وصايا المسيح عيسى على لسان الإمام موسى 26
التاريخ: 7/7/1443 هـ
تعريف:

26/وصايا المسيح عيسى على لسان الإمام موسى

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

جاء في وصية هشام التي اوصاه بها الإمام الكاظم عليه السلام فقرات من وصية عيسى بن مريم للحواريين، وهذا من الأمور الملفتة، فإنه على ما يقرب صفحتين من هذه الوصية نقل الإمام الكاظم عليه السلام ماذا قال المسيح عيسى بن مريم للحواريين وفي هذا معان متعددة سوف نعرض إليها بعد قراءة قسم من هذه الوصايا المسيحية بحسب التعبير للحواريين.

فيقول الإمام الكاظم عليه السلام: (يا هشام إن المسيح عليه السلام قال للحواريين: يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها، يا عبيد السوء نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه، بحق أقول لكم لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها منه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها).

أولاً: أصل استشهاد الإمام عليه السلام بكلام المسيح عيسى بن مريم في وصيته لهشام بن الحكم كأنه يريد أن يقول للناس أن الأصول التي تعتمد عليها الديانة السماوية سواء كانت في نسختها المسيحية أو اليهودية أو الإسلامية هي أصول واحدة وبالتالي لا مشكلة في أن يستشهد الإمام بكلام عيسى بن مريم ولا مشكلة في أن يستشهد بكلام موسى بن عمران ولا كلام إبراهيم الخليل، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: ((إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى) فكل المبادئ التي جاءت في القرآن الكريم فهي موجودة في صحف إبراهيم وموسى، وهذا يدل أيضاً على وراثة الأئمة المعصومين عليهم السلام لتراث الأنبياء السابقين، فلو ذهبنا مثلاً إلى أحد العلماء المعاصرين للإمام الكاظم من أتباع مدرسة الخلفاء فلن نجد عنده إلا هذه النسخ المحرفة من اليهودية، لكن أئمة الهدى عليهم السلام عندهم المبادئ الأصلية التي كانت في التوراة والإنجيل وما جاء به النبيون من ربهم، وهذا يدل على قضية الإتصال بين الأنبياء السابقين وبين الأئمة المعصومين عليهم السلام، فمثلما أن أولئك الأنبياء كان لديهم العلم الإلهي فأيضاً أئمة الهدى لديهم مثل ذلك العلم وزادوا عليهم بما لم يعلم أولئك الأنبياء من عقائد الإسلام وأحكام الشريعة الإسلامية.

ثانياً: أننا لو لاحظنا طريقة عيسى بن مريم في موعظته وإرشاده فسنجد أن لديه أسلوباً خاصاً به وهو أسلوب مؤثر وهو ضرب المثل وتقريب المجرد بواسطة المجسد، فبعض الأفكار والمعلومات عندما نشبهها بشيء خارجي ظاهر أمام الناس فستكون تلك الفكرة حاضرة عنده كلما رأى ذلك المثل، وهذه الطريقة كانت لدى المسيح عيسى بن مريم طريقة شائعة جداً، فمثلاً هنا نجده يأتي إلى الحواريين ويحادثهم ويوبخهم ويؤدبهم فيقول لهم: (يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها) أي أنهم عندما يرون النخلة ويرون طولها يتبادر إلى ذهنهم كثرة شوكها و الجهد والتعب الذي يُبذَل لصعودها ولكنهم ينسون أن وراء هذا الشوك ووراء هذا التعب سينالون منافعها ورطبها وتمرها ويقيموا حياتهم على أساس غذائها.

لو ذهبنا إلى موضع آخر عن ابن شعبة الحراني رضوان الله تعالى عليه وهو من علماء الإمامية وجامع كتاب (تحف العقول عن آل الرسول) المتوفى في القرن الرابع الهجري، فبعدما جاء في آخر كتابه بوصايا رسول الله ووصايا المعصومين فإنه أنهاه بوصايا المسيح لأصحابه والحواريين، وهناك كثير من الأمثلة، فمثلاً يقول لهم: (يا عبيد الدنيا مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها وداخلها عظام الموتى مملوءة خطايا) فلا يصبح الإنسان كهذه القبور المشيدة جميل المظهر والملبس ولكن في داخل قلبه الخطايا والذنوب.

موضع آخر أيضاً يقول: (يا بني إسرائيل أما تستحيون من الله، إن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى ولا يبالي أن يبلغ أمثال الفيلة من الحرام) أي عندما يرى الإنسان في كأسه شيئاً من القذى كالشعرة او ما شابه ذلك فإنه سيعيفه ولا بد له من أن يصفيه ليتمكن من شربه حتى لا يؤذي بدنه، ولكن في ضميره وقلبه يملك الكثير من الذنوب والخطايا ولا يبالي بها.

وكذلك يقول في مورد آخر: (بحق أقول لكم، من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه، وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة ولم يحذره عاقبتها حتى أحاطت به تلك الخطيئة فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه) أي عندما لا يحذر الإنسان أخاه من تلك الأفعى ولم ينبهه بها فإنه سيكون شريك في دمه من الناحية الأخلاقية، فمثله كمثل الذي يرى أخاه يعمل الخطيئة ولا يحذره من عاقبتها ولا ينصحه بتركها فإنه سيكون شريكاً معه في إثمه.

نلاحظ هنا أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام هنا وفي سائر الموارد يأتي بصور وأمثلة وقضايا خارجية بحيث تتثبت في ذهن الإنسان، وقد يكون هذا أيضاً راجعاً إلى أن في بني إسرائيل من بعد نبي الله موسى عليه السلام شاع عندهم السفسطة أي اختلت عندهم الموازين الفكرية، أي أنه ينشغل قسم من الناس باللعب بالكلام وبصناعة الجدل العقيم الذي لا نتيجة له فتغيب عنهم الحقائق، ولذلك نجد أن التمثيل بالقضايا الخارجية هي من الأمور التي لا يستطيع الإنسان أن ينكرها.

كذلك يقول المسيح بن مريم: (كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها)، فالإنسان يرى صعوبة الإستيقاظ لصلاة الفجر وصعوبة الصوم في شهر رمضان، ولا كنه ينسى أن وراء ذلك نعيم خالد مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فكل ما يتخيله الإنسان من نعيم وغيره هو دون ذلك الذي في الآخرة وفي الجنة، فإذا أراد كل ذلك فلماذا يستكثر على نفسه الإلتزام الديني كالتزام الفتاة بالحجاب مثلاً، ولماذا يرى أن الإلتزام صعب أو أنه يسبب له الإحراج؟

ثم يأتي ويقول: (يا عبيد السوء نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله)، نتساءل هنا بأنه كيف بعيسى بن مريم وهو رجل زاهد لم تكن له زوجة ولا بيت ولا طعام مرفه فكيف به أن يقول نقوا القمح وطيبوه؟

الجواب هو في قوله: (كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه)، فالإنسان يصلي ولكن لماذا لا يتوجه في الصلاة، ولماذا لا يركز في المعاني التي يسمعها عندما يقرأ الدعاء، ولماذا لا يخرج القراءة بصورتها الصحيحة عندما يقرأ القرآن؟، فهنا قام بالعمل ولكنه لم يحصل على الثمرة كاملة،  فكما ينقي القمح ويطبخ الأكل بإتقان حتى يصبح حسن الطعم عليه أن يحرص أيضاً على أن يكون إيمانه كذلك بطمأنينة القلب في الصلاة والتوجه فيها حتى تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولو تأمل الإنسان لوجد الفرق أحياناً في سرعته في الصلاة وبين خشوعه فيها هو نصف دقيقة أو دقيقتان فقط فلماذا يبخل بها ولا يعطيها حقها؟، ولو صلاها بتأمل وتوجه لحقق كل الأهداف من الثواب والإستقرار والهدوء النفسي وما شابه ذلك، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يعطون الإيمان والعبادة حقها حتى تعطينا نتيجتها في هذه الدنيا وجنة النعيم في الآخرة إنه على كل شيء قدير.

 

مرات العرض: 3424
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 26841.4 KB
تشغيل:

24 أفضل ما يتقرب به إلى الله عز وجل
وصايا المسيح التربوية للمسلمين 27