إطعام الطعام في أثره الدنيوي والاخروي 17
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/7/1440 هـ
تعريف:

إطعام الطعام في اثره الدنيوي والأخروي


كتابة الفاضلة زهراء محمد
في الحديث المروي عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وآلة بني عبد المطلب فقال: يا بني عبد المطلب أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وتهجدوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.)

في هذا الحديث الإرشادي الذي يتبين منه ثواب الأعمال وما يترتب عليها من الأجر يوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وآلة وسلم في اجتماع له مع بني عبد المطلب مجموعة من الخصال التي إذا تحققت من إنسان فإنه يدخل الجنة بسلام وذلك لأن دخول الجنة في بعض المواقف يصعُب بحيث يتطلب الشفاعة والوساطة ولكن النبي في هذا الحديث ذكر من الأعمال ما يترتب عليها دخول الجنة بسلام وهي على لسان النبي الكريم:
(يا بني عبد المطلب أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام)
إن الكلام الطيب واللسان المُزين بالكلام الحسن لهو أطوع لكلام رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم لأنه يأمر بتحسين وتطييب الكلام مع الأهل والأولاد والأقارب والأرحام وكافة الناس حيث أن الكلمة الطيبة صدقة وفي مُقابل ذلك هناك من هم الأبعد عن كلام النبي الأكرم صلى الله عليه وآلة حيث أن ألسنتهم لا تُحسن إلا الكلام السيء البذيء أمثال الشاعر جرول المُلقب بالحُطيئة الذي كان لسانه قد ألِفَ البذاءة من الكلام حتى قال:
             أبت شفتاي اليوم إلا تكلُما                       بسوءٍ فما أدري لمن أنا قائله
ولأنه لم يجد أحد من أهله وقراباته حتى يُسلط عليه لسانه بسوء الكلام فنظر صدفة إلى وجهه في المرآة فقال:
  أرى لي وجهاً قبح الله شكله                                     فقُبحَ من شكلٍ وقُبحَ حامله

(وأفشوا السلام)
 إن إفشاء السلام من الأعمال المُستحبة وقد أكدّ عليها رسول الله صلى الله عليه وآلة سواء كان بمعنى إظهار لفظ السلام والتحية عند الدخول على قوم ما أو بإحياء معنى السلام أي عدم الدعوة إلى الحروب والفتن والمشاكل بل لتكن الدعوة إلى السلام وذلك عند حلول نزاع أو خلاف بين الأشخاص وذلك بطيب الكلام والدعوة إلى التريث والهدوء وتعميم جو من الألفة والمحبة ومحاولة التقريب بينهم ولا يكن إفشاء الحرب والسوء بتأجيج المشاعر وشحنها بالكلام السيء فهذا يُخالف معنى إفشاء السلام ، ومما يُذكر من الصور المؤسفة التي ظهرت في المجتمع عند إفشاء أحدهم للفظ التحية والسلام الشك في مُلقي التحية على أن لديه مشكلة ما أو ربما كان لدية حاجة فجاء يستجديها بالسلام وهذه صورة خاطئة وهي خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وآلة بإفشاء السلام.
(وصلوا الأرحام وتهجدوا والناس نيام)
دعوة من الرسول الكريم صلى الله عليه وآلة بالتهجد والناس نيام، فليكن لكُل انسان ورد ومُناجاة قبل صلاة الفجر يذكر فيها ربه ويُصلي صلاة الليل ويصلها بنافلة الفجر وفريضته حتى يدخل الجنة بسلام.
(أطعموا الطعام)
إن إطعام الطعام من الأعمال المُستحبة والراجحة في الميزان وفيه الكثير من الآثار الدنيوية والأخروية
أما الآثار الأخروية فيتمثل بعضها في الحديث المروي عن أبي عبد الله عليه السلام كما نُقل في المحاسن: (ما من مؤمن يُطعم مؤمناً موسراً كان أو مُعسراً إلا كان له بذلك عتق رقبة من ولد إسماعيل)
فكم هذا الثواب العظيم لإطعام الطعام سواء كان للمُعسر الفقير المحتاج إلى الطعام  فهي مرتبة عالية وقد جُعلت الكفارات لملاحظة هذا الأمر ،ومن هذه الكفارات التي أوجبها الله على الإنسان إذا خالف بعض التعاليم الإلهية  إطعام ستين مسكين أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ومنها أيضاً ما هو كفارة لمن لا يستطيع الصوم من العجزة وكبار السن فدية طعام مسكين ، ففي إطعام الفقير المسكين وإشباع بطنه أعلى الدرجات وأيضاً ماورد ذكره عن بعض العلماء أن إطعام ذلك الفقير المسكين هو من أسرع الطرق في تحقيق حاجة الإنسان واستجابة دُعاءه ففي طلب الحاجات من الله طُرق متعددة منها الصلاة ركعتين في بيت من بيوت الله والدعاء بطلب الحاجة بعدها أو التوسل بالدعاء بأحد المعصومين عليهم السلام ولكن إشباع الفقير هو من أسرع تلك الطُرق بحسب ما ذكر العلماء من تجاربهم، أو حتى إطعام الموسر الذي يكون ذا وضع جيد ولا يحتاج إلى الطعام فبمجرد دعوة لصاحب أو صديق على طعام تُعادل بذلك حُرية واحد من ولد النبي إسماعيل فكأنما بإطعامك لهذا الصديق اشتريت عبداً من ولد إسماعيل واعتقت رقبته لوجه الله.
أما الآثار الدنيوية فتتمثل في ...
*ماورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام في سُرعة وزيادة رزق الإنسان حتى وإن كان فقيراً فبحسب المقاييس الظاهرية أن الفقير عندما يدعوا أحدهم ليطعمه فبذلك يكون قد نقص من رصيده وأستنفد مؤنته ولكن بحسب قانون الإسلام والأحاديث والتجربة فإن الأثر على خلاف ذلك ففي الحديث عن الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآلة أنه قال: (الرزق أسرع إلى من يُطعم الطعام من السكين في السنام)
 * الأثر الاجتماعي الذي يتركه إطعام الطعام على صاحبه لهو أثر جميل وتحقيق محبوبيه واسعة عند من أطعمه الانسان وانتشار سُمعة السخاء وبسط اليد بين الناس وهذا مما يحتاج إليه الانسان وقد يبذل الكثير للحصول على هذه السُمعة الطيبة يقول نبي الله إبراهيم في كتاب الله الكريم: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)
*إن الضيف إذا دخل على داعيه وأطعمه من بيته فإن هذا الضيف يكون قد دخل بالمغفرة والرحمة عليهم وإذا خرج فإنه يخرج بذنوب أهل ذلك البيت وذلك بمعنى أنه يمحي ذنوب أهل بيت المُضيّف ولتوضيح ذلك بمثال افتراضي..
 لو أن انسان عرض عليك أن يدخل بيتك ولديه توكيد يضمن لك أن جميع ذنوبك وذنوب أهلك ستُمحى في مقابل عشرة آلاف ريال فهل يستحق هذا المبلغ في مقابل مسح جميع الذنوب لا شك في ذلك وأنه لأمر سهل، فإذا كانت الأموال من السهل دفعها فكيف بإطعام الطعام وهو أيسر وأجمل في اللطف والرحمة والمغفرة الإلهية!
ويُذكر في هذا الصدد حديث عن حسين ابن نعيم الصحّاف قال لأبي عبد الله عليه السلام قال له الإمام الصادق عليه السلام:( أتُحب أخوانك يا حسين؟ قلت: نعم، قال: تنفع فقرائهم، قلت: نعم، قال: أما أنه يحق عليك أن تُحب من يُحب الله أما والله لا تنفع منهم أحداً حتى تُحبه ثم قال: أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت: نعم ما أكل إلا ومعي الرجلان والثلاثة والأكثر والأقل، قال أبو عبد الله: أما إن فضلهم عليك أكثر من فضلك عليهم، قلت: جُعلت فداك أُطعمهم طعامي وأوطِئهم رحلي ويكون فضلهم عليّ أعظم! قال: نعم إنهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك.)
*نبي الله إبراهيم وإطعام الطعام...
كان نبي الله إبراهيم على نبينا وعلى آلة وعليه أفضل التحية والسلام معروف بأنه كثير الإطعام ففي يوم من الأيام دعى رجل كبير السن إلى بيته ليطعمه فحينما قرب إليه الطعام قال له : قُل بسم الله ومُدّ يدك فقال له الرجل: ما أدري ما تقول ولا أعرف الله ،فقال له: الله هو الذي خلقنا ورزقنا، فقال الرجل: لا أقول ذلك ، فقال له نبي الله إبراهيم: إذاً قُم واخرج ، فخرج الرجل من بيت نبي الله إبراهيم ولم يأكل ذلك الطعام ،فنزل الوحي الإلهي على إبراهيم مُعاتباً له ( يا إبراهيم لماذا خرج الرجل ولم يأكل؟) فقال النبي إبراهيم: يارب دعوته لكي يذكر اسم الله قبل الشروع في الأكل ولم يقبل ذلك فطردته فأوحى الله له (إن هذا الرجل 80 سنة أنا أُطعمة من رزقي وأسقيه وأرزقه وهو جاحد وكافر ولم أطالبه بشيء وأنت مرة واحدة دخل عندك ولم يقل ما أمرته به فطردته! فتخلق يا إبراهيم بأخلاق الله)
فقام نبي الله إبراهيم من فوره يبحث عن الرجل فعندما وجده أرجعه فتعجب الرجل سائلاً: لماذا أرجعتني؟ فقال نبي الله: إن الله تبارك وتعالى عاتبني فيك وقال إنه يُرزقك منذ 80 سنة وأنت مع ذلك لا تذكر أسمه ولم تعبده، فقال الرجل: إن كان كذلك فإني أشهد أنه رب رحيم كريم وأني مؤمن به.
فآمن ذلك الرجل ببركة ذلك الطعام وببركة تلك التسمية.
*يتأكد من هذه القصة أن اطعام الطعام من الأعمال المستحبة ومن هذا الاستحباب انطلق اطعام الطعام في المناسبات الدينية ولا سيما في مناسبة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام فإن الثواب فيها ثواب عظيم فينبغي الاهتمام به وفي مناسبات المعصومين عليهم السلام وعليه لابد من التنبه إلى حالة عدم الإسراف والتبذير وذلك بتهيئة المقدار المتوقع أكله فإن زاد على ذلك عليه أن لا يُسارع إلى إلقاء هذه النعمة والعياذ بالله فهي نعمة مُكرمة ومُشرفة من الله ، وفي مقابل ذلك هناك صور مُفزعة ومُفجعة في بعض مناطق المسلمين حيث تُلقى الأطعمة الضخمة في الصحراء أو في الزبائل عندئذٍ لا يؤمن على هذا الإنسان إذا تعامل مع النعمة بهذه الصورة أن لا تبقى عنده( أكرموا مثوى النعم حتى تبقى عندكم وتزداد)
* لهذا من المُناسب جداً أولاً على المستوى الشخصي كأدب أخلاقي أن الإنسان بعدما يأكل ما قسمه الله له أن يُبقي الباقي في الأجهزة المبردة لكي يُحافظ على ما تبقى من الطعام لعدة أيام فهذا نوع من أنواع التدبير الاقتصادي واحترام النعمة ، وأيضاً على المستوى الاجتماعي فهناك بعض الهيئات واللجان في أكثر من منطقة وهي ذات عمل طيب جداً حيث تأتي إلى المناسبات وتجمع الطعام المتبقي ثم تُعيد ترتيبه لكي يُصرف في مواضعه,

 

 

 

مرات العرض: 3449
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2596) حجم الملف: 26806.68 KB
تشغيل:

لا تكونوا آذانا سلبية !! 15
الصلوات المفروضات عهد الله وطريق الجنة 11