عندك فلس تسوى فلس .. اهانة للانسان10
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 18/7/1442 هـ
تعريف:

                     

سلسلة الامثال الخاطئة 

10/ عندك فلس تسوى فلس

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

     من الأمثال الخاطئة والتي يترتب عليها فهمٌ خاطئُ وسلوك حياتيٌ خاطئ المثل المعروف : ( عندك فلس تسوى فلس ) ومقتضى ذلك أنه إذا ما عندك فإنك لا تسوى شيئًا . بالطبع قسمًا من الناس يقول أنا لا أؤمن بهذه الفكرة ولكن الناس يعتقدون هكذا فلا يوقرون من لم يكن مالكًا للأموال ولا يحترمونه إلا بمقدار ما يمتلك من مال .

   ونحن نعتقد أن هذه الفكرة ليست صحيحةً على نحو الإطلاق ، فبعض الناس في فئات معينة تعتبر قيمة الشخص بما يمتلك من الأموال ولكن ليس كل المجتمع هكذا بل عكس ذلك فأكثر الناس في المجتمع لا يحترمون الشخص لمجرد أمواله كما سيتبين بعد قليل .

    هذا المثل انطلق من مظاهر معينة وصيغ هذه الصياغة يعني مثلًا إنسان يذهب إلى مكان معين كدائرة رسمية أو بعض الأوساط الاجتماعية فيرى في تلك الدائرة أنه إذا دخل أحدهم وعليه مظاهر الثراء فإنه تقضى حوائجه ، وإذا أتى آخر ليس عليه هذه المظاهر تتأخر قضاياه .

    ويرى في بعض المجتمعات إذا جاء شخصٌ معروفٌ بأنه من أصحاب الأموال فإنه يحترم ويقدم ويقدر بينما هو نفسه الذي يلاحظ هذا وهو ليس من أصحاب الثروات والأموال لا يحصل على نفس التقدير . فمثل هذا ينتج مثالًا من هذا القبيل أنه عندك فلس تسوى فلس ، عندك مليون تسوى مليون .

  أولًا : نحن نعتقد أنه أصل المثال غير صحيح .

  ثانياً : تطبيقه على المجتمعات أيضًا غير صحيح .

   أما بالنسبة لأصل المثال أنه غير صحيح فذلك لأنه لا المجتمعات الدينية ولا غير الدينية تقيم الأشخاص حسب ثرواتها .

   أما في المجتمعات الدينية كالمجتمع المسلم فإنه في الإسلام لم يكن المال ميزة تفاضلٍ أبدًا إلا إذا جعل هذا المال في سبيل الخير وهذا بحث آخر فميزة التفاضل يعني نفس الشيء بما هو يجعل الإنسان صاحب فضلٍ كالعلم مثلًا ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) فنفس العلم هو يرفع الإنسان ونفس الإيمان ونفس العمل الصالح فبمجرد أن صار الإنسان مؤمنًا يرفعه الله وبمجرد أن صار ذا تقوى يرفعه الله ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وهذا غير موجود في المال ، فغير موجود في الإسلام أنه إن أكرمكم عند الله أكثركم أموالًا أو أنه صاحب الأموال أفضل من غيره . 

     نعم صاحب المال الذي يجعل ماله في الإيمان وفي العلم وفي العمل الصالح وفي سبيل الخير يرتقي بنفس ذلك المقدار وليس لأن عنده مال إنما لأنه جعل ماله في سبيل الخير فهناك فرق في الإيمان وفي العلم وفي العمل الصالح وفي سبيل الخير يرتقي بنفس ذلك المقدار ليس لأن عنده مال إنما لأنه جعل ذلك المال في سبيل الخير .

   فمرة يقول أحدهم لأن جيبي امتلأ أصبحت ذا قيمة ، ومرة يقول لما امتلأ جيبي وجهته في سبيل الخير هنا أصبحت ذا قيمة ، أما إذا لم يوجهه في سبيل الخير فليس له قيمة فضلًا عما إذا وجهته في سبيل الشر بل في مقالٍ يفصل فيه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته المعروفة لكميل بن زياد النخعي : ( يا كميل هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ) .

    فمثلًا شيخ الطائفة الطوسي متوفى سنة 460 هـ قبل ألف سنة من الزمان فهو قد اندثر وصار ترابًا بحسب الظاهر ولكن أمثاله وأفكاره وعلومه وطريقة حياته لا تزال موجودة وتؤثر في كثير من البشر، بالمقابل هل نتذكر شخصًا من ألف سنة كان صاحب مال ؟ فكما قلت وأكرر حين يكون صاحب مال ويعمل فيه الخير هذا يكون من ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ويكون من ( ويرفع الله الذين آمنوا ) لكن إذا مجرد أنه كان يمتلك المال فإنه ينتهي ذكره بموته ، بل يقول أمير المؤمنين أنه يموت قبل موته وينتهي . فالإنسان الحي يعرف بأثره أما ذاك الذي تتضخم أمواله في البنوك وهو لا يصنع خيرًا ولا يسخر هذا المال في سبيل الخير فليس له أثر والذي ليس له أثر شبيه بالموتى ‘ بخلاف ذلك الميت حقيقةً والذي توفي قبل ألف عام لكن أثره موجود وفاعليته موجودة والاقتداء به مستمر فهذا حي حتى لو مر عليه عشرة آلاف سنة فأولًا في المجتمعات الدينية لا تعتبر كثرة المال ووجدان المال والسيطرة والاستحواذ على الأموال بذاتها لا تعتبر ذات قيمة .

  بل حتى في المجتمعات غير الدينية فهل تتصور أن أصحاب المال هم المقدمون ؟ كلا 

وهذا بمقدار ما هو موجود في البلاد الغربية فهو للأسف في بعض بلادنا المسلمة غير موجود . فأصحاب الثروات الكبرى في العالم غالبًا يعرفون بمشاريعهم الاجتماعية حتى أن بعضهم أوصى بكل ثروته بعد مماته في جهات خدمة العلم ومشاريع الخير حسب اعتقاداته وبعضهم أسس مؤسسات أيام حياته لصرف أمواله لخدمة مجتمعه ، وهو غير موجود في بعض مجتمعاتنا . نعم يوجد أصحاب أموال وتجار كبار عرفوا قيمة أنفسهم وقيمة ثرواتهم فسخروها في سبيل الخير ، ونحن نجد الآن الكثير من هذه المؤسسات الدينية كالمساجد والحسينيات والمعاهد والمراكز وطلاب العلوم الدينية والمستشفيات وقضايا صحية وقضايا تعليمية وكفالة أيتام وغيرها من جهات الخير نجد قسم من أصحاب الأموال عرفوا كيف يستثمرونها . فهذا يقدر لا لأنه صاحب مال وإنما لأنه سخر ما يملك من المال في هذه الخدمات . أما التقدير لصاحب المال لمجرد أنه يمتلك مالًا عبر عنه بعض الغافلين كما في قضية قارون : ( قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيم ) ( وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا ولا يلقاها إلا الصابرون )

   في بعض المجتمعات ضمن دوائر معينة وفي حين غفلة الذين يريدون الحياة الدنيا يتصورون أنه إذا امتلك الإنسان الأموال يصبح مقدرًا ، هذه غفلة وجهل فعلينا ألا نغتر بزيد وعمرو الذين لا يعلمون . 

فهل الأنبياء في كل التاريخ يقدرون أو لا ؟ كل البشر يقدرون إبراهيم ونوح وموسى وعيسى وسيد الأنبياء محمد . هل كانوا يقدرونهم لأن عندهم ثروات طائلة ؟ كلا 

   بل على العكس الطواغيت والفراعنة الذين عاصروا الأنبياء هم أصحاب الأموال لكن الآن لا أحد يذكرهم ، فلو كان إذا عندك فلس تسوى فلس لكان الأنبياء والأوصياء في طول التاريخ غير مقدرين من أحد . فأنت الآن تذكر أهل البيت عليهم السلام ، وتذكر أصحاب النبي الذين جاهدوا وبذلوا وأعطوا من أنفسهم كان القسم الأكبر منهم لا يملك الأموال كأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي الذي خرج ذات يوم وقت الظهيرة وصادف الإمام علي عليه السلام وسأله أمير المؤمنين عما أخرجه في هذا الوقت ؟ والمقداد سأل الإمام نفس السؤال وعاود عليه الإمام السؤال وحين امتنع عن الإجابة قال له الإمام لا بد فأجابه لم يوجد في البيت شيءٌ يؤكل فخرجت لأدبر أمري ( هذا الذي لايملك غذاء له ولأهله يقول عنه النبي :المقداد زبر الحديد ويقول أيضًا : إن الجنة لتشتاق إلى أربعة أحدهم المقداد ) 

   فقال له الإمام الذي أخرجك هو الذي أخرجني لأن الإمام ذهب إلى بيته فلم يجد شيئًا ، ففي رواية أنه اقترض من يهودي وفي رواية أخرى أنه اشتغل عنده عدة ساعات وحصل منه دينار وهذا قبل خيبر وفدك في الفترة الأولى من الهجرة . فأعطى الإمام الدينار للمقداد وحين سأله وأنت ماذا ستفعل قال خذه ولا عليك . ورجع إلى المسجد فإذا بالنبي يقول له : يا علي غذاءنا اليوم عندك . فقال له الإمام تفضل ، فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت فاطمة تتعبد وحين دخل عليها الإمام ومعه رسول الله شما رائحة عراق اللحم . فلما فرغت فاطمة جاءها الإمام عليه السلام وقال لها ألم تخبريني أنه لايوجد عندك شيء . قالت : والذي بعث أبي محمدًا بالنبوة ما عندنا شيء وهذا من عند الله عز وجل . هذا رزقٌ أتى به جبرئيل كما كان يأتي مريم ولا تقل فاطمة عن مريم بل تفوقها ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) 

فالشاهد أن المقداد الذي تشتاق له الجنة لا يملك ثمن غذاء في ذلك اليوم . أين هذا من (عندك فلس تسوى فلس )؟ 

    بعض أصحاب النبي الذي حين مات كانت ثروته تكسر بالفؤوس هذا لا نقدره كما نقدر المقداد بن الأسود الكندي بل حتى في المجتمعات غير الدينية . فهل تتصورون أن تلك المجتمعات يقدرون أصحاب الأموال الطائلة أو يؤرخون أسماء العلماء والمكتشفين والأدباء والفلاسفة ؟

   فلا أصل الفكرة صحيحة ولا فكرة أن المجتمعات تنظر إلى الناس هكذا صحيحة وإنما المجتمعات في عمومها لا تقدر صاحب المال لمجرد أنه صاحب مال ولا تهمل غير صاحب المال لأنه لا يملك وإنما تقدر ذاك إذا سخر ماله في سبيل الخير . ولا تسأل العالم هل عندك فلوس أو لا ؟ ولا نسأل في المجتعات الدينية عن ثروة العالم كم هي لنقرأ كتابه ولا نسأل المرجع كم ملياراته حتى نسمع كلامه وهكذا كلما صعدنا مع الأنبياء والأوصياء نفس الكلام .

بالعكس فإن المال على خلاف ما هو عند قسم من الناس هو وسيلة وأداة . فإذا اعتقد بهذا المثل فإن نمط حياته يتغير فتجده يصبح ضمن إطار التظاهر ودائما يحب يستعرض أن عنده أموال وكل يوم يصور سياراته وملابسه وبيته . لماذا ؟ هذا لأنه يعيش في داخله الانكسار والحاجة إلى الاحترام يريد أن يلتفت إليه الناس . أما الإنسان الذي يملك العلم والعمل الصالح الخير فلا يحتاج لهذا أبدًا . التفت إليه الناس أم لم يلتفتوا إليه سيان لأنه عين الله ناظرةٌ إلى ما يعمل وهو يعمل لوجهه تعالى ولا يعمل من أجل الناس ولا لإعجابهم بما يعمل ويقدرونه باعتبار أنه لبس اليوم هذا اللباس وهذا أكثر شيوعًا عند قسم من النساء غير الواعيات لأنها تبحث عن الاهتمام وتبحث عن التقدير . والتقدير ليس هنا وليس في المال وامتلاكه وليس في الأثاث واقتنائه وإنما التقدير في الإيمان والتقوى والعمل الصالح وفي خدمة المجتمع . 

      فهناك إذا عملت عمل خير تقدر حتى لو لم تبحث عنه فالذين ينفقون سرًا لا يبحثون عن اسم ولا رسم لكن الله يرفع ذكرهم فيحصلون على التقدير والاحترام وقد وجدنا قسم من التجار الأثرياء المؤمنين يصبح لهم تقدير مع أننا لا نطلع على أعمالهم لكن الله هو الذي يرفعهم عند الآخرين ( والعمل الصالح يرفعه ) 

    فيما ورد عن كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتاركه للناس ) فمالك ليس الرصيد الذي في البنك فهذا حقيقةً ليس مالك وهذا حتى اقتصاديًا يبرهن عليه وليس فقط أخلاقيًا فالبنك هو الذي يعمل فيه ويربح وتزيد أرصدته أما بالنسبة لك فهو رقم فقط ومالك الحقيقي هو ما صرفته على نفسك وعلى أهلك وعلى غيرك وما اشتريت به الآخرة هو هذا مالك . أما أن يكون رصيدي في البنك مثلًا رقم به عشرة أصفار لكن لا يوجد من مظاهره شيءٌ علي ، فلا آكل منه ولا ألبس منه ولا أصرف على أهلي منه ولا أصرف على آخرتي منه هذا يبقى رقم .

يقول أمير المؤمنين عليه السلام : ( ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك ) 

   كما ذكرنا فشهر رجب مقبل واستثماره هو الخير أما الأموال فسيتنازع الأبناء عليها ولا يذكرون والدهم لا سمح الله إلا بما لا يرتاح إليه .

   نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الخير ومن أهل التقوى والعمل الصالح وإذا أعطانا مالًا ورزقنا إياه أن نسخره في سبيل الخير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .



مرات العرض: 3383
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 29546.01 KB
تشغيل:

اسأل مجرب ولا تسأل طبيب .. هل هو صحيح9
صلوات شعبانية أو لطول السنة 1