الاغتصاب بموعد مسبق 19
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 20/9/1437 هـ
تعريف:

الإغتصاب بموعد مسبق

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

لا يزال حديثنا يتتابع في موضوع العلاقات الاجتماعية وقد وصلنا إلى موضوع: علاقة الصداقة بين الأفراد في المجتمع، وذكرنا حدود وأصول العلاقة بين المتماثلين في الجنس كعلاقة رجل لرجل وامرأة لامرأة وذكرنا في حديث مضى جانباً من الإجابة على سؤال (هل يمكن أن تبنى صداقة وعلاقة بين غير المتماثلين كامرأة مع رجل والفرض أنهما أجنبيان لا تربطهما علاقة شرعية كزواج ولا علاقة أخرى كعلاقات المحارم ببعضهم لبعض)، وذكرنا أن هناك تشريعات دينية وضعها الإسلام من ذلك أنه منع الخلوة والإختلاء بين الرجل والمرأة، وذكرنا ماذا تعني الخلوة وما هو رأي العلماء في ذلك، فهل مجرد تواجد رجل مع امرأة في مكان مغلق يحقق الخلوة المحرمة أو أن هناك شرطاً إضافياً وهو ألا يؤمن منهما صدور الحرام كما هو رأي أغلب العلماء المقلَّدِين في عصرنا هذا.

كان هذا أحد التشريعات التي تضبط مثل هذه العلاقة، وهناك تشريع آخر وهو المنع إما على مستوى الإحتياط الوجوبي في بعض الحالات أو على مستوى الفتوى في حالات أخر، فالمنع عن تواصل يمكن أن يؤدي إلى المحرمات، وهذا الموضوع بالذات من المواضيع سائدة في هذا الزمان، لا سيما وقد كثرت إمكانيات التواصل بوسائله المختلفة، ويكثر السؤال عن هذا مثلاً: 

-    أنا شاب أدخل على محادثة الواتس أب ولدي محادثة مع شابة ليس بيننا علاقة شرعية كعقد النكاح ولا صلة محرمية وإنما نحن أجنبيان فهل يجوز ذلك أم لا؟

-    يقول أحدهم أنه يدخل على أحد البرامج التي توفر فرصة التواصل الصوتي وأحياناً التصويري مع العلم أن تلك المرأة تكون محجبة ويكون الحديث بينهما بكلام معقول، فهل يصح هذا أم لا؟

-    أنا موظفة في العمل ولدي زميل أو صديق أتبادل معه بعض النكات والأحاديث ونتحاور، فهل هناك ضابط ديني لمثل هذا الأمر أو لا؟

لا بد أن نشير أولاً وقبل الإجابة على هذا الموضوع إلى لزوم التفريق بين فكرتين: أولا: فكرة هي موجودة غالباً في الأفق غير الشيعي وهي قاعدة سد الذرائع، فهذه الفكرة موجودة غالباً في فقه مدرسة الخلفاء وغالباً في المذهب الحنبلي وبشكل أخص في التوجه السلفي منه، وحاصلها أن ولي الأمر أو الفقيه من الممكن إذا رأى شيئاً يتسرب منه الفساد ويتوصل منه إلى الفساد أن يغلقه حتى لو كانت هناك فوائد من ذلك الشيء، وهذا نلاحظه في البيئات التي تنتهج هذا المنهج الفقهي ولعل أوضحها وأكثرها صخباً هي قيادة السيارات مثلاً، فالأساس الفقهي لقيادة السيارات عند من يمنعها من الفقهاء من أتباع المدرسة السلفية هي قضية سد الذرائع لأن هذا يجر إلى المشاكل ويفتح أبواباً من الفساد وغيرها.

نحن في مدرسة الإمامية وبعض المذاهب الأخرى لا يعتقدون بفكرة سد الذرائع لأنه أساساً لم يقم عليها دليل معتبر، وبالإضافة إلى ذلك على فرض أنه قام عليها دليل لكن ليس لها إطلاق بحيث يشمل كل مورد لأنه ما من أمر فيه خير إلا وقد خلط به شر، فهذه الدنيا خلط خيرها بشرها وصفوها بكدرها، وأن أكثر الأمور التي يستعملها الناس ويستخدمونها من الممكن أن يتطرق من خلالها الفساد، لذلك فإن هذه الفكرة في الأصل لا دليل عليها.

نعم فإن هناك أمر آخر وهو لا يرتبط بقضية سد الذرائع التي ينفذها الحاكم أو يفتي بها الفقيه وهي حِكَم التشريع، فهذا التشريع الإسلامي له حكماً وفلسفةً ومقاصد فهو لم يأتِ اعتباطاً، فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه والله أقرب إليه من حبل الوريد ويعلم كل خلجة فيه وكل حركة في نفسه فوضع تشريعاً مناسباً لهذه المعرفة، ورأى المشرع أن هناك علاقة انجذاب طبيعية بين الرجل وبين المرأة فجعل لها مساراً صحيحاً عبر العلاقات المشروعة وجعل أيضاً منعاً عن العلاقات المشروعة وأيضاً جعل الموارد التي تنتهي إلى العلاقات المشروعة جعله طريقاً مغلقاً من البداية.

هنا يأتي الكلام عن وسائل التواصل، فهذا الطريق الذي يمشي فيه البعض من المفاكهة مع امرأة لا تحل له، أو طريق تبادل الكلام الكثير والإستلطاف وما شابه ذلك، فهذا الطريق أوله قد لا يكون فيه شيء سيء ولكن مع الإستمرار فيه، وقد ذكرنا في الحديث السابق أن القوانين لا توضع للأشخاص الاستثنائيين وإنما توضع للأعم الأغلب في المجتمع، فالأعم الأغلب من الشباب عندما يسير في هذا المسار قد ينتهي إلى نتيجة غير حسنة، فعندما نرى إنسان مثلاً يريد أن يرمي نفسه من فوق عشرة طوابق لا بد أن نحذره قبل أن يصل ويرتطم بالأرض لأن المنع لن يفيد حين يصل ذلك الشخص إلى الأرض.

لذلك وجدنا أن هذا النوع من العلاقات هو مسار لا ينتهي في الغالب إلى الشيء الحسن، لهذا وجدنا أن الأحكام الدينية لا ترحب بل تبعد وتمنع مثل هذه العلاقات بين الذكور والإناث بين الشباب والشابات، ومن ذلك يدخل الكثير من الأمور كتبادل النكت والإستلطافات وكثرة الحديث بل وأحياناً تكون في بدايتها مناقشات دينية مثلاً، فإحداهن في موقع تندم أشارت إلى هذا المعنى:

قالت: أنا زوجي من النوع الذي يذهب فترات طويلة في عمله وأنا أبقى في المنزل وقال لي أن أكلم صديقه فلان عندما أحتاج إلى شيء، فصادف أني كنت مضطرة إلى الذهاب لمناسبة معينة ولم أجد أحداً يوصلني إل المكان الذي أريد فتذكرت كلام زوجي واتصلت بصديقه وركبت معه، وبذل لي ما يستطيع من لطف واتصلت به أيضاً ليرجعني إلى المنزل وقد كان حديثه جداً لطيف، فبدأت تدريجياً أركب معه في كل مرة أحتاج فيها إلى الخروج من المنزل كما بدأت أقارن بينه وبين زوجي فصرت لا أصبر عنه وأتصل به حتى وإن لم يكن لدي شيء، وقد كانت نهاية هذه القصة نهاية غي حسنة.

وهذه من الأمور التي يبغي أن يلاحظها الإنسان، فأساساً الغياب عن الزوجة أمر غير محبب ولو دار أمر الإنسان بين أن يكون راتبه  15000 ويغيب شهرين عن زوجته وعياله وبين أن يكون لديه نصف هذا الراتب ويجلس مع زوجته وعياله فالحكمة تقتضي بأن يختار الأمر الثاني، ليس فقط لجهات الإنحراف ما شابه ذلك كما في هذه القضية وإنما بالتالي ابنك يحتاج إليك وحضورك في هذا المنزل مهم جداً.

إذاً فإن تبادل الكلام اللطيف وبالذات ما يرتبط بالنكت والإستظراف، فمن أوائل طريق القضاء على مقاومة الطرف الثاني هي إلقاء النكت وإن لم يستر الله عليه فسينتهي إلى شيء غير حسن، لذلك أنقل لكم بعض الفتاوى والروايات التي تبين شدة التحذير:

-    عن الإمام الصادق عليه السلام: (من فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكل كلمة كلمها في الدنيا ألف عام)، أمثال هذه الرواة كثير وحاصلها أن هذا المسار وهذا الطريق ينتهي إلى شيء غير حسن ولذلك ينبغي التحذير من أوله لا من آخره، ليس من جهة سد الذرائع وإنما حكمة التشريع هكذا.

-    هناك سؤال تسأله امرأة أو شابة فتقول: أنا شابة أحب شاباً وواعدني بالزواج وأراسله عبر الإنترنت وأكلمه بالتلفون؟؟ الجواب هو: لا يجوز فاتقِ الله.

-    سؤال آخر: هل يجوز التعارف بين الشاب والمرأة عبر الهاتف كالمراسلة؟ الجواب هو: أن التعارف المبني على علاقات عاطفية بين الجنسين كالذي هو سائد في المجتمعات الغربية ونحوها مبغوض ومحرم شرعاً.

-    سؤال آخر: ما حكم محادثة الرجل للمرأة في الماسنجر سواء كانت صوتية أو كتابية؟ الجواب هو: لا يجوز مع عدم الأمن من الوقوع في الحرام.

-    ما حكم المزاح مع الأجنبية في حدود الأدب ومع الأمن من الوقوع في الحرام؟ لا يجوز المزاح مع الأجنبية.

-    سؤال آخر: تقوم بعض الموظفات بممازحة الأجانب في الدائرة التي تعمل فيها وأن هذا المزاح لا عن تعمد ارتكاب المحرم، فهل يجوز لها ذلك؟؟ الجواب هو: لا يجوز لها ذلك.

-    ما كم تبادل الرسائل الإلكترونية بي الجنسين؟ لا يجوز مع خو الوقوع في الحرام ولو بالإنجرار إليه شيئاً فشيئاً.

وأمثال هذه الأسئلة والأجوبة كثيرة جداً وحاصلها المنع من سلوك هذا الطريق لأن هذا الطريق لا ينفك غالباً عن مشاكل في المستوى العام، وأوضح من ذلك ما يمنع في الشارع من العلاقات التي تنتهي إلى ما تسميه بعض الباحثات بالإغتصاب بموعد مسبق وهذا تعبير جداً ملفت للنظر، فتقول هذه الباحثة بأن أكثر الإغتصابات تحصل من أشخاص معروفين للمرأة وقريبين منها وليست هي المرة الأولى للتواصل بينها وبينهم وإنما بينهما معرفة وتواصل وأحياناً التواعد حتى وإن كانت لا تريد أن يصل الامر بينهما إلى هذه المرحلة فإن الطرف الآخر ليس عنده حد.

لو أردنا أن نقرأ من هذا المقال سنجد القول بحسب ما تقول هذه الباحثة الاجتماعية وتتحدث عن دراسة اجتماعية: أن 60% من الضحايا يعرفون الجاني معرفة شخصية، وعادة ما يحدث هذا الإغتصاب بميعاد سابق عندما تكون المرأة وحيدة مع رجل ما إذا ذهبت إلى شقة رجل أو غرفته أو حتى في سيارته، ولذلك لم يسمح الإسلام بالإختلاء كما أنه لم يسمح بالتواصل بهذا المقدار مع الأجنبيين.

نذكر قصة امرأة تقول: بأني عرفت زيد من الناس من خلال أخته التي اخبرتني بأن أخيها يريدني زوجة له، فبدأنا بالتواصل من خلال هذه الوسائل وهو أبدى الإعجاب لي وهو لم يرني حتى، فقال لي بما أننا سوف نتزوج لابد أن نجلس مع بعضنا جلسة خاصة، وأخبرني بمكان شقته التي ستكون مستقبلاً مكان الزوجية كما وأخبرني بأن اخته ستكون معنا خلال هذه الجلسة، فوافقت وذهبت إلى ذلك المكان وأغلق الباب ولم أجد أحد سواي انا وهو وانتهى الأمر.

كما وتقول هذه الباحثة أيضاً: أن المواقف الرمادية من المرأة فيها إغراء للرجل بالإقدام على طلب الممارسة الجنسية، كأن تقول له أن يستلطفها ويحبها حباً كثيراً ولكن لا يلمسها، أو أن تطلب منه أن يتكلم معها كلام العاشقين وغيره ولكن بشرط ألا يطلب منها الممارسة الجنسية، فهذا يسمى بالموقف الرمادي، والموقف الصحيح هو أن تقول له من البداية بأن طريق الزواج معروف وأننا غرباء عن بعضنا إلى ما قبل العقد.

ما ينقل في أحوال والد سيدنا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم: بأن والده عبد الله كان مشرق اللون وجميلاً جداً، وقد كان شائعاً بأن النبي المبعوث في مكة سيكون من هذا النسل، في يوم ما قد مر على امرأة خثعمية فلما رأته عرضت عليه نفسها حتى إن كان مقدر أن يكون بينهما ولد سيكون من عندها، فأجابها عبد الله بكلام لطيف وقال لها: (أما الحرام فالممات دونه.. والحل لا حل فأستبينه.. فكيف بالأمر الذي تبغينه).

إذاً فإن الموقف الرمادي من قبل الفتاة هو موقف مهلك ومغرٍ للشاب، لأن التمنع مع الرغبة يغري الطرف الآخر بأن يكمل الموضوع إلى آخره، فلا بد أن تكون الفتاة أو المرأة حازمة وجازمة وذات موقف واضح وصريح من البداية حتى تقطع طمع ذلك الطرف.

نسأل الله تعالى أن يوفق شبابنا وشاباتنا وأن يوفقنا للإلتزام بأحكام دينه وأن يعيننا على التورع والإلتزام والمحافظة على أعراض الناس، فإن من ارتكب في عرض أخيه شيئاً فسَيُرتَكَب في عرضه ولو في المستقبل، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


مرات العرض: 3405
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 37687.96 KB
تشغيل:

عن العقل في كلمات العلامة الطباطبائي 6
لماذا الدنيا بحر عميق 7