عن بحار الانوار والعلامة المجلسي 16
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/9/1442 هـ
تعريف:

16/  بحار الأنوار و مؤلفه العلامة المجلسي

كتابة المهندس الفاضل م غ

مدخل :

حديثنا بإذن الله سيكون بعنوان: بحار الأنوار ومؤلفه العلامة المجلسي رضوان الله عليه، حيث يأتي هذا الموضوع في سياق الحديث عن سنة النبي صلى الله عليه و آله و التي ذكرنا ان منها روايات المعصومين عليهم السلام فإن كلامهم هو كلام رسول الله و هي من أصول العلم التي تلقوها منه و المصنفات الحديثية التي نقلت أحاديث أهل البيت عليهم السلام هي بشكل أو بآخر تنقل أيضا و بذلك أحاديث رسول الله و علم رسول الله صلى الله عليه و آله، و قد ذكرنا فيما مضى ان هذه المصنفات الحديثية و المصادر الإمامية جاءت على فترتين:

1.    الفترة الأولى: جاءت في القرن الرابع الهجري و القرن الخامس الهجري  حيث صنفت الكتب الأربعة ( الكافي للكليني ، و من لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب و الاستبصار للشيخ الطوسي).

2.    المرحلة الثانية: هي المرحلة التي صنفت فيها مصادر أوسع وأشمل كانت مع بدايات القرن الحادي عشر الهجري بدءا من سنة ١٠٠٠هجري فصاعدا، حيث تم تصنيف كتاب الوافي للفيض الكشاني الذي احتوى على نحو خمسين ألف حديث، و وسائل الشيعة للحر العاملي الذي احتوى على ما يزيد عم خمسة و ثلاثين ألف حديث، و في مرحلة متأخرة مستدرك الوسائل للمحدث النوري، و كان الأبرز و الأعظم من كل ذلك بحار الأنوار للعلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه المتوفى سنة ١١١١هجرية..

من يكون العلامة المجلسي؟

العلامة المجلسي في إشارة سريعة اليه ، هو من أسرة تعاظم فيها العلم و البحث العلمي و قل ان نجد أسرة بهذا النحو، فيما قرأنا و رأينا، فإن والده المولى محمد تقي المجلسي، و يسمى بالمجلسي الأول كان عالما من العلماء الكبار، وله شرح على من لا يحضره الفقيه بإسم روضة المتقين،  هذا أحد الكتب الأربعة شرحه والد العلامة المجلسي، نفسه العلامة المجلسي له شرح على كتابين من الكتب الأربعة و هي الكافي حيث شرحه في كتاب بإسم مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول في حوالي ٢٥ مجلد و أيضا ملاذ الأخيار في شرح تهذيب الأخبار و هو شرح لكتاب التهذيب، هاذان كتابان من الكتب الأربعة شرحها العلامة المجلسي نفسه.. 

صهرهم و هو المولى صالح المزندراني زوج أخت العلامة المجلسي صاحب البحار أيضا له شرح على كتاب الكافي للكليني، أحد اصهارهم أيضا شرح كتاب الاستبصار، هذه أربعة كتب الكتب الأربعة قد شرحت من هذه الأسرة، بل اكثر من هذا اخوات العلامة المجلسي في هذا الباب و في غيره، فإحدى أخواته شرحت كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي خال العلامة، شرائع الإسلام يعتبر من أكثر كتب الشيعة تنظيما و ترتيبا بحيث ان صاحب الوسائل رتب كتابه على منهاج كتاب شرائع الإسلام، و لكن شرائع الإسلام بصورة فتاوى و استدلالات، هذا بصورة أخبار و لذلك لو أحدا اراد ان يعرف هذه المسألة أين أدلتها؟ يرجع إلى كتاب الشرائع و يرى معادلها في كتاب الوسائل، اخت أخرى لها شرح مختصر على كتاب الكافي للكليني، أخت ثالثة -كما ذكر- لها كتاب في المشتركات في علم الرجال ، فهذه الأسرة من اطرافها انشغلت بالموضوع العلمي و هذا من مصاديق ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه و آله :{ فضل العالم على العابد كفضلي على ادناكم}.

هذه أسرة بهذا الشكل ينبغي أن تكون قدوة لنا في التوجيه للعلم و المعرفة..

التصدي العلمي للعلامة المجلسي في عصره: 

أهم كتاب جاء به العلامة المجلسي-بحار الأنوار- و إلا هو عنده كتب كثيرة و مهمة، أول من ألف باللغة الفارسية -فيما نقل- هو العلامة المجلسي و إلا كان التأليف كله باللغة العربية، لو نرى مثلا للكليني فارسي مع ذلك يكتب بالعربية.. الطوسي مشهدي من خراسان من طوس، فارسي و مع ذلك كتب كتابه باللغة العربية، و لكن على أثر وجود توجهات منحرفة في أصفهان في زمان العلامة المجلسي و منها توجه التصوف الهندي و العرفان الهندي، توجهات واعراضات عن الدنيا و صوم متصل و جلوس بشكل معين و رياضات تشبه اليوغا و ما شابه ذلك، بإعتبارها قضية دينية فكانت تؤثر على التوجه الروحي الأصيل، فكتب العلامة المجلسي كتبا باللغة الفارسية لأن الناس في ذلك الوقت لا يقرأون باللغة العربية، العلماء يقرأون بالعربية لكن عامة الناس في أصفهان و خراسان و في سائر بلاد إيران لا يقرأون بالعربية، بل فيما يرتبط بالمسائل الخلافية و المذهبية  نظرا ان مجيء الصفويين كان بعد كان سنة ٩٠٠و بضع سنين هجرية فما تشيعت كل مناطق إيران، كانت تحتاج إلى ثقافة دينية و معارف و سيرة المعصومين عليهم السلام و فقه و غير ذلك، و لم تكن الكتب باللغة الفارسية متوفرة فأصدر العلامة المجلسي كتبا باللغة الفارسية لأجل هاذين الأمرين.. من جهة القضية العقائدية المذهبية و أيضا لمحاربة التيارات و التوجهات الصوفية المنحرفة..

ماذا عن كتاب البحار؟ 

العلامة المجلسي أهم عمل قام به هو كتاب البحار، كتاب بحار الأنوار بحسب الطبع القديم الذي يسمى بالرحلي المخطوط بالخط في ٢٥ مجلد، لكن بالطبع الحديث بالحروف وفي المطابع يصبح  ١١٠ مجلدات تقريبا، العلامة المجلسي أنفق من عمره نحو ٣٧ سنة و بعضهم يقول ٣٣ سنة حتى انجز كتاب بحار الأنوار ،  

شهرة كتاب بحار الأنوار:

هذا الكتاب- بحار الأنوار- احتوى على ميزات كثيرة، و لذلك رآه بعض علماء الطائفة أنه شيء استثنائي، اساسا موقع بحار الأنوار لدى الطائفة موقع متميز بلا كلام، يعني هو حضور بحار الأنوار عند عامة الناس أكثر من حضور الكتب الأربعة، حضور الكتب الأربعة عند الفقهاء نعم، و لكن حضور البحار عند عامة الناس غير الفقهاء أوضح و أعرف من خطباء و كتاب و مثقفين و من متعلمين و ذلك لميزات كثيرة فيه.. منها: 

1.    جامعيته و استيعابيته و موسوعيته

2.    وجود بعض الابتكارات فيه والتي لم يسبق فيها..

 لماذا ألف العلامة المجلسي هذا الكتاب؟ 

دعنا نرى ، لأنه سينفعنا كثيرا في البحث التالي، فمن خلال مراجعة مقدمة العلامة المجلسي لكتاب البحار ، يتبين أن هناك هدفين كان يتعقبهما العلامة المجلسي، يذكر: 

الهدف الأول: "أنه بعدما طالعت -العلامة المجلسي- وراجعت و قرأت و درست و سمعت؛ رأيت أن زلال العلم إنما هو في القرآن الكريم و عند آل محمد عليهم الصلاة و السلام اجمعين، فذهبت وراءه أجمع هذا، ما جاء في القرآن الكريم، ما جاء عنهم صلوات الله و سلامه عليهم، لأن الحقائق العلمية إنما هي في هذا الأثر، في هذا الخبر..".

طبعا هذا يبين فيه منهجه الخبري  و الحديثي، بالتالي هناك مناهج في الفلسفة، في العرفان و مناهج في غير ذلك من الأمور، يقول العلامة المجلسي فيما معناه: أنا رأيت أن المنهج السليم و الحقائق  الواضحة هي القرآن و في أخبار أهل البيت عليهم السلام.

الهدف الثاني: و لعله هو الأهم، أن تراثنا الشيعي يخشى عليه من الإندثار بفعل ما سماه العلامة المجلسي، السلاطين و الفجرة و استيلاء الجهلة، يخشى أن هذه العلوم تنتهي  والكتب تندثر، بإعتبار أن المسيطرين على الأمة لا اهتمام لديهم بتراث أهل البيت عليهم السلام، بتمادي الأيام سوف تفقد هذه المصادر، لذلك انا جئت اجمعها و أدونها في كتاب واحد بشكل مرتب و منظم.

نقرأ القسم الثاني من كلامه- رضوان الله عليه- يقول فيه: إني تتبعت -في هذا الهدف الآخر- الأصول المعتبرة المهجورة ، و هذه الكتب سوف تندثر- التي تركت في الأعصار المتطاولة و الأزمان المتمادية إما لإستيلاء سلاطين المخالفين وأئمة الضلال- هؤولاء السلاطين الذين يعادون منهج أهل البيت عليهم السلام، ليس عندهم إهتمام في جمع تراث أهل البيت عليهم السلام- أو لرواج العلوم الباطلة بين الجهال المدعين الفضل و الكمال-هذا إشارة إلى بعض المناهج التي يخالفها هو- أو لقلة إعتناء جماعة من المتأخرين بها إكتفاءا بما اشتهر منها، يقول: عندنا أيضا في الإمامية علماء اكتفوا  بالكتب الأربعة و استغنواعن هذه الأصول الأخرى عن هذه الكتب الأخرى فنخاف هذه الكتب الأخرى تنتهي او تذهب- لذلك يقول: فطفقت أسأل عنها في شرق البلاد و غربها حينا و ألح في الطلب حينا آخر..إلى آخر كلامه...).

إذن فإن غرضه في ذلك ان يجمع هذه الكتب من الطبقة الثانية و الثالثة  غير المشتهرة حتى لا تندثر، و لهذا مثلا ترى أنه ما اعتنى بنقل ما جاء في كتاب الفقيه ولا في كتاب التهذيب و لا في كتاب الكافي الا قليلا، ما نقل عن هذه الكتب إلا شيء قليل.. طيب لماذا؟  لأنه يقول هذه كتب معروفة و مشروحة و هو شرحها، وأبوه شرحها، أصهاره شرحوها فهي موجودة فضلا عن سواهم، فما ينخاف على تلك الكتب الأربعة من ان تضيع، الذي ينخاف عليه الكتب الأخرى تنتهي و كتاب الخصال للشيخ الصدوق و أمثاله، هذه فيها علم كثير و لكن لم تحفظ فأنا جئت أجمع هذه و هنا يتبين أن منهج صاحب البحار ليس منهج النقد و لا منهج التحقيق في الصحيح و الضعيف، و إنما منهج الجمع و الاحتواء، الغرض من ذلك  ان لا يضيع هذا التراث، و الا لو كان يريد يحقق كل رواية و ينقدها، بعض الروايات لازم يحذفها، يلزم منه ماذا؟! يلزم منه أن قسم من هذه الروايات تضيع، هو جمع هذه في مكان واحد بدل ماهي متفرقة في كتب و يخشى على هذه الكتب من التلف، انا اجمعها في كتاب واحد و أضع هذا الكتاب بين يدي الناس، هذا غرضه من الكتاب و في تأليفه.

هندسة البحار:

جاء و بدأ العلامة المجلسي في هذا الكتاب في العقائد، بدأ في توحيد الله عز وجل، أسمائه الحسنى، صفاته العليا، ما يرتبط بإثبات وجود الله عز وجل، ثم بعد ذلك إنتقل إلى موضوع النبوة و الإمامة و قصص الأنبياء و سيرة الأئمة المعصومين عليهم السلام، ثم انتقل إلى مواضيع أخلاقية ، ثم إلى مواضيع فقهية و مستحبات و هكذا.. 

هذا العدد الكبير- بعضهم يقول ٧٠٠٠٠ حديث و البعض الآخر يقول ١٠٠٠٠٠ حديث-المهم هناك ١٠٠ مجلد من الكتب ألفها هذا العالم الجليل..  

من أقوال العلماء عن البحار: 

بعض ما ذكره العلماء، نقلنا عن:

    الشيخ آغا بزجرد الطهراني -رحمه الله- قال في البحار: هو الكتاب الجامع..  فلما يأتي و يقول: الجامع الذي لم يعمل مثله لا قبله و لا بعده   هذه شهادة من خبير متتبع..

انا لما اقول ١٠٠ مجلد، ما عندنا كتاب مطبوع موسوعة دائرة معارف شيعية بهذا الشكل،  لكن كتاب اعرف عنه عدد محدود، أما ذاك محيط بالكتب، فيقول: لم يعمل مثله، لماذا تقول ذلك؟! قال: لإشتماله مع جمع الأخبار- يعني عنده جمع و تتبع- استعماله على تحقيقات دقيقة وبيانات و شروح لها غالبا لا توجد في غيره .

    العلامة الطباطبائي: و قريب من كلام الشيخ آغا بزجرد الطهراني، ما ذكره العلامة الطباطبائي صاحب الميزان، و صاحب الميزان فضل شهادته أنه مختلف في المنهج مع العلامة المجلسي.. ، 

العلامة الطباطبائي هو الفيلسوف الأول في عصرنا، فلما يأتي بشهادة إلى كتاب العلامة المجلسي المختلف عنه في المنهج، تصبح شهادة ذات قيمة، لذلك نحن اخترناها و إلا باقي العلماء عندهم شهادات كثيرة جدا و صريحة في هذا المعنى، أضف إلى ذلك قد يفهم البعض من بعض كلمات العلامة الطباطبائي مخالفته لصاحب البحار، سنأتي على نص ما ذكره كما ذكره في كتاب مهر تابان باللغة الفارسية حول سيرة حياة العلامة الطباطبائي، ألفه أحد تلامذته المشهورين الحسين الطهراني أحد المجتهدين أيضا يقول: يعد بحار الأنوار من ناحية جمع الأخبار و الروايات دائرة معارف شيعية، و إن ذوق المؤلف في تبويب الكتاب و تصنيفه يثير الإعجاب- ذوقه في التصنيف و التبو٠يب و تقديم هذا الموضوع على ذاك الموضوع، الهيكلية العامة لهذه الموسوعة أمر مثير للإعجاب- و متابعته للآيات-هذه سوف نذكرها لاحقا في ميزات الكتاب و هذه شهادة مفسر الميزان - أشهر التفاسير الشيعية المعاصرة-  يقول: متابعة العلامة المجلسي للآيات المتعلقة بالأبواب و الموضوعات تحير العقول- لأنه سيأتي بعد قليل نقول أنه من أوائل إن لم يكن الأول في مبتكري التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، كان العلامة المجلسي في البحار، فيقول العلامة  الطباطبائي -صاحب الميزان- يقول: متابعته للآيات المباركة و تفسيرها  في بحار الأنوار تحير العقول " هذه شهادة فيلسوف و مفسر كبير، ثم يقول: و يظهر من عمله في كتاب مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، علميته و خبرويته في مجال علم الروايات" فهو خبير و عالم جليل في مجال علم الروايات، متابعته للآيات محيرة للعقول، تصنيفه و تبويبه و ترتيبه و هيكليته، ذوق رفيع جدا يثير الإعجاب، ولكن بعد ذلك يقول العلامة الطبطبائي:  ولكن ينتقد عليه -أي العلامة المجلسي- أنه غير خبير بالمسائل الفلسفية و العقلية العميقة"، وهذا سوف يؤثر في رأي الطباطبائي على تفسيره و شرحه الروايات التي ترتبط بمبحث العقائد، طبعا هذا واضح  لأن هذا صاحب مسلك – يعني الطباطبائي عقلي فلسفي- و العلامة المجلسي صاحب مسلك خبري حديثي؛ لا يرى أن هذا الطريق اصلا طريق صحيح، و لذلك أيضا لم يكن خبيرا فيه ولعل اشارته لبعض الأفكار و بعض الجهات في المقدمة إشارة إلى هذا الموضوع الفلسفي و العرفاني، فهذه شهادة أخرى من العلامة الطباطبائي..

لقد انتخبنا هاتين الشهادتين متعمدين و إلا ما ذكره سائر علماء الطائفة  في البحار أكثر من ان يحصى في المدح و الثناء..

ميزات كتاب بحار الأنوار:

من ميزات كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 

1.    كما ذكرنا التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، التفسير أكثر من قسم و التفسير المتعارف أنه  المفسر يأتي من اول سورة البقرة  { ألم ذلك  الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} يقول: (ألم) هي من الحروف المقطعة و فيها أقوال من كذا و كذا،  (ذلك الكتاب) إشارة إلى القرآن الكريم، و يبدأ يشرح في هذا المعنى، (لا ريب فيه) ماهو معناه، هذا التفسير المعتاد، لكن هناك تفسير موضوعي الذي ذكر كما نقل ذلك الشيخ السبحاني في بعض كلماته و عهدة هذا عليه، يقول: أول من ألف في التفسير الموضوعي هو العلامة المجلسي ما سبقه أحد.

انا لم اتتبع إن هناك أحد سبقه أو لا و لكن على عهدة هذا و هو عالم محقق و فقيه مجتهد يعرف ماذا يقول، يقول أول من ابتكر و تحدث في التفسير الموضوعي هو العلامة المجلسي..

ماذا يعني التفسير الموضوعي؟  

يعني مثلا يأتي في باب الإمامة على سبيل المثال في البحار -حيث لديه عدة مجلدات في باب الإمامة- فأول ما يبدأ به كل الآيات في القرآن الكريم التي تشير من قريب أو بعيد إلى موضوع الإمامة، سواء كان فيها لفظ الإمامة أو كان المعنى الخاص بالآية ، فيأتي بها كلها بعد تسطيرها بحسب ترتيب مجيئها في القرآن الكريم، هذا يحتاج إلى تتبع، لأنه حتى لو كان لديك كمبيوتر و تكتب له  [إمام، أئمة...] و ما شابه ذلك، لكن الآيات التي معناها معنى إمامة، ماذا تفعل؟! ما يحصرها لك حتى الكمبيوتر!! إذن بعدما يأتي بها كلها يبدأ بشرحها واحدة، واحدة  ويربط بينها، فيظهر المفهوم في مفهوم الإمامة مفهوما قرآنيا، كل ما تحدث القرآن عن الإمامة هذا موجود هنا..  لنفترض موضوع الجنة و النار، نفس الكلام، كل ما ورد في الجنة يأتي به في البداية ثم يبدأ بشرحها، بالتالي تصبح لديك موسوعة حول موضوع الجنة في القرآن الكريم  و شرح تلك الآيات و الربط بينها، كأن القرآن جاء يتحدث لك عن مواضيع محددة، موضوع موضوع، الآن في القرآن العادي ليس هناك على هذا الشكل، عن موضوع هناك شيء في أول القرآن وشيء آخره و شيء في وسط القرآن، العلامة المجلسي صنع هذا، و جاء بهذا في سيرة المعصومين عليهم السلام و سيرة رسول الله (صلى الله عليه و آله)وقصص الأنبياء، ما يشبه دورة تاريخية من آدم عليه السلام إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، قصص الأنبياء التي وردت في الروايات ثم سيرة  نبينا صلى الله عليه ثم سيرة المعصومين إلى المهدي و هذا تقريبا قصص الأنبياء أربعة (٤) مجلدات فيه، سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ثمانية (٨) مجلدات فيه، سيرة الامام علي و فاطمة و المعصومين اثنين و عشرين (٢٢) مجلدا،  يعني مجموعة اذا تجمعها حوالي أربعة و ثلاثين (٣٤) مجلد هي ثلث البحار تقريبا،  أقل من الثلث بقليل، هذا في سيرة الانبياء  و المعصومين عليهم السلام..

2.    استيعابه المسائل المختلفة ، عقائد -كما ذكرنا- اخلاقيات، فضل القرآن، مستحبات، فقه- لكن أبواب الفقه فيه قليلة، لأنه معتمد ان الكتب الأربعة استوعبت هذا، وسائل الشيعة مثلا فيه خمسة و ثلاثين مجلد(٣٥/٣٥٠٠٠) فقط في الفقه مفصل ، لماذا يعيدها مرة أخرى، الوسائل من الكتب المشهورة و مرتب على أساس فقط فقه، كذلك بالنسبة إلى  سائر الكتب، فهو ما كتب كثير في هذا الجانب إلا  مجلدات محدودة  و ترتيبه و تبويبه هو الذي ذكرنا شدة إعجاب السيد الطبطبائي هذا الكتاب..

بعض الانتقادات على بحار الأنوار:

هذا الكتاب- الحمد لله- موجود و مشهور و متداول لدى الطائفة، لكن وجه إليه نقد من داخل الطائفة و قام أحد العلماء و هو مجتهد و فقيه، توفي رحمة الله عليه قبل سنتين، الشيخ آصف المحسني من علماء أفغانستان، كتب كتابا بإسم (مشرعة  بحار الأنوار) في جزئين كبيرين، جاء وأجرى منهجه الفقهي في نقد روايات بحار الأنوار- المرحوم الشيخ محسني من تلامذة السيد الخوئي رضوان  الله عليهما، السيد الخوئي يعتبر من المتشددين في امر الأسانيد في الفقه، التلميذ متشدد أكثر بحسب التعبير.. 

 توضيح و تعقيب: طبعا في الفقه الامر واضح، لماذا الواحد يكون متثبت و محتاج و حازم و دقيق، لأنه هذه أحكام الله عز وجل  تربط بها أمر العبادات، لا يمكن أن الإنسان  يتساهل فيها- جاء بنفس الطريقة الشيخ آصف المحسني رحمه الله و اجراها على البحار فطلع عنده الذي في البحار شيء جدا بسيط، بعضهم قال أنه ٤% أو ٥% يسلم من روايات البحار و يعتبر صحيح و الباقي ضعيف،  رحمه الله قال مثلا الباب رقم كذا في البحار، الحديث الأول مثلا صحيح، الحديث الثاني ضعيف الحديث الثالث مرسل، الرابع مجهول، فقط هكذا يكتب او أحيانا بالجملة يقول هذا الباب ليس فيه إلا رقم ١، ٥ و٧ و الباقي ضعيف، بعض تلامذته أو السائرين على نفس المنهج أخذوا نفس المنهج و طبعوا كتابا بإسم (المعتبر من بحار الأنوار) فطلع كله ثلاث أجزاء، ثلاث مجلدات هذا المعتبر من بحار الأنوار بناءا على رأي و نظرية الشيخ آصف المحسني رحمه الله، الكتاب مطبوع و موجود.. ثلاثة من مجموع ١١٠ أو ١١١!!! 

طبعا الحوزة العلمية و الوسط العلمي لم يستقبلوا هذا العمل استقبالا كبيرا، لعل من أسباب ذلك الأمور التالية: 

    لابد أن نشير أنه كل عمل تحقيقي و نقدي للروايات أو للأفكار اذا كان قد جاء له عدة ذلك و عنده إمكانيات علمية هذا عمل مقدر ليس هناك خلاف على ذلك، و هذا واحد من أسرار حيوية التشيع و مذهب أهل البيت عليهم السلام،أن (لايتكلسوا)على قول عالم قبل مئات السنين يحكمهم بإستمرار، و إنما كل واحد من العلماء اذا عنده رأي و لديه عدة ذلك، حيث أركز على هذا الأمر، لا يأتي واحد على هذا الشكل، قرأ له كم صفحة ثم  نظر له  و قال: هذا الحديث غير معقول و ذلك الحديث ما يمكن قبوله...لا!! كل باب له علمه الخاص و له أدواته الخاصة، غير معقول انك بأدوات الحداد تجري عملية جراحية ، يعني أي  نقد إذا كان منبعثا من جهة علمية معتبرة لا مانع من ذلك، وهو بالأساس دليل حيوية لكن ليس معنى ذلك أن هذا هو الحقيقة المطلقة، مثلا: اذا قلت ان في الكافي الروايات الكذائية غير صحبحة، هذا الكلام اجتهاد و ليس حقيقة مطلقة و نهائية ، كأن  معناه ان كتاب الكافي انتهى و ينبغي أن يلغى، يمكن يأتي آخر و يقول انك لم تلتفت إلى هذه الجهة أو رأيك خطأ من هذا الجانب، لذلك لما يأتي بعض الجماعة ولاسيما من أتباع المدرسة الاخرى - ويهللون و يصفقون حسب التعبير- مستغلين ذلك على أنه عالمكم الشيخ المحسني طلع من بحار الأنوار ١١٠ مجلد، فقط ٣ صحيح و الباقي كله موضوع، غير أنه  فرقنا فيما مضى بين الضعيف و الموضوع، هذا العمل هو عمل اجتهادي و ليست حقيقة نهائية، لنفترض غير الشيخ آصف المحسني رحمه الله ، جاء و قال كل بحار الأنوار ضعيف!! بالتالي هذا رأي اجتهادي و ليس حقيقة نهائية، أيضا يمكن مجتهد آخر يقول بحار الأنوار الأغلب فيه الا ما استثني، معانيه إما تقويته لجهة المعاني أو لجهة الأسانيد أو لجهة الشهرة أو لجهة اعتباره بروايات أخرى، اذن فكله ينبغي العمل به الا ما خرج بالدليل، هذه أيضا ليست حقيقة نهائية، و هذا معنى فتح باب الإجتهاد..

    لما يقال المعتبر من بحار الأنوار، نسأل المعتبر عند من؟! معتبر عند الطائفة؟ معتبر عند مؤلفه؟ : نعم-اهلا وسهلا- هذا رأيه الاجتهادي و يقدر على جهده العلمي، فأنت ما تقدر تحتج به علي، حيث نحن لا نريد نرجع إلى نفس الإشكال الذي يؤخذ على أتباع مدرسة الخلفاء أنهم يحتجون بالقول- الصحيح الفلاني- سؤال: الصحيح عند من؟ اذا عند مؤلفه فهو حجة عليه، أما علي لماذا يكون علي حجة؟ أنا عندي رأي و عندي نظرية، عندي تقوية و تضعيف..

    هناك إشتباها و هو أن المنهج الفقهي الصارم لا يستعمل في القضايا التاريخية و إلا لا يمكن إثبات أي قضية تاريخية بتفاصيلها بسند معتبر، حتى غزوات النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، هل هناك غزوة بدر؟ غزوة احد؟  لا تستطيع أن تثبتها بسند معتبر  بهذا المعنى الذي تطبقه في الفقه، أساسا المنهج التاريخي مختلف- المنهج التاريخي قائم على أساس حشد القرائن، إعتضاد الأحداث بعضها ببعض و ليس على أساس قال الإمامي الثقة فلان عن الإمامي الثقة فلان و إلا ما يمكن أن يثبت شيء و أساسا لا ينبغي استخدام المنهج الفقهي في الأسانيد إستخدامه في التاريخ، مثل الهندسة لها منهج و الطب له منهج، الفقه له منهج التاريخ له منهج آخر، إذا صار له منهج مختلف صار ثلث البحار و قصص الأنبياء و قصص المعصومين عليهم السلام، ينبغي أن يستعمل معه ذلك المنهج الفقهي الذي انت تضعف لي-لنفترض- هذه الرواية و تلك الرواية في قصص الأنبياء أو في سير المعصومين أو في حياة النبي صلى الله عليه وآله بناءا على ما رواه الإمامي الثقة، أقول لك هذا المنهج ليس صحيحا ان يستخدم في التاريخ، فللتاريخ والسيرة منهجهما الخاص، هذا يمكن ان يقوي به القائلون بالاعتماد على كتاب بحار الأنوار إلا  ما خرج بالدليل، نعم لا أحد يدعي لا في البحار و لا في الكتب الأربعة و لا في الوسائل و لا في الوافي، لا أحد. من علمائنا يدعي كله صحيح و كله يلزم العمل به و إنما كل حديث عندنا من الأحاديث  يخضع للنقد و للتحقيق و للدراسة، اذا تبين للعالم صحته عمل به، تبين له عدم صحته لم يعمل به، كان  من منهج الفقه يستخدم منهج الفقه، من منهج التاريخ يستخدم منهج التاريخ وهكذا، في العلوم العقلية لا يصح يأتي أحد يستدل في قضية عقلية و فلسفية بالرواية لأنه ذلك له منهج خاص، لكل علم منهج خاص، انا آتي و استخدم  منهج الفقه في التاريخ و السيرة هذا أمر على خلاف القواعد العلمية، الغرض من هذا هو الإشارة إلى أن ما جاء به العلامة المجلسي -رضوان الله تعالى عليه، و لا نقول هو صحيح كله و إنما ينبغي البحث فيه والتحقيق، لكنه أراد أن يحفظ تراث أهل البيت عليهم السلام، هؤولاء كما يصفهم كما أورد هذا الحديث في البحار أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام: {لا يقاس بآل محمد أحد و لا يسوى بهم من جرت مهمتهم عليه هم أصل الدين عماد اليقين } هؤولاء هم أهل البيت عليهم السلام وهذا المعنى ليس فقط أمير المؤمنين عليه السلام أشار إليه، سائر الأئمة الأطهار عليهم السلام أشاروا إليه في مختلف الفروض، هذا الامام  زين العابدين عليه السلام في مجلس يزيد يقول:{ أوتينا العلم..} قد يقول قائل: غيركم أوتي العلم... لا هذا بنحو مطلق، العلم كل ما يحتاج إليه البشر في  شؤون دينهم، نحن - آل البيت- اعطينا إياه.  كما قال في تلك الخطبة: أيها الناس أعطينا ستا و فضلنا بسبع- قد يستشكل أحد قائلا: هذه الست عندكن و عند غيركم- لكن في هذه الدرجة التي عند أهل البيت لا توجد عند غيرهم- في العلم و الشجاعة و السماحة، في الفصاحة، في المحبة في قلوب المؤمنين، حتى لو كانت موجودة عند غيرهم لا توجد بالنسبة الموجودة لديهم أو عندهم، خطب الإمام زين العابدين فقال:{ أيها الناس أوتينا ستا و فضلنا بسبع، أعطينا العلم و الحلم و السماحة والفصاحة والشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين -اللهم اجعلنا من محبي أهل بيت نبيك- و فضلنا بأن منا النبي المختار- هذه ما هناك أحد يدعيها- و منا الصديق- الامام زين العابدين لقب الصديق لمن؟ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: أنا الصديق الأكبر و انا الفاروق الأعظم- و منا الصديق-يعني عليا- و منا الطيار-يعني  جعفرا- و منا أسد الله و أسد رسوله-يعني حمزة- و منا فاطمة -في بعض الروايات هي بنت رسول الله سيدة العالمين و سيدة النساء- و منا سبطا هذه الأمة -وفي بعض الروايات- و منا مهديها} فهذه ميزات لا تتوفر في غيرهم، عطاء الله لنا في المرحلة الأولى  لم يعطه غيرنا بنفس المقدار، غيرنا ليس لديهم كم العلم الذي عندنا  ولا عندهم صوابية العلم التي هي عندنا و هكذا الحال بالنسبة إلى الشجاعة و السماحة و الفصاحة و الحلم، و أما الأمر الثاني فهذا اختصاص لا يملكه أحد من البشر، ليست هناك ذرية فيها هذه الميزات و لذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: { لا يقاس بآل محمد أحد و لا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه}،بواسطتهم جرت نعمة الإسلام والوحي على سائر الناس فكيف يقاسون بهم، و فضلنا بهذه الفضائل، ثم بعد ذلك شرع الإمام السجاد عليه السلام  بتعريف نفسه...      


مرات العرض: 3485
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 57505.57 KB
تشغيل:

مما روى الامام الحسن عن جده النبي 15
كيف تكون سنة المعصومين سنة المصطفى 17