وتحبون المال حباً جماً
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/5/1441 هـ
تعريف:

وتحبون المال

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

قال الله العظيم في كتابه الكريم: ((كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضون على طعام المسكين *  وتأكلون التراث أكلاً لماً * وتحبون المال حباً جماً)).

هذه الآيات المباركة تخاطب بني الإنسان بانهم يحبون المال حباً جماً، فالعلاقة بين المال وبين الإنسان يصفها القرآن الكريم على لسان الله عز وجل بانها علاقة الحب الجم، والجم في اللغة العربية بمعنى الفائض، فالماء عندما يكون في الحوض ويفيض منه يقال جم الماء أي تخطى حده الذي يحفظه وفاض، ونفس هذه العبارة تأتي لعلاقة الإنسان بالمال وحبه له حباً جماً، فالمال بالنسبة للإنسان من جهات متعددة يكون محل تعلق، ومن هذه الجهات:

أن المال يحقق أغراض الإنسان وحاجاته ويسعفه في تلبية رغباته وطلباته كالسفر والزواج والإنتقال من مكان لمكان آخر والإنفاق واللبس وغيره من الأمور، لذلك نرى تنافس الناس فيما بينهم على تحصيل المال بإعتباره أنه جزء من سبب المعيشة، بل وربما يكون المال عند قسم من الناس هو محقق للذات أي هو من يصنع لهم شخصياتهم وهذا بلا شك غير صحيح لا من الناحية الدينية ولا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية العلمية ولكن من الناحية العرفية هو هكذا، فبعض الأشخاص الذين لديهم المال يعتبرون أنفسهم مهمين وكذلك يعتبرونهم الآخرين وإن لم يكن لديهم العلم والدين والأخلاق، وربما لهذا السبب يتظاهر البعض بما لديهم وما يملكون ويتفاخرون بإظهار ثرائهم ولذلك نجد قسم من الناس يعتبرون المال محقق لذاتهم ومكون لشخصيتهم.

عندما جاء دين الإسلام نظر إلى هذه القضية نظرة موضوعية، فمن جهة لم ينكر حب الإنسان للمال كما في بعض الديانات والفلسفات الأخرى بل أعطى رؤية واضحة لقضية المال ولم يتنكر له ولا للدنيا وفي نفس الوقت لم يعتبره محقق لوجود الإنسان وشخصيته وإنما اعتبره ضمن دائرة الآلة والوسيلة التي يكون ناتجها بحسب استخدام مالكها، فإن استخدمها في فعل الخير والعطاء والخدمات الإجتماعية والإنفاق على نفسه وإظهار نعمة الله عليه وعلى عائلته وتصدق على الفقراء والمساكين فحينئذ صنع أفضل ما يُصنع من هذه الآلة، ولكن إن أكسبه هذا المال بطراً وترفاً وخروجاً عن الجادة ولم يعمل فيه بما يرضي ربه ولم ييسر بواسطته الطريق إلى الآخرة فحينئذ يكون قد أساء استخدام هذه الآلة، فالفلسفة تقول ان المال آلة وملك الإنسان إياه يكون على نحو الإستخلاف وليس على نحو الملك الحقيقي، فالإنسان ليس ثابت للمال ولا المال ثابت للإنسان فهو مرحلة من المراحل ثم يرحل عنه.

أما من حيث المفاهيم الفقهية والأخلاقية أيضاً أصبحت تشريعات وتعاليم أخلاقية، فيما يرتبط بالمكاسب المحرمة وبالمكاسب الحلال وبين الطرق المشروعة والطرق المحرمة كما جاء في القرآن الكريم: ((أحل الله البيع وحرم الربا))، فقد حرم السرقة وأباح العطية والهبة، وجعل الكسب والعمل من أجل الحصول على المال عبادة، بينما غصب الآخرين حقهم وأخذ المال منهم يعتبر محرم.

 

فصّل العلماء عقوبة الكسب الحرام بعنوان المكاسب المحرمة، فالشيخ الأعظم (شيخ مرتضى الأنصاري) رضوان الله عليه عنده كتاب مهم لازال إلى الآن يُدرس في الحوزات العلمية اسمه (المكاسب)، فأول ما بدأ به هي رواية تحدد مالذي يجوز للإنسان ان يكسبه ومالذي يحرم عليه كسبه، ومن أمثلة المكاسب المحرمة: الربا، الغيبة، الكذب، بيع الأشياء المحرمة كالمخدرات والخمور وما شابه ذلك، فقام الدين بعدما اعترف بحب الإنسان للمال حباً جماً قام بوضع محددات وتشريعات تحرم على الإنسان ارتكاب الحرام في كسب ماله.

هناك أنحاء لإكتساب المال ليست بالحرام الشرعي وإنما هي بالسيء الأخلاقي، أي انها ليست حراماً من الناحية الشرعية ولكنها قبيحة اخلاقياً ومن ذلك:

1 - الإستعطاء والإستجداء 

2 – الإستدانة والإقتراض كعادة 

قضية الإستعطاء والإستجداء بأن يقوم الإنسان بمد يده وطلب المال ليست حراماً من الناحية الشرعية ولكنها من الناحية الأخلاقية بالنسبة للإنسان الذي يستسهل أمر الإستعطاء هي قبيحة لأن ذلك سوف يعود على شخصيته بكثير من الضرر، فالإنسان تارةً يقع في حاجة لسبب من الأسباب كأن ينسرق مثلاً أو أن يدان في قضية معينة ويتحتم عليه دفع مبلغ ضخم لا يكون قادراً على أن يوفره، أو أن يُبتلى ببعض الأمراض الصعبة، هنا لا باس له من طلب المساعدة من الآخرين مادياً، ولكن إن استسهل الإنسان طلب المال من الآخرين بدون وجود عذر وبدون وجود حاجات حقيقية كأن يريد ان يعيش كما يعيش غيره ممن لديه المال أو كانت لديه قوة وقدرة لأن يعمل ولكنه متكاسل فهذه ليست أموراً مبرره من الناحية الأخلاقية وهذا النوع من الإستعطاء يسمى استعطاء غير حسن لأن فيه إراقة لماء وجه الإنسان، كما جاء في بعض الأحاديث: ( من طلب من غير حاجة، جاء يوم القيامة ووجهه ليس عليه لحم )، فلماذا يعرض الإنسان نفسه لكلام غيره ولإراقة ماء وجهه، وقد يقوم الآخرون بإهانته وكسر كبرياءه؟.

فلا ينبغي للإنسان أن يستسهل هذا الأمر وخصوصاً إن كان شاباً إلا أن كانت الحاجة ضرورية لا يجد حلاً لها إلا بطلب المال، وكذلك بالنسبة لمن يقترض وليس بإستطاعته الأداء ولا بنيته الأداء.

 

مرات العرض: 3375
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 42355.52 KB
تشغيل:

ما هو ذِكْرك اليومي ؟
نتائج الاستعطاء وكراهة الاقتراض