الخط الأموي في الحديث والرجال 24
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 30/9/1442 هـ
تعريف:

24/ الخط الأموي في الرجال والحديث

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

   قال الله العظيم في كتابه الكريم : ( قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسنًا إن الله غفورٌ شكورٌ )

   حديثنا يتناول موضوع الاتجاه الأموي في الحديث والرجال وأثره على ابتعاد الأمة عن العترة .

   يؤسس القرآن الكريم العلاقة بين الأمة وبين القرابة والعترة على أساس المودة ويهتبر ذلك كأنه أجرةٌ لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالرغم من أن الفائدة فيه إنما هي راجعةٌ للأمة ( ما أسألكم من أجرٍ فهو لكم ) لأنه عندما تنتظم العلاقة بين الأمة وبين العترة والقرابة في مسارٍ إيجابيٍ ووديٍ فإن الأمة سوف تستقبل من العترة الأوامر والنواهي والهداية . نظرًا لأن الإنسان إذا كان بينه وبين طرفٍ آخر علاقةٌ مقبولة من الممكن أن يستقبل كلامه ، أما لو كان هناك علاقة متشنجة بين طرفين فيصعب أن يتلقى أحدهما من الآخر الأوامر والنواهي والأحكام . وبناءً على هذا يمكن القول أن المواقف من قبل الأمة فيما يرتبط بتأسيس هذه العلاقة صارت على أقسام .

   القسم الأول : ما عليه الشيعة الإمامية وهم يعتقدون بعترة النبي محبةً وولاءً وطاعةً واتباعًا ويرونهم خلفاء رسول الله ويلتزمون بكلامهم كما يلتزمون بكلام رسول الله (ص) وهذه المودة في أرقى درجاتها فهي ليست فقط موقفًا قلبيًا وليست فقط إظهار على الجوارح بالقول والفعل وإنما بالاعتقاد بالإمامة وبالاتباع والطاعة .

   القسم الثاني : وهو دون ذلك هو ما عليه أكثرية الأمة من غير الإمامية وهم من يمتلكون موقفًا نفسيًا هو المحبة لأهل البيت عليهم السلام وعترة النبي فيودونهم ويحبونهم ويتعاطفون معهم تارةً لصلاحهم في أنفسهم وأخرى لقرابتهم من رسول الله ، ويعتقد أن هذا الاتجاه هو اتجاه أكثرية الأمة ، لكنهم لا يلتزمون بالاعتقاد بإمامة العترة أو بوجوب طاعتهم باعتبارها مفترضة من قبل الله عز وجل .

   القسم الثالث : هو ما سنطلق عليه الاتجاه الأموي وسنشير إلى لماذا اخترنا هذه التسمية مع أنه لا يزال مستمرًا بينما الأمويون كأسرةٍ وكدولة قد انتهوا من زمن بعيد . وهذا الاتجاه لا يرى للعترة منزلةٌ خاصة ولا يعتقد بإمامتها بل يكن لها موقفًا سلبيًا بدرجاتٍ مختلفة وأسوؤها وأعلاها مايسمى في التاريخ بالنصب يعني إظهار شتم ولعن العترة وفي طليعتها أمير المؤمنين عليه السلام ومعاداته بشكل واضح وصريح وهذا موجود في التاريخ فهو أقصاها وأعلاها سوءً ثم تنحدر درجات من ذلك : فدرجة تتنكر للفضائل فتعتبر حالهم حال غيرهم بل ربما يقلون عن بعض الصحابة في المنزلة وبالذات بالنسبة لأمير المؤمنين فضلًا عن سائر الأئمة المعصومين عليهم السلام . فموقف هذا الاتجاه موقفٌ سلبيٌ على درجات تبدأ من الأسوأ وهي درجة النصب وتنزل في هذه الدرجات وهذا ما سنطلق عليه الاتجاه الأموي مع أنه وجد بشكلٍ واضح وصريح أيام العباسيين وما بعد العباسيين أيام الأتراك والسلاجقة والأيوبيين ومن بعدهم بل إلى أزمتنا المعاصرة هذه . نسميه بهذه التسمية باعتبار أن الذي أسسه هم الأمويون وذلك عندما أصدر معاوية مرسومًا بأن برئت الذمة ممن روى شيئًا من مناقب علي بن أبي طالب واستمر هذا النهج .

    وبالطبع قسم من هؤلاء لا يستعيبون أن ينسبوا إلى الإتجاه الأموي فهذه بالنسبة لهم لا تعد مثلبةً ولا مسبةً فإن بعضهم كتبوا كتبًا في تبرئة الأمويين وفي فضائل حتى مثل يزيد بن معاوية ، فلا يرى في ذلك عيب ولا عار .

   هذه تقسيمات ثلاثة ، وهذا الاتجاه الأموي للأسف كان له الأثر في إبعاد الأمة عن العترة يعني فيما كان الإمامية يحاولون قدر الإمكان إقناع عامة الأمة والذين هم النقطة المتوسطة والذين لديهم محبة ولو نفسية لآل البيت كان الإمامية يحاولون إقناع الأمة قدر الإمكان بلزوم اتباع أهل البيت عليهم السلام وأن يحولوا الموقف النفسي إلى موقفٍ اعتقاديٍ وعمليٍ وفقهيٍ قانوني . فكان الإمامية يشتغلون على هذا الأساس طيلة فتراتهم السابقة والحاضرة ، وفي الطرف المقابل تمامًا كان الاتجاه الأموي بالعكس تمامًا فكان يسحب الأمة بعيدًا عن العترة وخصوصًا عن سيد العترة علي بن أبي طالب عليه السلام .

    لهؤلاء طرق متعددة في مثل هذا الأمر في إبعاد الأمة عن العترة وفي تعظيم الفاصلة بين الأمة وبين العترة .

   أول ما صنع هذا الاتجاه : كرس مفهومًا أن الذي يثني ويمدح وينقل فضائل أهل البيت وذكر علي بن أبي طالب هذا شيعيٌ بل رافضيٌ وإذا كان كذلك فإنه تترتب عليه آثار متعددة ، هذا صنعه قسمٌ من رجال الحديث ، وكانت البدايات من قبل الأمويين أن من روى شيئًا من مناقب علي بن أبي طالب فقد برئت الذمة منه يعني أن كل حقوقه المدنية ستسقط على أثر ذلك وهؤلاء في فترات طويلة كانت يده الطولى في الحكم والسياسة من زمان الأمويين سنة 40هـ إلى نهاية دولتهم سنة 132هـ واستثني منها أربع سنوات فقط وهي أيام عمر بن عبد العزيز الذي رفع اللعن والشتم أما باقي الفترة فهي في هذا الإطار شدةً وخفةً فمرةً يصير مثل خالد بن عبدالله القسري والحجاج الثقفي والخلفاء مثل هشام بن عبد الملك وغيره وهؤلاء لسان حالهم كما قال خالد القسري أثناء ولايته فقد طلب من محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أن يكتب له شيئًا من سيرة رسول الله فأراد أن يكتب فقال له : قد يمر بي ذكر علي بن أبي طالب فماذا أصنع أفترى أن أذكره ؟ قال : لا إلا أن تذكره غي قعر الجحيم أما مقام بطولة ومنقبة وفضيلة فلا . ونفس الكلام أيضًا بالنسبة للحجاج الثقفي الذي كان يقتل على أساس أن هذا من أولياء علي بن أبي طالب وأنه ينقل أخباره وقضاياه .

   فهذا المستوى استمر إلى زمان العباسيين وبداية عهدهم أثناء حكم أبو العباس السفاح توقف قليلًا فما كانت لديه مبررات ليستمر في عداء علي وأهل بيته لا سيما وأن العباسيين جاءوا لإسقاط بني أمية الذين هم أعداء أهل البيت فبقيت الفترة التي قضاها أبو العباس السفاح عدة سنوات لكن ما إن جاء أبو جعفر المنصور إلا وبدأ نفس المشوار في صورة أسوأ في بعض الحالات مما كانت في زمان بني أمية . فقد أرسل المنصور العباسي رسائل إلى بني الحسن فيها من الشناعة ومن الفحش والشتائم والعيب على أمير المؤمنين عليه السلام وعلى الحسن المجتبى ما لم يفعله أي واحدٍ من الأمويين في كلامه وكان بينه وبين آل الحسن مشاكل وثورات فأخرج جميع أحقاده في الحسن وفي عليٍ عليه السلام وأرسل إليهم رسائل في غاية الدناءة . هذا ما كان من المنصور والذي قطع أي ارتباط بالأسرة النبوية فحسب التعبير إذا كان بيننا وبينكم علاقة مع بني هاشم على أساس أن جدهم عبدالله بن عباس تلميذ علي بن أبي طالب فنحن نقطع هذا الإصبع فلا نريد ابن عباس ولا نريد فقهه ولا نريد حديثه مادام يتصل بعلي بن أبي طالب ، فأعطنا يا مالك كتاب الموطأ والذي سيصبح الفقه الرسمي للدولة العباسية ، فابن عباس والذي هو حبر الأمة لأنه كان متصلًا بعلي وبني هاشم وكان في ركابهم قطعوا ارتباطهم به عضويا المنصور ومن جاء بعده . وهكذا بالنسبة لهارون ، نعم كانت هناك فترة ضيقة وهي فترة المأمون ومحمد الأمين . فالمأمون بما كان عنده من معرفة وعلم ما كان يعتقد اعتقاد ديني وإنما كان عنده معرفة نظرية بأن عليًا هو أفضل من كل من سبقه ولحقه ومحمد الأمين لم يصدر عنه شيءٌ واضحٌ معادٍ للعترة . وأما سائر الأوقات لا سيما عندما جاء المتوكل العباسي فقد وصفت مصادر مدرسة الخلفاء فضلًا عن غيرها وصفت المتوكل بأنه كان ينصب العداء لعلي بن أبي طالب أي أنه كان في أسوأ الدركات من العلاقة المتشنجة بالعترة الطاهرة .

    هذا الوضع السياسي جاء في ضمنه أجهزة دينية فجاء محدثٌ وجاء رجاليٌ وجاء قصاصٌ وجاء خطيب جمعةٍ وجاء عالمٌ ومفتٍ ضمن هذا الجو وهذا الإطار فكان أن انتجت إنتاجات : كتب وأحاديث وروايات وبعض الصحاح ألفت ضمن هذا الجو وفي هذا البحر فمن الطبيعي أن هذا المؤلف إنما يراعي وضع الحاكم وتوجهاته ، فإذا كان الحاكم ينصب العداء لعليٍ فهل يعقل أن يأتي صاحب الكتاب بفضائل الإمام علي وحديث الطير المشوي والحق مع عليٍ وعليٌ مع الحق وحديث الغدير ؟ ! فضلًا عن أن بعض هؤلاء هم عقائدهم ضمن الاتجاه الأموي . فصار هذا الاتجاه محميًا من قبل الدولة والحكومة والخلافة وأنتج إنتاجات متعددة      وترافق هذا مع شيء آخر في زمان تأليف الكتب أنه صارت قضية التشيع تعتبر تهمة وتعتبر مثلبة ونقطة نقص في المحدث ، فإذا اتهم أحدٌ بأنه شيعيٌ اجتنب حديثه ولا يؤخذ عنه وطبيعي أن أي محدث لن يضيع نفسه ويجعل الطلاب ينفرون عن الأخذ منه لاتهامه بالتشيع لا سيما وأن قسم منهم ليسوا شيعة فيقول لماذا أحدث بفضائل علي عليه السلام وأتهم بهذا الإتهام فلا يؤخذ مني فضلًا عن العقوبات التي تصيبهم كما حصل للنسائي عندما ضرب في بلاد الشام وقضى نحبه على أثر ذلك والجهضمي وغيرهما كثير من الحوادث .

    فإذا كان الشيعي الحقيق لا ينقل عنه كما ذكرنا من أن الذهبي يقول الرافضة اجتنبوا في الحديث عنهم لأنهم يلزمون التقية وبالتالي لا يكونون صادقين . أما غير الشيعي وإن كان عنده ميل لأهل البيت كان يكتم ذلك حتى لا يضرب ولا يلغى حديثه بالكامل . 

   والأمر الآخر أن أتباع هذا الاتجاه الأموي فرضوا حصارًا شديدًا على قضية المناقب والفضائل لا سيما منها تلك التي ترتبط بالعقائد الدينية ، فتوجد بعض الأحاديث مرتبطة بقضية التفضيل : تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام على سائر الصحابة وهذه مرتبطة بعقيدة دينية لأن في مدرسة الخلفاء  صحة الخلافة قائمة على أساس أفضلية الخلفاء والأفضلية قائمة على أساس ترتيب الخلافة ، فإذا جاء حديث يقول أن ( عليٌ خير البشر ) ورواه بعض الصحابة فهذا يهدم ركن من أركان المدرسة الأخرى فكيف تنقله ؟

  فإذا جئنا لحديث الوصية وقيام الإمام علي مقام رسول الله بعد وفاته فإذا ينقل هذا يعني أن هناك وصيةً من رسول الله مبكرة وإشارة إلى الوصي ، كما في بدايات البعثة حين قال رسول الله ( من يؤازرني على أن يكون أخي ووارثي ووصيي من بعدي ) فإذا صار هذا الحديث ثابتًا ونقلناه في كتبنا فهذا يعني أننا سلمنا بما يقوله الإمامية بأن هناك وصية لعلي بن أبي طالب ! وأمثال ذلك كحديث الغدير وغيره .

    فماذا صنع هذا الاتجاه ؟ 

عدة أمور نوجز قسم منها : 

أول ما قاموا به : التعتيم على المناقب والفضائل .

مثل ما قال هناك برئت الذمة ممن روى شيئًا من مناقب علي بن أبي طالب . ظل هذا الأمر مستمرًا حتى لو لم يكن بشكل رسمي ولكنه عندما يأتي ويصنف ويدون يغفل ويهمل فضائل ومناقب العترة . ومن العجيب أنه بالرغم من ذلك حتى لا تضيع الحجج ولولا هذا لكان مشكلًا فكان من الطبيعي أن تندثر كل هذه المناقب والفضائل ولو كان هذا لما كانت لله حجة على الناس . فكان من لطف الله عز وجل أن بقيت هذه الأحاديث وهذه الروايات بالرغم من حجم العمل الكبير والضخم الذي تم لأجل دفنها طمرها وإخفائها لكن الله أراد أن تبقى حججه ظاهرةً قائمةً موجودةً للناس فإذا أراد أحد أن يبحث في روايات المناقب والفضائل التي ترتبط بالعقائد يجد الكثير وهذا من العجيب أن دولًا وليست دوله ظلت تعمل لمئات السنين بكل أجهزتها من أجل إخفاء هذه الأمور ومع ذلك تبقى ظاهرة . وقسم من هذه الروايات فعلًا انطمر ولكن المقدار الذي يكفي لإقامة الحجة للإنسان الباحث عن الحقيقة هذا موجود . 

   فأولًا إخفاء المناقب والفضائل بقدر الإمكان ،  وإذا ما أخفيت تغييرها وتقطيعها فمثلًا في بعض الكتب كما في كتاب البداية والنهاية لابن كثير وغيره حين يمر على الإنذار يوم الدار يقول قال رسول الله مخاطبا بني هاشم : أيكم يؤازرني في هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا كذا .... ماذا تعني وكذا وكذا ؟ هل قالها النبي ؟ أم أن الصفحة ضاقت عن هذه العبارات الثلاث ؟ لا .. فالرجل يعرف وهو ذكي فيعرف أنه إذا ثبتها ( على أن يكون أخي ووارثي ووصيي من بعدي ) هذه تعني وصاية مبكرة قبل لا يبدأ أي شيء . فعمره إحدى عشرة سنة ومع ذلك تم الإعلان عن وصايته . فمن يقول فيما بعد أن النبي لم يوصَ تقول له هذه وصية . وأمثال ذلك ففي روايةٍ أخرى جاء ومعه رجل ! من هذا الرجل ؟ مجهول ؟ 

لا بل معروف وواضح لكن إثبات اسمه هنا سينفع من يستفيد منه في باب العقائد وعلى هذا المعدل . فتارةً إخفاء بالكامل وتارةً إخفاء الأسماء وتقطيع الأحاديث .


الأمر الثاني : على فرض أن الروايات وصلت إلى الناس ماذا نصنع ؟ نقول أن هذه الروايات ضعيفة وأسانيدها متهالكة لم يروها أحد من أهل العلم وهذا ما نجده في كتاب منهاج السنة إذ ترى ما الذي صنع فقد أتى بالعجب العجاب . أحد علمائنا السيد الميلاني حفظه الله من فقهاء قم المقدسة وهو متخصص في العلوم العقائدية عنده كتاب اسمه ( محاضرات في الاعتقادات ) وهو متتبع جيد في هذه الأمور نورد بعض ما ذكره يقول في قول الله تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) هذه الآية مما يستدل بها الشيعة على الإمامة لكن صاحب منهاج السنة قال : وقد وضع بعض الكذابين حديثًا مفترى أن هذه الأية نزلت في عليٍ لما تصدق بخاتمه في الصلاة وهذا كذبٌ بإجماع أهل العلم بالنقل . والسيد الميلاني في كتابه أجابه بأن أورد حوالي عشرين مصدر حديثي من مصادر مدرسة الخلفاء ومثلها تقريبًا مصدر تفسيري من مصادر مدرسة الخلفاء تشير إلى أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب وتأتي أنت لتقول بإجماع أهل العلم !! 

   فأورد له من كتب الحديث ماذكره الطبراني وهو من أئمة الحديث عند المدرسة الأخرى وله ثلاثة مجاميع مهمة : المعجم الكبير والمعجم الأوسط والمعجم الصغير والهيثمي كذلك والمتقي الهندي صاحب كنز العمال والمحب الطبري وابن الجوزي الذي كان في زمانه من أعيان عصره في الأحاديث وغيره كالخطيب البغدادي وأمثاله وسرد عشرين مصدرمن الكتب التي تنقل الأحاديث ..

    ثم انتقل إلى كتب التفسير : تفسير الفخر الرازي والقرطبي هؤلاء من أعاظم مفسري مدرسة الخلفاء فهي متقنة وقوية ومفصلة وتعد في الدرجة الأولى من تفسير مدرسة الخلفاء هؤلاء ذكروا فيمن نزلت الآية . والنسفي والبغوي والبيضاوي والشوكاني وأبي السعود العمادي والآلوسي الحنفي ووو إلى غير هؤلاء . فيأتي مثل ههذا لا سيما في الروايات التي فيها إثبات عقائدي فربما لا يهمه رواية تقول أن عليًا يصلي كذا ركعة لأنه ليس فيها إثبات عقائدي لكن الموضوع الذي فيه إثبات عقائدي يصاب أصحاب هذا الاتجاه بالحمى منه .

   روايةً أخرى (علي مع الحق والحق مع علي ) فيقول عنه هذا من أعظم الكلام كذبًا وجهلًا فإن هذا الحديث لم يروه أحدٌ عن النبي لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف .

  بنفس الطريقة السيد الميلاني قال : من رواة هذا الحديث من الصحابة أولًا علي بن أبي طالب فقد أخرج عنه الترمذي في صحيحه السنن وإن كانوا لا يعدونه مثل البخاري ومسلم لكن بعضهم يقول إنه يعد في الصحيح بل ربما فضل بعضهم الترمذي في حفظه وحدقه على مسلم ونقلنا هذا سابقًا . فبالنسبة للترمذي أقل ما تقول هذا حديث غير معتبر وأنت تقول لا بإسناد صحيح ولا ضعيف . فهذا إسناد ضعيف على رأيك وعلى رأي غيرك إسناد صحيح كيف تنفي شيئًا من هذا القبيل ؟ وذكره الحاكم النيشابوري في المستدرك . فكيف تقول بهذا الجزم كذب وجهل ولم يروه أحدٌ من الصحابة . فهذا من طريقة هذا الاتجاه الأموي فيحاول قطع الرواية أولًا حتى لا تصل وإذا وصلت قيل أنها لا سند لها أصلًا أو أن سندها ضعيف أو متهالك أما إذا رواها الشيعي فيقولون هذا شيعيٌ محترق وهذا التعبير موجود عندهم . 

   وروته أيضًا سيدتنا أم سلمة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد أخرج عنها الحديث الطبراني والخطيب البغدادي وابن عساكر فكيف لم يروه أحد ؟ 

  وهكذا فينقل أن سعد بن أبي وقاص أيضًا ذكر هذا الحديث وأخرج عنه الحديث البزاز وغيره وقال إن رجاله رجال الصحيح إلى آخر كلامه . وأبو سعيد الخدري أيضًا أخرج هذا الحديث .فصار عندنا أربعة من الصحابة بهذه السرعة ، فكيف لم يروه أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ؟؟!! وهذه طريقة هذا الاتجاه ينتهي لهذه الطريقة : حديثٌ ضعيف ، حديثٌ باطل ، حديث غير صحيح .... لكن من الجيد أن هؤلاء المحققين جردوا أنفسهم للكتابة وبشكل علمي حتى يلزموا ذلك الطرف من مصادر مدرسته التي يعتقد بها . 

   المرحلة الثالثة : يؤول الحديث ويخرجه عن معناه فالإخراج مفضوح في كثير من الأحيان ، مثلًا الحديث الذي نقله جابر ين عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( عليٌ خير البشر ، من أبى فقد كفر ) فجابر وحذيفة نقل عنهما هذا الحديث وكلاهما من أصحاب رسول الله الخلص لأمير المؤمنين وعملوا بمقتضى هذا الحديث . فماذا يصنعون مع هذا الحديث ؟  قالوا هذا المعنى : جاء في كتاب خيثمة بن سليمان الطرابلسي ، وهذا محرج فإذا كان خير البشر كيف يتقدم عليه ؟ وكيف يفضل عليه غيره وماذا ستفعل مع موضوع الخلافة ؟ طبعًا من أبى فقد كفر يعني من وصله هذا الحديث عن رسول الله ومع ذلك رفض كلام رسول الله فمن الطبيعي سيكون هذا مثل قضية ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم ) فيرى أو يسمع من رسول الله أو يصل إليه بنحوٍ معتبر أن النبي يقول هكذا وهو يرفض كلام رسول الله . في بادئ الأمر قال قسمٌ منهم أن هذا حديثٌ منكر ، لكنهم وجدوا أن متنه ثقيل . قالوا إن رجاله ضعاف لكنه وجدوا قسم من رجاله ليسوا كذلك في بعض الأسانيد . قالوا كما فعل البلاذري في أنساب الأشراف قال (عليٌ من خير البشر ) فهو أحد الناس الطيبين الخيرين مثلك ومثل غيرك فيوجد في البشر الأخيار والأشرار وعلي بن أبي طالب من الأخيار لا أنه خير البشر .... وهكذا يكون التزوير إما بإثبات هذه الكلمة وإما بتأويل الحديث بهذا النحو الفج  . وهذا مثل أن تقول أن عليًا يصلي ، والنبي لا يتصدى لبيان مثل هذه الأمور الواضحة والبينة عند الناس . فقال أحدهم وهو أبو الديلمي وهو أشطر منه في التأويل قال : هذا الحديث صحيح والمعنى صحيح ولكن بعد الصديق والفاروق 

   فيصير أمر التأويل والتأويل غريب في ذلك الاتجاه كثير مع أنه على خلاف مع مسلكهم من أنهم يرفضون التأويل عادةً لكن في هذا المواقع التأويل لا بأس به . وقد ذكرنا من قبل حول تأويلهم لما نقل عن النسائي من فضيلةٍ لمعاوية أنه ( لا أشبع الله له بطنًا ) قالوا هذه فضيلة ومنقبة لأنه يوم القيامة سيصبح شبعان وإلخ ..

وماذا ستقول في حديث مروان بن الحكم ؟ فينقل حديث عن عائشة زوجة النبي (ص) حيث قالت ( لقد لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك وإنما أنت فضضٌ من لعنة رسول الله ) وحتى في كتب اللغة كلمة فضض تشير إلى هذا الحديث . هذا ماذا ستصنع به ؟ جاء أحدهم وقال : هذا أيضًا مدح لمروان . كيف يكون مدحًا ؟ قال لأن النبي في مكان آخر قال : إنما أنا بشر فأيما رجلٌ شتمته أو لعنته فاجعل له ذلك صدقةً وأجرًا .. فالنبي يقول عن نفسه أنه تغلبني أعصابي فألعن هذا وأشتم ذاك وووو وأفعل هذه الأمور فإذا صدر مني هذا الشيء لأحد وما كان مستحقًا للعن فاجعلها اللهم صدقةً له . فهذا معناه أن النبي يريد أن يعطي لمروان فضائل وصدقات عظيمة وأجر كبير لأنه كلما كان هذا اللعن باقي هو يحصل على حسنات بدعوة رسول الله .

هكذا يكون التأويل والتزوير بأحاديث رسول الله 

   كل هذا من أجل شيء واحد وهو تدعيم ذلك الخط وإبعاد وإفقاد الأمة الخط الأصيل والصحيح الذي نادى به القرآن ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسنًا ) من يتوجه لهم بمحبة يستحسن منه ذلك ويزاد في الحسنات ويبصر طريقه فإذا صارت الأمة هكذا تهتدي وأما إذا بقيت ضمن إطار ودائرة التعتيم الإعلامي تنفصل عن الأمة .

   وللأسف أن الأمة تأثرت تأثرًا غير قليل بهذا الاتجاه وإلى اليوم الأمة لا تزال تقرأ كتب مبنية على هذا الأساس . نعم بقي فيها ما يمكن الاحتجاج به لمن أراد أن يحتج والاهتداء به لمن أراد أن يهتدي هذا موجود . لكننا نتمنى لو كان الطريق لاحبًا واضحًا وواسعًا لجميع الناس وياليت هذه الكتب لم تكتب على أساس ما كان يريده الاتجاه الأموي . هذا الاتجاه الذي يجعل واحدًا من الناس في وقتٍ مبكر عندما يرى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يسبه ويشتمه ويتشمت به لا غرابة في هذا الفعل لأن أميرهم وهو ابن زياد كان يفعل هكذا وقد قال لزينب : الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب أحدوثتكم . فإذا كان هذا اللسان الرسمي للدولة فماذا سيكون حال عامة الناس ؟ يأتي هذا الرجل

مرات العرض: 3401
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 56777.71 KB
تشغيل:

ملاحظات على الصحاح من داخل مدرسة الخلفاء 22
ما قصة الاسرائيليات في الحديث 25