لماذا قال المسيح زاحموا العلماء 29
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/7/1443 هـ
تعريف:

29/ لماذا قال المسيح: زاحموا العلماء؟

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

لا يزال حديثنا في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم وقد وصلنا إلى نقل الإمام عليه السلام بعض وصايا المسيح عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام لبني إسرائيل ولعلماء بني إسرائيل والحواريين، وكان مما جاء في وصية المسيح لبني إسرائيل قال: (يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثواً على الركب، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر)، هي وصية لعامة بني إسرائيل بأن يتواجدوا في مجالس العلماء وأن يتزاحموا فيها ولا يزهدنهم فيها ضيق مكانها حتى لو كانت جلستهم جثواً على الركب لأن الله يحيي بالحكمة القلوب الميتة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.

هنا عندنا عدة وقفات، الوقفة الأولى: أنه لا يوجد عندنا نحن المسلمون مشكلة دينية مع الشعب الإسرائيلي أي مع بني إسرائيل سواء كان يتدين بالتوراة أو كان يتدين فيما بعد بالإنجيل فهو من الشعوب التي وحدت ربها سبحانها وتعالى وكانت في زمانها أفضل العالمين لأنها كانت متبعة هدة الأنبياء وسائرة خلف موسى بن عمران، فبعد صعوبات طواها نبي الله موسى ومعه أخاه هارون ثبت عقيدة التوحيد في المجتمع الإسرائيلي وثبت كتاب الله التوراة في حينها، وكان في ذلك الوقت أمر الإلتزام الديني على وجه الكرة الأرضية كان في هذه الفئة، وفيما بعد حصل التزوير والتحريف والإنحراف وجاء حكام فسدة ورهبان خونة انتهت إلى أن ذلك المجتمع ينحرف بشكل أسوأ في بعض الحالات مما كان عليه أيام ما قبل الرسالة، كما في الأمة الإسلامية أيضاً كانت موحدة ومؤمنة في أفضل عصورها وبعد ذلك حصل انحراف حتى أنه أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يحدث، فلما نرى هذه الخطابات من قبل عيسى بن مريم ثم نقلها من قبل الأئمة إنما ننظر إليها من هذا الإطار، ولا يعني هذا تبرير الممارسات الظالمة والغاصبة والباطلة التي يقوم بها الحكام الصهاينة والجيش الصهيوني والعمل البشع الذي قاموا به في العصر الحديث، فلا ربط هذا بذاك، بل لا ربط له أيضاً بأزمان الإنحراف في بني إسرائيل عندما تنقل وصاياهم وعندما يقول الله أنه فضلهم على العالمين فهذه مرحلة وتلك مرحلة أخرى.

الخطاب من قبل عيسى بن مري لبني إسرائيل في زمانه وبالطبع هو يخاطب من يحتمل فيهم الإجابة، فالفسقة والفسدة والجحدة ليسوا محل خطاب من قبله، قضية قصد العلماء والذهاب إلى مجالسهم والإستفادة من علمهم إنما هي من القضايا البديهية التي يحكم بها عقل كل عاقل بالإضافة إلى توصيات الديانات، فلو فرضنا أنه لم تكن هناك ديانة ولا رسالة ولا كتاب فإن من البديهي للمجتمعات البشرية أن تقصد العلماء في كل فن وتسألهم فيه، فإن أرادوا مسألة دينية يذهبوا إلى علماء الدين وإن أرادوا علاج لأمراض فإنهم يذهبون إلى علماء في الطب وهكذا، فهذا لا يحتاج إلى توصية دينية وإنما هو حكم العقل البديهي الذي لو خالفه الإنسان فسيعد جاهلاً ويعاتب، فجاءت الديانات وأكدت هذا المعنى بأنه على الإنسان أولاً الرجوع إلى النبي لأنه العالم بشرع الله عز وجل وهو الذي بعثه واعطاه علم الكتاب، ثم عليه الرجوع إلى المعصوم بعد النبي لأنه عنده علم الكتاب أيضاً، وبعد المعصوم يرجع الإنسان إلى عالم لأن علماء الدين هم من يقوموا مقام المعصوم ولأن قضية الدين مهمة لا تعوض، فلو كان شخصاً يمشي في الطريق الخطأ وذهب إلى من ليس عالماً بالدين وأرشده إلى الباطل فإن عمره سينتهي في هذا الطريق ولن يوجد له مبرر في انه سأل الشخص الخطأ.

إن هذه من القضايا التي تثار بشكل كبير لأن أعداء الدين وأعداء الإستقامة رأوا أن النقطة الأساسية في المجتمع المسلم ولا سيما في المجتمع الشيعي هو الإرتباط بالمرجعية وبحلقاتها ولذلك عملوا عليه بعدة وسائل كما هو شائع الآن بأنه لا ينبغي احتكار الحقيقية من قبل علماء الدين أو المرجعيات الدينية فكل شخص لديه جزء من الحقيقة ولا ينبغي احتكارها عند هؤلاء، نجد أن هذا الكلام غير صحيح فهناك طريق عقلائي وشرعي كما قال الله عز وجل: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنت لا تعلمون))، فمثلاً نجد أن في الطب عندما يجدون من يعالج الناس بدون شهادة طبية فإنه يُسجَن ولكن في القضية الدينية هناك من ينصب نفسه مفتياً ومفسراً للقرآن وفقيهاً وهو لم يدرس أوليات هذه المسائل فهذا لا يملك جزءاً من الحقيقة ومن يتبعه ليس معذوراً فيه، لكن الفقيه حتى لو تبعته وأخطأ فأنت معذور يوم القيامة، فالفقيه لأنه يستخدم الأدوات المناسبة لهذا العلم فمن المفترض أن لا يخطأ عادة ولو افترضنا أنه أخطأ في مورد أو في آخر فأنت شرعاً لا حساب عليك ولديك حجة قوية يوم القيامة، لكنك لو ذهبت إلى غير أهل العلم والمتخصصين في الدين فإنهم إن أصابوا وهو نادر جداً فتكون معاتب وإن لم تكن معاقب وإن لم يصيبوا وأخطأوا وهو الغالب فستعاقب على اتباعهم ، ولذلك عندنا أن من يرجعون إلى غير أئمة الهدى عليهم السلام فسيوقفون للحساب يوم القيامة، فالرجوع على المتخصص مأمور به عقلاءً بل عقلاً وشرعاً، والرجوع إلى غير المتخصص لا مأمور به عقلاءً ولا شرعاً بل الراجع فيه إما معاتب أو معاقب.

نجد أن البعض يقول بأن هناك من العلماء سارقون وأن هناك من العلماء ظاهرهم حسن وباطنهم سيء، فنقول لهم بأن هذا ممكن أن يكون وارداً لأن لا يوجد أحد ادعى في العلماء العصمة كما أنه لا يوجد أحد يدعي في كل الأطباء والنجارين والمهندسين وغيرهم الأمانة والثقة، لكن خطأ عالم أو طبيب او نجار أو مهندس أو غيره لا يرفع لزوم الرجوع إلى عنوانهم، لكن ينبغي عليك أن تترك العنوان الخائن إذا اكتشفت خيانته وليس أن تترك كل العناوين، فعليك ان ترجع إلى العنوان المناسب وتدقق في الإختيار والإنتخاب، وسماع مثل هذا الكلام السيء على العلماء إنما هو من جملة الحملات الإعلامية الفاسدة التي تريد إسقاط العنوان، وأيضاً نفس الكلام عندما يقال أن هناك اختلافات ومشاكل بين المراجع، فإن الدنيا هي دار الإبتلاء وليست دار العصمة، وهناك حملة منذ فترة ليست بالقصيرة وتشتد كلما زاد التفاف الناس حول العلماء لكن يجب على الناس أن يعرفوا أنها قائمة على أعمدة باطلة كالتي ذكرناها.

المسيح عيسى بن مريم يخاطب بني إسرائيل فيقول: (يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم) أي حتى لو كان المجلس مزدحماً ولا يوجد مكان للجلوس فيه براحة فعلى الإنسان أن يتحمل ويزاحم العلماء في ذلك المجلس لأن الله سبحانه وتعالى يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة وأن هذا العالم يأخذ من مصباح مضيء وهو القرآن الكريم ونهج محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله في كتابه: ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)) ففي كلام القرآن والنبي والإمام حياة القلوب كما أن من يقتبس منهم في كلامه حياة القلوب أيضاً، فكلامهم هو البئر الذي يسقي العطشى.

مرات العرض: 3419
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 28630.61 KB
تشغيل:

وصايا المسيح عيسى عليه السلام للعلماء 28
ما هو المكتوب في انجيل المسيح 30