27 كيف ننفتح على سنة المعصومين
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/9/1442 هـ
تعريف:

27/ كيف ننفتح على كتب سنة المعصومين عليهم السلام ؟

تحرير المهندس الفاضل أبي فاطمة الزهراء

قال سيدنا و مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه و هو يصف رسول الله صلى الله عليه و آله، قال: {هو إمام من اتقى و بصيرة من اهتدى و سراج لمع ضوؤه وشهاب سطع نوره، سيرته القصد و سنته الرشد، و كلامه الفصل} صدق سيدنا و مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه..

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع: " كيف ننفتح على كتب سنة المعصومين عليهم السلام؟ " 

لا ريب أن الموجود من كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله و وصاياه و كلمات أمير المؤمنين و أهل بيته عليهم السلام كثيرة و مدونة، هذه تحتاج إلى أن نفكر كيف ننفتح عليها و كيف ننتفع بها؟؟

يمكن تقسيم مواضيع السنة المعصومية  والموجودة في الكتب إلى ثلاثة أقسام رئيسية: 

1.    القسم الأول يرتبط بالأخلاقيات و المواعظ و طرق الحياة السليمة الموصلة إلى السعادة في الدنيا و الفلاح في الآخرة، حيث تشتمل على مواعظ و أخلاقيات و نصائح و مبادئ في التعامل و المعاشرة مع الناس و تربية النفس و ما أشبه ذلك.

2.    القسم الثاني هو يرتبط بأحاديث الأحكام و الشريعة الإسلامية و الموقف الفقهي الذي ينبغي أن يتخذه الإنسان سواء في عباداته أو في معاملاته.. 

3.    القسم الثالث هو ما يرتبط بالعقائد، قضايا الإيمان: الإيمان بالله عزوجل و ما يتصل بالله من صفاته و أسمائه و توحيده و حكومته و عدله و ما شابه ذلك، و ما يتصل بالآخرة و القيامة، وكذا الإعتقاد بنبوة رسول الله صلى الله عليه و آله و إمامة المعصومين عليهم السلام و أمثالها...

هذه بشكل إجمالي تقسيم ما ورد في السنة، طبعا السنة هي أكبر من هذا بكثير و لكن هذه هي التقسيمات الرئيسية و نلحظها بشكل واضح فيما صنعه ثقة الإسلام محمد ابن يعقوب للكليني المتوفى سنة ٣٢٩ هجرية في كتابه الكافي، فإنه جعل قسما بإسم: "الروضة من الكافي" وهي تحتوي على المواعظ و النصائح و الأخلاقيات وما يتصل بها، قسم آخر جعله بعنوان : "الفروع من الكافي"، وهو الذي يتناول مسائل الفقه والأحكام الشرعية و موقف الإنسان الفقهية مما يحدث في الحياة من عبادات و معاملات، و قسم ثالث ما يتصل بالعقائد و سماه : "الأصول من الكافي"..

و هو تقسيم من حيث الموضوع لا بأس به بالرغم من أن الأحاديث و تفصيلاتها هي أوسع دائرة من هذه الأمور، لكننا سوف نتخذ هذا الترتيب الموضوعي لكي نشير إلى الموقف من أحاديثه و رواياته...

ما ورد في كتب و مصادر الحديث في سنة المعصومين عليهم السلام :

1)     القسم الاول:  بالنسبة إلى الموضوع الأخلاقي، الموضوع الروحي ما يرتبط بتربية النفس و تهذيبها، هذا ينبغي أن يعرض الإنسان نفسه إليه، وأن ينفتح عليه انفتاحا كاملا، لأن فيه الهدايات الربانية مصاغة بأساليب مؤثرة غاية التأثير، في لغة-غالبا- بديعة و فصيحة و في منتهى البلاغة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله هو أفصح هذه الأمة، لا نقول أن حديث: {أنا أفصح قريش} أو أفصح العرب أو بني آدم، بيد أني نشأت في قريش أو ولدت في قريش، هذا الحديث ربما بعضهم يشكك فيه، لكنه حقيقة واقعة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله، لديه من الفصاحة و البلاغة و الصور الجمالية في أحاديثه ما لا يملكه أحد، يستشعر الإنسان من خلال مراجعته لكلمات رسول الله صلى الله عليه وآله و خطبه و مواعظه هذا المستوى الرفيع من الأدب و قد وجدت دراسات في هذا الباب تبين ابتكارات رسول الله صلى الله عليه و آله في الجوانب الأدبية و البلاغية..

و هكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام فقد قيل في كلماته الشيء الكثير و يكفيك أن ترجع إلى مقدمة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة و كيف وصف كلمات أمير المؤمنين عليه السلام و ارتفاعها و هكذا كلمات الشيخ محمد عبده و هو أشهر من أن يعرف في العالم الإسلامي والعربي عندما وصف كلمات أمير المؤمنين سلام الله عليه..

إجمالا كلمات المعصومين عليهم السلام في هذا الجانب كلمات عالية المستوى من حيث البلاغة و قوية التأثير أيضا أثرها في النفس، يعني عندما يقرأ الإنسان أو يسمع موعظة من رسول الله صلى الله عليه وآله أو وصية، يجد ذلك الأثر المباشر، كأنما أنفاس  رسول الله صلى الله عليه و آله لا تزال يستشعرها الإنسان في مثل هذه الموعظة.. و في مثل هذا الأمر ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه على هذه التعاليم الأخلاقية و المواعظ و ما شابه ذلك، و لو استطاع الإنسان أن يجعل لنفسه برنامجا في هذا الجانب أن يقرأ بين فترة و أخرى. مثال: "وصية النبي صلى الله عليه و آله لأبي ذر الغفاري"، حيث لأبي ذر ثلاث وصايا من رسول الله صلى الله عليه و آله مهمة جدا و مؤثرة، لاسيما وصيته الطويلة صلى الله عليه و آله لأبي ذر، والتي يظهر منها أن أبا ذر كما ذكرنا غير مرة، لم يكن رجلا كما تصوره بعض الكتابات، رجلا فوضويا فقط همه أن يثير الأوضاع  و إنما من خلال أسئلة أبي ذر في حواره مع رسول الله صلى الله عليه و آله، يتبين منه أنه رجلا عالما فاهما فإن المرء يعرف في علمه من أشياء من جملتها أسئلته، و أسئلة أبي ذر لرسول الله صلى الله عليه و آله كانت من هذا القبيل،  و طريقة إحتفاء رسول الله صلى الله عليه و آله به عندما يقول، سأله أن يعظه: {نعم.. وأكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت} و هذا وسام لا يستحقه أي  شخص هكذا، فبدأ صلى الله عليه و آله يلقي عليه مواعظه، لو قرأنا قسما منها كتمثيل على ذلك:

 قال رسول الله صلى الله عليه و آله لأبي ذر: { يا أبا ذر، المتقون سادة  و الفقهاء قادة و مجالستهم زيادة ...

يا أبا ذر، إن المؤمن يرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه..}  المؤمن يعيش دائما تحت وطأة الإحساس بالذنب و يخاف أن عليه عقوبة منه، أما الكافر كما الذبابة تمر على أنف الإنسان، بعد دقائق ينسى الموضوع و يعتني به، فتعامل المؤمن و الكافر مع الذنب هو هكذا..

{يا أبا ذر، إن الله اذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثلة..  يا أبا ذر، لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيت..  يا أبا ذر، إن نفس المؤمن أشد تقلبا و خيفة من العصفور حين يقذف به في شرك..}

العصفور عندما يقع داخل المصيدة، كيف يتقلب و مضطرب و غير مستقر، نفس المؤمن بخوفها من الذنب هي أكثر من هذا النحو..

{يا أبا ذر، من وافق قوله فعله فذلك الذي أصاب حظه..}،

الله يعيننا خصوصا، نحن المتحدثين الذين نقول كثيرا و ربما لا نفعل غير القليل، فإذا الإنسان وافق كلامه فعله، فهذا الذي أصاب حظه..

{ومن خالف قوله فعله فذلك المرء إنما يوبخ نفسه..}، كأنما يقرع نفسه عندما يخالف ما يصنعه كلامه..

{يا أبا ذر، إن الرجل لا يحرم الرزق بالذنب يصيبه..}، بعض الأحيان أمور غيبية نحن لا نلتفت إليها، فإذا بهذا الإنسان المؤمن ضيق الرزق، لماذا؟ قسم يرجع لأسباب طبيعية معروفة و قسم آخر أسباب لا نعرف عنها، الحديث هذا و الموعظة هذه تشير إلى أن الذنب أحيانا يأتي بتضييق الرزق، حتى عندنا في الدعاء:{اللهم اغفر لي الذنب الذي يضيق علي الخلق و يحبس عني الرزق}، ذنب ينتج أخلاق سيئة و ذنب يحبس عن الإنسان الرزق و البركة، و أمثال هذا كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، "خطبة المتقين" أنصح نفسي و إياكم بأن نقرأ مثل هذه الأمور، ولو اقتنى الإنسان حتى لا يضيع من هنا و هناك- هناك كتاب جميل جدا، اسمه "تحف العقول عن آل الرسول" مؤلفه أحد علمائنا الكبار، مع الأسف مجهولة حياته ومعيشته وهو: "ابن شعبة الحراني"، من بلدة حران في الشام، هذا عاش في القرن الرابع الهجري يعني من بعد سنة ٣٠٠ للهجرة في نفس الزمان الذي عاش فيه "الشيخ للكليني" رحمهما الله، حيث وفاة الشيخ الكليني سنة ٣٢٠ يعني بعد بدايات القرن الرابع الهجري، صاحب كتاب تحف العقول عاش أيضا في القرن الرابع الهجري كما قيل و بعضهم قال في أوائل القرن الخامس الهجري، و خلف هذا الكتاب وهو من أنفس الكتب..

الشيخ الحراني رتب كتابه "تحف العقول عن آل الرسول" على أساس مواعظ و أخلاقيات و خطب كلها في الجانب الأخلاقي والروحي و التربوي، بدأ من رسول الله صلى الله عليه و آله و وصاياه  ثم أمير المؤمنين عليه السلام و خطبه و وصاياه و هكذا إلى غاية الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، انتخب من كل إمام مجموعة من  الوصايا، التوجيهات، الكلمات ذات المنحى الأخلاقي، ننصح المؤمنين و المؤمنات وننصح  أنفسنا قبل ذلك بالتعرض إلى مثل هذا و هو أشبه بماء المزن الصافي النازل من السحاب الماء الطهور الذي يغسل درن القلوب و شهوات النفوس من خلال كلماتهم صلوات الله عليهم،  يلحظ الإنسان الفرق العظيم في التأثير بين كلماتهم عليهم السلام و كلمات غيرهم، يعني إذا فكرة حول تقوى الله اذا يتحدث فيها شخص غير معصوم، و نفس الفكرة يتكلم فيها شخص معصوم، تجد الفرق ما بين السماء و الأرض بينهما..

هذا القسم الأول ننصح به بقوة، أن يداوم الإنسان عليه و يعرض نفسه عليه، إذا كان هناك أشياء مسجلة من الخطب، الوصايا و المواعظ، سمعت ذات مرة أن أحدهم سجل نهج البلاغة بصوت جميل، جيد أن يستمع  الإنسان إليه بإستمرار، وهكذا بالنسبة إلى سائر الخطب نرى أن في هذا آثارا مهمة جدا..

2)    القسم الثاني  في سنة المعصومين عليهم السلام ما يرتبط بالقضايا الفقهية و الأحكام الشرعية..

هل المناسب أنه إذا اعترضتنا مسألة شرعية نذهب إلى قسم الفروع من الكافي ونفتحه لنرى مثلا ما حكم هذه المسألة ماهو؟؟ عندنا مسألة في الصلاة اعترضتنا، هل المناسب نفتح كتاب وسائل الشيعة و كله روايات انتظر إلى هذه الروايات؟ طبعا هناك مسلكان: 

    المسلك الأول ما ذهب إليه أتباع المدرسة الإخبارية من إخوتنا من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، هؤولاء فكرتهم قائمة على أساس أنه لا ينبغي أن يعطي الفقيه أحكاما و إنما ينبغي لكل إنسان أن يرجع إلى كلمات المعصومين عليهم السلام أنفسهم و يطلع على الروايات و إذا احتاج إلى توضيح يستعين بالفقيه، حيث الفقيه ليس لديه شغل يستنبط و يستنتج و يجمع و يطرح و يقول رأيي كذا و كذا، و إنما يرشده إلى هذه الروايات فقط، هذا مسلك المدرسة الإخبارية و هي من المدارس العريقة في عالمنا الشيعي..

    المسلك الثاني: الآن الوضع الموجود أن أغلب شيعة أهل البيت عليهم السلام ضمن المدرسة الأخرى وهي المدرسة الأصولية، ماهي الاختلافات بينهما ، ماذا يقول كلاهما؟؟ سبق أن تحدثنا عن هذا في وقت سابق عند حديثنا عن المرحوم الشيخ يوسف البحراني رضوان الله تعالى عليه، المحدث البحراني صاحب الحدائق الناضرة في سنوات سابقة..

الخلاصة أنه بناءا على المسلك الذي ينتهجه فقهاء المدرسة الأصولية و التي الآن هي المدرسة الشائعة، يعني الآن الأشخاص المقلدون -بفتح اللام- آية الله العظمى فلان و آية الله العظمى علان، هم ضمن هذه المدرسة المسماة بالأصولية، هؤولاء ضمن مسلكهم لا يرجحون الرجوع المباشر الى روايات المعصومين عليهم السلام من قبل عامة الناس، و إنما  يفضلون الرجوع إلى الرسالة العملية للفقيه و المرجع الذي يقلده هذا الإنسان لأنها حكم جاهز يستطيع الإنسان مباشرة أن يعمل به، و إذا أردنا أن نمثل بمثال من الواقع الخارجي، يقول هؤولاء أنه مثل إنسان يريد أن يصل من هذه البلدة إلى بلدة أخرى عنده طريقان: 

١-يشتري سيارة جاهزة من الوكالة أو يؤجرها أو يستعيرها و يركب و يذهب البلد و الأخرى..

٢- يذهب إلى مخزن قطع الغيار الموجود بالبلدة المتواجد بها، فيه كل قطع غيار السيارات من المحرك، الدواليب، المقود، الكراسي، الإشارات و ما هنالك مما يلزم لتركيب سيارة، و يحاول تركيبها لينطلق في مشواره نحو البلدة الأخرى، لنفترض أنه في المخزن كل الأدوات موجودة لكن هذا غير متيسر لأكثر الناس حتى لو كانت كل اللوازم متوفرة، يحتاج لخبرة و مخططات و معرفة بالتركيب و الميكانيكا و الكهرباء ما هناك من اختصاصات متعلقة بتركيب السيارات.

و بالتالي الطريق الصحيح أنه الإنسان يأخذ سيارة جاهزة و يذهب في مشواره نحو مقصده..

يقولون بالنسبة إلى الفقه الأمر هو هكذا، لماذا؟ لأن الأئمة المعصومين عليهم السلام لم يكتبوا شيئا مفصلا، بحيث اذا استعرضتك المسألة الفلانية فالحكم الشرعي كذا و دواليك، و إنما المروي عنهم عليهم السلام في الغالب هو عبارة عن أسئلة، زرارة يأتي و يسأل الإمام، الإمام يجيبه، محمد بن مسلم يسأل، الإمام يجيب،  يونس بن عبد الرحمن يسأل، الإمام يجيبه، كل سؤال من الأسئلة ليس بضرورة يكون مرتبط ارتباطا تاما مع السؤال الآخر، ولذلك يقولون -عندهم تعبير في الفقه- أن أحاديث (المعصومين) -الأئمة الأطهار- عليهم السلام في الفقه مبنية على المنفصلات، يعني الإمام الصادق عليه السلام  قال كلاما بهذا المضمون، الإمام الرضا سلام الله عليه قال كلاما آخر يشرح فيه ذلك الكلام، هذا لازم تكون لديه القدرة ان يجمع الكلامين و يستنتج..

مثال على ذلك: عندنا حديث مشهور: {من زاد في صلاته فعليه الإعادة} هذا ظاهر الكلام أن أي زيادة من أي نوع بأي نحو، يجب على الشخص أن  يعيد صلاته، لو زاد سهوا يعيد صلاته، أو عمدا فعليه إعادة صلاته، من زاد ركنا فعليه الإعادة، أو في السورة فعليه الإعادة، مقتضى الكلام أنه أي زيادة يجيب فيها ان يعيد الإنسان صلاته..

في حين هناك حديث آخر يبين أن الأمر ليس على هذا النحو، حيث عندنا قاعدة أخرى و حديث آخر: { لا تعاد الصلاة إلا من خمس- اذا خمسة أشياء وقع الإخلال بها سهوا أو عمدا، نسيانا أو تذكرا، تعاد الصلاة و أما إذا أشياء أخرى فلا تعاد، مثلا  إنسان صلى و لم يقرأ الفاتحة، نسي قراءتها هل عليه الإعادة؟ كلا، قرأ الفاتحة مرتين سهوا هل يجب عليه الاعادة؟ كلا، لم يقرأ السورة أو زاد سورة من غير عمد؟؟ هل يجب عليه الإعادة؟ كلا، و عليه ذلك الذي يقول : {من زاد في صلاته فعليه الإعادة} ليس في كل مكان و إنما  في أماكن معينة، هذه استنتاجها من أين يعرفه الإنسان العادي؟ لاسيما مع انشغالاته اليومية، الآن نحن نلاحظ في الحياة العامة، الناس لكثرة انشغالاتهم الدنيوية تقول له الحكم جاهز- مقشر، بارز- مع ذلك ينساه، تقول له راجع الوسائل و الكافي و اقرأ باب الصلاة، لعل هذا الحديث يقيده حديث آخر، ينسخه حديث آخر، يخصصه حديث آخر، هذا غير ممكن لأكثر الناس، بل في كثير من الأحيان ينتج أخطاءا، لماذا لأن هذا الموضوع من أعقد المسائل الأصولية و الفقهية ، أنه كيف نعالج الاختلافات بين الأحاديث، لأنه هناك إختلافات بين  الأحاديث، هناك أحد العلماء كتب كتابا قيما و متينا اسمه الشيخ محمد اللنغرودي باللغة العربية و ان كان المؤلف ليس عربيا، عنوان الكتاب: "أسباب إختلاف الحديث" ثمان مئة ٨٠٠ صفحة، ذكر فيه ثمانين ٨٠ سببا من أسباب إختلاف الأحاديث، و أورد على كل سبب شاهدا أو شواهد، بعضها بناءا على قضية التقية، حديث قيل تقية، ذلك الحديث لم يقل تقية، وقع اختلاف بين الحديثين، عندما يكون أمامك حديثين متعارضين ماذا تصنع بهما؟ يجب  يكون لديك خبرة في باب التقية. كنا يذكر من الأسباب و من غيرها، إختلاف القرائن الموجودة، يعني ذلك الحديث فيه قرينة موجودة، هذا الحديث قرينته ليست نفس تلك، كما يذكر من الأسباب إختلاف مراتب الخطاب، الإمام عليه السلام يتحدث بمرتبة و الإمام الآخر عليه السلام يتحدث بمرتبة أخرى، هذا ناسخ وذاك منسوخ، هذا خاص و ذاك عام و على هذا المعدل، إذن أمام هذا العدد الكبير من أسباب إختلاف الأحاديث ثمانين ٨٠ سببا من الأسباب، الإنسان العادي المشغول بمسؤولياته العادية الحياتية و كسب معاشه وما شابه ذلك، متى يتفرغ لها و بعض طلبة العلم لايتفرغون لهذا فكيف بالنسبة للإنسان العادي، و لذلك نعتقد الدعوة التي يطلقها قسم -ليسوا من المدرسة الأخبارية- هذا نعتبره من التشويش، المدرسة الأخبارية مدرسة عريقة لها علماؤها، ذكرنا أن لها فضلا كبيرا على حفظ سنة أهل البيت عليهم السلام و أحاديثهم و إلا لو لم يكن هؤولاء العلماء من هذه المدرسة موجودين ربما ضاع الكثير من أحاديث آل محمد..

عن عبث رافضة التقليد

هناك فئة الآن ناشئة تدعو إلى رفض التقليد، رفض العلماء، رفض المرجعية، الإنسان بنفسه يأخذ الأحكام، و يطالع و يراجع المصادر و يدرس الروايات، و لا يسلم عقله إلى أحد، من تعبيرهؤولاء لا تؤجر عقلك لأحد،  طبعا تأجير العقل لا يكون إلا لهذه الفئة و تنتج نفس نهجهم و أفكارهم، هذا نعتبره من العبث العلمي..

الاتجاه الأخباري كما ذكرنا عندهم نظرية واضحة و قديمة  و لهم فضل على جمع أحاديث و أخبار أهل البيت عليهم السلام و نحن لا نتحدث عنهم في هذا السياق، وإنما نتحدث عن هذه الفئة الجديدة التي لا تمتلك ذلك النضج الفكري و الفقهية لا العمق التاريخي..

وعليه بالمختصر فيما يرتبط بالأمور الفقهية، مقتضى القاعدة أن يلجأ الإنسان – مادام الموضوع فيه مسائل علمية، جمع، ترجيح، أخذ، رد، نسخ، تخصيص غير ذلك، أو هو نفسه يكون قادرا على ذلك، الحمد لله أضيف مجتهد و فقيه، هذا نعمة من النعم، و اما ان لم يكن كذلك و لم يكن من اهل الفن فالطريق الطبيعي ليس ان يذهب إلى مخزن قطع الغيار و يركب سيارة لوحده و قد يستغرق ذلك مدة زمنية طويلة و لا ينتج ناتج سيارة و إنما شيئا آخر، بينما الصواب ان يستلم سيارة جاهزة  و يركبها – هذا في موضوع الفقه. 


3)    القسم الثالث: قضايا العقائد في سنة المعصومين عليهم السلام  

نفس الكلام في موضوع الفقه يأتي بدرجة من الدرجات في موضوع العقائد، بل العقائد الأمر فيها أوضح، لماذا؟

 لأنه عند العلماء أنه العقائد الأساسية لا يقبل فيها إلا العلم، و العلم يحصل من إحدى الأمرين أو من أمور: 

1.    إما يكون من دليل عقلي برهاني لا أحد يشك فيه (حسب تعبير المعاصرين: ١+١=٢) دليل عقلي لا خلل فيه و لا شك فيه يقبل جميع من عرض عليه، هذا حكم العقل، كما يستدلون في وجود الله و ضرورة الأنبياء عليهم السلام و بعث الرسل عليهم السلام ، بل حتى بالنسبة إلى المعصومين عليهم السلام و استمرار الإمامة هذا أمر.

2.     الأمر الآخر ان تكون هناك أخبار كثيرة متواترة، الخبر المتواتر الذي يأتي به جماعة كثيرون في كل طبقة هذا يفيد العلم،  في أمور العقائد واحد من الإثنين اما دليل عقلي و أما شيء يفيد العلم والخير المتواتر..

لما شخص يذهب إلى  هذه الكتب التي لا تحتوي على دليل عقلي جاهز لأنها أخبار و نقل و غالبا لا يوجد فيها أخبار متواترة في كل المواضيع، فما يتوفر كلا الأمران فماذا نصنع؟ 

يقال لهذا الشخص أنك كما صنعت في موضوع الفقه اصنع في موضوع العقائد، إن استطعت أن استدل بدليل عقلي على ما تعتقده هذا شيء طيب، إن استطعت أن تأتي بخبر متواتر على ما تعتقده جيد، إذا لم يكن في مقدروك لا هذا و لا ذاك، أخذ ما استدل به الآخرون و خذ ما قاله أعلام الطائفة و متكلموها الذين أسسوا العقائد و نقحوها و نافحوا عنها طيلة هذه القرون الماضية..

لنأتي ببعض الأمثلة على الاختلاف فيما يرتبط بموضوع العقائد، إنما اوردناها لأن فيها بعض الإثارة التي يثيرها أتباع المدرسة الأخرى، لماذا يقول الأئمة عليهم السلام: {حديثنا صعب مستصعب اجرد ذكوان لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان} لأنه يحتاج إلى تدقيق و شرح و تعمق..


المثال الأول: 

بعضهم يورده على الإمامية، يقولوا في كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة وردت هذه المسألة، أنه الإمام علي عليه السلام قال: {إنه قد بايعني القوم الذين بإيعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فلم يكن للغائب أن يرد وللشاهد أن يستثني} انا بايعوني نفس الجماعة الذين بإيعوا الخلفاء الثلاثة الأول، إذن بنيتي بيعة صحيحة فما ينبغي لإنسان أن يرد هذه البيعة و لا يتراجع عنها، الغائب ما يقدر يقول انا خلص ما بايعت ما لي شغل و الموجود أيضا ليس له حق أن  ينكث، هذا كلام الإمام علي عليه السلام موجود في نهج البلاغة، فيأتي معترض و يقول: أين كلامكم أن  علي بن أبي طالب عليه السلام لم يقبل بيعة الخلفاء و لم يحسن هذا الأمر و قضية الخطبة الشقشقية و ما فيها من كلام، كل هذا التناقض؟! فيما معناه الامام علي عليه السلام قال انا بيعتي شرعية لأن الجماعة الذين بايعوا الخلفاء الأوائل بايعوني، فشرعية بيعته مستمدة من شرعية بيعة الخلفاء الثلاثة الأوائل كما قال الإمام علي عليه السلام، لماذا أنتم تقولون بيعة أولئك ليست شرعية و لماذا تقولوا ان عليا لم يبايع؟؟ و هو اشكال بظاهر منهج و ماذا تفعل في قبال الخطبة الشقشقية، إذن يتبين أن الخطبة الشقشقية مفتعلة مصنوعة و أمثال ذلك، لما تنظر لهذا تجد أن هناك تعارض ظاهري و تخالف، لكن اذا يتصدى لهذه المسألة عالم و متكلم يفهم في العقائد، يقول لازم نرى ذلك الكلام أين و متى و لمن ؟؟؟ و هذا الكلام كذلك، الكلام الأول كان في رسالة ارسلها أمير المؤمنين عليه السلام لمعاوية بن أبي سفيان، من الطبيعي أنه عندما يخاطب معاوية لا يقول له أن بيعتي شرعية لأن رسول الله نصبني، و لأن الله نص علي، ما يعتقد معاوية بهذا الكلام، يقول له هذا الكلام بيعه على غيري، و عليه يلزم ان يقول له كلام يلزمه به ، أي أنه انت ألست تعتقد أن بيعة من سبقوني شرعية، وهم نصبوك على الشام و جعلوك واليا لأنك ما أتيت هكذا، هؤولاء من أين أتت شرعيتهم و كيف نصبوا، من خلال هؤولاء القوم أو هذه المجموعة، بالتالي في رأيك تنصيبهم تنصيب صحيح وبيعتهم شرعية و انت ولايتك تعتبرها صحيحة لأنهم نصبوك واليا على الشام، نفس هؤولاء الذين تعتبرهم جعلوا بيعة من سبقوني شرعية هم نفسهم من بايعوني، فلماذا بيعتهم للثلاثة شرعية و بالنسبة لي غير شرعية، هذا احتجاج على الخصم بما يلزمه، لا بالضرورة أنه الإمام يعتقد بذلك، و أنه لو ما بايعوني ما اكون إمام، إنما هو إلزام للخصم و على هذا المعدل موارد أخرى أيضا..

المثال الثاني:

 مما قيل أيضا أن أمير المؤمنين عليه السلام عنده في نهج البلاغة: { أنا لكم وزيرا خيرا من أين لكم أميرا فاتركوني} يأتي معترض و يقول الإمام علي هو يقول ان اكون وزير أحسن من ان أكون أمير، و هو كان وزير أيام الخلفاء الذين سبقوه، فتأخيره إلى رقم أربعة فطبيعي، بل حتى رقم أربعة  ما كان لازم يصير لأنه هو يقول ابقى وزير خير من اكون أمير، و إذا عينتم واحد انا اسمعكم و لعلي اكون اسمعكم و اطوعكم له، فكيف تقولون ان الإمام  منصب من قبل الله و خلافته خلافة إلهية والى غير ذلك، الجواب نفسه، أن الإمام عليه السلام كان يخاطب جماعة من أجل أن يلزمهم بطريقته، حيث يقول لهم في تتمة هذا:{ فإنكم إن وليتموني ركبت بكم ما اعلم} ترى لا تتصوروا اليوم تبايعوا و بعد ذلك تطالبونني بسيرة فلان و فلان و فلان،  و فلان كان يعطي قريش هذا القدر و العرب هذا القدر و المهاجرين هذا القدر، و تقولون هذه الجماعة كذلك، ترى انا اركب بكم بسيرة أخرى كتاب الله و سنة رسوله و اجتهاد رأيي طريقتي الخاصة، إذا ما اكون أمير غيري يكون عليكم أمير و أنتم مرتاحين معاه، أما إذا جئت في ذلك الوقت { ركبت بكم ما أعلم} خطتي خريطتي سياستي مختلفة تماما عمن سبق، و هذا أنتم ما راح تقبلوه و فعلا هذا الذي حدث، الذي وقع بعدين حيث وصل به الأمر التبرم بهم {فإذا دعوتكم إليهم في أيام الحر، قلتم هذه حمارة القيظ أمهلنا ينسلخ عنا الحر و إذا امرتكم ان تظهروا إليهم -أو تنهضوا إليهم- في أيام البرد قلتم هذه صبارة القر أمهلنا يسبخ عنا البرد، إذا كنتم من الحر و القر تفرون فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال و لا رجال، حلوم الأطفال و عقول ربات الحجال، وددت أني لم أركم و لم أعرفكم معرفة والله جرت علي ندما، و أظهرت سدما، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا، إمامكم يطبع الله و أنتم تعصونه -تعصون إمامكم- و أميرهم-أهل الشام- يعصي الله و هم يطيعونه} أنتم أولى بطاعة أميركم الذي يطيع الله لكنكم لا تفعلون ذلك، بالإمام عليه السلام من اليوم الأول قال لهم ترى أنا أمشي معاكم ليس بالشيء الذي تتصورونه، مرتاحين منه، اليوم عطية  وغدا هدية وعقبه رشوة والذي خلفه كذا، وإنما أقيمكم على الجادة الوسطى و هذا لا يعجب الكثير من الناس لذلك اشتعلت في وجهه الحروب، طلحة و الزبير جاءا و كل منهما طلب منه عليه السلام، واحد طلب الكوفة و الآخر البصرة، فقال لهما لا أنتما لستما لهذا ، لأي سبب من الأسباب، أنا  أمير لا أوليكما، فكان رد فعلهما تعال و ابرز و تجهز للقتال، هذا من البداية لازم يفهمان ان الإمام  علي أمير المؤمنين عليه السلام  ليس الشخص الذي اذا طلب منه شيء، يتألف هذا و يكسب ود ذاك حتى  لا هذا يثور عليه ولا ذاك يسبه، يتجاوز أحكام الله عز وجل، فبقي علي عليه السلام في ذلك في جملة قليلة من أصحابه كما تقول الرواية { ما كان يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا مثل عمار و سلمان و أبو ذر و المقداد و ذو الشهادتين} و نظراؤهم، هؤولاء هم الذين كانوا يعرفون حق أمير المؤمنين عليه السلام و إلا مائة و مائة و عشرين ألف واحد مثلا في الجمل أو في صفين أو كذا، هؤولاء ضمن التجنيد الإلزامي-حسب التعبير- ضمن الجيش و الحشد العسكري و إلا  الذي يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام ليسوا هؤولاء  و إنما كان شيعته عليه السلام الخلص هم الذين يعرفون حقه و ينصرونه و يفدون أنفسهم  في سبيله، هل تدري عمار بن ياسر، لما يقال عمار عمار عمار، لما قتل في حرب  صفين كان يناهز التسعين و بعضهم يقول أربعة و تسعين سنة عمره، ماذا تعني ٩٤ أربعة و تسعين سنة ز يحمل الراية  ويقاتل ذلك القتال ما هذه الهمة، ما هذا الذوبان في حب أمير المؤمنين عليه السلام -رزقنا الله و اياكم محبته و ولايته و شفاعته – لذلك كما محضوه الولاء و المحبة، محضهم  الشوق والألم عندما فارقوه، أمير المؤمنين عليه السلام ينقلون عنه بكاءه هذا و هذا، ترى من النوادر، بكاء أمير المؤمنين عليه السلام منقول في حق فاطمة الزهراء عليها السلام، لكن بكى أصحابه لما خلصت حرب صفين و راح فيها عمار، ذو الشهادتين خزيمة و ابن التيهان الهيثم و آخرون و كان قد سبقهم قبل ذلك أشخاص مثل أبو ذر الغفاري توفي في الربذة قبل ولاية الإمام  المؤمنين عليه السلام، و سلمان المحمدي و حذيفة بن اليمان كل هؤولاء لم يشهدوا حروب أمير المؤمنين عليه السلام توفوا قبل ذلك لكن الذين بقوا  هجموا على الموت هجمة بطولية فلما استشهدوا نعاهم أمير المؤمنين عليه السلام، حيث رجع من صفين و خطب خطبة مؤثرة بعد أن ذكر الجهاد و أنه باب من أبواب الجنة، قالوا ثم قال:{ أوه على إخواني الذين قتلوا معنا في صفين، أين بن التيهان و أين ذو الشهادتين و أين عمار؟؟؟} و أين نظراؤهم من الذين عاهدوا امامهم على المنية و أبرد برؤوسهم إلى الفجرة -اخذت بعض رؤوس هؤولاء الذين استشهدوا مع أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين إلى جيش الشام و إلى معاوية – ثم قالوا ثم بكى فأطال البكاء صلوات الله وسلامه عليه و كأنه يقول: {ألا يا أيها الموت الذي لست تاركي ارحني فقد أفنيت كل خليلي، أراك بصيرا بالذين أحبهم  كأنك تنحو نحوهم بدليل}، يستحق هؤولاء بكاء الإمام عليه السلام  و دمع الإمام عليه السلام، هذا مع أنه لم يكن بينه و بينهم نسب فكيف إذا وقف إمام على عضيده الأيمن  و على حامل رايته و قد رآه مقطوع  اليدين مفضوخ الرأس  مصابا بسهم في عينه و قد وقف  على مصرعه  كيف يكون حاله؟ اذا كان ذلك الغريب ليس بينهما نسي لكن بينهما رابطة المبدأ هكذا فكيف اذا كان أخ الحسين أبا الفضل العباس و من كان حاملا الراية  و ساقي العطاشى و عمود الخيام...



مرات العرض: 3414
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 54884.31 KB
تشغيل:

فضائل الامام علي في سنة النبي  20
28 واجبنا تجاه السنة النبوية