصلح بين الولد ووالده مثلاً فيذهب ويتكلم مع الوالد بطريقة تناسبه ومع الولد بطريقة تناسبه حتى يتصالحا وهكذا يفعل أيضاً مع الزوج والزوجة وغيرهم من الناس.

وهنا أوجه رسالة إلى بعض النساء وبعض الأخوة الذين يحسبون حسابات الطلاق فيما يرتبط بهم وليس فيما يرتبط بأبنائهم وبناتهم، فهناك حالات كثيرة بأن بعض الفتيات يطلبن النقل من مدارسهن لأنهن يتعرضن للتنمر من قبل الفتيات الأخريات بسبب طلاق والداها، ولهذا فعلينا أن نصلح بين الزوجين المتخاصمين ونقرب بينهم ولا ينبغي التشجيع على الطلاق، فالمصلحون بين الناس هم المقربون من الله يوم القيامة لأنهم كانوا يقربون بين القلوب فيوم القيامة يقربهم الله إليه.

(طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك هم المتقون يوم القيامة)، المتقي عند الناس هو كثير الصلاة والصيام والذي يمتنع عن الفواحش والذنوب، لكن هناك حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا وإن التقوى ها هنا، وأشار إلى قلبه) فالمنبع هو القلب، فإن كان التقوى والخوف من الله عز وجل موجودين في القلب فقد فاضت العيون بدموعها، وخشعت الأطراف في حركتها، وقام الإنسان منتصباً بين يدي الله في صلاته وهكذا، فلا بد أن يكون المنبع منبع كبير وفيه مخزون زائد كما قال الله عز وجل: ((وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)) فالمطهرة قلوبهم هم المتقون يوم القيامة وليس من هم الأكثر صلاة وهم بلا تقوى، التقوى هي كالشجرة كلما كانت كبيرة فإنها تعطي ثمار كثيرة، فالتقوى هي أصل الشجرة كلما كانت ضعيفة فإنها تعطي ثمار قليلة وأغصان قصيرة، لكنها إن كانت قوية وجذورها متفرعة فإنها تعطي من الثمار شيئاً كثيراً.

(طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة) فسر التواضع هو أن يمسح الإنسان كلمة (أنا) بقدر الإمكان، فلا يمكن للإنسان أن يميت أناه في داخله ولكن بمقدار ما يستطيع أن يتجنبها يكون متواضعاً، فمثلاً لو كان أحدهم يتكلم أو يلقي محاضرة لجمع من الناس وكان أحدهم منشغل بهاتفه، نجد أن هذا الأمر قد لا يكون حسناً في بعض الحالات ولكن لا ينبغي بأن يقول المتكلم: لا يمكن لهذا الشخص أن ينشغل بالهاتف وأنا ألقي المحاضرة، فكما قلنا أنه قد لا يكون الإنشغال بالهاتف أمر حسن في بعض الحالات ولكن إن أراد الإنسان أن يقمع أناه فهذا واحد من الإمتحانات فلا ينبغي أن تكون لديه حالة من الإنفعال والضيق، ونجد أمثلة كثيرة على ذلك.

فالتواضع يبدأ بقمع الأنا والذات في نفس الإنسان، فإذا كنت لا ترى نفسك شيئاً وإذا نسيت صفتك أثناء التعامل مع غيرك كأن تكون طبيب أو عالم أو مهندس لأنه قد يكون الشخص الذي يقتحمه الطبيب وغيره عند الله أفضل وقد يحتاج إلى شفاعته يوم القيامة، فالمتواضعون في الدنيا يرتقون منابر الملك والسلطة والعظمة وتكون من نصيبهم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتراحمين المتواضعين والمصلحين بين الناس إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3411
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 38012.5 KB
تشغيل:

لماذا قال المسيح زاحموا العلماء 29
من هو أكثر الناس معرفة بالله 9