7 عن الاعجاز العلمي والتشريعي في القرآن
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/9/1440 هـ
تعريف:

عن الاعجاز العلمي والتشريعي في القرآن

تفريغ نصي الفاضلة ليلى أم أحمد ياسر

أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدو فيه اختلافاً كثيرا

يتناول الحديث موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والإعجاز التشريعي ذكرنا فيما سبق أن مناحي الإعجاز في القرآن الكريم ليست محصورة في اللفظ ولا في خصوص الأحكام والتشريعات وإنما القرآن الكريم هو ككتاب الكون العظيم الذي خلقه الله عز وجل ، ما إن تفتح خزينة من خزائنه حتى تنفتح لك أبواب كثيرة وعلوم متجددة على سبيل المثال فإن القرآن الكريم لم يأتي ليتكلم عن نظريات في نشر العلوم الدينية ولا ليخبر الناس عن حقائق علمية في الفضاء والفلك وطبقات الأرض ، فهذا ليس شأن القرآن الكريم .

فالقرآن الكريم إنما جاء ليهدي للتي هي أقوم كما وصف دوره.نعم يشجع القرآن على البحث العلمي وعلى اكتشاف آثار عظمة الله في الكون ويأمره بالسير في الأنفس وآفاق الأرض واكتشاف ما أودع الله عز وجل في هذه الطبيعة من أسرار ، وزوده بالقدرات على ذلك فأعطاه عقلاً قادراً على الإكتشاف والإستنتاج وزوده بأدوات تعينه على الإكتشاف.ولكن الغرض الأقصى للقرآن الكريم ليس ليكشف هذه النظرية العلمية أو يشير إلى تلك الحقيقة العلمية ومع ذلك فإن القرآن الكريم (إن صح  التعبير عفواً ) وفي طريق الإسترسال في ذكر حقائق أخرى ، كشف للإنسان علوماً وقضايا في زمان نزول القرآن لم تكن تخطر على بال علماء في ذلك الوقت ، وبعضها لم يكتشف ولم يبرهن عليه إلا في وقت متأخر بينما أشار القرآن تارةً وألفت النظر تارةً أخرى إلى هذه الحقائق في وقت مبكر وهذا يشير إلى قضية عقيدية.

ولعلك تسأل ، إذا لم يكن غرض القرآن هذا الأمر ، فلماذا تحدث عنها ولماذا كشف عنها ؟!

والجواب على ذلك : حتى يشير إلى من ينكر أن هذا الكلام ليس من عند بشر وإنما هو من عند رب البشر ، هذا العلم ليس من عند خلق الله وإنما هو من خالق الخلق ، وهذه الألفاظ لم تكن صياغة أحد من الناس وإنما هي كلام الله عز وجل والغرض من كشف هذه الأمور أو أحد الأغراض إنما هو غرض عقيدي وهو تثبيت وحيانية القرآن الكريم أنه من الوحي وليس من أحدٍ اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا ، وليس أيضاً من انفعالات نبي من الأنبياء كما ذهب إليه بعض المعاصرين، وللأسف بعضهم من المصنفين على الإسلام كما يقول بعضهم ، أن هذه الكلمات وهذه الألفاظ من القرآن هي عبارة عن انفعالات رسول الله مع الأحداث فهو يصوغها .

ولكن القرآن الكريم يريد أن يقول أن هذه الحقائق وهذه العلوم وهذه القضايا ليست في مستوى علم البشر وإنما هي من قِبَل خالق الكون الذي أنزل القرآن ، فهناك إذاً متحدثٌ واحد هو الخالق لهذا الكون وهو الواضع لأسسه. فوجد العلماء في القرآن الكريم إشاراتٍ إلى حقائق علمية . منهم من كان غير مسلم ،كصاحب كتاب التوراة والإنجيل والقرآن والعصر الحديث. فهذا عالم غربي لم يكن مسلماً ،ولما عرض آيات القرآن الكريم على الحقائق العلمية الثابتة وجدها متطابقةً تمام التطابق ، بينما نظر إلى أمثالها في التوراة والإنجيل فوجدها مختلفة فقال إن هذا القرآن وهذا الكتاب لايمكن إلا أن يكون من الله سبحانه وتعالى .

بينما سائر الكتب (وحيث أنها تدخلت فيها أيادي البشر) فآن إذٍ يحتمل فيها مخالفة العلم وعدم الإتفاق معه. وعلى أثر ذلك كان هناك بحثْ عند العلماء بعنوان الإعجاز العلمي في القرآن ، بل وتشكلت بعض الهيئات في بعض بلاد المسلمين تُعنى بقضية الإعجاز العلمي في القرآن بمعنى أن القرآن الكريم أشار إلى حقائق كشف عنها العلم متأخراً بينما سبق القرآنُ  العلمَ في الكشف عنها والحديث . وهي فيما يتحدثون كثيراً ونشير إلى بعض الأمثلة منها :

يتحدثون مثلاً عن أن دور الجبال في الأرض هو بمثابة المثبت الحافظ للتوازن للأرض ، ولو فرضنا أن الجبال أُزيلت من الأرض لايبقى توازن الأرض كما هو الحال الآن وكأن ذلك أشبه بالمسمار أو الوتد الذي يثبت شيئاً.  وعلماء الجولوجيا عندما يتحدثون عن هذا يشيرون إلى أن القرآن الكريم ذكر الجبال فقال والجبال أوتادا . فهذه قضية لم تكن معروفة في زمان الوحي عند الناس .

وكذلك بالنسبة إلى مراحل تطور الجنين في بطن الأم وفي رحمها فإن تلك الفكرة كانت موجودة في التاريخ القديم عند الأطباء وهي أن الذي يوجد في بطن الأنثى هو شيئٌ كامل مصَّغر ، فهذا الطفل بأنفه وعينه ويده ورجله وقلبه وكل شيئ يوجد في ذلك المكان بهذا المقدار بنسخة مصغرة جداً ثم يبدأ يكبر ويكبر إلى أن يخرج بعد تسعة أشهر  ، ولكن القرآن الكريم جاء وقال أن القضية ليست كذلك وإنما هي عبارة عن مراحل حيث يبدأ الإنسان في صورة نطفة ثم يكون مضغة ثم علقة ثم تتكون بعد ذلك العظام ثم تكتسي العظام لحماً ، ثم تأتي المرحلة الأساسية والمهمة حيث تنفخ فيه الروح ويتكامل فيصبح إنساناً ثم يخرج من بطن أمه.

و عندما جاء العلم وتقدم التشريح وأصبحت هناك إمكانيات في تصوير باطن الرحم أمكن لهم أن يتابعوا هذا الأمر منذ أن تتلقح البويضة الأنثوية بالحويمن الذكري ، فيأيدون في ذلك فكرة القرآن الكريم والحقيقة التي تحدث عنها . فالقرآن إذاً سبق الناس في الكشف عن هذه الحقيقة ولم يتوصل العلماء إلى هذا الأمر ويبرهنون عليه إلا في أوقات متأخرة

يأتي القرآن مثلاً إلى عالم الفضاء ويتحدث عن الإنسان عندما يصعد إلى الفضاء فيقول ( يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضِيِّقاً حَرِجاً كَأَنَّمَا يصَّعَّدُفِي السَّمَاء ) والإنسان غير المؤمن وغير المطمئن لأمر الله سوف يكون صدره ضيقاً ويشابه ذاك الإنسان الذي يصعد إلى السماء فيكون ضيق الصدر حرج التنفس وفيما بعد جاء العلماء وقالو نعم هناك مشكلة عند صعود الإنسان إلى طبقات الجو ، فاختلاف الضغط الجوي في طبقات الجو عنه على الأرض يجعل صدر الإنسان ضيقاً وغير قادرٍ على التنفس فيحتاج إلى أدوات ووسائل اصطناعية للتنفس ، فهو لا يستطيع أن يتنفس بشكل طيبعي في هذه الحالة فيذكرون أن الفضاء يتحدث عن هذا الأمر

وينظر القرآن كذلك إلى قضية دوران الأرض وحركة الأرض فيقول ( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ ) فلا تظنن أن الجبال هي واقفة على الأرض ولا تتحرك وإنما هناك حركة دورانية حول نفسها وحركة أخرى حول الشمس ، وهذا مما فُسِّر به جعل الأرض مهداً أو مهادا، ففي مثل هذه الحقائق والقضايا يقولون أن القرآن الكريم كشف عن حركة الأرض ودورانها قبل أن يتوصل الفلكيون والعالمون بهذا الجانب إلى هذه الحقائق ويبرهنون على ذلك .

هذه الأمور وأشباهها كثيرة وإذا بحثنا عن موضوع الإعجاز العلمي في القرآن نجد كتب كثيرة ومقالات متعددة في هذا الجانب .

ينبغي أن نشير إلى بعض القضايا هنا

أولاً أن الغرض من إيراد بعض الآيات التي فيها إشارات إلى قضايا العلم هو -غرضٌ عقائدي ، وهو أن يؤمن الإنسان بأن هذا القرآن الكريم إنما أنزله رب الكون الذي وضع هذه الأسرار دون غيره وأن الإنسان مهما أوتي من العلم فإنه ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)

-أن قضية الإعجاز العلمي في القرآن في الجملة هي ثابتة ولا بأس بها ،فهناك حقائق علمية ثابتة لاتقبل النقاش والقرآن كشف عن قسمٍ منها وليس غرضه بحثٌ كيميائي ولا فيزيائي ولا أحياء ولا جيولوجيا وإنما غرضه غرضٌ عقائدي

-والأمر الآخر أنه لايصح أن يكون للباحث في القرآن هاجس فكلما صارت نظرية من النظريات يأتي بآية من القرآن ليقول أنه هذه الآية تدل على هذه النظرية، فليس الأمر كذلك .

لأن قسماً من الأمور العلمية إنما هي نظرية وفرقٌ بين النظرية وبين الحقيقةالعلمية فالنظرية تحتاج طي مراحل طويلة إلى أن تتحول إلى حقيقة وحقيقةٌ مسلَّمة وثابتة. وكذلك فإن قسمٌ من القضايا العلمية لا تزال في مرحلة النظرية فلا يجوز للباحث أن يلوي عنق الآية القرآنية لكي يثبت أنها تنطبق على هذه النظرية .

وأيضا بعض القضايا العلمية في وقتها هي حقائق ، ولكن و بعد مدة من الزمان من الممكن أن يتقدم العلم وأن تتغير تلك الأفكار، ولا يجوز الإصرار على أن كل قضية علمية يكون عليها الدليل من القرآن كذا وكذا.

فلو تغيرت هذه النظرية بعد مدة أو بعد  أربعين سنة أو حتى مئة سنة واختلفت فكيف سيكون دور الآية التي أخذت للدليل على هذه النظرية ؟!

لذلك فإننا نقول في ذات الوقت أنه هناك انسجام بين الكتاب التدويني وبين الكتاب التكويني ،بين القرآن وبين الكون في أن منشأهما وخالق الكون ومنزل القرآن هو الله عز وجل ولا بد من الإنسجام بينهما والإلتئام ، ولكن لايصح أن يكون للإنسان هاجس في كل قضية علمية بأن القرآن يدل عليها . لأن ذلك قد ينتهي إلى تكذيب الآيات .

فنقول في الجملة أن القرآن الكريم كشف حقائق وأشار إليها والغرض منها أن يعتقد الإنسان أن هذا القرآن نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ )  بالإضافة إلى تشجيع الإنسان على البحث والتنقيب والتحقيق في آيات عظمة الله وقدرته.

من آيات الإعجاز في القرآن الكريم هذا الإنسجام في البيان طيلة مدة البعثة النبوية  وهذا ينفي إمكانية كونه من بشر فنلاحظ أن هناك أمور لو لم يكن القرآن نازلٌ من السماء كمعجزة إلهية خالدة فإن كل الظروف تساعد على أن يكون فيه اختلاف ، لذلك يقول القرآن الكريم (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء. لكنه ولأنه لا يوجد فيه اختلافاً لا كثير ولا قليل فإذن هو من عند الله تعالى ، ولو لم يكن من الله لكانت كل الظروف تساعد على اختلافه

وأول الظروف طول المدة وهي ثلاث وعشرون سنة فالإنسان العادي مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة فإنه وفي خلال ثلاث وعشرون سنة ستختلف طريقة حديثه من أول هذه السنين إلى آخرها وهذا يتضح مثلاً مع العالم الفلاني حيث ينتج نظرية في بادئ الأمر ثم بعد مرور خمس سنوات يغير هذه النظرية ، أو يصححها أو يطورها ،فكيف لو كان بعد عشرون سنة

ثانياً اختلاف حالات الإنسان في هذه الدنيا فالإنسان يمر بحزن وفرح ورضا وغضب ويأس وأمل وغير ذلك ،وهذا كله يؤثر على كلامه فالغاضب بتكلم بطريقة والراضي يتكلم بطريقة أخرى ومن يكون لديه أمل يتكلم بطريقة تتناسب مع هذا الأمل واليائس المحبط يتكلم بطريقة أخرى وهكذا.

ولهذا نقول لبعض من قال  ( وللأسف بعضهم من المسلمين )أن القرآن الكريم عبارة عن إنفعالات شعورية من النبي عبَّر عنها ونقول هل هذه الإنفعلات الشعورية كشفت عن الفضاء؟! وهل كشفت عن نظريات في البحار ؟! هل كشفت عن حقائق في خلق الإنسان ؟! هل كشفت عن حقائق في طبقات الأرض؟! وهل هذه الحالة المشاعرية هي نفسها في الحرب وفي السلم ؟! وفي الرضا والغضب؟! في الحزن والسرور ؟! في الهزيمة وفي والنصر  ؟!

ثالثاً اختلاف المواضيع وكثرتها والتي تطرق إليها القرآن الكريم فلو كان من عند غير الله لوُجِد في هذه المواضيع الإختلاف حيث تحدث القرآن عن صفات الله وعما في السماوات  ، وعن الملائكة ، وعن الشياطين ،وعن الأنبياء ، وعن قصص الأقوام البائدة ، وعن الأخلاق ، وعن العقائد ، عن الأحكام ، وتحدث عن صفات الجنة وعن صفات النار وعن مشاهد ذلك العالم وتحدث عن غير ذلك من الأمور ويكفيك إذا أردت أن تعرف المواضيع التي تحدث عنها القرآن أن ترى عناوين السور مئةً وأربعة عشر عنوان من عناوين السور تتحدث فيه السورة على الأقل عن جانب من الجوانب ومثال ذلك سورة النساء حيث تحدث في بعضها عن النساء فضلاً عن سائر المواضيع كذلك سورة البقرة حيث تكلم عن البقرة وقصة بني إسرائيل وفي آل عمران تحدث عن آل عمران وهكذا..

فأنت أمام ما لايقل عن مائة وأربعة عشر عنوان فضلاً عما لم يكن في العناوين .. في حين ولو تكلم أحدهم في كثير من المواضيع فإن إحتمال الإختلافات عند الحديث تكون كبيرة ،ولا سيما عند تكرار الحديث عنها في تلك السورة  وتلك السورة.

ولكن هذا القرآن هو من عند الله وما كان من عند الله لايكون فيه الإختلاف وانسجام هذا البيان في مختلف المواضيع وعدم التخالف فيه وكشفه عن المعارف والمعاني الكثيرة في حالة من الإلتئام والإنسجام والتكامل بينما لو كان من عند بشر لكان فيه الإختلاف كثيراً.

وكذلك فإن هذا البيان يحافظ على أعلى درجات البلاغة وتصوير الموقف يقول أحد العلماء لقد كان أمير المؤمنين على درجة عالية من البلاغة والمعرفة وهو بتلك العقلية الجبارة والقدرة الهائلة من حيث البلاغة والبيان حتى قيل في كلامه أنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين فلو سلّم هذا الإمام العظيم بأن هذا القرآن الذي هو من عند الله ولا يعجزه شيئ فإن هذا يكفي فالإمام عليه السلام ليس شخصاً عادياً وإنما هو قمة من القمم علماً وبلاغةً وهو سيد البلغاء ومع ذلك يخضع ويخشع ويبخع للقرآن الكريم ، وفي هذا آية أكثر من غيرها على أن هذا القرآن هو من الله عز وجل .

وللتأمل في بعض كلمات القرآن نورد بعض الشواهد من بيان القرآن الكريم في توصيف مشهد من مشاهد يوم القيامة تعرض الأيات بطريقة قسمين من أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله في نفس الآيات ولكن تجعلنا نستشعر الصورة وكأنها صورة ثلاثية الأبعاد للمشهد  وكأنك حاضر في هذا المشهد يقول تعالى فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ

أهل اليمين الذين لا ينتظرون النداء بأسماءهم وإنما يقدمون كتابهم فيقول أحدهم هاؤم اقرأو كتابيه ، أي انظرو  إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (2 (وظننت بمعنى استيقنت)لأن ظنً وردت في القرآن الكريم وفي موارد متعددة بعنوان اليقين. أي أنني كنت متيقناً من هذا الأمر فهو ( بناءً على هذا ) في عيشةٍ راضية، في جنة عالية ، قطوفها دانية ،.

فهذا مشهد من المشاهد كلمات هادئة وخفيفة .(كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية )ومع الجنة التي هي معدة بكل ما فيها يحصل المؤمن على مزيداً من التكريم ( كلوا واشربوا).

ومشهدٌ آخر وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) ياليتني لم أعطى كتابي وياليتني كنت قضيت قبل أن أصل هذا ثم يبدأ بعد ذلك الندم فيقول : مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29 فأين هذا التجبر وهذا التكبر وهذا الخيلاء وهذا الظلم ،سلطان المال ، وسلطان القوة ، أين كل ذلك ؟ هلك عني سلطانية ثم يأتي بعد ذلك الجواب

فلا يقول القوه في النار وإنما يقول ( خدوه فغلوه )وكأنك تسمع الصوت وهنا تغيرت اللهجة ، فأين العيشة الراضية وأين الجنة العالية (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه) والسبعون هنا استخدمت للتكثير . فيصور القرآن بهذا البيان من جهة الجانب المفرح والمسر  ومن جهة إخرى الجانب الكئيب الحزين ، والرادع والمخيف والذي تسمع فيه خشخشة السلاسل من جهة ، وملائكة العذاب يقولون خذوه فغلوه ، نعوذ بالله من ذلك.

ولهذا يستحب للإنسان أن يستعيذ بالله من نار جهنم وأن يطلب الجنة ، وأن يسأل الله الحور العين. في الدعاء ( اللهم اعذنا من عندك ، وأفض علينا من فضلك وانشر علينا من رحمتك وأنزل علينا من بركاتك ، اللهم أعتقنا من النار وأدخلنا الجنة وزوجنا من الحور العين . في كتاب للشيخ الصدوق يقول فيه أسمع ما خلق الله ثلاثة( النار ، والجنة والحور ) أما النار فإنها تسمع دعاء العبد يقول اللهم أعتقنا من النار فتقول يارب عبدك سألك العتق مني فاعتقه مني، وأما الجنة فتسمع من العبد أدخلنا الجنة فتقول يارب عبدك سألك الدخول إلي فادخله الجنة، والحور العين تقول يا رب عبدك خطبني منك فزوجنا منه.

فلو أكثرت من هذا الدعاء تكون قد أعتقت من النار ودخلت الجنة وزوجت من الحور العين . عُبِر عن الحور العين في القرآن بتعبيرات كثيرة، ولكن لم يعبر عنهن بأزواج مطهرة والأزواج المطهرة اللاتي عبر عنهن في القرآن الكريم هن اللاتي من قبيل  إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ومن قبيل لا يمسه إلا المطهرون فهن يزوجن لأزواجهن إذا كانوا في نفس الدرجة والمرتبة فلا تحتاج الحور العين حينها أن تدعوا فتقول يارب زوجني بهذا.

فهذه المؤمنة معدة للمؤمن وهن أزواج مطهرة وأجمل من الحور العين في الجمال الظاهري ويفوقوهن بأن لديهن جانب الطهارة الداخلية ويفتخرن عليهن في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ام سلمة سألت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرها أن المرأة المسلمة تفتخر على الحور العين فتقول نحن الصائمات وما صمتن ، ونحن المصليات وما صليتن ، ونحن المنفقات وما أنفقتن، فيفضلن عليهن.

فهذه هي جهة الطهارة لتلك النساء المؤمنات ، وهي أن داخلهن منير بهذه العبادات وبهذه الأعمال الصالحة وبنور القرآن الكريم ، في حين أن الحور العين لم يعشن في هذه الدنيا حتى يكلفن ويقمن بهذه الأعمال نسأل الله تعالى أن يجعلنا من اهل الجنة جميعاً .

نشير إلى بعض من الإشارت حول الإعجاز التشريعي هناك تشريعات في القرآن الكريم لو أن البشر التفت أليها وعمل بمضمونها لوصل إلى سر سعادته إن إحدى أعضم المشاكل على مستوى العالم هي قضية التمييز على أساس العرق وعلى أساس اللغة وعلى أساس الجنسية وعلى أساس الدين وعلى أساس المذهب وكم من الجرائم ارتكبت في هذا حتى وصلت إلى الحروب والقتل على أساس أن هذا من تلك القبيلة وذاك من الأخرى ، أو أن هذا أبيض وذاك أسود وهذا من هذا المذهب وذاك من ذلك المذهب الآخر، فكم دفعت البشرية أثمان غالية على أثر التمييز العنصري والعرقي والطائفي والمذهبي والديني في حين أن القرآن يقول إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، لكي لايضن احداً بأن لونه كذا فهو الأفضل أو لأن نسبه ذلك النسب فهو الأفضل وإنما من يؤمن ومن يعمل الصالحات أكثر هو الأكرم ومن يتق هو الأفضل

وعندما يتضالم الناس فيما بينهم يأتي القرآن فيقول ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى .وكذل عندما تشتعل بعض البيوت بالخلافات والمشاكل فإنهم لو عملوا بآية واحدة من القرآن لما وجدت بينهم المشاكل ( وعاشروهن بالمعروف )فلو عملو بهذه الآية وحدها لكفتهم ولصار هذا البيت واحة أمنٍ وسلام . وهكذا بالنسبة إلى قضايا الإقتصاد( أوفوا بالعقود ) فإذا كان بينك وبين أحدهم عقداً من العقود ولم يكن به مانع من الموانع الشرعية فلتفِ بهذا ولتلتزم به وهناك الكثير من تشريعات الدين لو عمل بها الناس لتكفلت بسعادتهم .

مرات العرض: 3428
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2549) حجم الملف: 69643.34 KB
تشغيل:

من جهات الاعجاز في القرآن الكريم 6
مستشرقون في مواجهة  القرآن الكريم 8