اللهم ما أخاف فاكفني وما أحذر فقني 14
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/8/1441 هـ
تعريف:

اللهم ما أخاف فاكفني وما أحذر فقني 14

تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري 

في تتمة دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة بعد أن يعدد الداعي جانبا من النعم الإلهية عليه شخصيا.

 رب بما خلقتني وقد كنت عن خلقي غنيا، رب بما برأتني، رب بما أغنيتني وأقنيتني، وهكذا يشير إلى النعم المباشرة على هذا الإنسان الداعي نفسه في اعتراف منه بهذه النعم وفي موقف حمد منه لبارئ هذه النعم وخالقها، بعد ذلك يأتي الدور في الطلب والمسألة. ماهي حاجات هذا الإنسان، بالرغم من أنه فيما سبق قال اللهم اجعل النور في بصري، اجعل غناي في نفسي وهكذا، لكن هذه مطالب من نوع آخر.

بعد أن توسل إلى الله بنعمه عليه - على الداعي- وبعد أن حمده على ذلك، قال صل على محمد وآل محمد و هذه - كما ذكرنا - جزء من الدعاء ليس أمرا تزيينيا فقط، بل ورد عندنا في أحاديث المعصومين عليهم السلام أن (ابدأ دعاءك بالصلاة على محمد وآل محمد وانهي دعاءك بالصلاة على محمد وآل محمد وادعو فيما بينهما فإن الله عز وجل أكرم من أن يستجيب في الطرفين ويترك الوسط ) لا ريب أن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاء الإنسان عندما يطلب منه أن يصلي على محمد واله، فهذه صلاة مستجابة في الأول وصلاة مستجابة في الأخير. الله أكرم  أن يستثني الوسط، لذلك من آداب الدعاء، من مسببات استجابة الدعاء أن يبدأ الإنسان دعاءه بالصلاة على النبي وآله وليست الصلاة البتراء وأن يختم أدعيته بالصلاة على محمد وآل محمد. 

هنا أيضا نفس الكلام بعد أن قال ( رب بما خلقتني، رب برأتني، رب بما انشأتني ) يقول ( صل على محمد وآل محمد وأعني على بوائق الدهور). 

البوائق جمع بائقة والبائقة يعني الداهية التي تأتي على غير إنتظار، وباء يفاجئ الناس هذه من بوائق الدهور، نزول اقتصادي وكساد غير متوقع هذه من بوائق الدهور، إصابة على أثر حادث من الحوادث غير منتظر هذه بوائق الدهور لم تكن شيئا متوقعا.

( صل على محمد وال محمد وأعني على بوائق الدهور ) 

حيث أنه لا أستطيع ردها، بعض الأشياء يستطيع الإنسان التوقي منها لأنها ترتبط به ارتباطا مباشرا، ولكن بعض الأشياء لا يستطيع ذلك بنفسه لأنها قضية عامة عابرة للأفراد وللأماكن وللأزمنة ربما وغير متوقعة حتى يحتاط الإنسان لها، فالمطلوب هنا ماذا ؟ أن يستعين الإنسان بالله عز وجل إذا حصلت هذه بوائق الدهور رب أعني على بوائق الدهور ومهما بلغت هذه الدواهي فإنها لن تكون أعظم من قدرة الله عز وجل، لن تكون فوق عون الله عز وجل.

فنحن نطلب من الله أن يعيننا عليها. ( وأعني على بوائق الدهور وصروف الليالي والأيام )

الصروف هي التغيرات التي تحدث في الزمان المكون من ليل ونهار، من صروف الليالي والأيام أن الإنسان يبات صحيحا ويستيقظ سقيما، يبات غنيا ويستيقظ مفلسا تتصرف به الأيام والليالي و هذا يبين أيها المؤمنون، يبين كم هذا الإنسان هو ضعيف لولا استعانته بالله ولولا عناية الله وكلاءته. أنت ضعيف، أنا ضعيف بل أضعف الضعفاء، إن أكثر الخلائق هي أقوى من الإنسان بحسب القوة المادية، حتى الفيروسات والمايكروبات تطيح بهذا الهيكل الطويل العريض مثل ورق الخريف.

صروف الليالي والأيام التغيرات التي تحصل فيها تأثر عليك وتأثر علي ولا ملجأ ولا منجى ولا معتصم إلا بالله عز وجل.

( يا عماد من لا عماد له ويا ذخر من لا ذخر له ويا كهف من لا كهف له ) أنت يا رب القادر على كل خلقك وعلى دفع الضر عن خلقك ودفع الشر عنهم.

( واكفني صروف الليالي والأيام ونجني من أهوال الدنيا وكربات الآخرة)

أهوال الدنيا مخاوفها، وكربات الآخرة هي أعظم وأعظم. لو لم يكن إلا موقف الحشر لكفى بذلك. كم سيقف الإنسان؟  الله هو العالم " يوم عند ربك كألف سنة مما تعدون" كيف يكون ذلك الموقف؟ ماهي حال الإنسان فيه ؟ إلى ماذا سيصير؟ 

يا غفلتي عما يراد بي، أهوال، عظائم، مخاطر، مكاره لنفكر أيها المؤمنون بها.

لا يصح أن تستغرقنا الدنيا! ترى القسم من الناس منشغل بدنياه في كل يومه حتى في صلاته وعبادته هو منشغل بدنياه! أين الآخرة! أين كرباتها! أين أهوالها! أين مسكنك الجديد والتفكير فيه ! ألا يستحق ذلك الخلود إلى أن يفكر فيه الإنسان ولو ساعة من ٢٤ ساعة ؟ ألا يفكر الإنسان أنه يستحق القبر وما بعد القبر والموت وما بعد الموت والحشر وما بعد الحشر، ألا يستحق ساعة من نهار !.

واكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض) 

لا تسلط علينا يا رب ظالما يكيدنا بكيدك، وهذا يستدعي أن لا نكون نحن ظلمة، الظالمون لا يعني فقط أولئك السلاطين أو الرؤساء أو جبابرة الأرض، لا! أنا وأنت من الممكن أن نكون من الظالمين، قد أكون ظالما لزوجتي وقد أكون ظالما لولدي و قد أكون ظالما لجاري وقد أكون ظالما لمن يعمل عندي وقد أكون ظالما لمن يكون في الشارع. 

فإذا كنا نستعيذ من شر ما يعمل الظالمون هذا يقتضي أن لا نكون نحن ظلمة ولو بهذه المقادير. وأيضا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفينا شر ما يعمل الظالمون.

خلق الله بعض الخلق ليكونوا رحماء، ليكونوا عبيدا له، رحماء على خلقه وإذا بهم يتفننون في ظلم الغير وفي ظلم الخلق، ماذا ينتظر هؤلاء من العذاب! وهل يظنون أنهم خالدون في هذه الدنيا؟ كم لعب هؤلاء الظالمون بمصائر أناس، يأتي طاغية وعلى أثر وهم عنده يقوم بتهجير مئات الآلاف من البشر، يقوم بسجن عشرات الآلاف من البشر، يقوم بمصادرة الأموال الطائلة من الناس، وقد تكون أنت وأمثالك من ضحايا هؤلاء الظالمين لذلك ينبغي أن يلح الإنسان على ربه أن يا رب اكفني شر ما يعمل الظالمون في الأرض، وأحيانا بعض الظلم يتخذ قراره في أقصى البلاد ولكن تصل آثاره إلى هذا الإنسان، قد يكون في ذلك القسم من الكرة الأرضية يتخذ ظالم قرارا ولكن أثره وضرره يصل إليك وأنت في النصف الثاني من الكرة الارضية.

اللهم اكفنا شر ما يعمل الظالمون ونجنا من كيدهم ومن ظلمهم.

( اللهم ما أخاف فاكفني وما أحذر فقني وفي نفسي و ديني فاحرسني وفي سفري فاحفظني) 

المخاوف التي تتوجه إلى الإنسان و أعمال الأشرار التي يُحذر منها يارب اكفني إياها ما أحذر مما أعرفه وما أخاف حتى لو لم أعرفه من ضررهم وشررهم وشرهم بل من كل الأخطار سواء كانت من بشر أو من حشر أو من غير ذلك، أنت يا رب القادر على أن تقيني وأن تحفظني وأن تكفيني فافعل ذلك.

( وفي نفسي وديني فاحرسني )

حفظ النفس وحفظ الدين أمران مهمان لا يقل حفظ الدين أهمية عن حفظ النفس؛ لأن الدين هو والإلتزام به هو جوهر حياة هذا الإنسان وبدونه تكون هذه الحياة لا قيمة وهذه النفس لا أهمية لها.

( وفي سفري فاحفظني ) حيث أن السفر غالبا هو أكثر في أخطاره من الحضر، الحضر الإنسان يعيش في بيئته وفي وطنه وبين معارفه ويعرف المعادلات الجارية فيه فالغالب أن الأخطار المتوجهة إليه وهو في حال حَضَرٍ في بلده هي أقل من الأخطار المتوجهة إليه في حال السفر، ولذلك يستحب للإنسان عندما يريد السفر أن يَقرأ وأن يُقرأ عليه أدعية الحفظ وأذكار الحفظ، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين، وأمثال ذلك مما ورد في كتب الأدعية "يا حافظا لا ينسى ويا من نعمه لا تحصى أنت الذي قلت وقولك الحق إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ثم يدعو الإنسان ربه بأن يحفظه أو أن يحفظ مسافره.

( وفي سفري فاحفظني وفي أهلي ومالي فاخلفني ) الله أكبر، ما قاله رسول الله صلى الله عليه واله فيما روي عنه وما أكمله أمير المؤمنين عليه السلام مما يرتبط بهذه الفقرة.

ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله قوله أنه كان إذا أراد السفر قال :( اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل). أنا المسافر أنت تصاحبني وتؤنسني وتحفظني وفي نفس الوقت أنت خليفتي في أهلي بمعنى أنك تحفظهم وتراقبهم وترعاهم، فيأتي أمير المؤمنين عليه السلام ويكمل هذا الدعاء ويقول ( ولا يجمعهما غيرك فإن الصاحب لا يكون خليفة والخليفة لا يكون مصاحبا ). لو نظرنا للمسألة في غير ربنا سبحانه و تعالى لا يمكن أن يكون شخص مصاحبا لك في السفر وهو في نفس الوقت خليفة في أهلك لأنه إذا كان مصاحبا لا بد أن يكون معك يسافر فقد خليت البلاد منه و اذا خليت البلاد منه لا يمكن أن يمر على أهلك ولا ينظر إليهم ولا أن يراعيهم. وإذا انعكس الأمر بقي مع أهلك خليفة فيهم لا يمكن أن يكون مصاحبا لك ومنتقلا معك في سفرك إلا الله سبحانه وتعالى .ولا يجمعهما غيرك فإن الخليفة لا يكون مصاحبا والمصاحب لا يكون خليفة. 

وفيما رزقتني فبارك لي) 

مفهوم البركة أيها الأخوة من المفاهيم الموجودة والوجدانية بالرغم من أن قسما من الناس يقول ماذا يعني بركة ؟ إما عندك مال وإما ليس عندك مال فماذا يعني البركة !. معنى البركة أن الجانب الغيبي الذي يمثله الله سبحانه وتعالى وهو الرازق حقيقة وإنما أنت تسعى لكن الرازق هو الله.

إلى ذلك يشير ما ورد في التعقيب " لا أدري في سهل هو أم في جبل- في الرزق- أم في أرض أم في سماء أم في بر أم في بحر وعلى يدي من ومن قبل من وقدعلمت أنه عندك" الرزق الحقيقي بيد الله عز وجل فلو لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن ترزق أو شاء أن تحرم، لو سعيت دهرك لم تصل إلى نتيجة. 

إن الرزق كالزراعة لابد فيه من اجتماع جملة أمور لا يكفي أن تنتخب أرضا وأن تسقيها فقط بل لابد من اجتماع سائر العوامل والشروط، لابد من شمس تشرق ولا بد من أرض خصبة ولابد من بذرة صالحة ولابد من ماء ولابد من كذا وكذا وهذه كلها بيد الله عز وجل.( وفيما رزقتني فبارك لي ) اللهم بارك لنا في أرزاقنا .

( وفي نفسي فذللني وفي أعين الناس فعظمني ) 

معادلة لابد أن تكون عند الإنسان المؤمن. إن أردت أن تكون عظيما عند الناس كن ذليلا في نفسك وكن ذليلا بين يدي ربك، أما إذا تعاظم الإنسان على الناس تكبر عليهم هذا يصبح عند الله ذليلا وفي يوم القيامة -كما ورد- يأتي المتكبر في صورة الذر أصغر شيء حتى يوطأ من قبل الناس، وأيضا عند الناس لا يكون هذا عظيما لقد رأينا أن من يتظاهر بالعظمة لا يحصل له إلا السخرية والاستهزاء والذل وان كان قسم من الناس يخافون أن يظهر ذلك ولكنهم في قرارة أنفسهم يستهزؤون بتعاظمه.

( ومن شر الجن والإنس فسلمني وبذنوبي فلا تفضحني وبسريرتي فلا تخزني )

السريرة مبالغة في السر، الشيء السري إذا تم إخفاءه عن كل أحد فهو في سريرة النفس. نيات الإنسان الباطلة، أحقاده الجاهلة على غيره، أطماعه الكثيرة، تمنياته التافهة و هذه قد توجد لدى بعض الناس لا يتكلم فيها ولكن في بعض الأحيان قد تظهر.

الداعي هنا يسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يفضحه بسريرة نفسه، لأنها لو خرجت يعاقب، يهان هذه أمور لا ينبغي أن تخرج لسوئها، فنحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يخلصنا أولا من النيات الباطلة ومن الأفكار التافهة ومن الأحقاد الباطلة، أن يخلصنا منها، أن يطهر أنفسنا منها وإن بقي شيء فهو في داخل النفس أن لا يفضحنا بإخراجه على رؤوس الأشهاد.

( وبعملي فلا تبتلني أو فلا تبسلني -في نسخة أخرى- ) 

 من بسل، بسل يعني غضب مع كراهة ومنه سمي الأسد بالباسل لأنه وجهه وجه غاضب لاسيما في حالة الافتراس والمواجهة والقتال حالة عبوس ومن أيضا سمي الأسد بالعباس.

بسل هنا بمعنى كره، كراهة مع غضب لأن الكراهة قد لا تقترن بالغضب إنسان يكره أن يأكل هذا الطعام، هو ليس غاضب ولكنه يكره هذا وقد تكون كراهة بغضب. 

يقول الدعاء والداعي لا تبسلني بأعمالي، تكرهني كراهة غضب من أعمالي الخاطئة، من تصرفاتي الشانئة، من ذنوبي الكثيرة يارب لا تكرهني، لا تغضب علي. هذا بناء على نسخة ( فلا تبسلني).

ونسخة أخرى ( فلا تبتلني ) لأن للأعمال آثارا ونتائج فإذا قام الإنسان بعمل من الأعمال الخاطئة أنتج ذلك نتيجة غير مرغوبة.

( فلا تبتلني بنتائج أعمالي ونعمك فلا تسلبني) 

لا تسلبني نعمك التي ذكرتها السمع والبصر والخلق السوي والغنى والإحسان إلي والستر علي والكلاءة لي. لا تسلبني يا رب هذه النعم.

ولعل بقرينة( نعمك فلا تسلبني ) نحن نحتمل أن نسخة ( فلا تبسلني) هي النسخة الاقرب لوجود نوع من المجانسة بينهما و هذا من المبالغة بأن يأتي بفعلين متشابهين في الحروف إلا أن هناك تقديما وتأخيرا في الحروف هذه فتعطي معاني أكثر، هذا من البلاغة كما يذكره علماء اللغة والبلاغة. 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا نعمه وأن يواتر علينا أفضاله وأن لا يحاسبنا بسيئات أعمالنا وأن لا يفضحنا بذنوبنا وأن يكرمنا بما هو أهله فإنه هو أهل التقوى والمغفرة والرحمة وأهل الجنة إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.


مرات العرض: 3427
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2569) حجم الملف: 40688.33 KB
تشغيل:

لك الحمد كما خلقتني سميعا بصيرا 13
لماذا غير أن عافيتك أوسع لي  15