21 روايات مقتل الامام علي وشيء من التحليل
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/9/1440 هـ
تعريف:

روايات مقتل الإمام علي وشيء من التحليل

ليلة 21 رمضان


كتابة فاضلة مؤمنة


مقدمة تاريخية
في سنة 37 هجرية وبعد سنتين من بداية ولاية أمير المؤمنين الظاهرية، بدأ التمرد الأموي الشامي في صورة استعداد للحرب على أمير المؤمنين -عليه السلام. فكانت على أثر ذلك معركة صفين التي بدأت في سنة 38 للهجرة. كانت الظروف في هذه المعركة من الناحية العسكرية تميل إلى جيش الإمام نظراً لبطولة الإمام وقادة جيشه من جهة وللروح المعنوية العالية الني كانت في أكثر أصحابه في الجيش. زاد هذه الروح المعنوية شهادة عمار بن ياسر -رضوان الله عليه- وذلك أن من كان في صف الإمام رأى في شهادته تحقيقاً لقول رسول الله (آخر شرابك يا عمار ضياح من لبن، وتقتلك الفئة الباغية(. وبقدر من كان هذا مؤثراً بشكل إيجابي في صفوف جيش الإمام، كان مؤثراً بشكل سلبي في جيش معاوية الذي بدأت علائم الهزيمة تلوح عليه. ومع تشديد حملات أمير المؤمنين من جهة وقادة جيشه من جهة أخرى، ولاسيما البطل مالك الأشتر النخعي حتى وصل إلى قريب مركز القيادة الأموي الذي كان فيه معاوية وعمرو بن العاص. وقال بعص المؤرخين أن رواحل الفرار والهزيمة جهزت لكبار هذا الجيش، حتى إذا انكسر هذا الجيش بشكل كامل يكون قادته ومنهم معاوية وعمرو بن العاص قد استطاعوا الفرار والنجاة.
خديعة الشاميين:
وهنا تفتق رأي عمرو بن العاص -الذي يعد من دهاة العرب وأكثرهم مكراً- عن فكرة ستسبب خللاً في هذا النصر. فقد قال لمعاوية رأيي أن نرفع المصاحف على رؤوس الرماح، وأن ندعوا أنصار علي للاحتكام للقرآن، فنأخذ في هذا فرصة: نوقف القتال -عسكرياً نحن مهزومون- نحتكم إلى هذه الجهة، نوقف القتال، نبتلع الهزيمة ولا ننكسر، فرأها (أي معاوية) فكرة حسنة. أمر أنصاره أن كل من كان لديه شيئاً من القرآن يرفعه على رمح وينادون على جيش علي (هلموا لنحتكم للقرآن فهو حكم ما بيننا(. في جيش علي -عليه السلام- باعتباره الجيش الرسمي للدولة الإسلامية كان فيه أصناف مختلفة: كان فيه من أولي الشجاعة والوعي من أمثال عمار ومالك وأمثاله، وكان فيه قسم من العباد -هؤلاء بمقدار ما كان لديهم عبادة وصلاة وجباههم مسودة من أثر السجود بنفس المقدار كانوا يفتقرون الرأي والمعرفة. هذه مشكلة الإنسان عندما يتقدس كثيراً ولا يعي إلا قليلاً. يصير عنده في العبادات والممارسات مبالغة كثيرة لكن في الوعي والمعرفة والتعقل يكون عنده شيء قليل. هذه الفئة (هذه الأصناف) عندما رأوا القرآن على الرماح قالوا إذا الحرب تتوقف نظرا إلى أن القرآن حكم بين المسلمين ولا أحد له حق أن يتقدم على القرآن. ويحكم، هؤلاء أنا أعرف بهم منكم. لا يهتمون لشأن القرآن ولا يحكون بالقرآن ولا يتعلقون بالقرآن. قالوا لا، ما داموا قد طلبوا حكم القرآن وحكم الله، فيجب عليك أن تتوقف. وإلا إن لم تتوقف نميل عليك بأسيافنا. عدد ضخم، بعضهم قال بالمئات، تحلقوا حول أمير المؤمنين وسيوفهم مشهورة. حاول معهم، لم ينفع فأرسل إلى مالك أن أرجع فقد أطلعت الفتنة رأسها. قال للرسول قل لأمير المؤمنين يمهلني قدر حلب ناقة (ربع ساعة، ثلت ساعة، نصف ساعة) أنا انهي الأمر. قال الأمر اخطر من هذا، إذا تتأخر خمس دقائق، يميلون على الإمام ويقتلونه. ارجع. ماذا تريدون؟ قالوا نريد الاحتكام إلى أمر الله وإلى كتاب الله. ماذا نصنع؟ المعركة تتوقف، كل جيش يرجع إلى مكانه. بعد ستة أشهر يأتي فد من كل طرف، ويحكمون القرآن بينهم (ينظرون بم يخبرهم القرآن لحل هذه المشكلة).
التحكيم
بعد ستة أشهر أراد الإمام أن يعين عبدالله بن عباس رجل ذكي، تلميذ الإمام، فاهم مؤامرات عمرو، يفهم شخصيته، كما يقول (كل ما عقد عقدة حلها( (هذا بذاك). نفس هؤلاء (وكان أكثرهم من القبائل اليمنية وممن حركهم في ذلك الأشعث بن قيس الكندي وجماعة من هؤلاء) اعترضوا أن جماعة معاوية اختاروا عمروا بن العاص مضري قرشي ما عرب الشمال، وأنتم تختارون عبدالله بن عباس مضري قرشي من عرب الشمال. نصف لقريش (مضر) ونصف لنا أهل اليمن (عرب الجنوب). والله لا يحكم فينا مضريان. إن كان منهم مضري فمنا يماني. ولأن يحكم فينا يماني بما نكره، أحب إلينا من أن يحكم فينا مضري بما نحب. لا نقبل ابن عباس. قال فمن تريدون. قالوا أبو موسى الأشعري. ويحكم أبو موسى الأشعري رجل يمكن استغفاله بسهولة على أنه لم يكن له هواً في علي بن أبي طالب. فأصروا أنه أشعري من قبائل اليمن، من أصحاب النبي، وهو من نريد. شاعر من قبل المسألة قال (لو كان للقوم رأي يعصمون به من الضلال رموكم ببن عباس لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن لم يدر ما ضرب أخماس بأسداس(.
عند التحكيم عمروا بن العاص أصر على تقديم أبو موسى الأشعري مدعياً احترامه لصحبته لرسول الله واقدميته في العمر. صعد أبو موسى وخطب خطبة بين فيها أن الناس مختلفون والمشاكل التي حدثت، وأن الحل هو خلع علي ومعاوية وجعل الأمر شورىً بين الناس (قد تأتي له) وقال (إني خلعت علي بن أبي طالب من الخلافة كما أخلع هذا الخاتم من أصبعي(. فوجئ الناس بهذا الخطاب. لم يكن الاتفاق على هذا. صعد عمرو بن العاص -وقد قدمه لهذا- قال قد سمعتم يا قوم أن الرجل وجد الحق وقد خلع صاحبه من الخلافة وأنا أثبت صاحبي في الخلافة كما أثبت هذا الخاتم في أصبعي. فأصبعي بناءً على هذا علياً مخلوعا من الخلافة ومعاويةً منصوباً. أبو موسى الأشعري قال ما هذا لم خدعتني، لم يكن الاتفاق بهذا فصرفه. (لو كان للقوم رأي يعصمون به من الضلال رموكم ببن عباس(.
اعتراض الخوارج على التحكيم وتمردهم:
اعترض الخوارج أن كيف حكمتم في دين الله جعلتهم رجالاً يحكمون في دين الله. أنتم من صنع هذا، أنتم من رفع السيوف، أنتم من هددتم بالقتل. قالوا نحن أخطأنا ولكن علياً لما حكَّم في دين الله فقد كفر بالله. كان يجب أن يحكم الله، لا الناس. عندما لا يكون لدى الإنسان وعي أو تعقل أو معرفة يصل إلى أن يكفر علي ابن ابي طالب -عليه السلام- الذي شاد الإسلام بسيفه. النتيجة أنهم أرادوا الإمام أن يقر أنه كفر بالتحكيم وأن يستغفر من ذلك. فلم يجبهم الإمام إلى ذلك وتركهم. وكان الإمام يتجهز للقتال مع معاوية. قال أنها كانت خدعة التي سببت هذه النتيجة بسبب غير العارفين. بعد أن ترك الإمام هؤلاء القائلين بكفر الإمام (من أجبروه على التحكيم واختاروا أبو موسى الأشعري ثم اعترضوا) اصبحوا الخوارج. وتكونت هذه الفرقة التي عمدتها تخطأة الإمام إلى حد الكفر. وقاموا في الكوفة بمقاطعة الإمام في كلامه، إذا حضروا المسجد لا يصلون خلف الإمام، يتكلمون ضد الإمام ويهددونه. الإمام تركهم بمقدار الاعتراض عليه. إلى أن بدأوا بالقتل. فكانوا يعترضون -وكانوا لديهم تجمع في منطقة تسمى الجزيرة قديماً قريب من منطقة الرقة السورية حالياً- المارين بهم ويسألونهم رأيهم في علي بن أبي طالب ويؤذون من يمدحه. إلى أن مر بهم عبدالله بن خباب بن الأرت حيث مر بهم مع زوجته الحامل. سألوه عن رأيه في علي بن ابي طالب فأثنى عليه، قال هذا ابن عم رسول الله وزوجة وابنته فقالوا انك لا تعرف الحق ولكن تعرف الرجال، فقتلوه. وعمدوا إلى زوجته التي لم تتبرأ منه -فإذن هي كافرة- فشقوا بطنها وقتلوا جنينها وقتلوها. عند ذلك عزم الإمام على قتالهم -تحولوا إلى فئة من القتلة (قاطعي الطريق) ممن يعيثون فساداً.
النهروان ومؤامرة الاغتيال:
اشتبك الإمام مع الخوارج في معركة تسمى معركة النهروان. قتل أكثرهم. بقيت منهم فئة قليلة. اجتمع ممن بقي منهم مجموعة في مكة منهم عبد الرحمن بن ملجم. وتعاقدوا -حسب الرواية الرسمية- على قتل الثلاثة (علي ومعاوية وعمرو بن العاص). عبد الرحمن بن ملجم تعهد بقتل علي واثنان آخران تعهدا بقتل معاوية وعمرو بن العاص. هذا، عبد الرحمن بن ملجم المرادي جهز وحضر إلى الكوفة في نهايات شهر شعبان (حوالي العشرين من شعبان) من سنة 40 هجرية قبل شهادة الإمام أمير المؤمنين بحوالي 30 يوم (شهر)، وبقي في الكوفة في حي مراد وكندة. هو مرادي ومراد جزء من قبيلة كندة. مراد هي نفسها التي منها هاني بن عروة المرادي. كندة هي نفسها التي منها حجر بن عدي الكندي. قبيلة كبيرة ففيها أناس موالين لأهل البيت، ومنها أناس معادين لأهل البيت. الأشعث بن قيس كندي أيضاً، وهو رئيس القبيلة في الجزء المعادي لأهل البيت في مقابل حجر بن عدي. هاني بن عروة بذلك الشكل من الولاء، وهذا (عبد الرحمن بن ملجم) بهذا الشكل من العداء. فبقي في هذه الفترة يستعد. في هذه الأثناء، زار بعض أهله وأصحابه من بني تيم الرباب (تيمين)، ورأى في بيت أحدهم قطام بنت الأخضر التيمية -وقد كانت ذات جمال- فطمع فيها وأرادها. فقلت أنها تقبل بمهر ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علي بالحسام المسمم. فقال كيف أقدر على علي بن أبي طالب. فقال له التمس غرته فإن قتلته خرجنا من الكوفة لنعيش حياتنا. فكان ما كان في ليلة التاسع عشر مع فجرها بالإستعانة والتأييد من الأشعث بن قيس صار هذا العمل الأثيم الذي ضرب فيه الإمام أمير المؤمنين -عليه السلام- مع الفجر. هذه الظروف الممهدة لهذا الأمر.
هل هناك دور لبني أمية في المؤامرة:
هل كان لبني أمية وبالذات معاوية هل كان له يد في هذا الاغتيال. هناك رأيان، رأي أشار إليه المرحوم الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه موسوعة سيرة أهل البيت وأشار إليه آخرون أيضا، مثل الدكتور جعفر شهيدي في كتابه باللغة الفارسية وغير هؤلاء أنه نعم لا يستبعد أن يكون لمعاوية يد في التخطيط لاغتيال الإمام. ما هي القرائن على ذلك. أولا، أنه طبيعة العلاقة بين معاوية وعلي. أن معاوية كان يريد التخلص من الإمام بأي طريقة من الطرق، حتى لو حرب طاحنة فكان حاضراً لذلك لأنه بقتل علي هو يصبح الخليفة. لذلك كان مستعدا لأن يتوسل لأي طريقة من الطريقة حتى لو كان بالاستعانة ببعض الحاقدين على الإمام -عليه السلام، بدفع الأموال لهم، وبتحريكهم. أمر آخر أن الأشعث بن قيس الكندي لم يكن على وفاق مع الإمام. علاقته كانت علاقة متوترة مع الإمام. لا يعجبه حكم الإمام. هو رجل لم يكن من أهل المبادئ والقيم والأخلاق فلم يكن يرتاح لطريقة الإمام وحكمه. كان باقياً في الكوفة لأنه شبه زعيم في كندة (زعيم الخط المناوئ للإمام). ابنته فيما بعد هي التي ستسم الإمام الحسن. ابناه محمد وقيس هما اللذين شاركا في قتل الإمام الحسين. وهو قد احتضن عبد الرحمن بن ملجم عندما جاء للكوفة. يقول من يرى أن بعلاقة معاوية في اغتيال الإمام أن هذا يشير ليد ما كانت من قبل معاوية. أنه لو لم يكن مخططاً للأمر، كان على علم ودراية بالأمر. أمر ثالث يذكرونه، أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي كانت بينه وبين عمرو بن العاص علاقة وارتباط من أيام الخليفة الثاني عند فتح مصر. عندها كان عمرو بن العاص هناك وأوصي بابن ملجم وفتح له دار لتحفيظ القرآن وتعليمه ووسع هذه الدار وكان يستلم أموالاً. فلا يستبعد هؤلاء أنه كانت هناك علاقة واستمرت إلى مثل هذه الأزمنة المتأخرة. هذه جملة ما يذكونه، بالإضافة إلى بعض الروايات القديمة. من الروايات التي تذكر ما ذكره القاضي النعماني المصري المتوفى حوالي 363 (وهو من الإسماعيلية على رأي ومن الإمامية على رأي آخر وكان قاضياً في الدولة الفاطمية) في كتابه له أن معاوية أرسل مالاً لعبد الرحمن بن ملجم. هذا إجمال ما يذكر في دور معاوية في اغتيال الإمام علي عليه السلام.
من يخالف أن لمعاوية خصوصاً والأمويين عموماً يذكر أن الأمويين استفادوا من مقتل الإمام -عليه السلام، وكانوا بودهم أن يقتل الإمام وأن يتخلص منه لكنهم لم يخططوا ليس لطيبتهم لكن القرائن والأدلة التي أقيمت لا تشير أنهم خططوا لذلك. يذكر أنه يكون هناك أناس سياسيون وصغار منفذون -ونرى في زماننا أناس يذهبون إلى مناطق أخرى كوقود للحروب وطحين المعارك يقاتلون ويقتلون وهناك جهة سياسية تتلاعب بهم مرة تقبلهم وأخرى ترفضهم تقدمهم يوماً وتأخرهم آخر وتستثمر جهودهم. لا يستبعد أن يكون الأمويون ومعاوية بالذات قد استفادوا من عداء الخوارج للإمام علي -عليه السلام، واستفادوا من فعلهم في قتل الإمام لكن ليس بتخطيك ولا تحريك منهم. الخوارج -بالذات مثل ابن ملجم- لا يحتاجون إلى تحريك من أحد. هم يرون أن الإمام علي كافر، ويعتقدون أن من يمدحه يستحق القتل. هذا هو مقدار عدائهم للإمام. فهم لا يحتاجون من يحكهم ويحرضهم على الإمام. إضافة إلى ذلك الخوارج خططوا لقتل الثلاثة، فعندهم علي مستحق للقتل ومعاوية مستحق للقتل وعمرو بن العاص مستحق للقتل، فكيف يستطيع أن يحركهم مستحق للقتل. والرواية الرسمية تقول أنه بالفعل الذي تولى أمر معاوية ذهب للشام وأرا أن يقتله في أثناء ذهابه للمسجد وضربه من خلفه فوقعت الضربة على مؤخرته، ولوجود الحرس والمعاونين استطاعوا السيطرة على الموقف وتعافى من ذلك. وعمرو بن العاص لم يخرج لصلاة الفجر في ذلك اليوم وأرسل بدلاً منه خارجة بن حبيب (أحد نوابه وأعوانه) فقتل الخارجي خارجة بن حبيب ظاناً أنه عمرو بن العاص. فيقول أصحاب النظرية الثانية أنه الأمويون وإن كانوا استفادوا من الخوارج ومن قتلهم للإمام لكنهم لم يقوموا بهذا الدور من التحريض والتعبأة. أما قضية الأشعث فيقولون أنه مارس دوراً طبيعياً. عبد الرحمن بن ملجم مرادي فبالنتيجة كندي، عندما يأتي للكوفة لن يذهب إلى قبيلة أخرى: لن يذهب إلى مثلاً خزاعة أو النخع. سيذهب إلى قبيلته إلى مراد إلى كندة. والأشعث بما أنه يشترك معه في موقفه السيء من الإمام، احتضنه وربما قدم إليه المساعدة كما يظهر من بعض الروايات. وهذا ليس نقطة فخر للأموين لتنزيههم لكن الحقائق يجب أن تكون مستندة على حقائق صحيحة. نحن نبغض شخصاً لأجل قضية دينية، لكن إذا أردنا أن نحلل الموضوع التاريخي يجب أن نقدم أدلة وبراهين وقرائن واضحة. فهذه إذن النظرية الأخرى.
علم الإمام بشهادته:
سؤال أيضاً في قصية شهادة الإمام، إذا كان الإمام يعلم بشهادته فلم يذهب إلى المسجد؟ لا ريب أن الإمام يعلم، حيث أنه أولاً أخبره النبي محمد -صلى الله عليه وآله. حيث أنه ينقل عن النبي ذكر مقتل الإمام علي على الأقل ثلاث مرات، وأنه يقتل بالسيف وأنه يضرب رأسه وتخضب شيبته. الإمام نفسه يعلم بذلك: جاءه رجل يهودي فقال له كم يبقى وصي نبيكم بعده. قال له ثلاث سنة. قال فيقتل أو يموت. قال يقتل، وتخضب شيبته من دمه، وهو أنا (أنا الذي أمامك). رجل من الخوارج في صفين قال يا علي اتق الله فإنك ميت (أنه ينصح الإمام. العمر لا يمتد بك. آخر عمرك تموت. اتق الله.) قال لا، لست بميت، وإنما أنا مقتول. أنا مقتول وتضرب هامتي فتخضب شيبتي. وغير ذلك، عند التتبع شيء كثير. فالإمام كان يعلم بذلك، ويعلم أيضاً بالليلة. فلم ذهب إذاً؟
هناك عدة اجوبة على هذا السؤال. أولاً، أن المقرر عند العلماء أن النبي أو الإمام لو علم بشيء بطريق غير عادي، فلا يصح أن يرتب الأثر على ذلك. لأنه لو فعل ذلك، يختل النظام. مثلاً، النبي يعلم أن الأمة ستنقلب على الإمام علي -عليه السلام، فكان يمكن ألا يوصي أو يتتبع من سينقلب ويذبحهم. يعلم النبي أنه ستكون هزيمة في أحد، فلم يخرج؟ لم يخرج ليهزم ويقتل عمه حمزة ويخسر تلك الخسائر. أليس أفضل ألا يخرج؟ إذا علم النبي أو الإمام طريق غير طبيعي (غير اعتيادي) لا يصح أن يرتب الأثر على ذلك. الإمام أو النبي يعلم أن شخصاً ما سيرتكب شيئاً من الأشياء، فهل يقتله، أو يسجنه، أو يهدده؟ مثل ذلك يفتح باباً للحكام من أسوأ الأبواب. يأتي الحاكم ليحتج على قتل شخص أو اعتقاله بأنه يعلم أنه بعد فترة من الزمن سيرتكب أمرا سيئاً. مع مثل ذلك، أي نظام يقوم. تصبح العقوبات بلا أي مبرر. لذلك نقل عن رسول الله وعن أمير المؤمنين (إنما أقضي بينكم بالأيمان والبينات(، أما علمي الخاص (علمي من مناشئ غير طبيعية) -نحن نعتقد أن النبي الله صلى الله عليه وآله قد علمه الله من الغيوب ما شاء وأن الإمام له طريق إلى معرفة علم الغيب إذا شاء (يعلمه الله) - لا ارتب عليه أثراً. ما دام سيقتلني، فسأقتله. ما دام سيقتلني، فسأسجنه. ما دام سيقتلني، فلا أخرج يومها. هذه العلوم فيها المحو والإثبات جاري. ما يعلمه المعصوم يجري عليه (يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب). فيحتمل أن يحدث المحو. فمثلاً لو لم يخرج الإمام فيسأل لِمَ لَم تأت للصلاة يا علي. فيقول بأن شخصاً كان ينوي قتله. فيخبر بأن لم يأتي أحد أو يحاول. فأولاً هذا يسبب باباً خطيراً في القضاء عندما ينسب الحكام أعمالهم إلى علوم خاصة. والثاني أن هذا العلم تحت المحو والإثبات فلو عمل المعصوم عملاً نسبة إلى علمه الذي محي فتكون نسبة الكذب إلى المعصوم -لا سمح الله. لذلك أن كلام الإمام عن الليلة (إنها الليلة التي وعدنيها رسول الله(، فيها مقدار من الإخبار وفيها مقدار من عدم الجزم النهائي والكلي. الأمر الثالث، أنه لو حدث هذا ينتهي إلى خلل في القوانين وإلى اضطراب. وآخر شيء ما نقل عن الإمام الرضا أن الله قد يبتلي أوليائه بأصعب البلائات ويخيرهم في ذلك. فيقول للإمام أنه لك أن تتراجع عن هذا -وله مرتبة- ولك أن تمضي -وله مرتبة أخرى. الإمام الحسين، إذا يذهب إلا كربلاء يقتل، إذا لم تذهب لا تصل إلى ذلك المصير، لكن (إن لك في الجنة منزلة لا تنالها إلا بالشهادة( وبهذا المشوار الذي تقتل فيه. فالله -سبحانه وتعالى- يضع للولي الأعظم (هذا ليس لكن الناس. هذه درجة إيمان ليس لكل الناس.) هكذا. الإمام الرضا (خير الله علياً تلك الليلة، فاختار المضي لتجري مقادير الله عز وجل(. درجة من الدرجات أنت تذهب إلى معركة تعلم قطعاً أنك مقتول فيها وأنه لا يكون فيها انتصار (مثلاً، عشرة أشخاص يقاتلون ألف من الناس)، تقول مع ذلك الله -سبحانه وتعالى- ابتلاني بالصمود، فأذهب لأقتل وأحوز أفضل الدرجات. في مثل هذه الحالة أنت لا تشك طرفة عين -أنه عشرة ضد ألف- أنك مغلوب (بحسب القوانين الظاهرية) ومقتول وأنه لا سبيل لك. لكنك تصمد لتحصل على الشهادة ولتحصل على مرتبة لا تنال إلا بالشهادة. هذا مختصر الإجابة على هذا السؤال.

مرات العرض: 3564
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2558) حجم الملف: 63685.72 KB
تشغيل:

20 الامام علي أمير القيم الأخلاقية
22 هل في القرآن تبيان كل شيء ؟