تعطيل السنة في العصرالحديث 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/9/1442 هـ
تعريف:

8/ تعطيل السنة في العصر الحديث

كتابة العزيزين يوسف وعباس التاروتي

قال الله العظيم في كتابه الكريم ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ﴾ ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَیُرِیدُونَ أَن یُفَرِّقُوا۟ بَیۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَیَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضࣲ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضࣲ وَیُرِیدُونَ أَن یَتَّخِذُوا۟ بَیۡنَ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبِیلًا﴾ [النساء ١٥٠]

حديثنا يتناول بعض النظريات التي تنتهي إلى تعطيل السنة النبوية في هذا العصر الحديث الذي نعيشه. انتهى الكلام في  ما مضى إلى أن منع تدوين السنة النبوية صنع أرضية لتعطيل الاستفادة من السنة النبوية اما بشكل جزئي كما كان في ما يسمى مدرسة الرأي او بشكل كلي كما كان سيحصل في وقت متأخر وهو عصرنا الحاضر بحيث صارت هناك تيارات واتجاهات تقول بأنه نحن لا نحتاج في إدارة أمرنا الديني إلى سنة رسول الله (ص) لمبررات أحيانا باسم كما هو جماعة القرآنيين الذين سموا انفسهم هذه التسمية أو اطلقوا على نفسهم جماعة أهل القرآن وأحيانا بغير اسم كما هو في بعض المفكرين الحداثيين الذين طوروا وبالغوا في أمر ابعاد وتعطيل السنة وسنأتي على ذكر كلا الفرقتين من يسمون بالقرآنيين نحن اشرنا إلى جانب من أفكارهم قبل سنتين عند حديثنا عن السلسلة القرآنية ولكن لأجل أن نذكر الأخوة ونربط بالموضوع نشير إلى ما يرتبط بهم من الناحية التاريخية.

يظهر أن أول ظهور متبلور و معلن كان عن القرآنيين كان على يد أحد المفكرين في الهند و اسمه (أحمد خان ) زمان الاستعمار البريطاني في الهند حيث درس دراساته العليا في بريطانيا و هو مسلم، لما رجع للهند بدأ يقول أن رجوعه لمصادر أحاديث رسول الله في مصادر مدرسة الخلفاء انتج عنده فكرة أن كثير من الاحاديث مخالف للعقل و نتائج العلم ، كثير منها لا يمكن أن يكون مقبولاً و أورد أمثلة على ذلك من بعض كتب مصادر مدرسة الخلفاء ، وفي رأيه يترتب على ذلك : ما دامت هذه الكتب التي تنقل سنة النبي فيها هذه الأحاديث التي يراها  كثيرة وهي مخالفة للعقول و النتائج العلمية فإذا في رأيه : إما نترك الدين وهذا غير ممكن أو نترك السنة و نكتفي بالقرآن الكريم لان كل آياته حق وفيه تفصيل و تبيان لكل شج ونحن نكتفي به ونترك السنة لان فيها اختلاط بين السليم و السقيم و الصحيح و الغير صحيح و كثير منها مخالف لنتائج العلوم و أحكام العقول وهذه كانت البداية.

تطورت هذه الفكرة عندما انتقلت من الهند إلى باكستان وتلقفها أحد المفكرين هناك واسمه (جغلروي) وبدأ يكتب فيها ويجمع حوله جماعة على أساسها.

تطورت أكثر عندما انتقلت إلى مصر وتركيا في مصر قبل زمان الشيخ محمد عبده وجدت لها هناك أرضية مناسبة وتوافق معها عدد من المفكرين هناك وبعض مشايخ الأزهر فأصبحت تتطور، تشرح ويكتب فيها، فيما بعد (في العصور الحديثة) على أثر الانترنت والانتقال للخارج أًصبح لها جماعات وأتباع ولا شك أن الاتجاه الغربي كان يدعم هذه الفكرة ويحتضن أمثالها فأعان على الانتشار حيث يوجد لها في الوقت الحالي مراكز رسمية وداعمين وما شابه ذلك.

ماهي الدوافع التي دفعت هؤلاء أن يلتزموا بمثل هذه الفكرة وهل هي فكرة سليمة أم لا؟

نتحدث عن هذه الفكرة وعن الفكرة التي تبناها لاحقاً بعض الحداثيين والعلمانيين فيما يرتبط بقضية بالقرآن.

في البداية كان هؤلاء يقولون إنه في كتب الحديث في مصادر مدرسة الخلفاء هناك نهي عن كتابة سنة رسول الله وقد منع الخلفاء أنفسهم ذلك فإذا جاء أحدهم في سنة 197 كما في سنة وفاة الإمام المالك الذي كتب الموطأ فذلك يعني أنه على خلاف ما وصى به رسول الله. أليس مما ذُكر أن أبو سعيد الخدري سأل رسول الله هل أكتب عنك قال لا؟ أليس تدوين السنة وكتابتها ونشرها ممنوع من قبل رسول الله وممنوع من قبل الخلفاء؟ فنفس السنة تقول لا تكتب السنة نفس الخلفاء والأًصحاب يقولوا لا تكتبوا إذاً لماذا أنتم تكتبون فكأنما السنة تقول لا تكتبني وهذا سبق وذكرناه من أن القرار بمنع تدوين السنة هيأ الأرضية لما سيأتي من الاتجاهات المسماة بالقرآنية خطأً. حيث لم يكن هناك سنة مكتوبة لمدة 88 سنة من وفاة رسول الله إلى أمر عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي حيث كان ممنوعاً وفي مصادر هذه المدرسة الكثير من الأحاديث حول منع كتابة السنة وأن النبي نهى عن بذلك. 

لكننا لا نعتقد بذلك وقد بيّنا أن اتجاه أهل البيت عليهم السلام كان كتابة سنة رسول الله من البداية للأخير بل توجيهات رسول الله كانت كذلك كما أمر عبد الله بن عمر بن العاص في الخبر الذي نقلناه وكما قال اكتبوا لأبي شاة وكما أمر أمير المؤمنين كتاب على بإملاء رسول الله وغير ذلك. فنحن نعتقد أن حكاية نهي النبي لكتابة السنة لا تصح أبداً. القرار الذي تم اتخاذه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآلة كان خاطئا مهما كانت مبرراته.

 فهؤلاء القرآنيون لما أرادوا بلورة نظريتهم قالوا: ألم تكتبوا في أول مصادر هذه المدرسة (ألا تكتبوا عني حديثي)؟ ألم يستأذن أبا سعيد الخدري النبي ونهاه ليس خلفاء النبي منعوا من ذلك؟ لذلك نحن لم نفعل شيء، نحن طبقنا ما قاله النبي... قلنا اتركوا السنة جانبا.. نحن طبقنا ما كان عليه السلف من الأول من الصحابة وهو أنهم أبعدوا السنة لذلك فأنتم يامن تعملون بالسنة مخطئون ونحن كلامنا هو الصحيح، هذا أول مبرر لهم. تبين من خلال هذا الكلام أن هذا الاشكال إنما يرد على مصادر مدرسة الخلفاء التي نقلت المنع عن النبي ويرد على سياسة الخلفاء التي أمرت بمنع التدوين، أما على مسلك الامامية فلا يرد لأنهم قالوا بلزوم كتابة السنة النبي من البدايات واستمروا عليها إلى الأخير هذا اول شج.

 المبرر الثاني الذي ذكره اتباع هذا التجاه المسمى بالقرآنيين أنهم قالوا إن في السنة سقيما وفي السنة سليما، ونحن لا نستطيع التمييز بسبب الاختلاط، (قد يكون لديك شيء مخلوط لا تدري هذا صحيح ام ذاك قد تعمل بهذا ويتبين انه من قسم السقيم والموضوع) فما دام الأمر هكذا نستغني عنها ونذهب إلى القرآن فليس فيه آية سقيمة أو آية سليمة، كله من الله (وإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فنترك السنة لصالح القرآن.

وهذا الكلام أيضاً كلام غير سليم غير صحيح، نأتي بمثال يفهمه الصغر والكبير (لديك كيس كبير جداً فيه عملات قسم منها مزوّر وقسم منها أصلي هل الموقف العقلي أن تزيل هذا الكيس بكامله وتلقيه في البحر؟ كلا وإنما الطريق السليم أن تحاول تفرز ما كان مزيفاً أو يحتمل انه مزيف ضعه على الجانب وأما ما كان سليماً وأصلياً تستفيد منه هذا كنز هذه أموال طائلة كيف ترميها في البحر) كذلك (لو كان عندك كتاب من ألف صفحة فيه مثلا عشرة الاف حديث، فيه مقدار من الحديث السقيم والموضوع الغير سليم لا يصح نسبته لرسول الله، وهناك مقدار آخر أكثر وهو الأكبر السليم، هل من العقل أن تأخذ الكتاب وتلقيه في النار وتحرقه؟ ليس موقفاً سليماً، الموقف السليم هو أن تصنع منهجاً تتعرف من خلاله على السليم وتنبذ السقيم). (لو كان عندك مثلاً مقدار من الذهب لا تعرف هل هذا ذهب أصلي أم ذهب مخلوط لكن الصائغ يعرف لذلك فهو يضع الأصلي جانباً ويترك المزور في الجانب الآخر). 

كذلك بالنسبة إلى الحديث كذلك بالنسبة إلى السنة، الموقف الطبيعي هو هذا، يوجد علم كما صنعه العلماء وهو (علم الرجال) الذي يعنى بالأسانيد ويتعرف على رجالها ويعرف أن هذا ثقة وذاك لا، هذا صدوق وذاك كذوب و(علم الدراية) الذي ينظر في المتون، في المضمون إذا رأينا مضمون على خلاف القرآن.. نطرحه، على خلاف السنة القطعية.. نحذفه، على خلاف الأصول العقائدية المُسلّمة نحذفه، على خلاف حكم العقل وقد ذكرنا المقاييس التي وضعت لمعرفة الحديث الموضوع، لذلك فعلم الدراية هو منهج نستطيع أن نستعمله لمعرفة الصحيح من السقيم.

المبرر الثالث أنهم يعتمدوا على القرآن باعتبار أن القرآن الكريم فيه تبيان كل شيء (تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡء)، بيان وتفصيل للناس والدين فيه كامل (ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ) والقرآن كذلك كامل ومحفوظ بنصه ومضمون فيه كل شيء لذلك لا نحتاج للذهاب للسنة. 

الجواب على هذا: ماذا يعني كل شيء الواردة في تبيانيه القرآن الكريم؟ هل عندما نحتاج إلى معرفة قوانين الهندسة أتوجه للقرآن؟ لا يوجد في القرآن قوانين للهندسة، هل يتوجه الطبيب الذي يريد القيام بعملية قسطرة قلب للقرآن؟ بالتأكيد لا. من يريد بناء منزل أو تصليح سيارته؟ قطعا ليس المقصود بكلمة (كل شيء) كل ما في الكون، إنما العموم في (كل شيء) بما يتناسب مع موضوع ذلك الشيء. كأن تذهب لمسجد مرتب وتُعجب بهذا المسجد وتقول: ما شاء الله في هذا المسجد كل شيء.. ما لذي تقصده بكل شيء؟ بالتأكيد لا يوجد بالمسجد نخيل ولا دواب إنما كل شيء يتناسب مع المسجد، فيه مكان للصلاة وقرآن وكتاب دعاء ومكان للوضوء كل ما يتناسب مع أمر المسجد والصلاة فيه هو موجود. (قد يقول بعضهم: إذا أردنا أن نحمل (كل شيء) هذا المعنى وهي مذكورة في القرآن الكريم في قصة بلقيس ملكة سبأ (وأوتيت مِن كُلِّ شَیۡء) هل هذا يعني أن آلة الذكورة موجودة عندها؟ بالطبع لا، إنما كل شيء يتناسب مع مملوكيتها.. عندها أموال وخيول وحراس وذهب وفضة ووزراء، كل شيء يتناسب مع ذلك الموضوع.

(تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡء) في القرآن الكريم يعني ما يتناسب مع الدساتير حيث أن القرآن دستور لذلك يتناسب معه وجود القوانين العامة والكلية مثل قوانين المعاملات والعبادات والأخلاق. وليس تفاصيل كأبحاث الكيمياء والفيزياء والرياضيات، إنما ما يتناسب مع التنظيم الاجتماعي الذي يقصد منه من هذا الدستور وهذا هو القرآن ... يحتوي على كل شيء مما يرتبط بالمعاملات والأخلاق كقوانين عامة لكن لا تفاصيل لمثل هذه الأشياء ولا تفاصيل لمواضيع غيرها مثل (عدد ركعات الصلوات) مع أنها واجبة عيناً على كل مسلم، إذاً تبيانا لكل شج يُقصد بها القوانين العامة. 

ثانياً ( تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ ) لان فيه التوجيه إلى سنة رسول الله صلى الله عليه و آله بأن قال (مَّن یُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ)،  (وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟) من خلال ذلك فيه تبيانا لكل شيء لان قسم منه يحتوي على القوانين العامة و القسم الآخر الذي يحتاج الى شرح و تفصيل نرجع إلى من يطع الرسول .

مثال: عندما تعمل في شركة يعطيك المدير كراس فيه كل ما تحتاجه عن الشركة ف تفتح أول صفحة تقرأها قوانينا كذا ، إذا أردت الاستفسار عن الأمور المالية تواصل مع  المسؤول المالي على الرقم كذا و كذا ، الرقم الفلاني للاستفسار عن قوانين التوظيف و اسأل مسؤول شؤون الموظفين و هكذا. هذا الكتاب فيه قوانين و ارشاد لما بعد ذلك حيث انه يوجد مرجع لك ترجع إليه عند الحاجة لتفاصيل أكثر. 

هذا نفسه ما حدث لسنة رسول الله ، تقرأ القرآن كله فيه من القوانين وأحكام و تشريعات و ارجاع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه و آله (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة المباركة التي تضيف لك الكثير مما تحتاجه من المعلومات في المواضع المختلفة (كيفية الصلاة غير مذكورة في القرآن لكنك تستطيع معرفتها بالبحث عن الكيفية التي صلى فيها رسول الله- صلوا كما رأيتموني أصلي- لمعرفة مناسك الحج -خذوا عني مناسككم -) وإلا لو كان يقتصر على القرآن المجرد نفسه لا يتمكن هؤلاء حتى من صلاة ركعتين فكيف بتطبيق بقية أحكام الإسلام .(كأن يقول أحدهم أنا لا أعمل بالسنة واكتفي بما جاء في القرآن الكريم لكن عندما تطلب منه صلاة ركعتين من خلال القرآن دون السنة حيث أن القرآن الكريم لم يذكر كيفية الصلاة ولم يذكر حتى أبسط الأمور: مثل التكبير في الصلاة ، (وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِیرَۢا) دون ذكر التفاصيل عن وقت التكبير وموقعه في الصلاة ، قراءة السور (فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ) هل يعني أن أكتفي بقراءة ﴿الۤمۤ﴾ [البقرة ١] ؟ قراءة الفاتحة في الصلاة ذُكرت في السنة عن رسول الله (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وهكذا فالركوع والسجود مذكورين في القرآن (وَٱرۡكَعُوا۟ مَعَ ٱلرَّ ٰ⁠كِعِینَ) / ﴿فَٱسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ وَٱعۡبُدُوا۟ ۩﴾ [النجم ٦٢] لماذا هناك اختلاف بين عدد الركعات وعدد السجدات في الصلاة؟ لماذا لا نكتفي بالركوع فقط دون قول (سبحان ربي العظيم – سبحان ربي الأعلى)؟ لو أردا شخص أن يكتفي بالقرآن الكريم في كيفية صلاة ركعتين لما تيسر له فكيف يريد أن ينظم حياته بشكل عام؟ في معاملاته كلها.. في عباداته، في زواجه وطلاقه وحضانته وميراثه؟ لذلك فالاكتفاء بالقرآن الكريم لان فيه ((تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡء) لا يكفي دون الرجوع لسنة الرسول صلى الله عليه وآله.

قالوا إن القرآن محفوظ والسنة غير محفوظ ونحن نلجأ إلى ما هو محفوظ بإذن الله تعالى، لذلك نقول مادام قد حُفظ القرآن فهو الذي أحالنا للسنة ولم يُستثن السنة من القرآن الكريم فلا بد أن نرجع للأحاديث المتيقنة ونضع منهجا للأحاديث المشتبه فيها (منهج العرض على القرآن). 

إذا هذا التوجه (مادام القرآن محفوظ والسنة غير محفوظة إذا لا نعمل بها أو الدين كامل والقرآن فيه تبيان لكل شيء وهو يكفي أو القول بإن كتابة السنة والرجوع لها منهيٌ عنه هذا كلام غير سليم على مسلك الإمامة الذين يتبعون آل محمد صلوات الله عليهم.)

هذا الاتجاه القرآني حصلت له (طفرة جينية على حسب القول) عندما جاء بعض الدكاترة من موقع علمي غير شرعي (في مجال الفيزياء والكيمياء بالإضافة إلى غيره من الأجواء ف أضاف لغير القرآنيين طفرة أكبر من السابق.

فكرة القرآنيين قائمة على أساس تعطيل السنة لأنهم يرون أنهم لا يستطيعون الوصول للسنة الصحيحة لذلك لا حاجة لها مع وجود القرآن. أما أصحاب الفكرة المتطورة من هذا المبدأ أنه حتى لوكان رسول الله حيا ويقرر قوانين فلسنا ملزمين بالعمل بها (بحسب ما ورد في بعض المقابلات المسجلة بالصوت والصورة) إذاً فالموضوع لم يعد يقتصر على فكرة أننا لسنا متيقنين من صحة السنة ومن صحة اسنادها لرسول الله كما كانت فكرة القرآنيين الأوائل، إنما ما يقوله أصحاب هذه الفكرة: (حتى لوكنا نعلم بسنة رسول الله بل نسمع كلام رسول الله صوت وصورة لسنا مخاطبين بها). لماذا؟ لإن سنة النبي في رأيهم إنما كانت من أجل التنظيم الاجتماعي لمجتمع رسول الله ولما مات انتهى الأمر والشاهد أن الخلفاء بعد رسول الله لم يلزموا بكلام رسول الله، الأمور التي حدثت والقضايا التي حدثت بعد وفاته لم تكن أوامر رسول الله أو منسجمة مع توجيهاته، إذاً سنة النبي كانت لزمانه حيث أن من خلفوه لم يدونوها ولم يكتبوها أو يحفظوها ولم يعملوا بها بل نُهي عنها فكيف بنا ونحن بعدهم بعشرات السنين نعمل بها؟ هذا التوجه الخاطئ الموجود حالياً عند قسم من الناس ضمن هذا الإطار. 

المتأمل في مؤديات هذا الموضوع يعلم خطورة الفكرة  ، حيث ينطبق عليه ما ذكر في الآيات المباركة (﴿إِنَّ لذن یَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَیُرِیدُونَ أَن یُفَرِّقُوا۟ بَیۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَیَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضࣲ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضࣲ وَیُرِیدُونَ أَن یَتَّخِذُوا۟ بَیۡنَ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبِیلًا﴾ [النساء ١٥٠] إذا أمر من الله فنحن ملزمين به أما الأمر من  الرسول فنحن غير ملزمين به و لا نعمل به حيث أنه تنظيم لمجتمعه، هؤلاء لايؤمنون بالله حقاً  إيماناً تاماً بالله عز وجل حيث أن الايمان يقتضي العمل بسنة الرسول (وَإِن تُطِیعُوهُ تَهۡتَدُوا۟ۚ ) كذلك مفاد حديث الثقلين ( ما ان تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبدا)

نحن لا نستبعد أن البيئة التي عاش فيها هؤلاء وهي بيئة غربية ودعمت هذا الاتجاه، لذلك نلاحظ توجه هذه المدرسة الأخيرة لا يوجد فيها أي حكم من الأحكام الدينية لا يرضى عنه الغرب، مثال: قضية الحجاب للمرأة غير مطروحة، لإن الحجاب كان فقط خاص بنساء الرسول وليس لجميع المسلمات وهذا ما ذُكر في القرآن الكريم (﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰ⁠جِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَـٰبِیبِهِنّ﴾ [الأحزاب ٥٩] أما في المجتمع المعاصر فيحتاج لترك الحجاب. والغرب لا يرضى إلا بترك الحجاب. بل تجاوز الأمر لبعض هؤلاء أنهم يرون أن الحجاب واجب على أماكن محددة مثل منطقة العانة أو الصدر أما بقية المناطق فلا يجب سترها. أي قرآن يستطيع استنباط واستنتاج مثل هذه الأمور؟

في قضية الميراث (وصفكم لله فِیۤ أَوۡلَـٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۚ) وفي قضية الاخوة أيضاً هذا لا يتناسب مع التوجهات المعاصرة الغربية التي تطالب بالمساواة بين المرأة والرجل لذلك هم يحاولون الوصول لنتيجة أن للذكر مثل حظ الانثى ولا فرق بينهما.

في قضية الحدود رأوا أن يتم الغاء كل الحدود لا نها عقوبات والعقوبات لا تُرضي الغرب. في قضية السارق والسارقة في القرآن نص صريح (﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوۤا۟ أَیۡدِیَهُمَا جَزَاۤءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلࣰا مِّنَ ٱللَّهِۗ﴾ [المائدة ٣٨] يرى الغرب أن معنى الآية لا تتركوهم يختلطوا بالمجتمع حيث أن قطع اليد هو من الوحشية. أصبح هناك نوع من العبث فيما يرتبط بالأحكام الشرعية وأصبح الأشخاص الذين يقولون بأن العلماء لا يعرفون والفقهاء لا يفهمون هم من يُشرعون ويرسلون الفتاوى التي لم ينزل الله بها من سلطان باسم القرآن الكريم وهو واقعاً بعيداً عنها بُعد المشرقيين. حتى أن بعضهم قال إن كل المحرمات في الشريعة هي 14 محرم فقط (قل تَعَالَوۡا۟ أَتۡلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمۡ عَلَیۡكُمۡۖ). وهذا ما يعجب قسم من الناس حيث يرون أن هذا هو الدين الصحيح وهذا هو القرآن الصحيح وهذا هو الفهم. 

القرآن الكريم يحتوي على أمهات ومفاتيح التشريع لكن من يعرفها ويفهمها؟ إنما يعرف القرآن من خُطِبَ به محمد وآل محمد صلوات الله عليهم هم على رأس القائمة، ثم من اهتدى بهديهم فقد يستنتج أحدهم حكماً شرعياً من ترتيب معين أو من جمع معين بين الآيات أو من حرف واحد وهذا ليس اجتهاد هذا هو نفسه ما أنزله الله عز وجل. مثل زرارة بن أعين الشيباني رجل من فحول العلماء حفظ آلاف الأحاديث عن الامام الصادق والامام الباقر عليهم السلام ويناقش نقاش اجتهادي، يسأل الامام الباقر عليه السلام (من أين عرفت أن المسح ببعض الرأس؟ قال يا زُرارة لمكان الباء. ) عندنا الامامية تمسح قسماً من رأسك (وَٱمۡسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَیۡنِۚ) على القراءة المشهورة. فكأنما زرارة كان نائما والتفت يتبين أن الباء التي ذكروا لها عشرات المعاني الالصاق والوسيلة أحد معانيها كذلك التبعيض والتجزئة فهي ليست وسيلة.

( يسأله : الله أوجب في القرآن الكريم السعي بين الصفا والمروة لكن من أين جاء البدء من الصفا وليس المروة لو بدأ من المروة أخطأ في ذلك – أجابه لان الله تعالى قال- إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَاۤىِٕرِ ٱللَّهِۖ - فرتب هذا قبل هذا.) وهذا الترتيب ليس على نحو مطلق الجمع فقط إنما الجمع مرتباً (مجموع ومبدوء بما بدأ به الله عز وجل).

أوضح من ذلك في قضية صلاة العيد وزكاة الفطرة، واجب على الانسان أن يزكي ويصلي عندنا في الامامية لابد أن يُخرج الزكاة قبل أن يصلي صلاة العيد فيسأله من أين هذا؟ قال له ألم تقرأ قول الله تعالى (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه وصلى)، هذا ترتيب.

أحيانا جمع بين آيتين وهو ما ينتج عنه بصيرة قرآنية و رؤية واضحة ، كما حصل في عهد الخليفة الثاني وقد نُسبت هذه القضية المشهورة (قضية أقل الحمل)لاحقا لعديد من أئمة و علماء المذاهب ، عندما اتهم رجل امرأته بعد ما رآها وضعت ولدا لستة أشهر من الحمل والمعروف بين الناس أن المرأة لا تنجب إلا لتسعة وفي أحيان قليلة في سبعة أو ثمانية أشهر، فرفع أمرها للخليفة الثاني و أقر رأي الحاضرين أنها خاطئة لأننا لم نعهد أن تنجب المرأة لستة أشهر و كان من المقرر إقامة الحد عليها وهي تستغيث و تقسم بالله أنها ما قارفت خطيئة ، أحد الحاضرين رأى علياً عليه السلام وأخبره بذلك قال : خلوا سبيلها ، إن الله تعالى يقول: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " ويقول جل قائلا " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " فإذا تممت المرأة الرضاعة سنتين وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا كان الحمل منها ستة أشهر فقالت فرجت عني يا أبا الحسن  فرج الله عنك والله شهيد علي أنني لم اقارف اثما. من أين كان لهم أن يلتفتوا إليه مع أن الحاضرون ليسوا صحابة صغار ولا قلائل مع ذلك قر رأيهم على عقوبتها.

و أحيانا من كلمة واحدة ، وهي مسألة خلافية بين الامامية وبين أتباع مدرسة الخلفاء في قضية البقر، هل يجوز النحر في البقر باعتبارها كبيرة الجثة كما يجوز في الابل أو لا هي مثل الغنم لابد فيها من الذبح، فذهب البعض إلى جواز كلا الأمرين في البقر لمشابهتها كلا الطرفين (الابل والغنم) أما الامامية فالتزموا فيها بالذبح فقط تبعا لأئمتهم فيسأل أحدهم الامام كيف ذلك ؟فيقول الامام أما قرأتم قوله تعالى (إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُوا۟ بَقَرَةࣰۖ ) و في موضع آخر يقول عز وجل (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ یَفۡعَلُونَ) فيتبين أن تذكية البقر هي الذبح. مثل أهل البيت عليهم السلام بما ورثوا من علم رسول الله وهم القائلون (حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله) و يقولون (إنما هو علم من رسول الله نتوارثه كابرا عن كابر) وهذا الفخر كله هو لمحمد صلى الله عليه وآله كذلك علم الامام علي عليه السلام باعتبار باب لمدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وعلم الأئمة ما هو إلا ورث من علم النبي وهذا الاهتمام بالسنة النبوية وهذا معنى أنه لا استغناء عن سنة النبي و أن القرآن على عظمته و على كونه كتاب الله عز وجل إلا أنه لم يُعد ليلغي ويغني عن السنة ومن هنا كان اهتمام أئمة الهدى بكل ما يرتبط برسول الله في هذا المعنى حتى في الأمور الشكلية لتأكيد الارتباط والاتصال كما فعل الامام الحسين سلام الله عليه في كربلاء حيث عمد في أحد خُطبه إلى عمامة الرسول صلى الله عليه وآله (لعلها عمامة سوداء اسمها السحاب أهداها الرسول صلى الله عليه وآله إلى الامام عليه عليه السلام) وسيفه ولبس ثياب رسول الله وقد ورثوه من أمهم فاطمة بنت رسول الله وقيل أنه ركب على دابة من نتاج دواب رسول الله وأخذ يخاطب القوم.



مرات العرض: 3400
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 58008.03 KB
تشغيل:

الحديث الموضوع : أسبابه وكيف يكتشف 6
العلاقة بين السنة النبوية والقرآن الكريم 9