التطور التاريخي لتعطيل السنة النبوية 7
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/9/1442 هـ
تعريف:

7/ التطور التاريخي لتعطيل السنة النبوية

كتابة الفاضلة أنهار آل سيف

قال الله العظيم في كتابه الكريم (و مَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن یُؤۡمِنُوۤا۟ إِذۡ جَاۤءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوۤا۟ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرࣰا رَّسُولࣰا)

حديثنا بإذن الله تعالى يكون بعنوان التطور التاريخي لتعطيل السنة النبوية. الناظر في المشهد الثقافي الإسلامي اليوم يلاحظ أن هناك توجهات، تارة بإسم وأخرى بدون اسم، تنهج منهج تعطيل سنة النبي عن العمل . فمن يُسمَّون بالقرآنيين وقد تحدثنا عنهم في السنة قبل الماضية عند الحديث في سلسلة المعارف القرآنية وقد نشير إليهم إشارة في احدى هذه الليالي ، لكن خلاصة فكرتهم أنهم يكتفون في إدارة شؤونهم الدينية بالنظر إلى القرآن الكريم في العبادات و في المعاملات ضمن مبررات قالها مؤسسو هذه الحركة والتوجه، أنه على أثر اختلاط الأحاديث الضعيفة بالأحاديث الصحيحة و الموضوعة بالأصلية وعدم إمكانية تمييز الصحيح من غير الصحيح أصبح الجميع مستغنى عنه. عندما يكون شي مخلوط  و لا نستطيع التميز بين الصحيح و الموضوع فالطريق الطبيعي أن نستغني عن هذه السنة بالكامل وأن نلجأ للقرآن لإن القرآن فيه تبيان كل شي وهو صادر من الله عزوجل. أي خلاصة فكرتهم و سنتعرض إليها في وقت لاحق و نبين خطأها و خللها.

قسم آخر وهو اتجاه من غير أسم ولكن يوجد مفكرون و دعاة إليه وأصحاب تيارات و كتب ،ينتهي أمرهم إلى تعطيل العمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) ضمن مبرر أن هذه السُنة إنما جاءت لتنظيم الوضع الاجتماعي في زمان رسول الله (ص) و أما في زماننا فليست هذه السنة قادرة على تنظيمه . كانت محدودة بزمان معين و ظروف خاصة وضعت قوانين لتنظيم ذلك المجتمع ، الآن مجتمعنا يختلف تمام الاختلاف عن ذلك الوضع فيحتاج له إلى غير هذه السنة و هم يزعمون أنهم يلجؤون إلى القرآن و يُعمِلون عقلهم في استنباط الأحكام و القوانين المناسبة لهذا الزمان . هذه الفكرة الخاطئة أيضاً سوف نعرض إليها و نبين وجوه الإشكال فيها . لكن هاتان الفكرتان هي منتهى إلى بدايات ، نقطة النهاية لبدايات و مراحل زمنية و تاريخية إلى أن وصلت الفكرة إلى هذه المستوى في الأمة. لذلك من المناسب أن نعرض إلى التطور التاريخي: كيف كانت البدايات؟ كيف بدأ تعطيل السنة ،تحييد السنة ،حذف السنة النبوية من التشريع على أي أسس كان فيه هذه المراحل التاريخية إلى أن وصلنا إلى هذه النقطة ؟

فحديثنا هذه الليلة سيكون عن التطور التاريخي لفكرة تعطيل السنة و تحييد السنة النبوية وحذف السنة النبوية إما كُلاً أو جزءاً . من البداية أساساً أن يقبل انسان كلام انسان آخر على أنه كلام الله وأن يلتزم به و يطبقه بالكامل بحذافيره وأن يعتقد أنه إن لم يفعل ذلك فسيخسر الدنيا والآخرة هذا من أصعب الأمور على الانسان. الإيمان ليس شيئاً سهلاً. أنت تتصور الآن و تقول الحمد لله أنا مؤمن وما أسهل ذلك ، لا ، الأمر من أصعب الأمور ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجࣰا مِّمَّا قَضَیۡتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمࣰا﴾ أصبح مقياس قبول كلام النبي عند المؤمنين عند المسلمين هذا مقياس للإيمان بالله عز و جل، لإن أي انسان من الطبيعي أن يتساءل: لماذا أنا أقبل كلام هذا و أقدمه على رأيي ، الله بعثه؟ ما مناسبة أن يبعثه ولا يبعث غيره ؟ في الأصل يجي يقول الانسان أن الله سبحانه و تعالى إذا أراد أن يبعث ، لن يبعث بشر عادي ،هذا البشر الذي يأكل و يشرب ويذهب الحمام وينعس و ينام وانما المفروض يرسل ملائكة ،ليس من الطبيعي أن يبعث بشر عادي ، هذا البشر العادي بالأمس كنا نلعب معه ، كنت أمس أنا أغسل له ، كان لايزال طفل رضيع ..الآن يصبح نبي مرسل قوله قول الله أمره أمر الله طاعته طاعة الله ؟ وهذا ماتشير له الآية الكريمة التي تلوناها في أول الحديث ( و مَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن یُؤۡمِنُوۤا۟ إِذۡ جَاۤءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوۤا۟ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرࣰا رَّسُولࣰا) هل من المعقول أن بعث الله بشر حاله حالنا مثله مثلنا ،تعتريه نفس الحالات التي تعترينا ، شهوة و غضب و حزن و فرح و جوع وعطش وحاجة إلى بيت الخلاء . هذا الأمر صعب على الناس .قد يتقبل الناس فكرة أن يبعث الله بشراً لكن يبعث بشر بمواصفات مختلفة سواء جسمية أو شكلية عن البشر العاديين ﴿وَقَالُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنَ ٱلۡقَرۡیَتَیۡنِ عَظِیمٍ﴾ [الزخرف ٣١] ليس  شي عادي. 

هذه المرحلة الأولى : فهناك قبل الإيمان إباء عند الناس عند الانسان العادي من طاعة بشر مثلهم ، وهذا الشي قد تجده في نفسك ، لو أحد جاء من الطريق و أمرك بفعل شيء ..بينك وبين نفسك تقول : ما لذي يوجبه علي فعل هذا الأمر  ؟ لن أنال منك مبلغ مالي و لا أنت صاحب حق علي و لا أنت مقام ديني تأمرني ؟ ما لذي يلزمني لطاعتك ؟ 

يأتي أحدهم ويأمرك بتغيير كل حياتك . يحلل عليك ويحرم عليك زواجك بطريقته لا تستطيع تتزوج بكيفك ، صلاتك نومك أكلك و مشربك ،هذا تستطيع أكله وذاك لا تستطيع ، هذا حلال و ذاك حرام ، أهلك.. هذا تشوفه و تلك لا تراها، يتحكم في كل حياتك ، فالحالة الطبيعية للناس أن يسأل لماذا؟ ماهو المبرر ؟ هنا تظهر أهمية عنصر الإيمان ..إذا آمن الانسان بأن هذا مبعوث من الله و طاعته من طاعة الله عز وجل. سبق أن ذكرنا أن في القرآن الكريم رُبطت طاعة الله بطاعة بطاعة النبي من يطع الرسول فقد أطاع الله و لا تستطيع أن تطيع الله بدون طاعة النبي .عند هذه النقطة تنتهي هذه المسألة عند الإنسان المؤمن .

المرحلة التي تليها والتي قد تحتوي بعض الصعوبة (ماهي سعة دائرة الطاعة للنبي؟) هل من الواجب طاعته في كل شيء؟ أو فقط في التبليغ كأن يقول أن هذه آية قرآنية ؟ وأنا سائر الأمور فلا يجب علي طاعته؟ هنا يظهر موضوع تجزأه الطاعة. قد يقول بعض المعارضون أن هذا الموضوع غير صحيح (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) مثلما تحثك نفسك على فعل شيء معين في اتجاه معين ، النبي يحركك قبل نفسك، له ولاية عليك كما ليس لنفسك على نفسك ولاية أمره قبل أمرك نهييه قبل نهيك. هنا يُمتحن الانسان في سعة الدائرة (دائرة الأمر و النهي). لذلك في هذه المواضع يأتي بعضهم ويسأل النبي(صلى الله عليه و آله و سلم )  هذا منك أو من عند الله ؟ أي إذا كنت تبلغ أمر عن الله قد أطيعك أما إذا كان أمراً من عندك فلن أطيعك فيه.. وهذا بالتأكيد أمر خاطئ وغير صحيح، فما كان رسول الله  من أوامر و نواهي هي من ربه وأنت عندما تطيع الرسول فأنت تطيع الله عز وجل. يظهر هذا النوع من الأسئلة في الأمور التي فيها احتمال الميل نفسي والتي كانت واضحة في قضية الغدير مثلاً ، قصة الحارث بن النعمان الفهري والذي يذكره القرطبي (من أعاظم مفسري مدرسة الخلفاء وصاحب تفسير الجامع لأحكام القرآن ) و الثعلبي( أيضاً من أعاظم مفسري مدرسة الخلفاء) يذكرون في سبب نزل الآية ﴿سَأَلَ سَاۤىِٕلُۢ بِعَذَابࣲ وَاقِعࣲ - لِّلۡكَـٰفِرِینَ لَیۡسَ لَهُۥ دَافِعࣱ - مِّنَ ٱللَّهِ ذِی ٱلۡمَعَارِجِ﴾ [المعارج ] عن سفيان بن عيينه عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : أخذ رسول الله )صلى الله عليه وآله وسلم( بيد علي بن أبي طالب و قال من كنت مولاه ف علي مولا فشاع ذاك وطاف في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري  فأتى رسول الله على ناقته فنزل عنها فأناخها وعقلها ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه  وقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله الله وأنك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه، وأمرتنا بالحج فقبلناه ثم لم ترض حتى أخذت بضبعي ابن عمك وفعتهما وقلت : من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، أشيء كان هذا من عندك أو من عند الله؟ فقال الرسول والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله عز وجل .فولى الحارث وقال : اللهم إن كان مايقوله محمد هو الحق  فأنزل علينا حجارة من السماء أو اتنا بعذاب أليم فما عذا أن نزلت حجرة من السماء على رأسه وهلك من وقته.

هذا السؤال :هل هو من عندك أو من عند الله سوف يتطور إلى قضية هل أن النبي يجتهد أو لا ؟ في منهج الامامية اجتهاد النبي لامعنى له ، فالنبي لا يجتهد بهذا المعنى إنما النبي أعطي صلاحية التشريع من قِبل الله عز وجل ولا يجتهد كما يصنع هؤلاء الناس أو كما يفعل بعض الفقهاء حيث يوازن بين الأدلة في الأمور ويقول أرجح الظن أو أغلب الظن أن الرأي كذا و كذا. النبي لا يقوم بذلك إنما ينبعث مما علمه الله عز وجل  وقد أكمل له المعرفة والعلم .إن الله أدب نبيه فما بلغ كماله قال للناس (وما أتاكم الرسول فخذوه ومنهاكم عنه ف انتهوا )هو صناعة وصياغة ربه وتأديب وتعليم ربك. لكن البعض يذكر هل هذا من عندك أو من عند الله؟ وبالطبع يترتب على الاجتهاد هل هو اجتهاد صحيح أو يحتاج أن يُسدد ؟ هذا كله في منهج الإمامية خاطيء.

لذلك بعد الإيمان يأتي بعضهم ويُجزأون كلام رسول الله ..قسم يُعمل به وقسم مُعطل. القسم الذي يعمل به ماكان مبلغ من عند ربه والقسم المعطل هو أوامره و كلامه وحسب المدرسة الأخرى اجتهاده في غير التبليغ. 

في هذا الاطار نذكر كلام قريش لعبد الله بن عمر بن العاص (إن الرسول بشر يغضب ويرضى وبالتالي يصيب و يخطئ لذلك لا تسجل كل ما يقوله النبي، وبناءً على هذه النظرية ليس كل كلامه ينبغي أن يعمل به ،البعض يعمل به و البعض لا.

و تستمر نفس المسيرة ف تصير عبارات إن النبي ليهجر ،غلب عليه المرض ،هذا القرار غير قابل للتنفيذ ،تعطيل بعث اسامه هو الأنسب، أما أن نذهب كما أراد الرسول فليس هو الصالح إنما الصالح ما نراه فيصبح الانتقاص من سنة الرسول بالتدريج ضمن هذه المبررات .إلى أن تصاغ النظرية بالشكل الكامل :حسبنا كتاب الله ،بيننا و بينكم كتاب الله ، جردوا القرآن ما استحله القرآن استحللناه و ما حرمه حرمناه و لا تشغلوا الناس بقضية السنة وأحاديث الرسول ولكن اشغلوهم بالقرآن حيث أنه المرجعية الوحيدة التي تتبع لاسيما أننا غير متأكدون من صحة الأحاديث ومن ثقة الناقلون لها.

 لذلك فالحل الوحيد هو إزاحة السنة إما بشكل كامل كما هو الحال عند بعض المتأخرين المعاصرين أو بشكل جزئي, بعض الأمور التي نراها غير صالحة أو غير مناسبة  لا تطبق حتى لو كان النبي قد قالها. أدى ذلك كله لاستبعاد سنة الرسول وتعطيلها إما بشكل كامل أو بشكل جزئي أو في شكل خاص كما في مواضيع القيادة والإمامة و أمثال ذلك لذلك هي ليست على مستوى واحد.

أدى ذلك إلى تكون اتجاه يستبعد السنة في الفقه والأحكام ويستقرب الرأي والاجتهاد والأحكام التي تتوصل لها عقولهم .من هنا بُذرت ما يسمى (ببذرة الرأي) كان الخليفة الثاني له آراء و اجتهادات حيث يرى أن هذه الاجتهادات أولى مما روي عن الرسول (متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما).

 فهذا الرأي غير صالح حيث كان صالحا في زمن الرسول لجماعة معينة أما الآن وبعد وفاة الرسول بعشر سنوات أو هذا الزمان غير مناسب. 

لذلك على أثر تقديم الآراء و الاجتهادات والقياسات فإن كثير من الأحكام  والتشريعات حتى مع وجود نصوص في شأنها من السنة استبعدت السنة لصالح هذه الآراء وتطورت من مجرد آراء إلى (مدرسة الرأي) وكان من أبرز من فيها عبد الله بن مسعود (صحابي من صحابة الرسول ) ولعله لإنه كان يمثل هذا المنهج وردت روايات عن أهل البيت عليهم السلام روايات تنعى عليه و تقرع عليه منهجه و تذم عليه منهجه. حيث أن (عبد الله بن مسعود )لقى في عهد الخليفة الثالث الكثير من الأذى من بني أمية و من ذلك الاتجاه لكن منهجه في الفقه وما كان من ابتعاده عن سنة النبي والتمسك بالحديث لصالح الاتجاهات القياسية و اتجاهات الرأي و الاجتهادات .لذلك ذم أئمة الهدى عليهم السلام منهج القياس حتى لو أدى إلى الصواب لإن المنهج غير صحيح.

ف كان ابن مسعود في الكوفة و ربيعة ابن حماد( المعروف بربيعة الرأي حيث نسب للرأي) لكثرة عمله بالرأي في مقابل العمل والتقييد بنصوص سنة رسول الله محمد . 

دُعِم هذا الاتجاه فيما بعد حيث عرف الفقه في الكوفة على أنه فقه الرأي والمقاييس والاجتهاد التي لاحقاً بذرت فيه بذرة الامام بن حنيفة النعمان الذي عرف بمذهب القياس بشكل رسمي و بشكل واسع جدا.

في عهد الأمويين كان هذا المنهج مناسب لهم وهو الأقرب لهم لإن التقييد بكل ما أمر به الرسول بالنسبة لهم أمراً متعب فقد كانوا مساهمين أساسين بمنع التدوين لسنة الرسول و إخفاء أحاديثه بل كانت المخالفة علنية .

أحد أصحاب الرسول رأى معاوية قد لَبِسَ ثوب حرير فقال له : لقد سمعت رسول الله و سمعه المسلمون ينهى عن لبس الحرير للرجال ،لا يجوز لبس الحرير الخالص في الأحوال العادية للرجال وهو حلال على النساء .لقد سمعتُ كما سَمِع المسلمون أن رسول الله نهى عن ذلك وحرمه  فقال له معاوية أما أنا ف لا أرى فيه بئساً.

هذا يعني أنني لستُ ملزما بأن اتبع سنة الرسول بالكامل ، اجتنب بعض مما حرم و أقوم بما أراه مناسبا حتى لو كان هذا محرما . 

استمر هذا الخط على هذا السبيل في أيام بني أمية و دُعِم هذا الخط و هذا التوجه بشكل كبير إلى أن نصل إلى إبراهيم النخعي في الكوفة وربيعة الرأي (ربيعة ابن حماد) في المدينة إلى أن نصل إلى زمان الإمام الصادق أيام العباسيين حيث برز هذا الاتجاه في اتجاه الرأي و تحييد السنة و لو جزئياً (أبو حنيفة النعمان بن الثابت ).

الائمة في مقابل هذا قاموا بعملين : العمل الأول أنهم ظلوا يكتبوا سنة النبي من زمان الإمام علي عليه السلام معاصرا لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حتى العصور التي تليها. 

حتى إذا سألهم أحدهم من أين لكم هذا أجابوه : هذا علم ورثناه عن رسول الله كابرا بعد كابر وليس اجتهادات شخصية . لذلك عندما يسئل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام :

أرأيت لو كان الأمر كذا و كذا ، فيقول له: لسنا من أرأيت في شي إنما هو علم أخذناه من رسول الله صلى الله عليه و آله. فهذا الاتجاه الإيجابي.

أما الاتجاه السلبي أنهم عارضوا المناهج التي انبثقت من تحييد السنة ، منهج القياس والاجتهاد المنفلت عن النصوص، الذي لا يعترف بالنص الشرعي بنص رسول الله بسنة رسول الله - قسم منهم يرى أنه يأخذ من القرآن الكريم ماذا قال بخصوص أمرٍ ما ويجتهد في هذا الامر ، وماذا إذا كان هناك أحاديث كثيرة عن رسول الله تقيد ،تخصص، تشرح تبين، إذا أنت استثنيت هذا كله وأعملت رأيك ، من الذي سيقول أنك اتيت بالحق والهدى الذي يريده الله عز وجل؟ لا يجب على الإنسان أن يكون مغروراً بقدرته الفكرية (إن دين الله لا يصاب بالعقول ) لا سيما في أمر العبادات. 

في المعاملات قد تقول هي عبارة عن أمور عقلانية تبان عليها البشر آن إذاً يستطيع الانسان أن يلاحظ فيها امر الاجتهاد مع ان الشرع حدد فيها أيضا قواعد لكن له وجه .أما في العبادات ماذا يعني انه تتوضأ فتزداد نوراً ونظافة واشراقاً واكثر من ذلك تغتسل وأن تتيمم بالتراب فيقوم مقام الوضوء و الغسل.

ما أن تعرض أمر استخدام الماء و التراب للطهارة و النظافة لأحد من خارج الدائرة الاسلامية (سأقوم بأحد الأمرين إما أن أغسل بدني بالماء من رأسي حتى قدمي لأتنظف و أتطهر أو أن أضع التراب على وجهي ويدي كلاهما نفس التأثير)، فهذا غير منطقي حتى لو كان هناك أسرار يجهلها العامة فهو بحسب الأمر الظاهر غير طبيعي  (غسل الجسد بالماء واهالة التراب عليه لا يتساوى) كيف للتراب أن ينظفك ؟كيف يكون التراب طهارة واشراق و نورانية بينما هو واقعا زيادة في الاتساخ؟ مع وجود حديث( يكفيك التراب عشر سنوات) مادام عذره قائما عن استعمال الماء لوجود ضرر .

كذلك بقية العبادات أعداد الصلوات وكيفيتها و أذكارها لا تستطيع استنباطها بعقلك ، لذلك ذم أئمة الهدى عليهم السلام هذه المناهج لإنها تنبعث من تعطيل سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) إما بشكل كامل أو بشكل جزئي وعندنا من الروايات (إن السنة إذا قيست مُحق الدين) (إن دين الله لا يستنبط بالعقول).

 من أجل تقريب الفكرة أنك لا تستطيع ضمن قواعدك أن تستنبط وأن تستنج في العبادات على وجه الخصوص لإن فيها حالة تعبدية ،الله تعبدك ليعلم من يطيعه ومن يعصيه  عند مسألة قضاء المرأة الحائض لما فاتها من الصيام وعدم قضاءها لما فاتها من الصلاة مع أنها أهم من الصيام فهي عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها، كذلك أمر الله بمسح ظاهر القدم مع أن باطن القدم هو الذي يتسخ و بحسب القياسات فهو من يجب علينا مسحه و التأكد من طهارته، وأمثال ذلك.


مرات العرض: 3379
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 57311.94 KB
تشغيل:

السنة النبوية ومراحل تدوينها 4
منع تدوين السنة : مبررات ونتائج 5