20 الامام علي أمير القيم الأخلاقية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 20/9/1440 هـ
تعريف:

الإمام علي أمير القيم الأخلاقية


تفريغ نصي  الفاضلة زهرة المسكين 

تصحيح الفاضلة أفراح البراهيم
وصف ضرار بن ضمرة الكناني أمير المؤمنين عليه السلام فقال (كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه ، كان طويل الفكرة غزير العَبرة يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته ، جويل الفكرة، يقلّب كفه ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ... وأقسم أني رأيته ذات ليلة وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين  ويقول إليك عني يا دنيا غِري غيري ، أإلّي تشوقتي أم إلي تعرضتي لقد طلقتك ثلاثًا لا رجعة فيها ، فعيشك حقير وأمدك قصير ، ثم قال آه من قلة الزاد وبعد السفر و وحشة الطريق الطريق )1 هكذا كان مولانا أمير المؤمنين وصي رسول الله محمد صلى الله علية وآله وسلم. 
الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أمير القيم الأخلاقية ما الذي يجعل علي صلوات الله وسلامة عليه معشوق المنصفين حتى من غير المسلمين ومحبوب المؤمنين وفي نفس الوقت هو مبغوض أهل الشهوات والفاسدين ؟

هذه فئات ثلاث

1/ شخص منصف

2/ شخص غير مسلم لكنه مؤمن بالإمام ودوره

3/ شخص زاحف على ركبتيه نحو الشهوات

الأول يذوب فيه عشقًا ، والثاني ولاءً ، والثالث يمتلئ عليه حقداً والسبب فيما يظهر واحد يجمع هؤلاء ذلك السبب هو ما تحدّث عن جانب منه ضرار بن ضمرة الكناني في مجلس معاوية بن أبي سفيان بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه ، فقد عدّد صفاتٍ وأحوالاً للإمام عليه السلام هي نفسها التي تجعل المنصف حتى لو لم يكن مسلمًا يراه أيقونة متناهية في السمو والعلو ويراه المؤمن به  تالي رسول الله في تجسيد الإسلام والقرآن الكريم ويراه ذلك الإنسان الشهواني والفاسد فضيحة له وتذكيراً له بضعفه وبتنازله وبرداءة نفسه .

يأتي بولس سلامة الشاعر المسيحي والأديب اللبناني المتوفى سنة 1399هـ ويكتب تاريخاً للإسلام بالشعر في ملحمة حتى وصل إلى علي عليه السلام وصفاته فإذا بهذه الصفات تستغرقه و تجذبه فيقول فيها :
أنا من يعشق البطولة والإلهام والخلق الرضيا
 جلجل الحب في فؤاد المسيحي حتى عدّ من فرط حبه علويا
 فإذا لم يكن عليٌ نبيا فقد كان خلقة نبويا
يا سماء أشهدي و يا أرض قرّي واخشعي أنني ذكرت عليا 2
هذا واحد من كثيرين ليس لديهم إيمان برسالة الإسلام لكنهم كتبوا في علي شعراً ونثراً وكتباً ومجلدات بإعجاب وانبهار غير متناهي بهذا الإمام العظيم .

منهم عبد المسيح الأنطاكي وما كتب ، وهذا جورج جرداق وخمس مجلدات بعنوان علي صوت العدالة الإنسانية وهذا جبران خليل جبران وغيره الكثير ، عندما تأتي إلى المؤمنين بعلي عليه السلام تجد مثل هذه الكلمات لمن كان لديه بلاغة كبلاغة ضرار وتجد من العواطف والمشاعر ما يفوقها لمن لا يمتلك تلك البلاغة قد يكون مثلي وأمثالي لا يستطيع أن يعبّر عن الإمام بتلك التعابير الرائقة الرائعة التي تقرّب صورته ولكنك أنت وأنا وجموع المؤمنين نمتلك من المشاعر والعواطف والولاء والمحبة ما يتجاوز كلّ هذه الكلمات ( اللهم إنا نشهدك أنّا نحب علي ونحب أبناءه ونحب عمله فاحشرنا معه ومعهم يا رب العاملين ) 
ما الذي يجعل هؤلاء يحبّون هذا الرجل ويعشقون هذا الرجل بهذا المقدار ؟ أسباب كثيرة نستطيع الإشارة إلى بعضها: 
1- ما يستوحي من بعض كلمات الإمام عليه السلام وهو رياضته لنفسه يقول في كلام له ( وأيم الله يمينًا أستثني فيها بمشيئة الله لأروّض نفسي رياضه تهش معها إلى الخبز إذا قدرت عليه مطعوماً وتقنع بالملح مأدوما )3 يقول سلام الله عليه سوف أتعامل مع نفسي بطريقة أروّضها وأجعلها تابعة لقرار إرادتي فوقها ، بحيث لا تكون شهواتي النفسية هي التي تجرّني وإنما نفسي ستكون تابعة لي و لا تسيطر علي ، وهذا مفتاح عظيم من مفاتيح الفلاح في هذه الدنيا ، ما الذي يجعل هذه المعارك وهذه الحروب مستعرة على الدوام وما لذي يجعل المشاكل في البيوت وما لذي يجعل المعارك في الأعمال والمنافسات كل ذلك راجع إلى شهوات النفس وحقد القلب وشهوات البطن ومشتهيات الفرج ، عندما تسحب الإنسان وراءها فتورده المهالك ، أنا أحقد على فلان وأستمر حتى أكيد له ثم أسقطه من عليائه لماذا فعلت هذا ؟ لأني لم أسيطر على مشاعر الحقد داخل نفسي ، ولو تمكنت من أن أسيطر عليها وأن أحكمها برياضة النفس لم يحدث ذلك، ما لذي يفرّق بين الناس ، يفرّق بين الأب وابنه ، وبين الزوج وزوجته وبين الأخ وأخيه ، وبين أبناء العمومة ، ليس إلا هذه الأحقاد والأغلال النفسية هي التي تجرّ الإنسان و تسحبه فتورده هذه المهلكة ، لكنه إذا سيطر عليها و حكم نفسه أصبح هو الحاكم لها لا نفسه هي الحاكمة عليه ، و قرارة عقله يتّخذه وإرادته تنفذه ونفسه تابعة لذلك ، وأما إذا انعكس الأمر متى اشتهى شيئا ذهب وراءه حتى لو كان غاليًا ، ( قَطام ) لعنة الله عليها دفعت بشهوة الجنس ابن ملجم لقتل أمير المؤمنين عليه السلام ، هذا الرجل الذي كان قارئًا للقرآن في مصر ، وطلب من الخليفة أيام عمر بن العاص توسعة الدار التي كان يُقرأ فيها القران ويعلّم الناس ، ما الذي أورده هذا المورد ؟ ، ما قاله الشاعر: 
فلم أرى مهراً ساقه ذو سماحة ....كمهر قطام بين غير وأعجم 
ثلاثة ألاف وعبدٌ وقَينة وضرب علي بالحسام المصمّم 4
اشترطت عليه بعد أن رآها ومال إليها و عشقها أرادها وتحرّكت نفسه نحوها وشهوته الجنسية ، وأصبحت لذته تسوقه فطلبها فقالت له تريد مهرًا بمقدار ثلاثة آلاف وقتل علي بن أبي طالب، قال ما علاقة هذا بذاك ، قالت هذا شرطي لا أعطي نفسي إلا بهذا الشرط ، وهذا ما يحدث لدى الكثير عندما يعشق أحدهم فلانة ثم تتزوج قد ينتقم بقتل زوجها أو قتلها ، بدافع من نفسه وشهوته ، وهكذا الحال بالنسبة للطعام والشراب قد لا يفكّر الإنسان بقضية الحلال أو الحرام أو المشتبه بأنّه حرام ، فلا تهمه هذه الأمور فقط يملأ بطنه دون تفكّر وتروي ، هنا شهوة البطن هي التي تسيطر ، والنفس هي التي تقوده ، وفي ذلك يقول الشاعر

وأنّك مهما تعط بطنك سؤله.. وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا 5

كلما تطلب شهوتك أعطيتها من شهوة بطن أو شهوة جنس سوف ينتهي ذلك بك إلى الندم ، لذلك أمير المؤمنين عليه السلام سأروّض نفسي .

سويد بن غفلة الجُعفي المتوفى سنة ثمانين للهجرة لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وآله فالتصق بأمير المؤمنين عليه السلام فأصبح في ركابه وأخذ منه وشاركه في حروبه وكان مقربًا منه ، هذا الرجل دخل ذات يوم على أمير المؤمنين وكان وقت الطعام فقُرّب إليه خبز شعير يابس وبجانبه قدح فيه لبن حازر حامض تُشم رائحة الحموضة منه فأخذ خبز الشعير وكسر كسرة على ركبته وخبز الشعير بطبيعته خشن فكيف إذا كان يابس فكسر على ركبته فالتفت إلى ذلك وقال يا فضة ألا تتقون الله في هذا الشيخ ، رجل في هذا العمر عمره يقارب الخمسين وهذا ما يأكل ، لماذا لا تنخلون له هذا الخبز لأنه يابس ، قالت كنا نصنع ذلك نصنع ذلك فأبى علينا وختم الجراب الذي كان يوضع فيه الخبز ، فكأني التفت إليه متسائلًا ، فقال : يا بن غفلة لا أزال متأسيًا بأخي وابن عمي رسول الله بأبي من لم يشبع من خبز البر حتى اختاره الله ، وأنا أقتدي به و هكذا كان يروّض نفسه ، إذا كان يروّض نفسه بهذا الشكل هل ستطمع نفسه بالحرام ؟ هل سيطمع منه فرجه في الحرام ، كلا الطريق الأول لأولياء علي عليه السلام ولأتباعه أن يروّض نفسه على الحلال ، ونحن لا نستطيع أن نصل إلى ما وصل إليه أمير المؤمنين وقد أخبر بذلك فقال (ألا إنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد)6 وهو نفس كلام النبي (أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله)7

أليس من العجيب أنّ من يدّعي متابعة وموالاة علي عليه السلام لا سمح الله ولا قدّر وربما يستمع إلى ذكر علي عليه السلام في هذه الليالي فإذا فرغ من ذلك ذهب لكي يتعدّى على حرمات الله ، وذهب لكي يتعرّض إلى أعراض الناس وذهب لكي يراسل تلك الفتاة وتلك المرأة ويطلب منها الحرام ، أين هذا من عليٍ عليه السلام الذي نسمع سيرته أنه في الحلال يمنعها فضلًا عن الحرام ، فأولّ شيءٍ مما يعشق فيه الناس عليًا أمير المؤمنين عليه السلام رياضته لنفسه ، وكثير من الناس يستطيعون بسهولة أن يستسلموا لشهواتهم ، والزوجة تتعارك مع زوجها وقد تطلق زوجها لأنه لم يشتري لها ما تحتاجه من زينة للبيت ، والزوج يطلب من زوجته شيئًا معينًا وإذا لم تقم به أقام عليها قيامته ، وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول ( لأروّض نفسي رياضة تهش معها إذا قدرت على الخبز مطعومًا... )

لماذا يحقد هؤلاء الصغار على أمير المؤمنين عليه السلام ؟

لأن عليًا عليه السلام يفضحهم و يكشف عن سوءتهم ، عندما يقول أنّه إذا توجّه الإنسان إلى ربه يصبح أفضل من الملائكة ، فلا ينجرّ زحفًا إلى شهواته المحرمة ، ولا يرتكب الأعمال الغير صالحة ، فهم يرون في ذلك فضيحة أنفسهم ، والإنسان لا يحب من يفضحه ، ولا يحب الإنسان من يعرّيه ويكشف له خطؤه.

  2-  إنّ قضية أمير المؤمنين عليه السلام الأولى والثانية والثالثة هي الإسلام

رقم واحد واثنين وثلاثة هي الإسلام ليس إلا ، البعض من الناس قد تؤثر فيهم العواطف والمشاعر والشهوات أو كلام الناس كل هذا يعملون له ألف حساب ، لكن الإسلام لا يضعونه في الاعتبار ، فإن عوتب أحدهم مثلا كونه متديّن على قيامه بشيء ليلة زواجه لا يناسب التدين يقول ماذا أفعل في كلام الناس ، ولا يفكّر في كلام شرع الله ، وفي كلام النبي وماذا تقول مبادئ الدين ، لكنّ أمير المؤمنين سلام الله عليه قضيته الأولى هي الإسلام كان يقول في أمر تراجعه وتنازله في أول الأمر عن النهضة التي كانت موجعة ومؤلمة هو نفسه سجلها حتى لا يقول أحد آخر عنه قال (صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا ) 8 ويقول تعليلأً لذلك ( حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم انصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به عليَ أعظم من فوات ولايتكم )9

إذن كان همّه الخوف على الإسلام من أن يحدث فيه ثلمة ويهدم ركنه ، والطرف الآخر مستعد لمواصلة الحرب وإن تضرّر الإسلام لكن عليًا سلام الله عليه مستعد لخسارة الولاية والحكومة على أن يتضرّر الإسلام .

إذن كانت قضيته الأولى الإسلام وتشريعات الدين هي الأساس الذي يهتم ببنائه ، وكان مهتمًا بإصلاح شأنه كان يقول

( إني لعالم بما يصلحكم ويقيم لي أودكم ولكنني لا أصلحكم بفساد نفسي )10

كان يعلم أنّ لو أعطى فلانًا وفلان وفلان العطية الفلانية والبستان الفلاني فإنّ الأمور ستسقر له لكنّه يعلم بأنّ هذا الفساد فساد للرعية وهيهات أن يكون فاسدًا بل مصلحًا ، كان يقول

( أتامروني أن اطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام والله لا أطور به ما سمر سمير وما أمّ نجم في السماء نجما ، لو كان المال لي لسوّيت بينهم ) ، كان يفكّر في الوسيلة الصحيحة والشرعية لتقويم ما اعوج ، فكانت قضيته مرتبطة بالإسلام ارتباطًا كبيرًا ، ولأننا أتباع علي عليه السلام كما ندّعي ينبغي أن تكون معادلة الإسلام هي الأصل ، والحكم الشرعي أولاً وقبل كل شيء ، لا أن يكون الحكم الشرعي آخر شيء نفكر فيه ، بل هو المقدمة في حياتنا لكي نكون عباد الله ونحيا على نهج الله ونعمّر هذه الأرض ونسودها بالإسلام ، حتى نرد على رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة ونحن بحق أتباع علي عليه السلام .

----------------------------------------------

1 المكتبة الإسلامية

2 الإمام علي / أحمد الرحماني ص371

3 ملامح من الفكر الإداري عند الإمام علي / حسن الشيخ

4 مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ج2

5 شرح ديوان الحماسة للتبريزي / المكتبة الشاملة

6 شرح نهج البلاغة ج3

7 مركز الإشعاع الإسلامي

8 شرح نهج البلاغة ج1

9 شرح نهج البلاغة ج1

10 كتبات في الميزان / السيد السيستاني

11 شرح نهج البلاغة ج1

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2566) حجم الملف: 63019.17 KB
تشغيل:

19.. والقرآن مع علي عليه السلام
21 روايات مقتل الامام علي وشيء من التحليل