من هو أكثر الناس معرفة بالله 9
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 23/8/1443 هـ
تعريف:

9/ من هو أكثر الناس معرفة بالله؟

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام لهشام بن الحكم وردت هذه الفقرة: (يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله)، يعقلوا عن الله أي يعرفوا عن الله، وحيث أن معرفة الله معرفة تامة غير متيسرة للإنسان فهي أكبر من حجمه وأكبر من عقله، مستعصية على هذا العقل.

نجد مثالاً على ذلك هو في جوارحنا، فالأذن مثلاً تستطيع ان تلتقط الذبذبات بين مستوى ومستوى آخر فلا تستطيع أن تلتقطها بمستوى أقل من ذلك ولا ما فوق ذلك، فالحشرات والكائنات الدقيقة عندما تتحرك على الأرض تصدر أصواتاً لكن غالباً نحن لا نستطيع سماع هذه الأصوات إلا بمكبر الصوت أو الأجهزة الحساسة الدقيقة، فالله سبحانه وتعالى جعل الأذن تلتقط بمقدار معين لأنه لو كانت تلتقط أكثر من ذلك فسينفجر الدماغ، فلو افترضنا أن الأذن تسمع كل شيء من الذبذبات والموجات الصوتية وحركات الحشرات وما شابه ذلك فلن يستطيع الإنسان أن يستقر، ولذلك نجد أن من وسائل التعذيب التي تستخدم هي تسليط الأصوات على أذن الإنسان.

كذلك أيضاً في المقدار الأعلى من حركات الأجرام السماوية ودوران الأرض والإنفجارات التي تحدث في الفضاء، فكلها لها أصوات هائلة، ونجد ذلك عندما نذهب إلى الأماكن العلمية التي تحتوي على أجهزة لسماع هذه الأصوات نجد أصوات عظيمة جداً وهائلة، لكن الله سبحانه وتعالى رتب أذننا على ألا تلتقط أقل مما تتحمله ولا أكثر من ذلك، وكذلك عيننا لها مساحة معينة للرؤية، فهي لا تستطيع أن ترى المسافات البعيدة جداً، فيستحال أنها ترى على بعد عشرة كيلو متراً مثلاً.

إذاً كما هي جوارحك فكذلك هو عقلك له طاقة استيعابية ومعرفية، فقضية معرفة الله سبحانه وتعالى بتمامها وكمالها أعظم من طاقتك العقلية، فقد جعل لك بمقدار أن تعرف إليه، ونجد أن هذا الكلام موجود في الروايات: (أن الله تعرف إلى خلقه فتعرفوا عليه)، فالمقدار الذي يكون عند البشر هو أن تلقى الحجة عليك يوم القيامة بأنه لديك عقل يهديك إلى ربك وأن هذا الرب له هذه الصفات وعليك تجاهه هذه المسؤولية، لكن أكثر من ذلك بأن إنساناً يعرف الله بتمامه وكماله وحق معرفته فهذا طريق مسدود، لذلك نرى في بعض التعابير: (ليعقلوا عن الله) أو (ليعرفوا عن الله) فلا أحد يستطيع أن يعرف الله حق معرفته ويحيط به، فقد قال تبارك وتعالى: ((ولا يحيطون به علماً))، فعقلك مثله مثل سائر جوارحك فهو محدود ولا يمكن للمحدود أن يحيط بالا محدود.

من حديث الإمام الكاظم عليه السلام سنتحدث عن فقرة حول العلاقة بين العقول وبين الرسول وستنتهي بقوله عليه السلام: (إن لله على خلقه حجتين، حجة ظاهرة وهي الرسل وحجة باطنة وهي العقل)). 

يقدم لنا الإمام عليه السلام أوجه ومقاييس المعرفة الأحسن فيقول: (فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله)، فعندما تكون استجابة أحدهم بدرجة سبعين بالمئة فإن معرفته بالله عز وجل تكون بدرجة سبعين أيضاً، فالمعرفة ليست قضية نظرية وإنما بمقدار ما أعرف عظمة الله سبحانه وتعالى سوف أبادر إلى إطاعة أوامره، وبمقدار ما أعرف عن مصداقية مواعيد الله عز وجل فسوف أبادر إلى العمل بأوامره ومندوباته، ونجد أن هناك عامل آخر وهو عامل ضغط الأهواء والشهوات لكن نفس هذا الإنسان راجع في قسم منه راجع إلى معرفة الله كما جاء في قوله تعالى: ((وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)) فإنه يخاف مقام ربه لأنه يعرف عظمة الله وشدة عقوبته فينهى نفسه عن هواها.

ثم نكمل حديث الإمام عليه السلام: (وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة)، هذه الفقرة تحل لنا مسألة ذكرها العلماء وأشاروا إليها، فهم يلاحظون أن بعض الأعمال قسم منها تكون مقدماتها متفقة ونتائجها مختلفة، على سبيل المثال: من صلى في جماعة كان له بكل ركعة أربعة وعشرين ركعة أو عشر ركعات أو ثلاثين ركعة، فما سبب هذا الإختلاف والتباين؟!

إذا فرضنا أنه لا يوجد اختلاف من حيث المكان كأن يكون هذا في مسجد وذاك في غير مسجد أو ما بين المساجد أنفسها كأن يكون هذا في الكعبة وذاك في المسجد الحرام والثالث في مسجد عادي، ولو فرضنا أن الإمام واحد، ولو فرضنا أيضاً أن النية واحدة، أي أنها متساوية من جميع الجهات، فإن أحد المقاييس تقول أنها تختلف في قضية العقل أي العلم بالله عز وجل والعقل عن الله عز وجل، فإن كان أحدهم أعلم منك بالله فإن صلاته تكون أكثر ثواباً منك.

ثم يقول الإمام عليه السلام:(يا هشام ما من عبد إلا وملك آخذ بناصيته فلا يتواضع إلا رفعه الله ولا يتعاظم إلا وضعه الله) هنا يبين لنا ارتباط التواضع بالعقل وأن الإنسان لا يستطيع أن يرتقي بعقله وهو متكبر شامخ بأنفه وإنما عندما يتواضع للعلم والعالم ويتواضع في نفسه مهما بلغ من العلم، كما تعبر بعض الروايات أيضاً عن ذلك: (ما يزال المرء عالماً ما دام متعلماً، فإذا رأى أنه قد علم فقد جهل) وهنا نفس الكلام يعيده الإمام عليه السلام ويحذر بطريق غير مباشر من خطورة الجهل المركب، فالجهل على قسمين وهما الجهل البسيط العادي والجهل المركب.

الجهل البسيط وهو كأن يعترف الإنسان على نفسه بأنه لا علم لديه في موضوع معين وليس لديه معرفه في بعض الأمور والدراسات، وهذا الجهل لا يخلو أحد منه من البشر باستثناء المعصومين، وليس عيباً أن يكون الإنسان في موارد كثيرة جاهلاً جهلاً بسيطاً ولو سُئِل عن موضوع لا يعلمه فلا ينبغي عليه أن يفتي ويدَّعي العلم، لأن أحياناً يكون ادعاء العلم في هذا المورد هو العيب، فقول الإنسان لا أعرف تعتبر مفخرة حتى وصفت في بعض الأحاديث بأن نصف العلم قول لا أدري.

الجهل المركب: وهو أن يجهل الإنسان فعلاً ويجهل أنه جاهل، كأن يكون لا يعرف حكم شرعي معين ولا يعرف أنه لا يعرف، مثلاً أن يكون إنسان لا يعلم شيئاَ في الهندسة ولكنه لا يعلم أنه لا يعلم، وهذا ما يسمى بالجهل المركب ويعتبر الأخطر والأسوأ.

نذكر أن أحدهم أنشد شعراً في ذلك قال: 

قال حمار الحكيم يوماً       لو أنصف الدهر كنت أركب

فإنني جاهل بسيط            وراكبي جاهل مركب

أي أن حماراً قال لو كان الدهر منصفاً لكان من المفترض أن أركب أنا على ظهر الحكيم لأنني جاهل بسيط أعلم أنني لا أفهم، لكن هذا الحكيم جاهل ويجهل بأنه جاهل فإن جهله يكون مضاعف مركب.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من الجهل بكلا قسميه وأن ينير قلوبنا بالعلم والعقل إنه على كل شيء قدير.

 

 

 

 

مرات العرض: 3406
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 22065.94 KB
تشغيل:

ما هو المكتوب في انجيل المسيح 30
نعم لحجية العقل لا لتأليه العقل 10