الحديث الموضوع : أسبابه وكيف يكتشف 6
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/9/1442 هـ
تعريف:

6/ الحديث الموضوع: أسبابه وكيف يُكتَشَف

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

روي عن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع الحديث الموضوع، ما لذي يدعو إلى وضعه وكيف ويمكن اكتشافه؟، ضمن سلسلة الحديث عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ذكرنا أن منع الحديث ع النبي ومنع تدوين السنة لمدة تصل إلى نحو 88 سنة أنتجت آثاراً متعددة منها فراغ الساحة الإسلامية من الساحة النبوية، فأحاديث النبي لم تكن تتناقل ضمن مبررات: امحضوا القرآن، جردوا القرآن حتى لا يختلف الناس وإلى غير ذلك مما ذكرناه في ليالٍ مضت، وتصاعد هذا الأمر بشكل اكبر في أيام الأمويين وهذا أنتج ان الساحة الإسلامية الثقافية تكون فارغة من الهدي النبوي من الحديث الرسولي، وهذا الأمر سهل قضية الوضع وحركة الوضَّاعين وانتشار الحديث الموضوع إلى حد أنهم ينقلون أن البخاري عندما كتب كتابه الجامع الصحيح انتخب احاديثه وهي نحو من 5000 حديث كما سيأتي إذا حذفنا المكرر وغيره انتخبها من نحو من 600000 حديث كما يقولون، وهذا يعني أنه أقل من واحد في المئة، وهذا يعني أنه إذا كان هذا المقدار استثني من حديث البخاري فكم كان من الحديث هذا مثلاً قد وضع على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، فنشطت هذه السوق وتحركت لأسباب مختلفة نشير إلى بعضها.

لتحديد المطلب لا بد أن ننبه على نقطه وهي انه يختلف الحديث الموضوع عن الحديث الضعيف عن الذي لا نعلم عنه شيء، أي أنه ليس أي حديث لا نعرف معناه أو غير واضح لدينا نحكم بأنه حديث موضوع على رسول الله، أو عندما نراجع في كتاب من الكتب بأن الحديث الفلاني قد وصف بأنه ضعيف، فضعيف لا يعني بأن هذا الحديث موضوع أيضاً، ولذلك يعتقد البعض بأن الحديث عندما يكون سنده ضعيف فهو كاذب وهذا خطأ فهناك فرق كبير، فإذا قلنا أن هذا الحديث ضعيف فهذا يعني أنه حسب رأي المجتهد الفلاني  أن بعض رواته مجاهيل أو ضعفاء وما شابه ذلك، ولكن لا يستطيع أن يجزم بأنه مكذوب.

ما هي الأسباب التي سهلت هذه حركة الوضع وانتشار الحديث الموضوع في الأمة؟ 

هناك أسباب منها دينية كانتصار بعض الفئات على بعض في الموضوع المذهبي أو في زعماء هذه المذاهب، وهناك أسباب عقائدية كأن تريد فئة أن تعَّضد عقيدتها في أمر ما فتضع حديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله، وهناك أيضاً أسباب ترتبط بالأمور المادية فقسم من وضاع الحديث كانوا يرتزقون بهذا، وكله مشمول بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، هذا الحديث موجود في مصادر مدرسة الخلفاء كمسند أبي داوود وابن ماجة  وغيرهما وموجود أيضاً في مصادر الإمامية ككتب الصدوق وقد نقلها عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة.

إن معنى هذا الحديث واضح وهو أن الذي يكذب على رسول الله وينسب إليه حديثاً لم يقله وهو متعمد في ذلك وغير مشتبه وغير ناسي فليتبوأ مقعده من النار، وحتى إن كان في رأيه بأن أهداف الحديث جيدة كما كان يصنع بعضهم من بعض المتقدسين الصوفية وغير المتحرجين حتى يشجعوا الناس على قراءة سورة من السور يأتوا بحديث أنه من قرأ هذه السورة أوجب الله له الجنة ورفقة الأنبياء وغيره من هذا الكلام ثم ينسبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بغرض تشجيع الناس على قراءة القرآن أو على الصلاة وغير ذلك، كما فعل بعضهم عنما سألوه عن سبب وضع الحديث لرسول الله قال: أنني رأيت الناس قد انشغلوا بمغازي ابن إسحاق وتركوا القرآن، ولهذا قام بوضع هذا الحديث ونسبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا ضم إلى الكذب غباءً وجهلاً أيضاً، أيضاً فإن الكذب على النبي في نهار الصيام مبطل للصوم عند المشهور من فقهاء الإمامية، أو عندما يعمل الشخص عكس ذلك كأن ينفي حديث قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول بأنه غير صحيح فهذا أيضاً كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله.

حديثنا في اتجاه قضية الوضع الذي حدث في الأمة في هذه الفترة الممتدة ما بين وفاة النبي وبين الأمر بالتدوين أو ما بعد ذلك، فهناك أسباب متعددة نذكر بعضها:

أولاً: الإنتصار للعقيدة والمذهب، فعلى سبيل المثال لو كنت من شيعة أهل البيت وأريد أن أجعل المذهب الآخر سخيفاً، فأقوم وأفتعل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، طبعاً نحن نعتقد بأن الأحاديث الصحيحة المعتبرة التي تأمر بالإقتداء بأهل البيت عليهم السلام هي من الكثرة بحيث لا يحتاج الإنسان إلى أن يصطنع حديثاً وإلا لم نكن نتدين به، لكن أحياناً يحدث بأنهم ينقلون فيما يرتبط بالمذاهب في مدرسة الخلفاء بأنه قد يلجأ بعض المتمذهبين في هذه المذاهب وهذه المدارس لأجل جذب الناس إلى مذهبهم يلجؤون إلى وضع الحديث على لسان رسول الله في تأييد إمام مذهبهم، وهذا مذكور في مصادر القوم، في كتاب الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي يقول عن شخص سماه نعيم بن حماد المروزي وقد قالوا بأنه أعلم الناس بالفرائض أي أنه كان متفوقاً في قضايا المواريث والحساب ولكنه كان يضع الحديث في تقوية السنة، فلم يكن لديه مانع بأن يذكر على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً يقوي به منهجه وكان شديداً ضد أبي حنيفة، فلأجل أن يجر الناس  إلى مذهبه يضع الحديث ضد أبي حنيفة ومع رجال مذهبه.

المرحوم الشيخ الفضلي تغمده الله بالرحمة وأسكنه فسيح الجنة وهو من علماء المنطقة الكبار وكتبه كتب كثيرة ونافعة وأحد هذه الكتب اسمه (أصول البحث)، ينقل في هذا الجانب عن بعض ما كتبه بعض مصادر مدرسة الخلفاء قال: وأما الرواية في أبي حنيفة وأحمد بن حنبل فموضوعة باطلة لا أصلها وأما حديث سراج أمتي فأورده ابن الجوزي في الموضوعات وذكر أن مذهب الشافعي لما اشتهر أراد الحنفية إخماله فتحدثوا مع محمود بن أحمد السلمي وأحمد بن عبد الله الخوشاري وكانا كذَّابين وضاعين فوضعا هذين الحديث في مدح أبي حنيفة وفي ذم ابن الشافعي.

فنجد أن مذهب الشافعي لما بدأ يشهر أراد الأحناف أن يقفوا أمامه فوضوا أحاديث عن رسول الله في ذم الشافعي وأحاديث في مدح أبي حنيفة عن رسول الله أيضاَ، والغرض من ذلك هو ما ذكره أبو رية في كتابه (أضواء على السنة المحمدية) وهو كتاب مشهور، الشاهد أنه من أجل نصرة هذا المذهب على هذا المذهب وإمام هذا المذهب على إمام هذا المذهب لجأ بعض أتباع هذه المذهب إلى كتابة أحاديث في تأييد مذهبهم وذم المذهب الآخر، فهؤلاء لأنهم لا يعترفون بمعصوم غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك كان وضع الأحاديث ينسب إليه صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانياً: أن قسم من الوضَّاعين كانوا يجاملون الحكام والسلاطين والخلفاء وينتجون لهم ما يريدون من الأحاديث، كأيام معاوية بن أبي سفيان فقد أنتجت كثير من الأحاديث ضد أمير المؤمنين عليه السلام، كأن يأتي رجل ويقول: (أيها الناس سمعت رسول الله يقول: من أحدث بين عائر ووعير فعليه لعائن الله)، عائر ووعير هما جبلان في المدينة، أما كلمة (أحدث) فتأتي بمعنيين: صنع حدثاً وهو بالمعنى السياسي أي نهض ضد جماعة أو عمل ثورة أو خالف نظام معين، أما المعنى الثاني فهو الحدث الذي يوجب الوضوء، ثم يكمل هذا الرجل حديثه ويقول: (وأشهد الله أني رأيت علي بن أبي طالب قد أحدث بينهما) وقد نُقِل هذا الحديث عن بعض من أراد الإرتزاق من معاوية بن أبي سفيان كما أن هناك كثير من الأحاديث في هذا الباب يمكن للإنسان أن يتتبعها.

أحد الفقهاء في زمان العباسيين كما يُنقَل واسمه غياث بن إبراهيم، دخل على المهدي العباسي (محمد المهدي بن المنصور العباسي) فرآه يلعب بالحمام ويسابق بينهم وقال لهذا الفقيه: هل تحفظ حديثاً؟، قال: بلى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا سبق إلا في خفٍّ أو حافرٍ أو نصلٍ أو جناح)، فالرواية عندنا وفي مصادر مدرسة الخلفاء (لا سبق إلا في خفٍّ أو حافرٍ أو نصل)، فالمسابقة تكون كعمل رياضي وخصوصاً أنه يُنظَر إليها باعتبارها تنفع في التجهز للحروب والعسكر في ذلك الزمان كالمسابقة بالخيل او الجمال أو التهديف بالنصل والقوس والرمي به، فهذا الرجل الفقيه أضاف لهذه الرواية (أو جناح) حتى يبرر عمل محمد المهدي الذي كان يلعب بالحمام، فألقى له محمد المهدي بضعة دنانير وخرج، فقال محمد المهدي: أشهد أن قفاه قفى كاذب على رسول الله فأمر المهدي بالحمام فذُبِح بحجة أنه كُذِبَ به على رسول الله صلى الله عليه وآله، نلاحظ هنا أن اللعب بالحمام من الأمور المستنكرة على الشخصيات المعتبرة لأنها تعتبر حالة لهو شبابي لا يتناسب مع عالم أو زعيم أو غيره ولذلك عاب الإمام الحسين عليه السلام يزيد بن معاوية بهذا عندما جاء معاوية إلى المدينة وأراد أن يأخذ بيعة الناس بولاية العهد إليه وأخذ يصف بأني يزيد ابني كذا وكذا، فقال له الحسين عليه السلام: لعلك تصف محجوباً أو تنعت غائباً فدع عنك يزيد وما أراد لنفسه من اللعب بالفهود والقرود والحمام السبَّق لأترابهن تجده بها بصيراً.

نلاحظ أنه كان من المفترض بمحمد المهدي أن يعاقب ذلك الرجل الذي كذب على رسول الله، لا أن يذبح هذا الحمام الذي لا ذنب له، فما فعله محمد المهدي من إعطاءه الدنانير للرجل هو تشجيع وتحريض على الوضع بأن جعله مصدر من مصادر الرزق، فتقصن بعض هؤلاء المرتزقة بوضع الأحاديث وأخذ الأموال عليها.

ثالثاً: ما أشرنا إليهم من الجماعات المتقدسين الجهلاء الذين بزعمهم أرادوا أن يحرضوا الناس ويشجعوهم على الصلوات والأذكار والأوراد فأنتجوا هذه الأحاديث، وبعضها واضح أنها على خلاف الموازين الشرعية كالصلاة التي انتشرت ووصلت إلينا أيضاً وهي بأن من صلى هذه الصلاة وعليه قضاء سنوات كثيرة فإنها تسد مكانها، نجد أن هذا كذب وليس هناك أحد من العلماء عندنا يفتي بمثل ذلك، فلا يقوم مكان الصلاة من الناحية القانونية والدليلية والفقهية إلا قضاؤها فيجب قضاء الصلاة الفائتة كما فاتت ما دام الإنسان قادراً على قضائها وإن لم يستطع فعليه أن يوصي بها لتقضى عنه.

هناك قسم آخر من الأحاديث والروايات وضعه الزنادقة والمنحرفون عن الإسلام، الذين ليس لديهم اعتقاد بالقيامة ولا بالجنة ولا بالنار، فلا يوجد شيء يردعهم عن قول الكلام الكاذب، حتى أن بعضهم اعترف بذلك.

كان هناك رجل في زمان العباسيين معاصر للإمام الصادق عليه السلام وبدءاً من أيام المنصور ثم المهدي العباسي ومن بعدهما نشطت حركة الزندقة والإلحاد والإستخفاف بالدين وكان لهذه الحركة أشخاص ورؤساء منهم عبد الكريم بن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع وأبو شاكر الديصاني وأمثال هؤلاء، وقد كان الأمة عليهم السلام ينافحون بالنقاش والدليل العلمي وما شابه ذلك وقد كانت الدولة العباسية تحاربهم بالقتل، وقد قُبِض على عبد الكريم بن أي العوجاء وأُرِيد قتله فقال: إن قتلتموني فقد وضعت في أحاديثكم أربعة آلاف حديث أحلل فيها الحرام وأحرم فيها الحلال. نحن لا تعلم لعل ذا جل يكون كاذباً أو أنه يريد التشويش فقط أو أنه قد يكون صادقاً أيضاً، لكن المهم هو أن هذه الفئة قد وضعت أحاديث كثيرة في وسط الأمة وبقيت هذه الأحاديث.

لهذا نرى أن خطورة وضع الأحاديث ليست خطورة مؤقتة وإنما ستنتهي إلى تعطيل العمل بالسنة في الأمة، ولذلك أيضاً برزت الحاجة إلى المتخصصين لمعرفة الأحاديث وقيمتها، ولأن الوضع ملوث إلى هذه الدرجة فنحن نحتاج إلى متخصص يستطيع من خلال المقاييس الموجودة عنده أن يميز بين ما يمكن أن يكون مقبولاً وبين ما هو غير مقبول.

كيف يُكتَشَف الحديث الموضوع؟

فهذا الحديث هو حديث تخصصي ويحتاج إلى دراسة سنوات طويلة جداً من الحفظ والدروس والتحقيق، لكن ما لا يُدرَك كله لا يُدرك جله، وبهذا المقدار نعطي فكرة عامة:

من أول الأمور التي يمارسها العلماء لتحديد الحديث الموضوع من غيره: هو أن يُعرض على الكتاب والسنة الثابتة والأصول الدينية المتيقنة، فيروا هل يتنافر أو يتنافى هذا الحديث مع القرآن الكريم أو لا، ثم ينظرون إلى السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ليروا هل هذا الحديث يتنافى معها أو لا، فإن لم يكن يتنافى معها يتم قبوله مبدئياً وإن تنافى معها لا يُقبل، وايضاً ينظرون في الأصول العقائدية المتيقنة مثل عصمة الأنبياء ومثل وحدانية الله وامتناع التجسيم والتشبيه في الإعتقاد بالله عز وجل، كما أشرنا في ليلة مضت بعض الأحاديث التي نُقِلت فيها إشارات إلى التجسيم كما ورد في بعض الأحاديث في المدرسة الأخرى: (وامتلأت نار جهنم بأهلها يضع الله رجله في وسط النار فتصيح قط قط) فهذا الحديث ليس له معنى مع كوننا نعلم أن نسبة الرجل إلى الله تعني نسبة الجسم وقد تقرر في العقائد أن الله ليس بجسم سبحانه وتعالى عما يصفون، فعندما نرى مثل هذه الأحاديث التي تتعارض مع الأصول الثابتة المسلَّمة أو مع الآيات المباركة أو مع السنة الثابتة فعندها نعلم بأنها أحاديث موضوعة.

ما سبق أن ذكرناه أيضاً من مصادر المدرسة الأخرى مما تسرب من إسرائيليات مسلمة أهل الكتاب وهو نسبة المعصية إلى الأنبياء بل نسبة ما هو مشين لرسول الله صلى الله عليه وآله، فهناك بعض الأحاديث وإن كانت لا تنسب إليه المعصية لكنها تنسب إليه القبيح الذي لا ينبغي نسبته إلى إنسان مؤمن فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فهذه الأحاديث نضع عليها الكثير من علامات الإستفهام.

من المقاييس أيضاً لتحديد الحديث الموضوع من غيره: مضادة الحديث لأحكام العقل، هنا ينبغي أن نشير إلى نقطة وهي أنه ليس المقصود هو عدم تقبلنا له بل هناك فرق بين ما لا نتقبله أو ما لا نستوعبه وبين أنه إذا عرضناه على أي عاقل من العقلاء فإنه لا يقبله، لأن الناس في القسم الأول مختلفون فبعضهم يتقبله والبعض الآخر لا يتقبله بينما عندما نقول مضادته لأحكام العقل هو ما يُعرض على أحكام العقول المجردة عند كل الناس فنجدهم متفقين على أنه لا يمكن أن يكون معقولاً او مقبولاً.

كذلك أيضاً: إذا كان مما يخالفه التاريخ المثبَّت، فبعض الأحيان هناك قضايا تاريخية ينافيها التاريخ الصحيح، فهناك قسم غير قليل من الأحاديث التي تذكر البلدان وميزاتها وفضائل أهلها يقف عندها العلماء عادة موقف المتوقف والمتأمل إلى أن تثبت بدليل، لأنه في كثير من الأحيان ينتصر كل فريق لأهل بلده، فعندما أكون يمني فسأضع أحاديث عن فضل اليمن، و عندما أكون حجازي فسأضع أحاديث في فضل الحجاز، والعراقي يضع أحاديث في فضل العراق، وكذلك الشامي يضع أحاديث في فضل الشام وعلى هذا المعدل، لذلك فإن ما ورد في فضائل البلدان والأقوام عادة يتوقف فيها العلماء ويتأملون فيها فوق اللازم إن كانت أسانيدها صحيحة أم لا وإن كان مضمونها صحيح أم لا، ويتحققون ما إن كان مضمونها كلي أو لا وهل كان المقصود من هذا الحديث جماعة معينة في مكان معين أو لا، فمثلاً عندنا أحاديث عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذم بعض الأقوام، فهل تنطبق على كل الأزمنة؟، نجد أنها تنطبق فقط على ما كان في زمانه كما هو ظاهرها.

أضف إلى ذلك بعض المواضيع التاريخية التي يتبين من خلال التاريخ أنه لا صحة لها، وهنا تأتي فائدة فهم التاريخ ومعرفته حتى في الأحاديث والروايات، فمثلاً عندنا نحن في بعض مصادر الإمامية غير الأصلية أحاديث يصفها العلماء بأنها غير صحيحة أو ضعيفة وربما كانت موضوعة أيضاً، وهذا طبعاً لا يضر بالحجم الأصلي لأن الحجم الأصلي قد حققه العلماء ونقحوه وأشاروا إلى جهات صحته ولكن مع ذلك بقي بعض الشوائب، مثلاً مما يذكر أن محمد بن أبي بكر رضوان الله عليه وهو ربيب أمير المؤمنين عليه السلام عندما قربت من والده الوفاة أقبل عليه وأخذ يعظه ويعاتبه على تولي الخلافة وما صنع مع فاطمة الزهراء عليها السلام وما شابه ذلك، لكن عندما نأتي إلى الجهة التاريخية نجد أنها لا تساعد على هذا الكلام لأن محمد بن أبي بكر عندما توفي والده كان عمره ثلاث سنوات تقريباً فقد ولد في السنة العاشرة للهجرة ووالده توفي في السنة الثالثة عشر للهجرة، فكيف يستطيع أن يتكلم هذا الكلام المرتب؟، ولهذا يتبين أن هذا الحديث لا يصح عنه وإنما وضع على لسانه، فقد يكون هذا الحديث فيه بعض الصحة من حيث المضمون لكن كون محمد بن أبي بكر هو الذي قاله فهذا ليس صحيحاً.

محمد بن أبي بكر هو شاب تربى في أحضان أمير المؤمنين عليه السلام وفي أحضانه لأن الإمام عليه السلام تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة زوجها أبي بكر، فهي تزوجت اولاً جعفر بن أبي طالب وعندما استشهد جعفر بن أبي طالب تزوجها أبي بكر وبعد وفاته تزوجها أمير المؤمنين عليه السلام وأولد منها أيضاً، لذلك ينقلون أن عبد الله بن جعفر الطيار ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي بن أبي طالب هم أخوة من الأم ومن آباء ثلاثة.


مرات العرض: 3394
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 52824.2 KB
تشغيل:

منع تدوين السنة : مبررات ونتائج 5
تعطيل السنة في العصرالحديث 8