ملاحظات على الصحاح من داخل مدرسة الخلفاء 22
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/9/1442 هـ
تعريف:

22/ ملاحظات على الصحاح من داخل مدرسة الخلفاء  

كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال

روي عن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين سلام اله عليه، أنه قال: "اعقلوا الخبر عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير، ورعاة العلم قليل"، صدق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات وسلامه عليه 

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول بعض الملاحظات التي اختارها أعلام من مدرسة الخلفاء فيما يرتبط في الصحاح والمصادر الحديثية الكبرى عند مدرسة الخلفاء. وهذا الحديث يأتي في سياق موضوع سنة النبي (ص)، حيث عرضنا قبل ليالي أمير المؤمنين إلى الحديث عن الكتب الستة، المعتمدة في مدرسة الخلفاء، وخصوصا ذكرنا الصحيحين: صحيح مسلم، وصحيح البخاري. 

الصحيحان في مدرسة الخلفاء، تم إعظام منزلتهما بأقوال العلماء المتأخرين، عن مؤلفي الصحيحين. فادعي مثلا الإجماع على صحة ما ورد فيهما من الأحاديث. أن إجماع الأمو قائم على صحة ما ورد من الروايات في الصحيحين. وهذا الارتقاء بمنزلة الكتابين يجعل مناقشة هذين الكتابين، أو رد بعض أحاديثهما أمرا غير مقبول. بل ربما قال بعض آخر أنه: مثل صحيح البخاري، أصدق كتاب بعد كتاب الله عز وجل. وقال آخر: أنه أعظم الكتب فائدة بعد القرآن الكريم. يعني لا موسوعات ولا غير ذلك تدانيه. وأمثال ذلك من الكلمات التي تشير إلى حالة من الإجماع بل الدعوة الصريحة للإجماع، كما نقل مثلا عن إمام الحرمين، الجويني، المتوفى سنة: 478 هجرية، قال، يعني بعد تأليف البخاري بحوالي 200 سنة، قال هذه الجملة: "لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته، هو من قول النبي، لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته؛ لإجماع المسلمين على صحتهما". 

أكو مسألة فقهية عند مدرسة الخلفاء وهي: إلقاء الطلاق أو يمين الطلاق، بأن يقول مثلا: علي الطلاق إن لم يكن الأمر الفلاني كذا وكذا، فإذا طلع ذاك، الشيء اللي عُلِّق عليه، مخالف لكلامه، فزوجته تكون طالقا، من دون حاجة إلى إجراء الصيغة. عند الإمامية، هذا الطلاق باطل، ولا يقع، وإلقاء يمين الطلاق بهذا النحو، سواء كان غير معلق بشيء، كأن يقول: علي الطلاق هكذا، أو: علي الطلاق إن كان الأمر الكذائي هكذا، كلاهما عند الإمامية لا يقع. وإنما لا بد من إجراء الصيغة مع وجود الشهود العدول، مع سائر الشروط من كونها طاهر، ولم يُدخل بها في ذلك الطهر، وهكذا. هذه المسألة الفقهية ما علينا منها الآن. 

المسألة الأخرى، يقول: لو أن واحد إجا وأقسم، وحلف بأن كل ما حكم به الشيخان في صحيحيهما هو من قول رسول الله، طيب، هذا النبي قاله واقعا، هذه دعوى صحيحة وتامة ولا يمكن أن تكون خاطئة، ومعنى ذلك: أنه كلما حكم الصحيحان بصحته عن رسول الله، هذا هو قول رسول الله واقعا، في الواقع النبي قال هذا الكلام. ليش؟ ما هو الدليل على ذلك؟ قال: "لإجماع المسلمين على صحتهما". أن المسلمين جميعا يقولون: بأن الكتابين صحيحان، فإذا كانا صحيحين، يعني النبي قال هذا الكلام، واقعا تلفظ بهذا الحديث، وذاك الحديث، وذاك الحديث، التي نقلت في الكتابين. هذا الشيء الأول. طبيعي لما يصير إجماع، إجماع الأمة كلها على ذلك، لا مجال لأن يؤخذ بقول القائل: بأن فيها أحاديث ضعيفة، يقول لك: إجماع الأمة! كلها أجمعت، هذا واحد. فعظمت منزلة الصحيحين – خصوصا، مع أن الكتب ستة، لكن الصحيحين على وجه الخصوص بهذا: دعوة لإجماع بأنهما صحيحان وأن ما فيهما هما قول رسول الله. 

الثاني من الأمور، مما عظم منزلة الكتابين، أنه ربط بينهما وبين سنة رسول الله، فالذي يقبل هذين الصحيحين وما فيهما من اللروايات، والذي ينكر هذين الكتابين أو بعضهما، فإنه ينكر سنة رسول الله، ومن الطبيعي، أن من ينكر سنة رسول الله أمر مشكل جدا. ولذلك عادة يشهرون أمامه مثل هذه الآيات: كيف أنت تقول بأن هذا الحديث ضعيف، أو غير صحيح، والحال: أن هذه سنة رسول الله، والذي يخالفها يخالف القرآن، لأن القرآن يقول: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). وأمثال ذلك، مما ورد في القرآن الكريم، وتعرضنا له في بداية أحاديثنا حول سنة النبي. 

تحول الكتابان إلى أنهما هما السنة، هما سنة رسول الله، فإذا واحد يرد منه شيء، كأن يرد سنة رسول الله، يخالف النبي، يشاقق الرسول، لا يطيعه، يعصيه، لا يأخذ بكلامه! سيتبين بعد قليل: أن هناك فرقا بين السنة الواقعية وبين السنة المنقولة بخبر الواحد. لكن كهذه كمقدمة: كيف تم تعظيم كتابي الصحيحين في مدرسة الخلفاء؛ لنرى كلا المسألتين: هل تصحان أم لا تصحان. 

بالنسبة للأمر الأول، والمسألة الأولى: وهي دعوى: إجماع الأمة على أن هذين الكتابين ما جاء فيهما هو صحيح، كل ما جاء فيهما هو صحيح. هذه الدعوى، بالنظر إلى بعض الملاحظات، سوف نرى أنها دعوى جزافية غير علمية. نجي أولا: أجمعت الأمة على صحتهما. من هي الأمة؟ سوف نجد أن الشيعة بمختلف طوائفهم – الزيدية – اللي يعتقد مدرسة الخلفاء أنهم أقرب إليهم، أقرب الفرق الشيعية إليهم، يقولون: الزيدية. هي من الأمة أو لا. لا ترى الزيدية أن صحيحي البخاري ومسلم بكاملهما أحاديثهما صحيحة. يقولون: نحن نلاحظ فيها بعض الأسانيد غير تامة، بعض المتون غير مقبولة، وبالتالي هذه الدعوى بالنسبة إلى الزيدية غير تامة، بالنسبة إلى الإمامية: الأمر واضح، أنهم ينكرون أن يكون الصحيحان صحيحين 100%. بالنسبة إلى الإسماعيلية مثلا إذا كانوا من فرق الشيعة، أيضا نفس الكلام، تحدثنا نحن عن الإسماعيلية، أثناء حديثنا عن الطوائف والمذاهب، هم أيضا يؤمنون بأئمة الشيعة إلى زمان الإمام الصادق ثم يأخذون مسار إسماعيل بن جعفر، هؤلاء أيضا لا يرون الصحيحين صحيحان. 

في غير الدوائر الشيعية، الخوارج، الفئات الباقية منهم، الأباضية، وهم موجودون في عمان، موجودون في الجزائر، في بلاد المغرب العربي، قسم من القائل الأمازيغية هم أباضية، تحدثنا أيضا عنهم في سلسلة تاريخ المذاهب، هؤلاء لا يرون الكتاب، بكامله وتمامه، صحيحا 100%. نفس مدرسة الخلفاء، الفئة التي تنحو منحى الاعتزال، الآن موجود في العالم الإسلامي، غالبا أشاعرة وأهل الحديث، وأيضا تحدثنا عنهم في سلسلة المذاهب، بس هناك فئة، رأيها رأي المعتزلة، هؤلاء لا يصححون كل ما ورد في البخاري ويناقشون أحاديثه لا سيما فيما يرتبط فيها بالعقائد وما يخالفه بظاهره الأحكام العقلية

زين، تجي تشوف الشيعة بفرقها المختلفة، الأباضية من الخوارج وهم الباقون، المعتزلة، من داخل المدرسة، مدرسة الخلفاء، هؤلاء كلهم لا يرون هذه الدعوى صحيحة، فأين إذًا الإجماع، هذولا إذا كانوا يمثلون – لنفترض – 25% من الأمة، 20% من الأمة، كيف تقول أن الأمة قد أجمعت على ذلك! إلا إذا تعتبر هؤلاء خارج الأمة الإسلامية، بحث آخر. 

تعال، في داخل مدرسة الخلفاء، هذه الدعوى أيضا غير تامة. لماذا؟ لأنه منذ تأليف الصحيحين إلى أيامنا قد انتقد أحاديثه كثير من العلماء، ومن أئمة الحديث الكبار، في تلك الأزمنة، وفي أزمنتنا المعاصرة. قد لا نجد أحدا يقول: كل الصحيحين غير تام، ولكن بعضهم ينتقد عدد من الرواة، يضعِّف عدد من الرواة، عشرات من الرواة يضعِّفهم، الروايات قريب 200 رواية كما سيأتي بعد قليل، ضعَّفها وأعلَّها الدارقطني. 

الدارقطني: واحد من أئمة الحديث وأعلامهم، توفي سنة 356 هجرية، يعني بعد البخاري بقرن من الزمان، محدِّث بارز ومشهور عندهم، هذا عنده كتاب، اسمه: الإلزامات والتتبع، أورد فيه، أولا في الإلزامات، قال: البخاري ومسلم عندهم هذا السند الفلاني، عن فلان عن فلان عن فلان، هذا سند صحيح، ولكن أكو أحاديث كثيرة بهذا السند، لم يذكروها في كتابيهما، مع أنها أحاديث مشهورة ومعروفة، لماذا؟ أنت تقول: إذا كان هذا الحديث مستجمع لهالمواصفات فهو صحيح، زين أنا أجيب لك: 20، 30، 40، حديث كلها مستجمعة لهذه الموصافات، وبناء على المقياس اللي أنت خليته، هذا حديث صحيح، هاي أحاديث صحيحة، لماذا لم تضعها في كتابك؟ مو أحاديث شاذة، ولا نادرة ولا مجهولة، أحاديث مشهورة. 

وهذا نفس الشيء سواه الحاكم النيشابوري، في كتابه: المستدرك على الصحيحين. هناك النيشابوري، جاب الأحاديث التي لم يذكرها مسلم والبخاري، وقال، ذيَّلها، كل حديث، لا سيما تلك التي في فضائل آل محمد (ص). هناك يقول: الحديث الكذائي، حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه. زين أنت البخاري، هذا الحديث عندك صحيح، لماذا لم تخرجه في كتابك؟ أنت مسلم، هذا الحديث، بناء على مقياسك صحيح، لماذا لم تخرجه في كتابك؟ ليس حديثا مجهولا ولا ضائعا، وإنما من الأحاديث المشهورة، زين، فهذا الدارقطني، جاء وذكر أن هناك إلزامات، يعني أنا أجي وألزم الصحيحين بأشياء لم يخرِّجاها، والمفروض أنهم يطلعوها؛ لأنها مستوفية للمقاييس. 

تتبع أيضا صار عنده، فأحصى 200 مورد من الأحاديث فيها علل، فيها مشاكل، إما في السند، وإما في المضمون، 90% منها في صحيح البخاري، و10% منها في صحيح مسلم، قال: هذه الأحاديث أحاديث غير تامة، فيها علة، فيها مشكلة، كيف وصف هذا الكتاب بالصحيح، مع أن فيه 90% رواية، لا تقبل هذا الوصف، ووصف ذلك الكتاب بالصحيح، مع أنه فيه 110 روايات لا تقبل هذا الوصف، هذا واحد من أعلام المدرسة، مدرسة الخلفاء، الدارقطني. 

من هؤلاء أبو زرعة الرازي، أبو زرعة الرازي هو في نفس طبقة البخاري وطبقة مسلم من حيث الفترة الزمنية؛ لأنه توفي في نحو 265، 266، هجرية، بعد البخاري بسنوات، وبعد مسلم أيضا بسنوات، وهو من أعلام تلك المدرسة ومحدث كبير عندهم، بل كان يتباحث من هو في رتبة أستاذهم وهو أحمد بن حنبل، وكان أحمد يثني عليه كثيرا، هذا لما جابوا إله صحيح مسلم، هو كان يؤيد البخاري أكثر، جيء له بصحيح مسلم، فقال كطلاما يستفاد منه: التشكيك في نية كتابة هذا الكتاب، أنه بعض الناس ما عندهم البضاعة الكافية ويكتبون أشياء من أجل التشوف للرئاسة والشخصية وحتى يبرزوا بين الناس، وهذا كلام فيه انتقاد مبطن لدوافع تأليف صحيح مسلم. ففتح له كتاب الصحيح، صحيح مسلم، فرأى رواية عن أحد الأشخاص، فقال: أمثل هذا يقال له صحيح؟ مشيرا إلى ذلك الخبر والحديث، لا يرتضي أن ذلك الخبر صحيح، ثم فتح صفحة أخرى ورأى حديثا آخر، فقال: هذا أطم من ذاك. هذا أسوأ، هذا أقل صحة من ذاك، زين، هذا واحد أبو زرعة الرازي، من المتشددين أيضا في موضوع الحديث، ولا ينتمي إلى مدرسة أخرى، هي مدرسة الخلفاء، وقسمها الحديثي المتشدد. يقول عن صحيح مسلم بأن فيه هالمقدار اللي شاف، صفحتين منه، قال: أمثل هذا يقال له صحيح؟! ويقول: هذا أطم من ذاك، هذا معناه أن المقدار اللي شافه من الصفحات رأى فيه أنه هذه الأحاديث ليست صحيحة. وأمثال هؤلاء، البيهقي عنده انتقاد للدعوى أن كل ما جاء في الكتابين صحيح ولا غبار عليه، وغير هؤلاء. السيوطي، الإمام السيوطي، أيضا نفس الكلام، عنده تعليقاته. بل بعضهم يذكر أنه حتى أبا حجر العسقلاني الذي شرح كتاب صحيح البخاري، وكان صدد في الدفاع المستميت عنه في بين تضاعيف شرحه لهذا الكتاب، قد ترى أنه يشير بإشارة لا يستفاد منها أنه يصحح مثل الحديث أو ذاك. هذا بالنسبة إلى القدامى، ومنه: شيخ البخاري: علي بن المَدِينِي، أو المِدْيَنِي، وغير هؤلاء مما ذكروا أسماءهم ويطول المقام لو أردنا أن نتكلم عنهم، بل حتى من المعاصرين، ممن يعرفون بالحديث والخبرة فيه، أيضا ذكروا شيئا من هذا القبيل.

الألباني، الشيخ محمد ناصر الألباني، توفي قبل مدة قريبة من الزمان، من المحدثين المعاصرين، وهو مشهور جدا من العالم الإسلامي، بمعرفته في الحديث، لما وضع بعض الملاحظات، على روايات وردت في البخاري، قامت القيامة، وصار كلام عليه وتهجم، وبعضهم كتب كتابا في مواجهته، فهو رجع كتب كتاب، في مقدمته قال: أن من يقول بأن في صحيح البخاري، لا يوجد فيه أي حديث ضعيف، أو معلول أو ما شابه ذلك، هذا كلام المراهقين في العلم. هذا يحتاج يستوي أكثر، وإلا فالأمر ليس كذلك، ونقل عن أحد الحفاظ الكبار المعاصرين، وهو الحافظ أحمد الصديق الغماري، كان في مصر مدة من الزمان، وهو من أهل العصر، أيضا كان عنده نفس الرأي، والألباني يستشهد به؛ لتـأييد مقالته، وأمثال هؤلاء أيضا كذلك. 

فأولا دعوى أن الأمة أجمعت على أن كل ما في الصحيحين، هو كلام رسول الله، لفظه رسول الله، ما تقدر أنت تناقش أي شيء فيه، ما تقدر تضعف أي شيء فيه، لأنك لو قلت كذلك لكذبت رسول الله، باعتبار أن الأمة قد أجمعت على صحة كل ما جاء في هذين الكتابين، هذا الكلام – تبين – لا واقعية له. فعلى مستوى الأمة: يوجد مخالفون، على مستوى داخل المدرسة، مدرسة الخلفاء، أيضا يوجد مخالفون، وليس ضعافا وصغارا وإنما هم من اعلام أهل الحديث، هاي بالنسبة للفكرة الأولى، صلوا على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد.

الثاني أن فكرة الرتباط بين هذين الصحيحين وسنة رسول الله، فكرة خاطئة ولا بد من التفريق بين السنة الواقعية وبين السنة المنقولة، إذا واحد كان في زمان رسول الله (ص) وسمع النبي يقول كلاما، هذا ككلام الله عز وجل الذي لا مجال لأحد أن يخالفه ولا يراد فيه ولا أن ينتقص منه، (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، هذا قاعديسمع النبي، تخلف عن كلامه، تخلف عن أمر الله، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم. طيب، ولذلك الإمامية يرون أن الاعتراض على النبي من قبل بعض الصحابة اعتراض غير صحيح، لأنه كالاعتراض على أمر الله عز وجل، هذا إذا كان الإنسان معاصر إلى رسول الله، أو وصل إليه بخبر يفيد العلم واليقين، مثل الخبر المتواتر، يعني لو كان عشرة أشخاص أو أكثر، سمعوا عن رسول الله، ثم سمع منهم عشرة أو أكثر بحيث ما يكون مجتمعين ومتفقين على هذا، التواتر شرط فيه أن لا يكون هناك توافق بينهم. عشرة سمعوا من هؤلاء، ثم سمع منهم جماعة، ثم سمع منهم جماعة، وهكذا، إلى أن وصل إلينا. إذا سمعه عشرة أو عشرين في كل طبقة من دون أن يكون اتفاق بينهم، أنا لما يوصلني الخبر، وأنت لما يوصلك الخبر، تتيقن، أن النبي قد قال ذلك، وهذا يسمونه شنو؟ الخبر المتواتر. وهو حجة. 

أما إذا كان الخبر واصلنا والحديث واصلنا بطريق الآحاد، يعني واحد سمع من النبي، ثم واحد آخر سمع ممن سمعه، واحد ثالث سمع من الثاني، رابع سمع من الثالث، وهكذا إلى أن وصل إلنا. أحيانا السلسلة السندية توصل إلى 9 أشخاص، كما في البخاري، من أطول الأسانيد، ما كان فيها 9 أشخاص. إلى أن يوصل على النبي، هذا واحد ينقل عن واحد، أنت تصور الآن، مثال جدا بسيط، الآن لو أنا قلت حجاية، وواحد من الحاضرين سمعها، وهو ثقة، ومضبوط كلامه، راح نقل الحجاية إلى زوجته، أو إلى أخيه، كم راح ينقل من كلامي، من الممكن 100%، ومن الممكن 99%، ومن الممكن 95%، أو أقل أو أكثر، ما راح ينقله بالضبط 100%، نقله إلى أخيه 90%، أخوه نقله إلى جاره، كم راح ينقل، صار، هالخبر هذا صار 80% من الأصل، نقله إلى واحد بعد ذلك، وهكذا، بمقدار ما تتكثر الوسائط من الممكن أن ينقص الحديث أو يزيد، مو لتعمدهم الكذب، هذا إنسان ثقة، عادل، متدين، ولكن طبيعة الأمور هي هكذا، لذلك يشترط فيها الضبط، مع ذلك من الممكن أن يكون الأمر بهذا النحو، كيف أنت تجي بعد 9 وسائط، تجي تقول: هذا نفسه إللي قاله رسول الله، ومن فم رسول الله، كيف تقدر هذا الكلام! لعل واحد منهم مشتبه، اختلط عليه الأمر، مو متعمد في الكذب، جهده حاول يذكر، بس اختلطت عليه الأمور، كيف تقدر تقول: اللي يكذب بهذا الحديث هو مكذب برسول الله (ص)! لا تستطيع أن تقول كذلك. 

نعم، لو علمنا، كما لو سمعنا رسول الله مباشرة، أو وصل إلينا بالخبر المتواتر، نقول: نعم، هذا كلام رسول الله (ص)، أما الحال ليس كذلك، لا في البخاري ولا في الكافي، يعني هذا مو بس راجع إلى قضية البخاري حتى تصير المسألة يقال: طائفية ومذهبية، لا. الأخبار المنقولة بخبر الواحد، نقول: هذه لا نعلم 100% أنها صدرت، ولكننا مأمورون شرعا باتباعها باعتبار أنه هي الطريق الوحيد للوصول إلى سنة النبي أو إلى حديث المعصوم. لو اشترطنا أنه لا، لازم احنا نسمع النبي مباشرة، ما رح نقدر، يعني بعد زمان النبي، هذا انتفى كله. لو اشترطنا أن كل الأخبار توصلنا بحديث متواتر، عشرات الأشخاص في كل الطبقات، هذا ما يتوفر، يتقلص الحديث النبوي إلى أقل من 1 في الألف حتى. زين، كيف إذًا نستهدي بهم. فإذًا احنا مأمورين أن نحقق في الحديث، من ناحية السند، من ناحية المتن، إذا كان السند كله ثقات، كله ناس ضابطون، وكان متنه صحيحا، ولا يخالف الأصول، عملنا به. وإذا لا، لا نعمل به، نتوقف. فإذًا هذا الكلام: أن ما كان في صحيح البخاري أو صحيح مسلم، أو حتى الكاتفي، هو حتما كلام رسول الله، حتما كلام المعصوم، هذا ليس كذلك. نعم – كما قلنا – نحن مأمورين متى ما صح السند ومتى ما استقام المتن وعرض على القرآن والسنة وأحكام العقل، وغير ذلك، مأمورون أن نعمل به، باعتبار هو الطريق الوحيد اللي نقدر نوصل إله، من خلاله إلى الأحكام، ما أدري إذا كان المطلب واضح أو لا.

فإذًا هذا الارتباط الذي عقد في مدرسة الخلفاء، بأن قالوا: هذا الموجود في الصحيح هو نفسه اللي قاله رسول الله، هو نفس السنة، هو السنة الواقعية، هذا كلام غير صحيح، وقد أسار قسم من العلماء الكبار في مدرسة الخلفاء إلى هذا المعنى، فضلا عن أن هذا هو مقتضى الرأي الصحيح، والقول الراجح، ولذلك نحن مأمورن بشغلة أخرى، هي أنه مو بس نشوف السند، ونقول: ما دام سنده إليه هو موجود في صحيح البخاري ومسلم، إذًا خلاص نعمل به، وجاز القنطرة، وما ينبغي النظر، وهو صحيح قطعا، لا. وإنما بالإضافة إلى ذلك، نأخذ ما قاله أمير المؤمنين (ع). أول المجلس قلنا ما هو: "اعقلوا الخبر عقل دراية ورعاية ووعي لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل". اللي يعرفوا المعاني، اللي يحلللوها، اللي يقيسوها بالأشياء الصحيحة، هؤلاء قليل. المسجلات واجد، اللي يحفظ الحديث كثير، ولكن اللي يتعقله، يرعاه، يدريه، حديث تدريه خير من عشرات من الأحاديث ترويها. أجيب لك بعض الأمثلة، على ذلك، بعد الصلاة على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهمص ل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد. 

قبل أن ندخل في هذا، أشير إلى ملاحظة فاتتني، وهي أن بعض أعلام المدرسة قالوا: بأن هناك 80 راويا روى عنهم البخاري، وقد وصفوا بالضعف، ونحو 160 راو روى عنهم مسلم وقد وصفوا بالضعف. فشتسوي هنا بعد! هؤلاء عدد مو قليل، 80 راو، و160، إذا كل واحد منهم يروي عدة روايات، لك أن تعرف هذا الضعيف، كيف ينتج الراوي الضعيف حديثا صحيحا!

نجي للمطلب الآخر وهو ما يرتبط بعرض المتن على القواعد والأصول، لنفترض أن ما ورد – هؤلاء يقولون أيضا، ومنهم قسم من المعتزلة، ومنهم قسم من المفكرين المعاصرين، ومنهم بعض أعلام مدرسة الخلفاء سابقا – لسان حالهم هكذا: لنفترض أن السند صحيح، لكن إجينا رأينا أن هذا المتن فيه مخالفة لبعض الأصول، هل نقبله؟ مثلا: الحديث المعروف يرويه في البخاري عن أن الله عز وجل – تعالى الله عن ذلك – بحسب الرواية – إذا كان يوم القيامة، النار كل ما حط فيها ناس تقول: هل من مزيد؟ ما تنترس هذي، كل ما حط فيها طحنتهم، بعد تبغي، فماذا يصنع الآن؟ قالوا – بحسب الرواية: فيضع الرحمن قدمه فيها أو رجله فيها، فتصيح: قط قط، يعني خلص، بس، يكفي. زين هذا حديث مروي، وفي الصحاح موجود، هل لله رجل؟ أقاموا أدلة برهانية في قسم العقائد على أن الله عز وجل ليس مركبا من أجزاء، فإذا صار عنده رجل صار مركب من رجل، وبعدين بتقول: (يد الله فوق أيديهم)، عنده يد، (ويبقى وجه ربك) عنده وجه، صار شنو؟ عنده أجزاء، أضف إليها ما ورد مما ذكرناه في ليلة مضت، من القول: أن الله خلق آدم على صورته، استوى بعد، الله – نعوذ بالله – بهذه الأجزاء، مو بس هذا، يخلي قدمه، يخلي رجله في نار جهنم، وتشبع برجل الله، هل هذا أمر معقول؟! أي مركب عند أصحاب العقول، أي مركب هو محتاج إلى أجزائه، هذا المنبر مكون من هالخشبة ومن هالخشبة ومن هذه الخشبة، إذا تشيل هذه الخشبة ينهدم، فهو محتاج إليها، احتياج المركب إلى أجزائه، قضية عقلية، ما يحتاج إليها كثير استدلال، إذا أثبت أن الله محتاج إلى أجزاء فهذا ليس الله، لأن الله هو الغني، ليس محتاجا لشيء. فإذا نعرض الحديث عليها، تشوف مصادم إلها، حتى إذا روي برواية وأسناد معتبرة، وجاء في الصحيح، بل كل الصحاح، لا يمكن قبوله، اعرفوا الخبر واعقلوه عقل رعاية ودراية ووعي وفهم. 

تجي إلى خبر آخر فيما يرتبط بنبينا محمد (ص)، حديث السحر للنبي، موجود هذا في الصحيح، أن النبي (ص) سُحر من قبل اليهودي، فكان يخيل إليه أنه فعل الشيء وهو لم يفعله، ولا يفل الشيء ويخيل إليه أنه قد فعله، فقد السيطرة على نفسه، يعني يقول: أنا صليت، بينما هو في الواقع ما صلى، قمت بهذا العمل، وهو في الواقع، حسب هذا الحديث لم يكن قد قام به، أو بالعكس، ما سوى شيء، ويقول: بينما هو في الواقع سواه، يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يكن قد فعله، زين، هذا يوم، يومين، في بعض المسانيد، كمسند أحمد، ستة أشهر هالشكل صار، ستة أشهر، يسوي أشياء، بعدين يقول: أنا ما سويت، ولا يفعل أشياء، ويقول: أنا سويتها، دين ما مأديه، يقول: أنا أديته! شخص ما أعطاه، يقول: أنا أعطيته! ماص لى فلان يوم، يقول: لا، أنا صليت! وأمثال ذلك، زين، هذا الحديث، منقول هذا، "سحر رسول الله رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله"، حتى إذا كان يوم الرواي، وهي إحدى زوجاته، تقول: يوم من الأيام، قال أنه:دعاء النبي ربه فقال: أُشعرت أن الله قد أفتاني ودز إلي اثنين عند رأسي، قالوا: ترى هذا أنت مسحور، والسحر مالك في فلان بير موجود، روح وطلعه، فجاء النبي وشاف المكان، بس قال: أنا ما دام الله شفاني ما يحتاج أطلعه، خل السحر في مكانه، هذا ستة أشهر – نعوذ بالله – النبي هالشكل، ما أحد سمع، وما أحد شاف، وما أحد درى عنه، إلا راوي واحد! والناقل عنه شخص واحدـ.

زين هذا يطلع يصلي أو ما يطلع يصلي، يقوم بالقيادة للناس لو لا، يعظ أو لا يعظ، ما يظهر عليه أثر هذا السحر، إذا ما يظهر عليه، كيف – حسب الرواية – يفعل الشيء ويحسب أنه ما فعله وعكس ذلك، طيب، ويا ترى هال الناس كلها ما لاظت على النبي، الآن لو واحد، لو عالم هذا المسجد، يتمرَّض، يصير عنده انفلونزا، يوم ثاني كل الديرة تدري عنه، باعتبار بيَّن عليه بعد، رسو الله – نعوذ بالله – في ستة أشهر بحسب ما جاء في المسند، هنانا ما مذكور المدة، ستة أشهر وهو مسحور بهذه الطريقة، ما أحد يدري عنه من المسمين!وهو يصبحون به ويمسون به ويصلون خلفه ويستمعون إلى حديثه! ليش ينقله شخص واحد؟!زين، هذا واحد. 

اثنين: أنا لو يقولوا لي أن إمام الجماعة مالك مسحور، أجي أصلي وراه، لأنه ما أدري شنو يقول أصلا في صلاته، لا أعلم، ماذايصنع؟، كم ركعة يصلي؟ما يقرأ في هذه الصلاة؟ لا سيما في الصلوات الإخفاتية، ما دام فاقد السيطرة على نفسه ومسحور، أنا ما أجي أصلي وراه. أترى أن الله بعث هذا النبي رحمة للعالمين يسمح بأن يكون مسحورا ستة أشهر! وهو يصلي بالناس ويقودهم ويعظهم ويقوم بشؤونهم! احنا ما نسلم إلى واحد مسحور إدارة مسجد، صلاة جماعة، نسلم إلى رسول الله! الله يسلم إلى رسول الله إدارة البشرية، وأصحابه في ذلك الوقت، يستلم القرآن، يبلِّغ القرآن، إذا هو فاقد الإرادة، فاقد السيطرة!

ثم إذا كان هالشكل، فكام الكفار عنه: (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا)، هذا كلامهم صحيح، ليش القرآن يسفه كلامهم؟!لو كان كلامهم مو صحيح، صحيح، كان لازم يسفهه، لازم ينعى عليهم، ليش يقولوا عن النبي هالشكل، ويعتبرهم ظالمين بهذا الكلام، النبي مسحور، فكلامهم صحيح، ما قالوا إلا الحق والصدق، بناء على هذه الرواية، فمثل هذه الروايات، حتى لو كانت أسانيدها تامة، لا بد من عرضها على الموازين القرآنية، على الأحكام العقلية، على  السنة الأخرى الثابتة، حتى يُرى أنها صحيحة أو ليست بصحيحة. 

الحمد للله، نحن في مذهب أهل البيت (ع) ليس عندنا مثل هذا الأمر، لا بالنسبة لا لصحيح البخاري ولا مسلم ولا الكافي ولا غيره، ما عندنا كتاب معصوم، غير القرآن الكريم، أي حديث في أي مصدر من المصادر السنية أو الشيعية، في نظر الشيعة الإمامية، أي حديث من الأحاديث لا بد أن يعرض على النقد السندي ووالنقد المتني والموضوعي، فإذا كان لا غبار عليه، أخذ به، وإذا كان في سنده مشكلة، لا نأخذ به. في سند ما في مشكلة، بس في متنه مشكلة، أيضا لا نأخذ به. 

نحن في منهج رسول الله وأهل البيت، وأمير المؤمنين (ع)، نفسه الإمام وضع إلنا هذه الموازين، اعرفوا الخبر، ارووا الخبر، معرفة رعاية، معرفة دراية، يقول أمير المؤمنين (ع). رواة العلم كثير، لكن من يدريه، من يعيه، من يرعاه، من يعرف ما فيه، هذا قليل. فوجه لنا إمامنا (ع) مثل هذه القواعد، لكن يا حيف أن هذا الإمام العظيم لم يمهله الظالمون حتى يبلغ ما أراد من توعية الأمة، فكان أن حصل ما حصل في فجر هذا اليوم، عندما قام اللعين بن ملجم – لعنة الله عليه – في فجر يوم التاسع عشر، من شهر رمضان، بأن ضرب إمامنا على أم رأسه، فشق هامته، وكان في مثل ليلة أمس، أخذ الإمام (ع) إلى حيث قبره الشريف في النجف الأشرف. وقد دل على ذلك الروايات الكثيرة، وبعض من يأتي في آخر هذه الأزمنة، يقول لك: قبر علي بن أبي طالب غير ثابت، وقبر الحسين غير ثابتـ رأيت أخيرا بعض الناس، قالوا: الكعبة أيضا هذه ليست الكعبة الحقيقية، فعلى هالمعدل رح يصير كل شيء فيه شك، وفيه إثارة سؤال وما شابه ذلك، لكن هي مثل هذه الأمور هي أشبه بالهزل منها بالجد، ليرجع إلى كتاب فرحة الغري، لمؤلفه المشهور: السيد ابن طاووس – رضوان الله تعالى عليه – يرى، وهذا من أعلام القرن الثامن الهجري، السابع والثامن، كان قد عاش بينهما، يجد من الروايات الكثير الكثير حول زيارات المعصومين للإمام أمير المؤمنين، وتحديدهم لموقعه بما فيه الغنى والكفاية. 









    



مرات العرض: 3409
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 59030.1 KB
تشغيل:

سنة النبي في كلام الامام علي  21
الخط الأموي في الحديث والرجال 24