وصايا المسيح التربوية للمسلمين 27
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/7/1443 هـ
تعريف:

27/ وصايا السيد المسيح التربوية للمسلمين

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم سبق منا حديث في أنه صلوات الله وسلامه عليه قد أجرى على لسانه وصايا نبي الله عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، وبينا ما هي الإشارات التي يعطيها هذا النقل من الإمام عليه السلام لوصايا المسيح موجهاً إياها للدائرة الإسلامية وخصوصاً لأحد أصحابه الخلص والكبار، فيها من الإشارات العقائدية التي تعرضنا إلى بيان بعضها، وذكرنا أيضاً أن هناك أسلوباً خاصاً نلاحظه في كلمات ووصايا المسيح عيسى بن مريم لحوارييه وأصحابه، وهذه لمن أراد تتبعها يمكن أن يرجع إلى جملة وصاياه عليه السلام التي نقلها أيضاً الشيخ شعبة الحراني وهو من الإمامية في كتابه (تحف العقول)، ومما ذكرنا أن أسلوب السيد المسيح في مواعظه ونصائحه ووصاياه أنه يأخذ مثلاً خارجياً معروفاً بين الناس مجسداً فيربط به فكرة أخلاقية أو فكرة عقائدية  وآنئذ يحقق هدفين: 

الهدف الأول: اتضاح الفكرة بشكل جلي لأن المثال الذي ضربه ومثل به هو مثال خارجي ملحوظ وبين للناس.

الهدف الثاني: يكون الإنسان كلما مرَّ على ذلك المثل الخارجي يتذكر ما يرتبط به من فكرة، فلما مثل عليه السلام بالنخلة بأنهم كيف يتذكرون شوكها وطولها وينسون ثمرتها الحلوة وفوائدها الغذائية وبالتالي لا تُنَال تلك الفوائد ولا تلك الثمار إلا بمكابدة هذا العلو وذلك الشوك، فالجنة هي هكذا لا ينبغي أن يهول الإنسان منها أو يتعبه العمل الذي يقوم به من صلاة وصوم والتزام ديني ودفع مالي واجتناب محرمات، فمقابل الجنة التي عرضها السماوات والأرض والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر نجد أن كل هذه الصعوبات لا تساوي شيئاً، فيقول السيد المسيح للإنسان بألا يجعل علو النخلة وشوكها عائق للنيل من تلك الثمرة التي بها قوام حياته لا سيما في تلك الأزمنة التي كان التر فيها هو قوام الحياة.

يستمر الإمام عليه السلام في استعراض كلمات عيسى بن مريم فيقول: (يا بني إسرائيل، أما تستحيون من الله)، لو أخذ الإنسان فقط جانب الحياء من الله لاستقام، فالإنسان لا يقوم بعمل غير جيد أمام الآخرين لأنه يستحي منهم، فعلى الإنسان أن ينقل هذا الأمر إلى جانب الله عز وجل ويصبح يؤمن عملياً بأن الله ينظر إليه في خلوته وعلانيته وفي مستسر السر وفي ظاهر العلانية كما قال تعالى: ((والله عليم بذات الصدور))، وقوله: ((ألم يعلم بأن الله يرى))، ولذلك جاء في بعض الأدعية: (اللهم لا تجعلني اراك أهون الناظرين إلي)، فالبعض لا يعمل السوء حتى أمام الطفل ولكن يجعل الله سبحانه وتعالى في نظره أقل من ذلك الطفل.

ثم يبين المسيح ويقول: (إن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى ولا يبالي أن يبلع أمثال الفيلة من الحرام) فالإنسان عندما يُقَدَّم له كأساً من الماء وفيه شعرة أو شوكة مثلاً فإنه يرده أو يصفيه أو يستبدله، لكنه يأكل مال أخيه وأخته وجاره، وهذا يتبين فيه اختلاف المقاييس ولذلك يقول عيسى بن مريم لأولئك وإمامنا يقول لنا من بعده أن هذه مشكلة كبيرة عند بعض المتدينين فيغفلون الأشياء الواجبة ويعملون المستحبات، وقد يصعب عليهم فعل المكروهات لكنهم يفعلون المحرمات.

(ألم تسمعوا أنه قيل لكم في التوراة) اليهود وبني إسرائيل عندهم الكتابان الأساسيان: التوراة وهو الكتاب الأصلي المفصل الذي يحتوي على تاريخ الأنبياء والتوجيهات الأخلاقية والأحكام الشرعية وغير ذلك، فالتوراة غير المحرفة هي الكتاب السماوي الشامل لسعادة بني إسرائيل، فكما يحتوي القرآن على نظام اجتماعي كامل من قصص الأنبياء وتوجيهات أخلاقية وعبادات وعقائد وغيرها فكذلك التوراة في أصل نزولها فهي كتاب سماوي صادق، لكن اليهود جاؤوا وحرفوا وبدلوا وغيروا.

فيقول نبي الله عيسى لهم بأنه جاء في التوراة: (صلوا أرحامكم وكافئوا أرحامكم)، وهذه من التوجيهات الأخلاقية وكل الديانات جاءت برعاية الأرحام بمراتبها المختلفة من احترام ومحبة وصلة مالية وما شابه ذلك، وهناك مرحلة متقدمة يقول عنها المسيح: (وأنا أقول لكم صلوا من قطعكم وأعطوا من منعكم وأحسنوا إلى من أساء إليكم وسلموا على من سبكم وأنصفوا من خاصمكم واعفوا عمن ظلمكم)، في المقطع الأول ما جاء في التوراة هو أن بنفس مقدار ما يحسن إليك رحمك أحسن إليه وبمقدار ما يحترمك احترمه وبمقدار ما يعطيك اعطه وهكذا، ولكن المسيح يقول لهم بأن هناك مرتبة متقدمة أخلاقية وهذه طبيعة الإنسان لا بد أن يتقدم فلا يكون في أول الدين والإسلام بل ينبغي أن يزيد كلما تعرف أكثر في الدين كأن يحسن إلى غيره ويبادر إليه بالإحسان من غير أن ينتظر أن يحسن إليه غيره وهكذا حتى يرتقي إلى مرتبة أعلى لأن الإنسان أخلافي وهو صياغة ربه وتهذيب نبيه فعليه أن يصل من قطعه ويعطي من منعه ويحسن إلى من أساء إليه، فمثلاً لو كان أحدهم لديه جار يؤذيه ويسيء إليه فعليه أن يحسن إليه ولا يرد له الإيذاء، فعندما نقرأ قبل الصلاة: (يا محسن قد أتاك عبدك المسيء، أنت المحسن وأنا المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء) لماذا نقرأها فقط ولكن لا نطبقها دائماً؟، فكما ان الإنسان يحب ان يعفى عن إساءته بإحسان الله فعليه أن يعفو عن إساءة غيره بإحسانه، فالإنسان يختار طريقة الحساب في الآخرة من عمله في هذه الدنيا، فكما يعامل الناس في هذه الدنيا فسوف يعامَل هو بنفس الطريقة في الآخرة.

ثم يقول المسيح: (فاعتبروا بعفو الله عنكم، ألا ترون أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار)، أي أن الله لو أراد أن يعفو فقط عن الصالحين ويكرم الأتقياء لرأينا أن الشمس ترق عليهم فقط ولكن لا تشرق على غيرهم، لكن الله سبحانه وتعالى يشرق شمسه وينزل غيثه حتى على جاحديه فيعطيهم الشجر والثمر والضياء.

(فإن كنتم لا تحبون إلا من أحبكم ولا تحسنون إلا لمن أحسن إليكم ولا تكافئون إلا من أعطاكم فما فضلكم إذاً على غيركم، وقد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول ولا لهم أحلام)، أي عندما يعامل الإنسان غيره بالمثل فما فضله على غيره من الناس وقد نجد أن الكفار أيضاً يعاملون غيرهم بالمثل فيبتسمون لمن ابتسم إليهم ويحسنون لمن يعاملهم بالإحسان، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يتفضل علينا بأن نكون كما قال المسيح والإمام عليهما السلام: إذا أردتم أن تكونوا أحباء الله وأصفياء الله فأحسنوا إلى من أساء إليكم واعفوا عمن ظلمكم وسلموا على من أعرض عنكم، اسمعوا قولي واحفظوا وصيتي وارعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء.

 

مرات العرض: 3411
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 31774.37 KB
تشغيل:

وصايا المسيح عيسى على لسان الإمام موسى 26
وصايا المسيح عيسى عليه السلام للعلماء 28