صلوات شعبانية أو لطول السنة 1
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/7/1442 هـ
تعريف:

صلوات شعبانية أو لطول السنة؟ 1

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

جاء في الرواية عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: (كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا زالت الشمس صلى ثم دعا ثم صلى على النبي صلى الله عليه وآله فقال: اللهم صل على محمد وآل محمد شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، اللهم صلى على محمد وآل محمد الفلك الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق....إلخ) إلى آخ هذه الصلوات التي ذكرت في الصحيفة السجادية واعتبرت من الأعمال اليومية التي تعمل في أيام شهر شعبان بلغنا الله وإياكم هذا الشهر الكريم وشهر رمضان الذي يتلوه ونحن في عافية وخير وإيمان.

هذه الصلوات بالرغم من أنها اشتهرت بأنها ن أعمال شهر شعبان بحيث لو أن شخصاً قالها في شهر رجب مثلاً سيتعجب الناس منه، أو لو افترضنا أن شخص قرأها في شهر ذي القعدة سيتعجب الناس من قراءته لهذا الدعاء في ذلك الوقت، والحقيقة أن هناك صيغتين لهذه الصلوات:

صيغة عامة لكل الأوقات وهذا ما نصت عليه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في توصيف فعل الإمام زين العابدين عليه سلام أنه كان يقرأ هذا الدعاء وهذه الصلوات في كل يوم من الأيام، والشاهد على ذلك أن هذه الصيغة ليس في آخرها (وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان...إلخ)

هناك صيغة أخرى لها أيضاً مروية عن الإمام زين العابدين عليه السلام في أنه كان يقرأ في أيام شهر شعبان هذه الصلوات ويضيف إلي هذا الذيل (وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يدأب لك في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه، بخوعاً لك في إكرامه وإعظامه إلى محمل حمامه، اللهم فأعنا على الإستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه، اللهم واجعله لي شفيعاً مشفعاً وطريقاً إليك مهيعاً واجعلني له متبعاً حتى ألقاك يوم القيامة عني راضياً وعن ذنوبي غاضياً)، فهذه الفقرة هي خاصة بشهر شعبان وتلك الرواية مروية بدون هذه الفقرة وهي موجودة في الصحيفة السجادية، فعندما ترجع إلى الصحيفة السجادية في الدعاء رقم 20 سوف تجد هذه الصلوات بمقدمة أن الإمام الصادق عليه السلام يروي فعل علي بن الحسين عليه السلام وهذا من دون هذه الفقرة الأخيرة الخاصة بشهر شعبان.

الرواية الأخرى الخاصة بشهر شعبان غير موجودة في الصحيفة السجادية الأصلية وإنما موجودة في كتب السيد بن طاووس، وموجود فيها الإشارة إلى شهر شعبان في ذيل هذه الصلوات، وقد ذكر العلامة المجلسي صاحب البحار أعلى الله مقامه في كتابه زاد المعاد ذكر نفس هذه الصلوات وذكر بأنها بسند معتبر، فنحن نعلم أن الصحيفة السجادية لها أكثر من سند وليس سنداً واحداً، فهل أن العلامة المجلسي رحمه الله ناظر إلى سند الصحيفة السجادية المعتبر والتي جاءت هذه الصلوات فيها أو هو عنده سند آخر معتبر لهذه الصلوات وهذا الدعاء؟

على أي حال فإن أول نقطة في هذه الجهة هي أن هذه الصلوات ليست خاصة بشهر شعبان وإنما إذا أراد أن يقرأها الإنسان في هذا الشهر يستحب له أن يلحقها بهذا الذيل (اللهم إن هذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان...إلخ)، أما إذا أراد أن يقرأها في شهر رجب فلا مانع في ذلك فقد كان علي بن الحسين عليه السلام إذا زالت الشمس صلى ودعا ثم صلى على النبي محمد وآله، أي أن الإمام زين العابدين عليه السلام في سائر السنة بحسب رواية الإمام الصادق عليه السلام كان يتلو الصلوات المحمدية على النبي وآله ولكنه كان يضيف لها في شهر شعبان هذا الذيل والفقرة الخاصة بهذا الشهر، لذلك قال بعض علماؤنا وهو محق فيما قال: إني كلما ذهبت إلى مشهد من مشاهد أئمة الهدى زرتهم بهذه الصلوات.

إن هذه الصلوات بالرغم من أنها مختصرة إلا أنها جامعة في المعاني، ولذلك فهي ليست خاصة بشهر شعبان وإنما هي لسائر السنة.

النقطة الثانية بالنسبة إلى هذه الصلوات المحمدية التي قد تقرأ في شعبان وقد تقرأ في غيره هي نوع من أنواع تعليم الناس الصلاة على محمد وآله، فإن أصل الصلاة على النبي لم تكن معروفة عن المسلمين، ولذلك عندما نزلت الآية المباركة: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً))، حينها جاء أكثر من واحد من الصحابة وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كيفية تلك الصلاة، فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله عن كيفيتها، ومن أصح وأوثق ما جاءت به مصادر مدرسة الخلفاء بالأسانيد الكثيرة والمعتبرة عندهم هو حديث ابن أبي ليلى وحديث كعب بن عجرة نقرأ شيئاً منهما تمهيداً للحديث عن هذه الصلوات الشعبانية.

بالنسبة للحديث الذي ورد وننقله من الموطأ مالك وإن كان قد ذكر في عشرات المصادر سنشير إليها بعد ذلك، قالوا: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله في مجلس عد بن عبادة فقل له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟، قالوا: فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال: قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ثم السلام كما عُلِّمتم)، سعد بن عبادة هو أحد زعماء الأنصار المهمين في المدينة وهو الذي رشح نفسه في مقابل أبوبكر في موضوع السقيفة فقد كان يرى نفسه لا يقل شأناً عنه، ابنه هو قيس بن سعد بن عبادة وهو من أشد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام إخلاصاً له وللإمام المجتبى عليه السلام وقد كان تاريخه تاريخ مشرف وقد عاتب أباه ترشيحه لهذا المنصب لأنه كان يرى بأن علي عليه السلام هو أحق به.

بشير بن سعد عندنا في الإمامية ليس ممدوحاً وهو والد النعمان بن بشير والي الكوفة في زمان يزيد بن معاوية وفي زمان معاوية والذي عزله ابن زياد في قضية مسلم بن عقيل المعروفة، فبشير وابنه النعمان لم يكونا منسجمين تمام الإنسجام مع خط أهل البيت عليهم السلام.

هذه الصلاة (اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، عندنا في الإمامية بدون حرف الجر (على) أي نقول: اللهم صلى على محمد وآل محمد وهذا يفيد الإقتران والإقتراب حتى لا يفصل بحرف جر آخر.

إن هذا الحديث وأمثاله نقل في مصادر كثيرة جداً وننقلها سريعاً كما ذكرها الألباني وهو عندهم من المحدثين المعاصرين المهمين، قال: صحيح أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة وأبو داوود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجة والطحاوي في المشكل وابن أبي شيبة وابن الجارود والبيهقي والطيالسي وأحمد والطبراني في الصغير وابن مندة في التوحيد.

الرواية الأخرى أيضاً عن طريق كعب بن عجرة، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لقيني كعب بن عجرة فقال لي: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

الشاهد هنا أن هذه الصلوات المحمدية التي كان زين العابدين عليه السلام يقرأها بعد الزوال وبعد الدعاء هي أحد أنحاء التعليم للصلاة على النبي وأهل بيته وهذا كان أمراً مهماً لابد من التركيز عليه، فالخط المخالف لأهل البيت عليهم السلام عرفوا بأن هذه الصلوات ليست شيئاً عادياً لأن الله سبحانه وتعالى اختار من بين ملايين البشر فئة محدودة وألزم كل المسلمين بالصلاة عليها، وهذا يعني أن هذه الفئة مصطفاة ومنتخبة، وانتخابها ليس من أجل المجاملة بل من أجل هداية الناس أنفسهم، فيعلمهم الصلاة على النبي وآله حتى يرتبطوا بالقيادة الربانية التي لن يضلوا إذا اتبعوها، بل ستكون هاديةً ومرشدة ً لهم بلا خوف.

الخط المخالف لأهل البيت لا يقبل بهذا الأمر فصنع عدة أمور:

الأمر الأول: قسم منهم حاولوا أن يضعفوا هذه الروايات، لكن لأن الأمر كان منتشراً بسبب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها في مجلس فيه عدد من الناس، فلوا افترضنا أن هذا المجلس يحتوي على عشرين شخصاً ونقله كل واحد منهم إلى شخصين فهذا يعني أنه سيوفر للخبر التواتر، وبسبب ذلك لم يستطع الخط المخالف إضعاف تلك الروايات.

الأمر الثاني: غيروا في ألفاظه فأضافوا وأنقصوا فأصبح التعبير في بعض الروايات (اللهم صل على محمد وذريته وأزواجه كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)، نجد أن هذا خلاف البلاغة كما أنه يفترض المشاكلة والمشابهة، فعندما نقول (على إبراهيم) لابد أن نقول قبلها أيضاً (على محمد)، وعندما نقول (آل إبراهيم) فلا بد أن نقول (آل محمد).

البعض الآخر منهم قال بأن صيغة الصلوات هي: (اللهم صل على محمد وذريته وأزواجه وصحبه كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم)، فإذا كان المقصود بذرية النبي هي كل من ينتسب إلى رسول الله من الصالح والطالح والقريب والبعيد فإن هؤلاء بالملايين الآن، وكذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أقل ما قيل فيهم مئة وأربعة عشر ألفاً منهم المنافق بنص القرآن ومنهم شارب الخمر كما في قضية قدامى بن مضعون وفيهم من حُدَّ ومن قتل ومن عصى وكذب، فكيف يأمر الله الناس بأن يصلوا على من سرق وزنا وقتل وترك الصلاة؟، فهذه طريقة أخرى جاؤوا بها لرفع الإختصاص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن نحن نعلم أن هذا ينتهي إلى ما لا يمكن قبوله.

الأمر الثالث: قالوا بأن المطلوب هو فقط في التشهد وليس في سائر الأوقات، ولذلك يوجب من هم في الخط المخالف بأن التشهد في الصلوات لا بد من الصلاة على محمد وآل محمد وإليه أشار محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب: 

يا آل بيت رسول الله حبكم                 فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنكم                 من لم يصلي عليكم لا صلاة له

ولذلك حصروها فقط في موضوع الصلاة والتشهد، مع أنه لا يوجد هناك ما يحصرها في الصلاة، فالله سبحانه وتعالى يقول: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي))، والفعل المضارع (يصلون) في اللغة العربية يدل على الإستمرار، فكما أن الله والملائكة يصلون بشكل مستمر فلا ينبغي حصره أو جعله فقط في وقت التشهد ولا ينبغي إضافة له غيره، فهناك اختصاص والغرض منه هو قوله تعالى: ((ما سألتكم من أجر فهو لكم))، أي أنه إذا صليت على رسول الله وأهل بيته فأنت المستفيد وأنت الرابح أولاً، كما أنها تلصقك وتقربك من الرسول وأهل بيته القادة الهداة والفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن مركبها ويغرق من تركها، فإن هذه الصلوات تقربك وتلين قلبك لهم وتجعلك أكثر انسجاماً معهم.

سيكون لنا إن شاء الله فيما يأتي من الأيام بعض الأحاديث في فقرات هذه الصلاة السنوية الدائمية لا الشعبانية فقط، وإن كان لشعبان فضيلته واختصاصه لا سيما مع الفقرة الخاصرة بشعبان، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 30025.54 KB
تشغيل:

عندك فلس تسوى فلس .. اهانة للانسان10
كيف شرح النبي والمعصومون الصلاة المحمدية 2