يا من فلق البحر لبني اسرائيل 20
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/8/1441 هـ
تعريف:

يا من فلق البحر لبني اسرائيل 20


تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري

في تتمة هذا الدعاء دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة وبعد أن ذكر الإمام الحسين سلام الله عليه أحد أنحاء المعروف التي صنعها ربنا سبحانه وتعالى مع أنبيائه وذكر من ذلك قضية يوسف وكيف أنه نقل الله عبده ونبيه يوسف من أسير في الجب إلى أمير في الملك، مرورا بمراحل متعددة من المعاناة والمشاكل والسجن والمؤامرات. إلى أن جعله بعد العبودية -حتى صار عبدا يباع ويشترى- إلى أن جعله بعد العبودية ملكا يحتكم في كل مصر، شعبها واقتصادها وكهنتها وغيرهم. 

وهكذا الحال بالنسبة إلى نبي الله إبراهيم على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام و عرض الدعاء إلى تجارب الأنبياء السابقين وإلى قصص بعضهم لكي يشير إلى معروف الله عز وجل.

إلى أن وصل الدعاء إلى قوله ( يا من أخرج يونس من بطن الحوت يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم وجعل فرعون وجنوده من المغرقين يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود وقد غدوا في نعمته يأكلون رزقه ويعبدون غيره وقد حادّوه ونادوه وكذبوا رسله )

بعد أن أبق يونس إلى الفلك المشحون ( فساهم فكان من المدحضين ).

دعا يونس قومه إلى عبادة الله عز وجل و ككثير من الأقوام اتبعوا الشهوات وتركوا أمر الله ورفضو دعوة يونس فدعا يونس عليهم ربه بالعذاب.

جماعة وصلتهم الرسالة واتاهم البلاغ وحاول معهم النبي ولم يستجيبوا فدعا عليهم ربه أن يعذبهم ووعد بالعذاب بعد أيام، وانتظر لم يحصل ذلك فخرج من ذلك المجتمع و من تلك البلاد مغاضبا حتى وصل إلى ساحل البحر وركب في سفينة وبدأ الابتلاء له. هل كان ذلك الابتلاء نتيجة فعله غير الأولى كما أشار إلى ذلك علماء الكلام من أنه تعجّل عليهم بالهلاك والدعاء عليهم بالعذاب وهذه منازل يتفاوت فيها الأنبياء، أنظروا إلى نبينا المصطفى سيد الخلق بأبي هو وأمي ونفسي مع كل ذلك التكذيب بل والتآمر على حياته المقدسة وسعي قريش لقتله ليس فقط ردوا دعوته، والآن هاهم يتصافون معه يقول بعض المسلمين لرسول الله وقد علموا استجابة دعوته يا رسول الله هلّى دعوت عليهم لإهلاكهم؟ هؤلاء مستحقون كذبوا الرسالة وتآمروا على النبي في مكة ولحقوه إلى المدينة لكي يقتلوه ! أي عدوان هو ذلك العدوان ! فيقول سيدنا ومولانا وحبيبنا شفيع الخلق وسبب الرزق النبي محمد صلى الله عليه واله يقول ( إني لم أُبعث لعانا، لم أُبعث نقمة إنما بعثت رحمة للعالمين ) اللهم أدخلنا في هذه الرحمة النبوية وارزقنا هذه الشفاعة المحمدية وتفضل علينا بالرفقة النبوية المحمدية في الجنة إن شاء الله. ويدعو بهدايتهم( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ) هذا موقع، ويونس أيضا نبي من أنبياء الله ولكن ضمن سعة هذا ( فسالت أودية بقدرها) هذا قدر النبي المصطفى و هذا قدر نبي الله يونس وشتان.

وآن إذٍ ( فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم ) يتصاعد البلاء في درجاته درجة درجة حتى إذا وصل أقصاه وبلغت القلوب الحناجر وهناك شعرة واحدة بين التسليم ومعه الفرج وبين الجزع ومعه السقوط من حالق تصل درجات البلاء إلى أن يذهب ويلتقمه الحوت ويبقى في بطن الحوت مدة من الزمان، الذي يتحدث عن المعادلات الطبيعية لا يستطيع أن يفهم هذا، كيف يدخل شخص في داخل بطن الحوت لا تنفس ولا قدرة على الحياة وكان بطن الحوت مليئا بالماء لا سيما والأحشاء وغير ذلك كيف يستطيع أن يعيش ؟ هذه ضمن المعادلات الطبيعية لكن إذا كان الله يأمر الحوت ويأمر البحر ويأمر البر والسماء والأول والآخر وهو قادر على كل ذلك و هي مستجيبة بأمره فلا يوجد غرابة أبدا.

الذي جعل الشمس في مدارها والقمر في مداره والأرض في مداره والمجرات والأفلاك وغير ذلك هو نفسه يصدر أمرا إلى ذلك الحوت، ما شأن ذلك الحوت؟. حتى إذا أذن الله عز وجل وتصاعد البلاء بيونس اهنا في أقصاه أيها الأحباب أيتها المؤمنات  عندما يتصاعد إلى الذروة البلاء هناك ينبغي تسجيل الموقف الأعظم، هناك لابد أن يأتي( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) لكي يترتب على ذلك ( فاستجبتا له ونجنياه من الغم ) هل هذا خاص بيونس ؟ لا (وكذلك ننجي المؤمنين ) إذا أحدقت بك المشاكل وبكي الهموم والغموم.

النقطة الأخيرة يأتي فيها الشيطان فإما أن تكون رحمانيا كما هو العهد بك وإما والعياذ بالله يكون ذلك الإنسان شيطانيا فيخسر.

( يا من فلق البحر لبني إسرائيل فأنجاهم )

قوم تم استحياء نسائهم وقتل رجالهم وإبقاء من بقي من الرجال الأشداء للخدمة والسخرة والاستعباد فتأتي الرسالة النبوية، تأتي الرسالة الإلهية كما هو شأن الرسل والأنبياء لإنقاذ البشر ليخرجهم من الظلمات إلى النور  بإذن الله عز وجل.

فيُخرج هذا المجتمع بكامله مما فيه من العنت والعناء، تصور نفسك أيها المؤمن - والعياذ بالله- تعيش في وضع هكذا ابنتك تستحيا للمتعة وللانتهاك الجنسي من قبل قوم فرعون وأنت لأنك كبير السن تقتل وابنك لأنه شاب قوي يستعبد للخدمة، أي طعم في هذه الحياة؟ لتعلم مدى البلاء والعناء الذي كانوا فيه.

فجاء نبي الله موسى ( أن أرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم ). حدثت المواجهة، دولة كاملة هي الدولة العظمى بأساطيلها وبقواتها المسلحة وبأسلحتها المتعددة وبوزرائها ومدرائها ومؤسساتها في مقابل مجموعة من العبيد على رأسهم نبي من الأنبياء قال لهم اخرجوا واعبروا البحر لا تستطيعون المواجهة المباشرة، اعملوا بالتقية لا تواجهوا مواجهة مباشرة انسحبوا من المواجهة المعلنة والظاهرة والساخنة، انسحبوا بدينكم وبإيمانكم واخرجوا من هذه. كيف نخرج! والبحر أمامنا ولا نستطيع ذلك وليس عندنا أدوات لكي نعبر بواسطتها مجموعة من الفقراء والحفاة، لكن فلق الله البحر لبني إسرائيل( قلنا اضرب بعصاك الحجر ) لكي يتفجر ماءً وهذا من بدائع قدرة الله عز وجل واضرب بنفس العصا الماء لكي يصبح حجرا، تماما لو أردنا التشبيه بما سيحصل مع اسرافيل، صورك هذا الذي تنفخ فيه أمت به الحياة وصورك نفسه انفخ فيه أخرى لتنشئ الحياة، عملان متقابلان على حد التضاد أو التناقض يعمله شيء واحد وبطريقة واحدة. العصا الموسوية تأتي إلى الصخرة الجلمد فتضربها فينبعث الماء العذب منها لكي يشرب منه بنو إسرائيل بعدد هو اثنا عشر ونفس هذه العصا تأتي لتضرب البحر فإذا به يصبح حجرا.

هذه خارج القوانين الطبيعية هذا فوق الأوامر فوق القوانين.

فيا أيها الإنسان تمسك بما وبمن يقنن القوانين ويدبر الأمور ويوقفها ساعة يشاء ويجريها ساعة يريد.

وجعلت فرعون وجنوده مع كل تلك السفن والقوارب والاحتياطات التي كانت لديهم ( من المغرقين ). 

( يا من أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته )

فإذا بها تحمل الخير والنماء والبركة ونفسها عندما يريد الله الريح العقيم ما تمر على شيء أو ما تدع شيئا تمر عليه إلا جعلته كالرميم .. نفس هذه الريح، لكن أمرها بيد الله عز وجل تارة تحمل السحاب والأمطار والخير والبركة والنماء والخصبة، وأخرى ( بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيهم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية )

( يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه ) 

يا رب الأرباب يا أرحم الراحمين هذا المجتمع البشري الذي تنعم عليه فيزيد بغيا وتعطيه فيزداد إنكارا.

ماهو هذا اللطف ! تحار العقول وتنحسر الأبصار عن مقدار لطف الله عز وجل ورحمته بخلقه مع عصيانهم مع تمردهم مع جحودهم.

( يا من لم يعجل على من عصاه من خلقه ) 

لو عجل عليهم لما بقي أحد، ترى الشخص ينفق أغلب عمره لا يعرف طريق الصلاة ولا يصوم لله يوما واحدا ومع ذلك هو يتمتع في خير الله ونعمة الله ولم يضيق عليه رزقه ولم يحجب عنه نعمته.

( يا من استنقذ السحرة من بعد طول الجحود )

هذا نموذج أوضح في تحدي الله عز وجل من قبل بعض خلقه وفي مقدار نعمة الله عز وجل عليهم

( وقد غدو في نعمته يأكلون رزقه ويعبدون غيره وقد حادوه و نادوه وكذبوا رسله )

بني النظام الاجتماعي في المجتمع الإسرائيلي على أساس عبادة الناس لفرعون وألزمهم بذلك، لا يختلفوا ولا يتخلفوا عنه صغير ولا كبير ولا صاحب قوة ولا ضعيف، فلما جاء نبي الله موسى و معه أخوه هارون داعيين فرعون ومن بعدهم إلى عبادة الله عز وجل برز إليهم فرعون في زعمه لكي يحارب ربهم. فاستجمع قدراته ومن أولى قدراته في ذلك المجتمع ضمن عقائدهم السحرة، فجاؤوا بالسحرة الذين يعبدون فرعون ويأكلون رزق الله وخير الله ونعمة الله برزوا بأمر فرعون لمواجهة أمر الله ونبي الله عز وجل، فإذا بهم ينتكسون وينكسرون وينهزمون أمام شيء بسيط من قدرة نبي من أنبياء الله، من قدرة عبد من عباد الله لم يكن الله ليستعمل معهم قدرته وإنما هي عصا قيمتها الأصلية( أهش بها على غنمي) .. ( أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى).

هذه هي قيمتها الظاهرية لكن إذا صار فيها أمر الله عز وجل صار فوق القوانين، ضمن القوانين العادية وما أجاب به نبي الله موسى العصا ماذا تصنع ؟ تخبط الأشياء ويتوكأ عليها ويعلق عليها الثوب وما شابه ذلك، هذا ضمن قانوننا الطبيعي. 

أما إذا لا.. ( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق مافي يمينك ) هنا صار لها عنصر آخر هنا هذا فوق القانون، هنا فوق المعادلات ( فألقاها فإذا هي حية تسعى) و إذا هي في آية أخرى( تلقف ما يأفكون ) بل بإمكانها بهذا الأمر الجديد أن تحتوي قصر فرعون وما فيه، أن تلتهم قصر فرعون ضمن المعادلات الطبيعية أمر خرافي ولكنها ضمن المعادلات الأمرية بأمر الله، بإذن الله يختلف الحال.

فإذا بالسحرة ( فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ). أُنعم عليهم بعد ذلك وصمدوا كي يواجهوا فرعون زمانهم محافظين على إيمانهم وليقدموا للبشر تجربة متقدمة في التوبة وفي الصمود على الإيمان.

( وقد حادوه و نادوه وكذبوا رسله لكنه استنقذهم) 

يا الله يا الله يا الله .. عندنا في الروايات آثار خاصة لتكرار أسماء الله عز وجل، البعض يقول لماذا نكرر مثلا في الصباح عندما نبدأ يومنا أو بعد صلاة الفجر يستحب أن يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. وفيها من الآثار آثار كبيرة، لماذا نكرر قول هذا الذكر لا إله إلا الله الملك الحق المبين مئة مرة؟ لماذا نلعن أعداء الله بهذا المقدار المحدد؟ بالإمكان أن يقول إنسان بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم نقول بعد ذلك مئة مرة، أو لا هكذا إذا كانت مؤثرة فلتؤثر من أول مرة أو عندما نقول بهذا اللفظ لا إله إلا الله الملك الحق المبين مئة مرة ألف مرة، لماذا نحتاج إلى تكرارها؟. 

الجواب على ذلك هو نفس الأثر الذي نحتاجه لكي ننظف الثوب تنظيفا كبيرا نحتاج إلى أن نغسله مرتين وثلاث وهكذا.. الثوب الذي نغسله مرة واحدة بماء يتنظف بمقدار معين وبنسبة خاصة لكن إذا تكرر ذلك لاشك ولا ريب يحصل من النظافة ما لا يحصل بالمرة الواحدة، قلبنا هو الثوب والذكر هو الماء. الذكر الذي يمر على قلب الإنسان يزيل عنه الأوهام بمقدار، يزيل عنه عناصر الشرك بمقدار، يزيل عناصر الخوف بمقدار لكن إذا تكرر وتتالى بمرور الزمان هذا القلب يصبح قلبا معجونا بالذكر، يصبح قلبا إلهيا يأنس باسم الله عز وجل.

لاحظوا الفرق بين قلب إذا أصيب صاحبه بمصيبة يلطم على رأسه ويمزق ثوبه في ردة فعل على ما حصل عليه وبين شخص يمتلك قلبا قد ملئ بلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، يصاب بأعظم المصائب ويكون عنده هذا الذكر لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. هذا لا يأتي إعتباطا ولا يأتي مرة واحدة وإنما عندما يصبح هذا القلب قد تغلغل في كل أجزائه ذكر الله عز وجل واسم الله عز وجل عندما تحصل له مصيبة هذا هو ذكر الله حاضر عنده، عندنا تتجدد له نعمة يسبق ذكر الحمد كل انفعال آخر، البعض عندما يخبر بالنجاح، بقبوله في العمل ردة فعله ماهو؟ خصوصا مع تعليم بعض الافلام وغيرها يقزف إلى الأعلى هووراا ماذا يعني هورا ! أو يصفق أو يرمي بنفسه على الأرض ! 

أنت هنا في موقع ترفع يدك بالدعاء والذكر، الحمد لله رب العالمين شكرا لك يا رب، يسرت عليّ الامتحان فنجحت وربما البعض هنا يتصور أن بطولته كانت هي التي صنعت هذه الأمور ! لا ريب أن سعيك كان مؤثرا لكن النجاح أعطاك الله إياه عندما أعطاك عقلا قادرا على الفهم ونفسا مقبلة على العلم وعينا ناظرة إلى سطور الكتاب وتوفيقا أدى إلى أن تكون في ذلك اليوم مستجمعا لأفكارك.

هذه كلها لا تظننها صدفة صارت! هي توفيق من الله عز وجل وعطاء من عنده وأنت تتصور أنك كما قال قارون  ( إنما أوتيته على علم عندي  أولم يعلم) طبعا لا يعلم هذا وإنما هذا استنكار عليه، أولم تعلم أن الله سبحانه وتعالى يسر لك الأمور، جعل ذهنك وعقلك مركزا بحيث تفهم المعلومة، وظيفتك التي تنتظرها منذ مدة من الزمان أنت لا تعلم أن الله سبحانه وتعالى ماذا صنع في نفس ذلك الطرف الذي بيده أن يوقع أو لا يوقع، ولكن ذاك تحت نظر الله كما أنك تحت نظر الله، وعندما دعوت ربك ورجوته واستجاب لك فقد أثر في ذلك الشخص لكي يصنع لك هذا الصنيع.

هنا يأتي أمر أن تديم ذكر الله عز وجل لأنه ذاكر لك.

يا ذاكر الذاكرين يا أرحم الراحمين يا معطي السائلين صلّ على محمد وال محمد وأعطنا ما سألناك وفوق ما سألناك في دنيانا وآخرتنا لأنفسنا وأرحامنا والمؤمنين، واجمعنا بمحمد وآله الطيبين الطاهرين وصلى الله على محمد وآله الهداة المطهرين. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرات العرض: 3415
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2575) حجم الملف: 45618.4 KB
تشغيل:

لا إله الا الله رب جبرئيل وميكائيل واسرافيل 16
يا حيا حين لا حي يا محيي الموتى 21