منع تدوين السنة : مبررات ونتائج 5
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/9/1442 هـ
تعريف:

5/ منع تدوين السنة: مبررات ونتائج

?تابة الفاضلة أمجاد عبد العال

قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب). آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم. عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد. 

حديثنا بإذن الله تعالى، يتناول موضوع: منع تدوين السنة النبوية بين المبررات والنتائج، ضمن الحديث عن سنة النبي (ص). سبق أن ذكرنا في ليال مضت، أنه تم منع التحديث بالسنة، ومنع التدوين أيضا، وقد بدأـ ذلك بعد وفاة رسول الله (ص). وكأي عمل من الأعمال لا بد أن تقدم مبررات، وخلفيات من قبل القائمين به. لننظر: هل هذه المبررات يمكن أن تكون موضوعية ومقبولة أو لا، بغض النظر عمن قالها وذكرها. المبرر بما هو، والسبب في اتخاذ هذا القرار بنفسه كائنا من كان من اتخذه. لنرى: هل أن هذا المبرر مبرر معقول أو ليس كذلك.

طبعا في هذا الموضوع أبحاث كثير، إذا أحد أراد تفصيل المسائل، هناك كتب كتبت في هذا الباب، من ذلك مثلا: مقدمة كتاب وسائل الشيعة، الطبعة الجديدة، التي طبعتها مؤسسة آل البيت، فيها مقدمة مفصلة حول هذا الموضوع، ومفيدة، لمن أراد التفصيل. هناك كتاب ألفه السيد علي الشهرستاني، حفظه الله، وهو كتاب مهم ومفيد، بعنوان: منع تدوين السنة. هناك كتاب ثالث ألفه العلامة السيد محمد رضا الجلالي، بعنوان: تدوين السنة الشريفة، وغير هذه الكتب، أيضا هناك بحوث وكتب كتبت في هذا الإطار، لو أراد أحد المزيد والتنفصيل يمكن له الرجوع. 

أول المبررات التي ذكرت أيام الخلافة الأولى هو ما نقلناه عن كتاب تذكرة الحفاظ وتاريخ الإسلام لشمس الدين الذهبي، الحديث الذي نقل عن أن الخليفة الأول، بعدما جمع 500 حديث، قرر إتلافها وإحراقها، وقال في ذلك: "خشيت أن أموت وهي عندي، ويكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذلك". السبب في إتلاف هذه الأحاديث ومنع نشرها وهي أحاديث كتبها الناس، لأن المعلوم: أن الخليفة – حسبما ورد في مصادر مدرسة الخلفاء – له رواية بنحو 129 حديث، بينما هذه 500 حديث، وهو أيضا طلب من الناس أن يأتوه بالأحاديث المكتوبة عندهم. 

علة الإتلاف ما هي؟ هي: أنه ربما يكون قد وثق بشخص ونقل عنه الحديث ولم يكن ذلك الشخص محل ثقة. فيكون هو المسؤول، كأنما يتحمل مسؤولية نقل حديث غير موثوق إلى الآخرين؛ لذلك يتلف هذا الحديث. 

مناقشة هذا المبرر من عدة جهات. إحدى هذه الجهات: أولا: أن هذا يصدق على الأحاديث التي نقلها الخليفة عن آخرين، أما الأحاديث التي هو نقلها مباشرة، بعد ما فيها هذا الكلام، فلماذا تتلف هذه! أنا إذا سمعت من شخص آخر، ربما يكون ذلك الشخص الآخر غير ثقة، فأنا إذًا: أخاف أن يكون حديث غير موثوق. لكن إذا أنا سمعته مباشرة، يعني هاي المية وتسعة وعشرين حديث التي ذكروا أن الخليفة قد رواها مباشرة، لا ينطبق عليها هذا الأمر، هذا واحد. فإذًا، يفترض أن تعزل هذه الأحاديث المية وتسعة وعشرين اللي هو الخليفة قد نقلها عن الباقي، هذا واحد. 

اثنين: ليس كل من نقل عنهم، هم غير ثقاة، وإلا فهذي طامة تصير، ومشكلة عدالة الصحابة تنهدم كلها، بناء على مدرسة الخلفاء: كل الصحابة عدول، كل الصحابة ثقاة، كل الصحابة ينبغي الأخذ عنهم، كل الصحابة من أهل الجنة. تحدثنا في بعض السنوات عن هذه النظرية. فإما النظرية هذي غير صحيحة، وإما هذا الكلام غير صحيح. إذا كل الصحابة عدول، لا معنى لأن يقال: أخاف أن يكون واحد غير ثقة أنا نقلت عنه، ويكون الحديث على غير ما ذكر، وهذا من الكلام الذي ينافي نظرية عدالة الصحابة التي استقر عليها المذهب الآخر. فإذا كان قسم من هؤلاء، لنفترض من مجموع 20 شخص جابوا هذه الروايات، لنفترض 5 مشكوك فيهم، مو كلهم مشكوك فيهم، خلينا نشيل أيضا الأحاديث غير المشكوكة، ونبقي أحاديث الخمسة المشكوكة. لنفترض من 500، 50 حديث يبقى مشكوك، لماذا تتلف الـ 450؟ لماذا يمنع من تدوينها وتناقلها، خلي يصير الخمسين هذي المشكوكة هي التي تعزل على جنب، ثم هالخمسين أيضا المشكوكة، الطريقة الصحيحة للتوثق منها: هل هو إحراقها وإتلافها، أو لا، نجي نجيب مثلا عدد من صحابة الرسول ونقول لهم: هل سمعتم يا أصحاب رسول الله هالخمسين حديث لو لا؟ إذا قالوا ما سمعناه، نقول إذًا: الأحاديث لم تثبت. وإذا قالوا سمعوها، خلاص، حتى لو اللي نقلها مباشرة إلي، ما كان صادق، لكن آخرين قد سمعوها وقد صدرت من رسول الله. فإذًا: هذا المبرر، كما يقول هؤلاء الباحثون، لا يستقيم بالنظر الموضوعي. المفروض أن لا تتم ممارسة هذا العمل من الإتلاف بهذا المبرر، هذا المبرر لا ينتهي إلى إتلاف السنة وإلى إحراق ما كان مدونا. هذا أحد المبررات. 

المبرر الثاني، الذي قيل أيضا، كما نقلناه عن الطبقات الكبرى لابن سعد البغدادي، المتوفى في أوائل القرن الرابع الهجري، أنه قال بعد أن خطب فيهم: "أنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا منكم، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه"، أنتوا رح تختلفون الآن، وإذا انتوا اختلفتوا اللي بعدكم رح يختلفون أكثر، الحل ما هو؟ لا تتحدثوا عن رسول الله، وإنما فقط الجؤوا إلى القرآن، وأي واحد يسألكم قولوا: بيننا وبينكم كتاب الله. 

هذا المبرر، أول ما يذكرنا، يذكرنا بما روي أيضا من طريق مدرسة الخلافة، أن النبي (ص) تنبأ بأن يأتي قوم من بعده، "كأني بالرجل منكم متكئ على أريكته، يقول: بيننا وبينكم كتاب الله"، "متكئ على أريكته، إذا بلغه الحديث مني يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه"، ما علينا من أحاديث النبي، ثم أضاف النبي بحسب ذلك الحديث: "ألا وإن ما حرمه رسول الله كما حرمه الله عز وجل"، يعني ما كو فرق بين تحريم النبي، وتحريم الكتاب العزيز، فهذا أول شيء يذكرنا بهذا، إذًا النبي (ص) يرى أن مثل هذا الكلام كلام غير سليم، وهذا أيضا من مصادر مدرسة الخلفاء، هذا واحد. 

الأمر الثاني: إذا كان القضية أنه لا بد من اللجوء إلى كتاب الله وما علينا من أحاديث رسول الله، ولا تحدثوا بحديث رسول الله، لأنها ستصنع الاختلافات، نسأل: لماذا لم يُعمل بهذا الأمر في قضية فدك وميراث فاطمة الزهراء (ع)؟ فاطمة قالت: هذا القرآن يقول: (وورث سليمان داوود فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب)، هذا القرآن، الخلافة شنو جابت، جابت حديث، قالوا: أنه عن رسول الله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث، وما تركناه فهو صدقة"، أو "فهو لولي الأمر من بعدنا"، طيب، إذا كان أنكم تحدثون عن أحاديث عن رسول الله، أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدا اختلافا، أيضا هذا ينطبق عليه، روحوا إلى القرآن: بيننا وبينكم كتاب الله، لماذا تلجأون إلى الحديث هنا وتمنعون عن الحديث في مكان آخر؟ تختلفون أيضا، هذي محل اختلاف كانت بين أهل البيت وبين الخلافة: قضية فدك وقضية ميراث فاطمة (ع)، وصارت وراحت وخطبت وتكلمت، تريد أيضا خلاف واختلاف أكثر من هذا! لماذا لا نطبق هذه القاعدة: أن اتركوا حديث رسول الله، وروحوا إلى القرآن الكريم، لماذا مشت هالقاعدة في كل مكان ولما وصلت إلى قضية فدك، وقفت. المفروض أن يلتزم الإنسان بما يقرره من قواعد، بغض النظر عن أنه: هاي قاعدة صحيحة أو لا. فأنت تقول: القرآن الكريم هو المرجع، لا تحدثوا عن النبي أحاديث تختلفون فيها. طيب، "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" حديث صنع اختلافا في الأمة، اتلقرآن موجود، ارجعوا إلى القرآن، القرآن يقول: الأنبياء يرث بعضهم بعضا. طيب. هذا  أمر آخر أيضا يناقش في هذا المبرر الثاني، وبحسب ما يقول الباحثون أن هذه الفكرة أيضا غير قادرة على تبرير أننا نمنع السنة من التداول، من الانتقال، من التدوين، من الكتابة، لأن الناس سوف يختلفون في ذلك، في كثير من الأحيان بالعكس: لا يحصل اختلاف، السنة الصحيحة مبينة للقرآن، السنة الصحيحة شارحة للقرآن، سيأتي إن شاء الله، عندنا حديث عن علاقة السنة بالقرآن الكريم، ولكن – بحسب تعبيرنا – نحن نتابع المبرر المذكور، هذا المبرر مبرر غير صحيح.

في عهد الخلاقة الثانية، أضيفت مبررات أخر للموضوع، من هذه المبررات، هي: الخشية والخوف من اختلاط أحاديث النبي بالقرآن، والقرآن بأحاديث النبي، ولا يصير مثناة، مثل مثناة أهل الكتاب، بحيث يصير مثل ما عند أهل الكتاب، تختلط التوراة بشروحات وكتابات ما كان من سنة موسى بن عمران (ع)، احنا أيضا ما نريد تختلط سنة النبي بالقرآن الكريم، لذلك اسكتوا عن السنة، واتلوا فقط القرآن، حتى إذا رحتوا إلى أماكن في هالبلدان الجديدة، رح تروحون تشوفون الناس لهم دوي كدوي النحل بالقرآن الكريم، لا تروحوا تشغلوهم بالسنة، قال رسول الله وقال رسول الله، وهناك خضية أنه تختلط السنة بالقرآن الكريم.

وقد أجيب على هذا الكلام بعدة إجابات. الإجابة الأولى: أن أي ناظر عارف باللغة العربية، يستطيع التمييز بأدنى تأمل، بين القرآن الكريم، وبين أحاديث رسول الله، وأحاديث غيره. أي واحد يجي، إذا عنده معرفة باللغة العربية، وذوق فيها، بسهولة يستطيع أن يميز بين آيات القرآن الكريم، وبين سنة رسول الله (ص)، ليش؟ لما سبق أن ذكرناه في سنوات ماضية، عن الإعجاز البلاغي والإعجاز المعنوي والإعجاز اللفظي بالقرآن الكريم، وأن هذا خاصة القرآن الكريم لا يتوفر في أي كلام للبشر، وتحدي صار: (فأتوا بسورة من مثله)، جنن أنس، ملك، بشر، نبي، وصي، عالم، جاهل، كلها خل تجتمع، لا تستطيع أن تأتي بسورة من ثلاث آيات: (إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إنا شانئك هو الأبتر)، أقل من عشر كلمات. محد يقدر يجيب مثل هذا، تحدي أيضا، قرآن، لا الأنبياء ولا الأوصياء ولا الصالحون ولا الفاسقون، ولا الجن ولا أنس، تحدي! إذا قلنا رح تختلط ويصير الناس ما يعرفون هذه آية لو هذي رواية، وينمزج القرآن بالسنة، هذا معناه أن بإمكان البشر – ومنهم النبي – أنهم يجبوا كلام مثل القرآن، بحيث يختلط على الناس، وما يقدرون يميزون فيه، هذا خلاف فكرة الإعجاز القرآني، القرآن لا يشبه نظمه ولا كلامه أي شيء آخر. والنبي (ص) هو يصرح لهم بذلك، هذا مو كلامي، ولا من تلقاء نفسي، لا يمكن لي أن أبدله، ولا أصنع فيه أي شيء. زين إذا هذه فكرة، فكيف يقال: أن احنا نخشى أن يختلط القرآن بالحديث، ويصير مثناة كمثناة أهل الكتاب! لنفترض أن هذا الكلام مثلا فيه وجه، خلينا حسب التعبير نجاري هذا القول. هذا الكلام إذا فيه ولو نسبة 1% من الصحة، إنما يكون قبل تمام القرآن، وكمال القرآن، والانتهاء من الوحي، أما إذا خلص الآن، والوحي انتهى، وحفظ القرآن في الصدور تماما، بكل حرف فيه، لا زيادة ولا نقيصة، وكتب في الكتب، بلا زيادة حرف ولا كلمة. خلاص انتهى الموضوع، أي واحد يريد يضيف شيء أو كذا، مبين، الآن: هل يستطيع أحد أن يضيف إلى القرآن حديثا؟ كلا، ليش؟ لأن القرآن محفوظ ومعروف. نفس الكلام هذا في زمان ما بعد رسول الله (ص)، لأن بعد رسول الله قد اكتمل القرآن قبل ذلك وكتب وحفظ، فلا معنى لأنه يمكن يختلط الآيات بالأحاديث والروايات. فهذا الكلام أيضا، مهما كان القائل، لا نعرف له وجها صحيحا. 

هذه المبررات إذًا صارت. الباقي يعني في زمان بني أمية ما كانوا يحتاجون إلى تبرير، كانوا أكثر صراحة كما قلنا في ليلة مضت، لكن هذه التبريرات التي سيقت، والأسباب التي قيلت قبل ذلك، هذه مبررات وأسابا ليست سليمة ولا صحيحة. 

نعم، تم المنع من التدوين، وتم المنع من التحديث، ونقل الأحاديث، وحصل هذا. بقيت هناك فكرة أشير إليها إشارة سريعة، وهي: أنه يتبين من هذه المبررات بعض الأمور، الأمر الأول: أن ما قيل في وقت متأخر من أن النبي نهى عن كتابة الحديث، أو نهى عن أن يحدث الناس بذلك، هذه الأحاديث يتبين تم صناعتها فيما بعد، من يتبين هذا؟ لأنه لو كان هذه الأحاديث زمان رسول الله (ص) لاستشهد بها الخليفة الأول والخليفة الثاني واستقووا بيها، هم يريدون أن ما يصير حديث ولا تدوين ولا نشر، صحيح ولا لا، أفضل سبب، أفضل مبرر قوي يستطيع أن يتمسكا به، هو: نحن نمنع من التدوين، نحن نمنع من ذكر الحديث، لأن رسول الله قد منع ذلك. انتهى الموضوع، ما يحتاج واحد يجيب سالفة أنه أنا ربما نقلوها لي ناس موثقة، وراح يصير اختلاف في النقل وأنه راح يصير اختلاط بينها وبين الكتاب العزيز، ما يحتاج هذا الكلام. لو كان رسول الله قد نهى عن الحديث بسنته ونهى عن تدوينه، لكن يكتفى أن يقال: أيها الناس، لا تحدثوا بحديث رسول الله، لأن رسول الله منع ذلك، لا تكتبوا حديث رسول الله، لأن رسول الله منع ذلك، هذا يكفي، ما يحتاج بعد واحد يدور على مبررات أخر. 

لما لم يستدل الخلفاء بهذا الجانب، تبين لنا أن هذا الكلام من أن النبي نهى عن الحديث ونهى عن الكتابة، يتبين هذا صناعة متأخرة، فيما بعد، في زمان بني أمية، أو بعدهم، المهم: لم يكن هذا في زمان رسول الله (ص). متوجهين إلى هذا المعنى أو لا؟ 

يضاف إلى ذلك: أن ما نقل في بعض مصادر مدرسة الخلفاء، ككتاب المصنف لابن أبي شيبة، ابن أبي شيبة واحد من الحفاظ والمحدثين في مدرسة الخلفاء، توفي في بدايات القرن الثالث الهجري، حوالي 230 هجرية، ذكر فيه عن شخص: أن أمير المؤمنين (ع) قال، عن عبدالله بن يسار، قال: سمعت عليا يخطب ويقول: أعزموا على من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هكذا الناس حيث يتبعون أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم". هذا أيضا من الأحاديث المصطنعة وغير الصحيحة. فإن سياسة أمير المؤمنين (ع) تبعا لرسول الله، وقد علمها لأولاده وأصحابه، أنهم كانوا يكتبون سنة النبي، من أيام النبي، ويتناقلونها فيما بعد. فإذا واحد إجا قال لنا، أنه ترى علي بن أبي طالب قال: اللي عنده كتاب عن السنة يمسحه ويخرقه، نقول له هذا بيعها في سوق الخردة ما يفيدك هذا؛ لأن علي كتب الأديم، الذي ذكرناه في رواية أم سلمة، كتب أديما وظهره وبطنه وأكارعه، جلد كبير، النبي يملي، وعلي يكتب. وكتاب علي اللي فيه حتى أرش الخدش، وبقي إلى زمان الإمام الصادق والباقر عليهما السلام، وقالا: هو إملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب. بل حتى أصحابهم، جابر بن عبدالله الأنصاري، كان لديه صحيفة تسمى بالطاهرة، في مناسك الحج، عن أخبار وأحاديث رسول الله (ص). وأبو رافع، ونقلنا كثير من هذا المعنى، فلا اعتناء بما يقال، بأن علي قال اللي عنده كتاب يجي يمحيه، وإن نقل في مصادر الخلفاء، وقد يكون هذا الحديث لتغليظ المرقى – حسب التعبير – حتى لا يقال بس أن بعض الخلفاء منعوا، حتى علي بن أبي طالب، لكنه غير صحيح. 

زين، تم هذا. الآثار والنتائج التي تمخض عنها منع التحديث والتدوين لمدة تصل إلى نحو قرن من الزمان، 88 سنة، كانت نتائج كثيرة وضارة للغاية، نشير إليها إشارات سريعة وعابرة. 

أول أضرار هذه السياسة: أنها سهلت نقوذ الإسرائليات إلى الثقافة الدينية والإسلامية، كيف؟ الآن إجينا إلى زمان الخليفة الثاني، صارت فتوحات وتوسعات، الناس أيضا انتقلوا من مرحلة المعرفة الأولى للعلم بالإسلام إلى مرحلة متقدمة. الآن أنت أول ما تبلغ مثلا، يصير عندك معرفة بالأحكام، أحكام الصلاة، أحكام الصيام، الأشياء البسيطة اللي تحتاجها، بعدين لما يتقدم بيك العمر وتكبر، تحتاج إلى ثقافة أكثر: تريد تعرف في العقائد، تريد تعرف في السنن، في التاريخ، تريد تعرف في قصص الأنبياء، تريد تعرف في شؤون الثقافة الإسلامية الأخرى، ما يكفيك بس هذه الأحكام الشرعية البسيطة، فتدور على مصادر. هذا كل الأمة صار عندها هالشكل، زمان النبي (ص) عرفت مقدار من الأخلاقيات، مقدار من الشرعيات، مقدار من التوجيهات الدينية والعقائدية، بس كلما امتد بها الزمان، صارت تحتاج إلى ثقافة ومعرفة أكثر. فهالأثناء، آل بيت محمد (ص) تم استبعادهم، ليس فقط من السياسة، وإنما من التوجيه أيضا، ما صارت المنابر بايديهم، ولا حلقات العلم، ولا صلوات الجمعة، ولا ولا، هذا ما صار، زين، الناس يحتاجون إلى ملء الفراغ، من الذي ملأ الفراغ، جاء مسلمة أهل الكتاب: تميم الداري، حبر من الأحبار أسلم في زمان الخليفة الثاني، ليس في زمان رسول الله، وإجا من فلسطين واستقر في المدينة، وهذا متروس من الثقافة اليهودية، تريد من قصص الأنبياء؟ هذا عنده: آدم، والجنة، والنار وما جاء في التوراة، كل ما كان في التوراة المحرفة، هذا يعرفه، الناس هم يسألون، تفاصيل يريدون، ما يكتفون بهالمعلومات البسيطة، فصار هذا هو الذي يتصدى للسؤال والجواب، وأصبح مكان إله رسمي في المسجد، أول ما بدأ يوم في الأسبوع، بعدين أضيف إليه، بعد الصلاة يقعد، والناس يستمعون إليه، أفكار التجسيم والتشبيه، وما كان عند اليهود، وأن آدم اختفى في الجنة، والله ظل يدور عليه، ما لاقاه داخل الجنة، وأن مثلا لوط كذا، سووا مع بناته، وكذا، هذا العثاء الكبير الموجود في التوراة المحرفة انتقل إلى داخل الثقافة الإسلامية واختلط، فراغ أكو، مثل الهواء، مكان مفرغ، أي هواء يجي، سواء هواء نقي أو هواء فاسد: تميم الداري، كعب الأحبار، وهب بن منبه، وهؤلاء إجوا وصارت إلهم جلسات علمية وتثقيفية في مسجد رسول الله (ص)، طبعا الناس، ما دام ما عندهم ما كان من رسول الله (ص) من سنة صحيحة، وما كان عند أهل البيت (ع) من علم نبوي، طبيعي أن يستقبلوا هذا الكلام، فنفذت الإسراليات بهذه الطريقة إلى الثقافة الإسلامية، هذا واحد. 

اثنين: في نفس الوقت، ضاعت كثير من الأحاديث الصحيحة والمعتبرة، الآن مثل ما قلنا إذا فرضنا 500 حديث أيام الخلافة الأولى، و500 أخرى – كما في بعض الروايات – في الخلافة الثانية، هذي ألف حديث هكذا جاهز مجهز، لو فرضنا أن فيها 10% مثلا أحاديث مو صحيحة، يعني هناك 900 حديث صحيح راحت، فضلا عما رواه باقي الصحابة من مئات الأحاديث كلها راحت وانطوت، منو بعد يذكر إلى بعد 88 سنة؟! إما تحفظ في الصدور: ماتوا، تحفظ في السطور: ممنوع الكتابة، فكيف تحفظ هذه الروايات! 

ولذلك يقول رشيد رضا صاحب تفسير المنار، أحد كبار العلماء في مدرسة الخلفاء، وهو من تلامذة الشيخ محمد عبدو، يقول بهذا النص في تفسير المنار: "ونحن نجزم بأننا نسينا وأضعنا من حديث نبينا حظا عظيما، لعدم كتابة علماء الصحابة كل ما سمعوا"، مو ما كتبوا، كتبوا، حفظوا، لكن اللي صار بعدين، صار: منع، وإلا كتابة كانت. 

من هنا المستشرقين وجدوا منفذا عريضا جدا في هذا الباب، قالوا: عمي إذا احنا واحد ينقل عن واحد مباشرة، نشكك هل نقل صحيحا أو لا، نصبر بعد 88 سنة، بعدين تجيب لي أحاديث تقول هذي كلها صحيحة. ما ممكن هذا. لذلك تطرف المستشرقين، كما قال تشاخت جولدتسيهر، قال: ما عندنا حديث نبوي صحيح أصلا، لا يوجد، وأنها كلها موضوعة، لعبت بها الأهواء والآراء، و و و، طبعا هم كذبة، هم يكذبون، يريدون أن يطعنوا في الإسلام، وإلا حديث النبي قد حفظ عند أهل بيت النبي، وتوارثه واحد منهم بعد الآخر، مكتوبا وفي الصدور، ويروي الواحد منهم عن الآخر، ويقول: "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث رسول الله" (ص)، بالإضافة إلى ما ذكرنا من صحيفة الجامعة، كتاب علي، إلى غير ذلك، اللي هي شكلت فيما بعد ما سمي بالأصول الأربعمئة، إن شاء الله نتحدث عنها في المستقبل. 

لكن هذا المستشرق ما مهم عنده أنه يكون عند شيعة أهل البيت مثلا، أو عند أهل البيت، الحديث الصحيح عن رسول الله، يريد أن يضرب الإسلام بالكامل، لذلك عندهم كتب في هذا، المستشرقون كتبوا ما ينتهي إلى أنه أصلا لا يوجد عندنا حديث صحيح عن النبي، وأن هذه كلها أحاديث موضوعة، هذي هالفكرة وهالمنفذ وهالطعن إنما تشكل على أثر سياسة منع الحديث ومنع التدوين، لحديث رسول الله (ص). هذا أمر آخر. 

أيضا، صار اتسع المجال واسعا للاجتهاد في مقابل النصوص وخارج النصوص، المرحوم السيد شرف الدين – رضوان الله تعالى عليه – صاحب كتاب المراجعات، عنده كتاب اسمه: النص والاجتهاد، موجود ومطبوع، على النت أيضا موجود، ذكر قريب من 70 مورد من الموارد التي قام فيها الخلفاء والسلطات الرسمية في بلاد المسلمين باجتهادات وآراء في مقابل النصوص الشرعية الثابتة. عددها كثير، وبعضها إلى يومنا هذا لا يزال مستمرا. 

لو كانت سنة رسول الله مدونة ومحفوظة ومعروفة للناس، أي واحد يجي يريد يسوي فذ شيء، يقولوا له: لا، هذا النبي ما قاله، أو قال خلافه، أو كلامه كذا وكذا، لكن ما محفوظة، فيقدر، إذا كان صاحب قوة وسلطة أن يمشي هذا الأمر، لا سيما وأنه لا يوجد هناك نص مكتوب مشهور على مستوى الأمة. هذا أمر من الأمور ومن النتائج. 

ثالث النتائج: وقضية الوضع أيضا صار، وضع الأحاديث، على لسان رسول الله (ص). في مدح هذا ومدح ذاك، المدائني أحد المؤرخين المشهورين عنده كتاب، اسمه: الأحداث، هذا الكتاب ما موجود، أتلف. غير موجود، سالفة أنه أتلف، يعني تحتاج إلى دراسة عن أنه هناك بعض الكتب اللي فيها مقدار من الصراحة لا تجد لها أثرا، إلا في الكتب التي نقلت عنها، أما نفس الكتاب الموجود أعدم. 

مثل ما في بعض الدول، أنت تجد مثلا الكتاب الفلاني يمنع، ثم تجمع نسخه، بعد مدة من الزمان ماكو خبر عنه، الآن في هالأزمنة مع أن الطباعة بالآلاف، فكيف في تلك الأزمنة اللي كانت استنساخ يدوي، وإذا صار انتساخ للكتاب 10 نسخ، هذا يعتبر شيء كثير. الشاهد يذكر هذا كما نقله عنه في شرح نهج البلاغة وغيره. يقول: بعد سنة 40 معاوية ابن أبي سفيان أرسل إلى الآفاق، أولا أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضائل ومناقب علي بن أبي طالب، هذا واحد. اثنين: أنه أنظروا ما جاء في مناقب علي فأتوني بمناقض له في بقية أصحاب رسول الله، يعني مو بس علي بن أبي طالب، عنده هذه الأحاديث، سووا أحاديث مثلها، في حق باقي أصحاب رسول الله، فكثرت الأحاديث، كل واحد يجيب حديثه يحصل إله جائزة، فكثرت الأحاديث، إلى أن معاوية قال: بس، صار العيار أكثر مما ينبغي، بس يكفي هذا المقدار، حتى فيه صار أحاديث مثل: ما جاء أن النبي زعموا قال في حق معاوية: اللهم علمه الحساب والكتاب وقه العذاب. كله بحرف السجع (اب) وين تجد إله أثر هذا، بل، صار في حق ولده يزيد بن معاوية! أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم. دز ابنه يزيد لكي يذهب إلى الصائفة يسمونها، الغزوة في الصيف، فروح، ووصل إلى القسطنطنية بأي شكل من الأشكال، حتى هذا الحديث اللي جاهز مجهز يكون في حقك وأنك مغفور لك، أي شيء اللي سويته، النبي قال: هذا مغفور له خلاص، أخذ البراءة من النار، وأخذ المغفرة. 

هو نفس معاوية بن أبي سفيان، قال فيه النسائي المحدث المشهور، لما كتب في خصائص علي بن أبي طالب، النسائي من المحدثين الأثبات إله كتاب السنن، سنتحدث عنه إن شاء الله في وقت من الأوقات، عنده كتاب أيضا: خصائص الإمام علي (ع)، وجايب الأحاديث الكثيرة، بأسانيد معتبرة، في فضائل الإمام (ع)، وين راح يحدث فيها، راح يحدث فيها في دمشق، الناس في دمشق ينتظرون اليوم الأول: علي بن أبي طالب كذا، اليوم الثاني: علي بن أبي طالب، اليوم الثالث: علي، قالوا له: عمي، أنت ما عندك غير علي بن أبي طالب، شوف إلنا فد حديث في فضل معاوية، قال: ما صح عندي حديث في فضل معاوية إلا قول رسول الله: "لا أشبع الله له بطنا"، هذا: عجيب، وتسب خال المؤمنين! فقاموا يخبطونه في بطنه بأرجلهم حتى أصيب بالفتق. وأخرج من دمشق وقضى خارج دمشق، توفي على أثر ذلك. فإذا في الأب ما ثبت حديث، يثبت في الولد: يزيد بن معاوية. 



مرات العرض: 3414
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 52618.17 KB
تشغيل:

التطور التاريخي لتعطيل السنة النبوية 7
الحديث الموضوع : أسبابه وكيف يكتشف 6