شهر النبی والشفاعة لماذا ؟ 6
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/8/1442 هـ
تعريف:

شعبان: شهر النبي والشفاعة 6

كتابة  الأخت الفاضلة أم سيد رضا

في الصلوات المحمدية المستحبة استحباباً مؤكداً في شهر شعبان، آخر فقرة منها: (اللهم صل على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك، ولا تخزني بمعصيتك، وارزقني مواساة من قتَّرت عليه من رزقك بما وسَّعت علي من فضلك ونشرت عليَّ من عدلك وأحييتني تحت ظلك، وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدأب لك في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعاً لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حمامه، اللهم فأعنَّا على الإستنان بسنته فيه  ونيل الشفاعة لديه، اللهم واجعله لي شفيعاً مشفعاً وطريقاً لك مهيعاً واجعلني له متبعاً حتى ألقاك يوم القيامة عني راضيا وعن ذنوبي غاضياً، قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان وأنزلتني دار القرار ومحل الأخيار).

نحن في نهاية هذا الشهر الكريم أذكر الأخوة والأخوات وهم وهنَّ ذاكرون وذاكرات ولله الحمد بالإهتمام بما بقي من أيام هذا الشهر، وهي وصية الإمام الرضا عليه السلام لأبي السلط الهروي حيث دخل عليه ربما في مثل هذا اليوم يوم الجمعة وبدأ الإمام يذكره بلزوم الإهتمام بما بقي من هذا الشهر بالصيام وأداء الحقوق والتوجه إلى عبادة الله عز وجل حتى تنتهي هذه الفرصة الإستثنائية ويكون قد أفلس منها.

ففي هذه الفترة أيضاً ومع الإستخدام الحسن لبعض وسائل التواصل الاجتماعي يصعب على الإنسان أن يكون غافلاً، ففي الغالب يأتي في كل يوم أو بين يوم وآخر تذكير بالمستحبات وبعض الآثار والثواب والأجر المترتب عليها، وهذا شيء حسن لأنه قلل من موضوع الغفلة، لكن في بعض الأحيان قد تعيق الشخص ظروفه الخاصة أو العامة فتبقى له فرصة وهي تلك الفرصة التي تكون آخر الشهر، ولعل من أهم ما يُذكر هي الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر شعبان، فقد ورد أن صيامها ووصل صيامها بصيام شهر رمضان وكأنه صوم شهرين متتابعين وهو كفارة عن الذنوب، نسأل الله أن يوفقنا ويوفق المؤمنين جميعاً إلى ذلك وإلى سائر العبادات.

في آخر فقرات الصلوات المحمدية كما أشرنا إلى ذلك في وقت مضى تبدأ بعد ذكر الصلاة بطلب الحاجة، فكل الفقرات الأولى كانت حاجة الإنسان فيها هي نفس الصلاة على محمد وآل محمد مع ذكرهم والثناء عليهم بما يناسب شأنهم وما ورد من الأحاديث المعتبرة في حقهم (شجرة النبوة، موضع الرسالة، مختلف الملائكة، معدن العلم، أهل بيت الوحي، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، الكهف الحصين وغياث المضطر المستكين) وقد مرَّ علينا شيء من الشرح المختصر لها، والآن من بعد هذه الفقرة يبدأ الإنسان بطلب الدعاء فيقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك) فهذا أول طلب يطلبه الإنسان من الله عز وجل وقد قلنا بإستجابة الدعاء هو أن يُسبق بالصلاة على النبي وآله.

اعمر قلبي بطاعتك: عمران الشيء يعني أن يكون ذلك غير مهجور، كأن يقول هذا مسجد معمور وذاك مسجد مهجور، ومعنى معمور أي فيه حياة وحركة وتواجد، ومنه جاء قول الله عز وجل: ((إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر))، مع أن العمران قد يكون عمران مادي خارجي ولكن المقصود هنا هو العمران الحقيقي بالتردد على المسجد والصلاة فيه وقراءة القرآن والتواجد، فإعمار القلب بالطاعة يكون هكذا، وكأنما هذا القلب عبارة عن وعاء وهذا الوعاء قد يكون فارغاً أو يكون مملوءاً بسائل متسخ أو يكون مملوءاً بسائل نظيف رقراق، فقد يكون هذا القلب والعياذ بالله معموراً باللهو والهذر والأغاني والأمنيات الفاسدة والأفكار التافهة، أو قد يكون فارغاً ليس به شيء وهذا نادر، وقد يكون معموراً بطاعة الله عز وجل من العلم الإلهي والخوف من الله والرغبة فيما عند الله عز وجل، فقد ورد في بعض الروايات: (أن القلب حرم الله)، أي منطقة حرمة الله فلا ينبغي أن يدخل فيه شيء يتناقض مع حرمة الله عز وجل كالحقد والحسد والضغينة والتآمر على الغير وتمني المنكر وأمثال ذلك فضلاً عن سائر الذنوب، فهذه كلها تتنافى مع حرمة هذا المكان الذي جُعِل في الأحاديث أنه حرم الله عز وجل، فنحن مطلوب منا أن نسأل الله: (اللهم صل على محمد وآل محمد واعمر قلبي بطاعتك ولا تخزني بمعصيتك) وفي نصوص أخرى: (ولا تشقني بمعصيتك)، فبالفعل عندما يفكر الإنسان بالأمر سيجد أن معصية الله خزاية وشقاوة يزينها الشيطان له كالسرقة، إحراج الآخرين، النظر المحرم والعلاقات الغير مشروعة وأمثال ذلك، ولكن في الواقع لو رفع هذا الغلاف نجد الشقاء والخزي والعذاب والعقاب والتعاسة، لذلك نحن نسأل الله أن لا يشقينا ولا يخزنا بمعصيته.

وأيضاً عندنا سؤال لله عز وجل ذا طابع اجتماعي: (وارزقني مواساة من قتَّرت عليه من رزقك بما وسَّعت علي من فضلك)، من الواضح أن الناس في المجتمعات على أقسام، قسم قتِّر عليه رزقه بسبب كسله هو أو بسبب ظروف خارجية كأن يعيش في منطقة لا يتوفر فيها الرزق بشكل واسع أو قد يكون بسبب آخر، وقسم آخر فتح الله عليه باب الرزق إما بشكل غيبي كأن يكون عنده أعمال يرزقه الله سبحانه وتعالى من خلالها، فعندنا الكثير من الروايات والأحاديث تربط بين بعض الأمور الغيبية وبين الرزق، وبعض الأمور أيضاً ليست غيبية كأن يبكر الإنسان في التجارة، فإذا ذهب إلى عمله باكراً فسيحصل على رزقه وهذا له قاعدته الطبيعية، ولكن هناك أمور وقضايا غيبية كأن تقبل على الله سبحانه وتعالى بشكل معين فيزيد الله في رزقك ويبارك لك كأن تتجار الله بالصدقة مثلاً وأمثال ذلك، فنحن الآن لسنا في صدد هذا البحث ولكن هناك أسباب طبيعية لتحصيل الرزق وللسعة في المال وهناك أسباب غيبية قد تحصل لبعض الناس، فالأصل أن يعمل الإنسان على الأسباب الطبيعية ولكن لا مانع من أن يضم إليها بعض الأمور الغيبية لأننا أُخبرنا بأنها من مسببات سعة الرزق.

من مسببات سعة الرزق هي مواساة الغير، فالمواساة والسخاء فعلاً تحتاج إلى الرزق، فلو كان زوج قد أنعم الله عليه من المال ولكنه لا ينفق على زوجته ريالاً واحداً فهذا ليس مرزوق من العطاء والسخاء شيء، فالبخل هي أسوأ صفة في الإنسان لأن البخل قد ينتهي إلى الظلم أيضاً، لأنه ببخله لم يعطي زوجته ولم ينفق على ابنه ومن لم ينفق على ابنه فقد ظلمه، إذاً فإن العطاء والبذل هي أن تكون يدك ندية على غيرك، ولذلك فإنه ينبغي على الإنسان أن يطلب من ربه: (وارزقني مواساة من قتَّرت عليه من رزقك بما وسَّعت علي من فضلك) مع أن الإنسان العاقل لو يفكر حتى بالمنطق المادي كان ينبغي عليه أن يعطي لأن المنطق الإلهي يقول: ((ما أنفقتم يخلفه الله))، والروايات عندنا كثيرة في ذلك فإنه ينادي ملك بين السماء والأرض ليلة الجمعة فيقول: اللهم اعطِ كل منفق خلفاً، فإن الإنسان لا يعطي المال من عنده بل الله سبحانه وتعالى هو الذي رزقه وإلا كان من الممكن أن تنقلب المعادلة فيكون هو الممحوق وغيره هو المرزوق، أو من الممكن أن تتيسر أمور غيره وتتعسر أموره هو، فكم من شخص يكون في أول حياته ممحوق البركة وعلى أثر أعمال معينة يصبح مرزوقاً، وهناك من يكون بالعكس فكم من شخص يكون في أول أمره متمول وغير ذلك ولكن لا يعمل فيها بما يرضي الله فينتهي به الأمر إلى أنه يحتاج إلى الصدقة، كأحد مليارديرات العرب الذي كان في وقته لا يتكلم إلا بالطائرات الخاصة وصفقات الأسلحة بمئات وملايين الدولارات وقد كانت نهايته بأنه أصبح شخصاً يستحق الصدقة والمساعدة.

هذه الصلوات المحمدية كما ذكرنا أن الإمام السجاد عليه السلام كان يقرؤها طول السنة بينما هذه الفقرة الآتية كان يقرؤها في شهر شعبان وهي: (وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان)، 

لماذا سمي هذا الشهر بشعبان؟ فعندما نأتي للمعنى اللغوي قالوا: لتشعب القبائل العربية بعد رجب الحرام في قضية الغزو والقتال، فقد كانوا مقيدين عن القتال بإعتبار أن رجب من الأشهر الحرم وعندما ينتهي رجب ينطلقوا للقتال فتتشعب رحلاتهم وغزواتهم، وقد قال البعض الآخر بأنه سمي بشعبان لتشعب أغصان الأشجار، ولكن هذه ليست هي التفسير الصحيح، فعندنا رواية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (سمِّي شعبان لتشعب الخيرات فيه) فالخيرات ليست شعبة واحدة في شهر شعبان وإنما فيه شعب كثيرة جداً لا تتوفر ربما في سائر الأشهر، وقد سمي أيضاً عندنا في ثقافتنا الدينية بأنه شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وهناك أكثر من رواية بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله بأنه قال: (شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله عز وجل) وكأنما شعبان مقدمة إلى شهر رمضان، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله كما في ذيل هذا الدعاء: (الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدأب لك في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه بخوعاً لك في إكرامه وإعظامه إلى محل حمامه) فكلمة بخوع من بخع أي خضع وأطاع وذل، ربما البعض يشتبه ويقرؤها نجوعاً، وهي خاطئة فالنجوع كأن يذهب الشخص إلى مكان جميل فيقولون: انتجع فلان، وأيضاً ورد عن الدنيا بأنها دار خلعة وليست دار نجعة أي ليست دار إقامة، ورد في زيارة الجامعة: (وبخع كل متكبر لطاعتكم)، فهنا نجد أن معنى  كلمة بخع هي ذل وخضع، فإن كان مؤمناً فإنه يخضع لما ورد في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.

لاحظنا في هذه الصلوات أن النبي صلى الله عليه وآله يدأب في هذا الشهر، حتى نقل أن زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله كنَّ يتخيرنَّ من الصيام شعبان حتى لا يحرمن رسول الله صلى الله عليه وآله من حقه الزوجي لو أراد في النهار، فكانت هذه النساء تلاحظ حتى هذا المقدار ولو أن شهر شعبان جداً مستحب الصيام فيه.

(يدأب لك في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه)، وهذا يسمى النشر واللف المشوش، فكلمه (لياليه) تعود على القيام، وكلمه (الأيام) تعود على النهار.

(إلى محل حمامه) أي إلى أن التقى النبي صلى الله عليه وآله إلى خالقه وهو على هذا الدأب وهذه الطريقة.

ثم جاء طلب آخر في هذا الدعاء: (اللهم اعنا على الإستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه) فالتوفيق إلى الإستنان بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحصل لكل الناس، فقسم من الناس جعلوا البدعة مكان سنة رسول الله فتركوا سنة رسول الله إلى البدع، كما هي القضية في الصلوات، فالبدعة هي إفراد النبي بالصلوات بل واختصار الصلاة في كلماتها وتحويلها إلى حروف غير معهودة وغير معلومة وقد أصبحت السنة القائمة الآن لدى كثير من المسلمين، بينما السنة النبوية التي قال فيها: (قولوا اللهم صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم) قد أصبحت متروكة ومهمولة، فيقومون ببعض الصلوات في بعض الليالي كالتي يمارسها قسم من المسلمين كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لو غيرت هذه الأعمال التي ق بها الولات من قبلي لانفض من حولي أكثر الناس)، كصلاة الجماعة المستحبة في النوافل هي ليست موجودة أساساً ولكنها الآن أصبحت الشيء الرسمي في كثير من بلاد المسلمين.

(اللهم اعنا على الإستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه)، مما ورد في الحديث عن رسول الله ى الله عليه وآله: (شهر شعبان سميَّ بشهر الشفاعة لأن رسولكم يشفع لكل من يصلي عليه فيه)، فهنا ارتباط (نيل الشفاعة لديه) بإعتبار أن هذا الشهر هو شهر شفاعة وبإعتبار أن الإنسان في صدد الصلاة على محمد وآله، ومن يصلي على النبي فيه يشفع له رسول الله صلى الله عليه وآله.

(اللهم واجعله لي شفيعاً مشفعاً وطريقاً لك مهيعاً واجعلني له متبعاً حتى ألقاك يوم القيامة عني راضيا وعن ذنوبي غاضياً، قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان وأنزلتني دار القرار ومحل الأخيار)، فالشفيع هو النبي، والشفيع المشفَّع هو الذي لا ترد شفاعته، وقد ورد في القرآن أنه كذلك شفيع مشفع وماحل مصدَّق، فنطلب من الله أن يجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شفيعاً لنا لا ترد شفاعته، وأن يجعل سنته وسيرته وأقواله وشخصيته طريقاً مهيعاً، أي الطريق المستوي المستقيم الواضح الذي ليس فيه تعرجات، وأن يجعلنا متبعين لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى نلقاه يوم القيامة عنَّا راضياً وعن ذنوبنا غاضياً، اللهم اجمعنا بمحمد وآل محمد واحشرنا مع محمد وآل محمد وتقبل فينا شفاعة محمد وآل محمد إنك على كل شيء قدير.

 

 

 

مرات العرض: 3499
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 663672.65 KB
تشغيل:

آثار وتجليات الصلاة على محمد وآله 5
وصية الامام الكاظم لهشام .. لماذا مهمة ؟1