في وداع الحبيب شهر رمضان
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/9/1442 هـ
تعريف:

 

في وداع الحبيب شهر رمضان

كتابة الفاضلة سلمى بوخمسين

في كتاب فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق رضوان الله عليه روى عن جابر ابن عبد الله الانصاري قال (دخلت على رسول الله صل الله عليه واله وسلم في اخر جمعة من شهر رمضان فلما بصر بي قال لي يا جابر هذا اخر جمعة من شهر رمضان فودعه وقل اللهم لا تجعله اخر العهد من صيامنا إياه فان جعلته فجعلني مرحوما ولا تجعلني محروما فان من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين اما ببلوغ شهر رمضان واما بغفران الله ورحمته) 

هذا الدعاء لاريب انه ليس خاص باخر جمعة في رمضان وانما مناسبته بان يدعى به في كل يوم من أيام عشرة رمضان الأخيرة الى نهاية الشهر 

ونحن نلاحظ الجمعة الأخيرة ما قبل شهر رمضان شهدة خطبة رسول الله المعروفة والمشهورة التي ورد فيها فضل شهر رمضان وكذلك في اخر جمعة من شهر شعبان أيضا ورد في اخبارها عن الامام الرضا عليه السلام انه ينبغي ان يتدارك المؤمن ما فاته من تقصير في شهر شعبان من صيام وكأن يوم الجمعة اصبح مناسبة منبه ومذكره اما بما يستقبله الانسان كما في اخر جمعة من شعبان لاستقبال رمضان (انه قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة ....) او منبه لتدارك التقصير الذي حصل اثناء الشهر 

في العادة عند البعض من الناس بعد ما تذهب الفرصة او تكاد تذهب يتمنى لو استطاع فعل بعض الأمور التي لم يفعلها او يتمنى الاستزادة منها ويخشى على النسان انه الى ان يصل الى اخر عمره يتمنى لو انه فعل أمور في شبابه لم يفعلها في ذلك الحين فهذه المناسبات هي نعمة تذكير للإنسان فاخر جمعة من  شهر رمضان ربما يكون بعدها أسبوع متبقي من شهر الله  وهذا اول ما يشيراليه فهو يشير الى سرعة تصرم الوقت والأيام فقبل كم يوم كنا في انتظار الشهر ومن ثم جاء وها هو ينصرم بسرعة وليس فقط شهر رمضان بل ان العمر كله يمضي من دون ان يشعر  به فالتغيرات التي تحصل حتى البدنية تحصل بالتدريج فالشيب والشيخوخة وكبر السن والضعف والوهن لا يأتي فجأة بل تأتي بالتدريج والانسان لا يشعر بالتغيير البطيء فهو يعتاد عليه  وحالة الندم التي تنتاب الانسان على ترك اعمال البر والخير والعبادة لا ينفع بعد مضي الزمن 

فالإنسان قد ينقضي من عمره 50 سنة وهو لا يحسب ما مضى من عمره وكم قد يكون متبقى له من العمر وهو اهم رصيد لدى الانسان 

ومهما يكن عمر ابن ادم طويل فهو مجرد مجموعة أيام فما مضى منها لن يعود ابدا

فينبغي للإنسان ان يذكر نفسه بهذا الدعاء اللهم لا تجعله اخر العهد من صيامي إياه فان جعلته فاجعلني مرحوما ولا تجعلني محروما 

الامام الصادق كما ينقل دعاءه كتاب الكليني (اللهم اد عنا حق ما مضى من شهر رمضان واغفر لنا تقصيرنا فيه وتسلمه منا مقبولا ولا تأخذنا بإسرافنا على أنفسنا واجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين)

فعلا تقصير يوجد لدينا في طريقة تعاملنا مع شهر البركة وهو كما في الحديث (شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله جعلتم من اهل كرامته) وللأسف نحن لم نجب الدعوة الإلهية كما ينبغي ولم نتهيأ لهذه الضيافة بما يناسبها 

فالعاقل هو من يبادر فيما بقي من الشهر قبل ان ترتفع الرحمة الربانية وتضيع الفرصة الإلهية هباء 

وفي دعاء الامام الصادق نطلب من الله ان يغفر لنا ما اضعناه من فرص وهبنا الله إياها في شهر رمضان فرص من المغفرة والرحمة ولكننا لم نستفد منها 

ماذا بقي وما ينبغي ان نصنع وهو ان نجتهد فيما بقي منه ونستفيد من بقية رحماته في لياليه وايامه المتبقية 

الثاني من الأمور وهو مهم فيما بعد شهر رمضان وهو إبقاء الأثر الرمضاني بعد ذلك فمثلا قراءة ختمات القرآن المعتادة في شهر رمضان يبقي على هذه العادة ولا يقطعها ابدا فالارتباط بالقرآن الذي حصل في شهر رمضان ينبغي عدم قطعه وهذا قد يكفر تقصير الانسان واسرافه في شهر رمضان ، وليستمر الانس بالصلوات الليلة لليالي شهر رمضان والانس بهذه الصلوات المستحبة ليستمر الى بعد شهر رمضان وتعويد النفس على الصلوات المستحبة في سائر الشهور وغيرها من الأمور العبادية المستحبة التي لم يكن معتاد عليها قبل شهر رمضان وفي هذا الشهر الفضيل اعتاد عليها ليبقي هذه العادة على مدار السنة وفي سائر الشهور القادمة ، وقضية السيطرة على النفس وشهواتها في شهر رمضان يستطيع الانسان ان يقمعها بالصوم فمفتاح التوفيق في الموضوع الأخلاقي هو السيطرة على شهوات النفس حتى المحللة وليس فقط الحرام فاذا الشخص أراد ان يرتقي في اخلاقه وآدابه ليقمع النفس وشهواتها لان النفس اذا أعطيت كل ما تشتهيه تطلب أيضا المزيد واحيانا توقعه في المهالك والمأزق من اجل تلبية طلباتها واشباع شهواتها 

أحيانا على اثر الشهوات النفسية قسم غير قليل من الجهد والوقت يصرفها من اجل اشباع تلك الشهوات  ويضيع الوقت المخصص لإنجاز أمور اهم ، شهر رمضان فيه قمع لهذه الشهوات بأمر من الله وهذا درس للإنسان انك تستطيع قمع هذه الشهوات متى نويت ذلك واردته 

واخر الحديث ما ودع به سيدنا ومولانا الامام زين العابدين في دعاءه لوداع شهر رمضان فهو يتعامل مع شهر رمضان وكانه شخص قريب حبيب ويودعه ويمدحه ودعاء الامام الخامس والاربعون موجود في الصحيفة السجادية وهو دعاء طويل وهذا جزء منه  (وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مَقَامَ حَمْد وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُور، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ وَوَفَاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الاكْبَرَ،ويا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَـا أكْرَمَ مَصْحُـوب مِنَ الاوْقَاتِ، وَيا خَيْرَ شَهْر فِي الايَّامِ وَالسَّاعَاتِ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر قَرُبَتْ فِيهِ الامالُ وَنُشِرَتْ فِيهِ الاَعْمَالُ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِين جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيف آنَسَ مُقْبِلاً فَسَرَّ، وَأَوْحَشَ مُنْقَضِياً فَمَضَّ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِر رَقَّتْ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَقَلَّتْ فِيهِ الذُّنُوبُ.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِر أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ وَصَاحِب سَهَّلَ سُبُلَ الاحْسَانِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا أكْثَرَ عُتَقَاءَ اللهِ فِيكَ وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَى حُرْمَتَكَ بكَ!.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ، وَأَسْتَرَكَ لِاَنْوَاعِ الْعُيُوبِ!

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَأَهْيَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ!

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر لا تُنَافِسُهُ الايَّامُ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْر سَلاَمٌ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ وَلاَ ذَمِيمِ الْمُلاَبَسَةِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّع بَرَماً وَلاَ مَتْرُوك صِيَامُهُ سَأَماً.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوبِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَمَحْزُون عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ.

أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوء صُرِفَ بِكَ عَنَّا وَكَمْ مِنْ خَيْر اُفِيضَ بِكَ عَلَيْنَا....

 اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحمدُ إقْـرَاراً بِـالاسَاءَةَ وَاعْتِرَافاً بِالاضَاعَةِ، وَلَك مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ النَّدَمِ، وَمِنْ أَلْسِنَتِنَا صِدْقُ الاعْتِذَارِ، فَأَجِرْنَا عَلَى مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِيطِ أَجْرَاً نَسْتَدْركُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ، وَنَعْتَاضُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ عَلَيْهِ،.......

 أللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ، وكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْهُ، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِيْنَ الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ  أللَّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آبآئِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَهْلِ دِيْنِنَا جَمِيعاً مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَبَرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد نَبِيِّنَا وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ.

وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، صَلاَةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا، وَيَنَالُنَا نَفْعُهَا، وَيُسْتَجَابُ لَنَا دُعَاؤُنَا، إنَّكَ أكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ وَأكْفَى مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ وَأَعْطَى مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.)


             


مرات العرض: 3440
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 31421.35 KB
تشغيل:

لماذا ذم القرآن الكثرة وركز على العقل 3
في ظلال وصية الامام الكاظم ما هو العقل؟ 4