أبو الانبياء ابراهيم عليه السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/9/1437 هـ
تعريف:

أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام

 

كتابة الأخت الفاضلة ليلى الشافعي

قال الله العظيم في كتابه الكريم : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )

حديثنا يتناول بإذن الله تعالى شيئًا من حياة أبي الأنبياء ورافع لواء التوحيد نبينا إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه . نسير في هذه الحياة الطاهرة لهذا النبي العظيم سيرًا مختصرًا بما يتناسب مع حديثنا عن قصة الديانات والرسل وينبغي أن نعتذر سلفًا لهذا النبي العظيم ولابنه الرسول الكريم من أننا لانستطيع أن نحيط بهذه الحياة الكريمة لا من حيث التفاصيل ولا من حيث الدروس فما أقصر ساعة في جنب حياة ملؤها الفضائل والجهاد امتدت على بعض الروايات إلى مائتي سنة هي عمر نبي الله إبراهيم أو على أقل ما قيل 170 سنةً .

منزلة النبي إبراهيم في الديانات :

لا بد أن نشير إلى أن نبي الله إبراهيم حظي بمنزلةٍ لم يحظَ بها أي نبي من الأنبياء قاطبةً في ذاكرة الديانات السماوية الثلاث مع أنه في اعتقادنا ليس أفضل من النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) لكن موقع النبي إبراهيم في أتباع الديانات وحضوره في ذاكرتها تشريعاتها لا يماثله حضور نبيٍ أبدًا فهو عند اليهود يعتبر أبا الأمة اليهودية ، يوقرونه غاية التوقير ويعتقدون أن الله بواسطته جعل عهدًا عند اليهود اختصهم به ويعتبرونه من اليهود . والمسيحيون أيضًا يكرمون مقام نبي الله إبراهيم أيما تكريم . والمسلون أيضًا يفعلون ذلك . وحق لإبراهيم أن يكون له هذه المنزلة . ففي القرآن الكريم تقريبًا الآيات التي تناولت قصة إبراهيم بالإضافة إلى سورةٍ باسمه الشريف هناك حوالي 110 آيات تتحدث عن قصة إبراهيم وهي تشكل ما يقارب من اثنان في المائة من كل آيات القرآن الكريم ، وأما بالنسبة إلى قصص الأنبياء فتشكل هذه النسبة نسبةً عاليةً جدًا . فنبي الله إبراهيم بالإضافة إلى ذلك هو والد الأنبياء وأبو الأنبياء ولا ريب أن من يكون من صلبه ومن سلسلته الأنبياء لا بد أن يكون فيه جهة تفضيلٍ خاصةٍ جعلت هذه النعمة يحظى بها دون غيره ، كيف أننا نقول أن الحسين سلام الله عليه اختصه الله بأن جعل الأئمة من ذريته فإن نبي الله إبراهيم جعل الأنبياء من ذريته ، فإن أعظم الأنبياء نبينا محمدًا ( صلى الله عليه وآله ) هو من ذرية إبراهيم ، هو من إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم . وأما باقي الأنبياء من نسل إسحاق ويعقوب ويوسف وداوود وسليمان وموسى وهارون وذا الكفل واليسع هؤلاء كلهم بل وعيسى بن مريم من خلال أمه كل هؤلاء كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلام . فهو والد الأنبياء المكرمين والمحترمين .

ودع عنك كيف تحدث القرآن عنه فجعله أمةًً كاملة وليس فردًا، فبيده أقيم صرح التوحيد في هذه الأرض بعدما دمر بطوفان نوح ، بنى إبراهيم الكعبة المشرفة لتكون صرح التوحيد ومحور العبادة وقلب أمة الإسلام وللإشارة إلى الله عز وجل في هذه الأرض .هذا هو نبي الله إبراهيم (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )

نسبة الكذب إليه في الصحاح:

ولذلك نتعجب مع هذه المنزلة العظيمة مما ورد في بعض صحاح المسلمين من نسبة أمورٍ غير صحيحةٍ لإبراهيم ، مثل قولهم في بعض الصحاح إن إبراهيم والعياذ بالله كذب ثلاث كذباتٍ ، إن كذبةً واحدةً هي خطلةٌ وزللٌ لا يمكن أن يصدر ممن هو دون مقام إبراهيم من الأنبياء فكيف إذا كان في هذا المقام ولكن هذا من آثار تسرب الأحاديث والروايات الإسرائيلية في حضورنا الإسلامي المتقدم وسنشير إلى ذلك من أنه بالذات في تفاصيل قصص الأنبياء يوجد هناك أخطاءٌ كثيرةٌ انتقلت عبر علماء أهل الكتاب الذين أسلموا ككعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام ، هؤلاء كانوا من علماء أهل الكتاب عندما جاؤوا وهم معبؤون بهذه الثقافة تسربت بقصدٍ أو بغير قصدٍ إلى المجتمع الإسلامي في صورة قصص وكلمات واختلطت بالأحاديث فيما بعد .

ولادة نبي الله إبراهيم :

ولد نبي الله إبراهيم في بلدٍ كان أسمها القديم أور الكلدان وقد يعبر عنها باسم كوثا أو كودوا وأما بالتعريف الحديث فأطراف بلدة الناصرية في جنوب العراق ، على بعد بضع كيلومترات منها يوجد تلة إبراهيم فيها أحافير ويفترض أن هذه المنطقة تعادل المنطقة القديمة التي ولد فيها نبي الله إبراهيم .

في هذه الفترة كان الحاكم لتلك المنطقة وما حولها نمرود المعروف .

أما والد إبراهيم عندنا الإمامية هو تارخ وعند غير الإمامية هو آزر . فنحن الإمامية نعتقد أن آباء الأنبياء لم يكونوا كافرين وهذا يقتضيه انتخاب الله سبحانه وتعالى لأنبيائه بل وأوصيائه وأوليائه من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة والموحدين وذلك كي لا يتأثر هؤلاء بعوامل الوراثة السيئة ، فإن من تمرغ في عبادة الأصنام وعجن بالشرك والكفر بالله من الممكن أن يؤثر في أبنائه ، ثم أن ما يثبته التاريخ أن أبا إبراهيم كان اسمه تارخ . نعم ورد في القرآن الكريم ما ظاهره أن آزر هو والد إبراهيم وقد قال الإمامية في رد هذا الكلام بأن الدليل العقلي الأول تأسس على أنه لا يمكن أن ينتخب الله أزكى وأفضل الخلق من مزابل الشرك وبالإضافة إلى ذلك فإن العرب في طريقة تخاطبهم يعتبرون العم أبًا وجرى القرآن الكريم على طريقتهم في قضية إبراهيم وفي قضية يعقوب حيث يقول القرآن الكريم : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل ويعقوب )

لا ريب أن أبناء يعقوب لم يكونوا يعتقدون أن إسماعيل أبًا لهم ولا جدًا لهم وإنما هو عمهم فهو أخو إسحاق والد يعقوب ويعقوب حين سأل أبنائه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا له : نعبدوا إله آبائك . فمن هم آباء يعقوب ؟ هم إسحاق وإبراهيم فإسماعيل ليس أبًا ليعقوب وإنما عمٌ له ولكن عبر عنه القرآن الكريم بأنه من الآباء . بالإضافة إلى أدلةٍ أخرى يقيمها الإمامية .

فولد نبي الله إبراهيم في زمان ذلك الملك الجبار النمرود والديانة الرسمية التي كانت في ذلك الوقت هي عبادة الكواكب والأفلاك والنجوم ويشير بعض الباحثين إلى أن عبادة الكواكب والنجوم والأفلاك والشمس والقمر والزهرة وغير ذلك ، هذه ملاحظة موجودة في معظم المناطق الزراعية والرعوية التي تعتمد على الزراعة والأمطار والأنهار والنشاط الزراعي فيها نشاط أساسي هذا يجعلهم يتعلمون النجوم والأفلاك وبسبب جهلهم في ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن هذه النجوم لها أثرٌ في الأرض فإذا طلع النجم الفلاني كان له تأثير في الزرع وإذا طلع النجم الفلاني نزل المطر فيتصورون أن هذه النجوم والأفلاك والشمس هي المؤثر الحقيقي في هذه الأمور فكانوا يقدرون الكواكب ويتقربون إليها ويرجون خيرها ويتتقون شرها بالقرابين وما شابه ذلك ويجعلون لها تماثيل وأصنام مثل الإله بعل وهو في زعمه إله الخصب والنماء والزراعة المناسبة فتجده في هذه المنطقة وفي مناطق البحر الأبيض المتوسط وأكثر من منطقة لنفس العقيدة . فكانوا يعبدون هذه الأشياء .

 بعثة النبي إبراهيم :

متى بعث النبي إبراهيم بهذه الرسالة ؟ لا يوجد تواريخ دقيقة ممكن الركون إليها ولكن من الواضح أنه كان في وقتٍ مبكر

فقال البعض أن عمره أربعين سنة بناءًا على نظرية أن الله ما بعث الأنبياء إلا أبناء الأربعين ، لكن هذه لم تثبت كليتها فإن عيسى بن مريم مثلًا لما بدأ بممارسة الدعوة كان قريب الثلاثين من العمر وعندما رفع إلى السماء في اعتقادنا وصلب في اعتقاد اليهود كان عمره 34 سنة فلا يوجد دليل واضح على أن كل الأنبياء يجب أن يكونوا أبناء الأربعين حتى نلجأ له ونقول أن إبراهيم بعث في هذا السن ولكن في وقت مبكر وعلى فرض أنه كان في الأربعين ، فأربعين بالنسبة ل200 سنة يعتبر شباب .

فبدأ بمقاومة عبادة الكواكب والنجوم وما شابه واتخذ طريقةً نسميها في هذا الزمام إسقاط الفرض والانتهاء إلى الفرض الصحيح ، وهذا يعرفه دارسي الهندسة في حل المسائل الهندسية فيأتي بفرض معين ويسقطه ليثبت الفرض الآخر . وهذا ما عمله نبي الله إبراهيم مع قومه فقد كانوا يعبدون الزهرة وجاء وقال هذا ربي فلما أفل قال : لا أحب الآفلين . فربي يرعاني ويحيط بي ويعتني بي فإذا غاب من يرعاني . فلما رأى القمر بازغًا بعده قال : هذا ربي . فلما أفل قال نفس الشيء

فلما طلعت الشمس قال هذا هو الإله المطلوب فهو كبير وضخم وبالتالي فهذا أحسنهم . وبالتالي لما غاب عن الأنظار قال لهم هذا أيضًا ليس رب وبالتالي وجه وجهه إلى الذي فطر السماوات والأرض وأخبرهم عن الله عز وجل .فهذا ليس له وإنما هذا بنحو الفرض العلمي فلو افترضنا أنه لا يوجد إله سنرى إلى أين يوصلنا هذا فهذه طريقة من طرق المناظرة والاحتجاج .

فيما بعد تقدم بخطوة أوضح من ذلك وهي في قضية الأصنام والقضية معروفة لما خرجوا في يوم الزينة وهو أحد الأعياد جاء وحطم الأصنام ثم جعل الفأس في عنق الصنم الأكبر ، فلما رجعوا رأوا المجزرة الصنمية . قالوا : من فعل هذا بآلهتنا ؟ قالوا: فقالوا نحن رأينا إبراهيم دائمًا يستهزئ بآلهتنا ويستنقصها فأحضروه وسألوه ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ؟ فما قال لا لم أفعل ، إذ لم يرد في القرآن أنه قال لا ، فلو قال لا لم أفعل لكانت مخالفة حقيقية للواقع ، وإنما قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون . في تفسير أئمتنا عليهم السلام لهذه المسألة يوجد تقديم وتأخير فحقيقة الآية هكذا بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون . فإذا يتأتى منهم فعل الكلام والحديث والتفاعل فقد فعلوا . إذن كيف نعرف هل ينطقون أم لا ؟

قال : اسألوهم . نسألهم فلا ينطقون وما داموا لا ينطقون فلا يمكن أن يفعلوا . هذا التقدير يقي نبي الله إبراهيم من القول الصريح بمخالفة الواقع وهذا ما يسمى بالتورية وهي تعليق الأمر على شرط . إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم لكن في الواقع هم لا ينطقون .

هذه الهزة والصدمة على مستوى التحطيم من جهة وعلى مستوى السؤال الحرج لهؤلاء جعلهم يراجعوا أنفسهم ( فرجعوا إلى أنفسهم قال إنكم أنتم الظالمون ) فما هذا المعبود الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا الكلام نأتي نحن ونتوسل به ونعبده ؟ في ذلك الوقت رأى النمرود أن الوضع تغير ، فهؤلاء ليسوا عدة أنفار قال لهم أن القمر ليس هكذا والشمس كذا إنما صارت حالة عامة على مستوى الدولة كلها في شرعيتها .

محاججة إبراهيم للنمرود :

     فاستدعى إبراهيم وكانت هذه أول مره يستدعيه إلى البلاط فحين سأله إلام تدعو قال : أنا أدعو إلى عبادة الله عز وجل . قال : من هو الله ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت . قال : أنا أحيي وأميت . فأمرهم أن يحضروا اثنين محكوم عليهم بالإعدام فقتل أحدهم يعني أمته ، وقال للثاني أخرج يعني أحييته . وهنا يتبين ذكاء إبراهيم حيث أنه ما ظل يناقش في هذه الجزئيات فقسم من الناس يفتقرون لفن المناظرة فالمناظر لهم يجعل لهم مسألة يشغلهم بها .

فلو أن إبراهيم قال : لا هذا لا يصدق عليه أنه إحياء . وتصبح المناقشة هل هذا إحياء أو لا هنا يضيع الغرض . نبي الله إبراهيم ترك هذا ، قال : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب . ترك موضوع الإحياء والإماتة لأنه يجر إلى أخذ ورد وجدل بيزنطي . فبهت الذي كفر في أمر الإحياء والإماتة يصعب أن يبهت لكن هو فبهت .

إبراهيم يلقى في النار :

وفي ذلك الوقت قرر النمرود التخلص من نبي الله إبراهيم في القضية المعروفة عندما جمع الأخشاب ليلقي النبي إبراهيم في النار العظيمة التي توصف في كتب قصص الأنبياء فوضع فيها إبراهيم إذ أن منطق الحوار وقوة المنطق حين تهزم هنا يأتي منطق القوة حين يعجز اللسان تبدأ اليد ويبدأ السيف فوضع نبي الله إبراهيم في المنجنيق ليقذفه من بعيد لأن لهب النار من الممكن أن تحرق حتى الجنود ، وقذف في المنجنيق . وقيل أن جبرئيل نزل على إبراهيم وهو طائر في السماء ليقذف في النار ،

فقال : يا إبراهيم هل لك حاجة ؟

قال : لا لا حاجة لي إليك . وهذا معنى لا حول ولا قوة إلا بالله . فانظر توكل إبراهيم إلى أي مقدار ! قال : إليك ليس لي حاجة .

قال : فلله ؟

قال : علمه بحالي يغنيه عن سؤالي .

فالحقيقة أنه إذا تأمل الإنسان في هذا المعنى يتحير ! مع أن الإنسان مأمور أن يسأل الله سبحانه وتعالى ويلح عليه في حاجاته ، لكن أقصى درجات التوكل هي أن يقول الإنسان أنا لا أقترح على ربي شيئ أبدًا ولا أسأله ولا أشير عليه يارب اعمل فيَ كذا أو كذا . فهو يدري وأنا عبده والذي يختاره لي أنا أقبل به . وهذا معنى التوكل والتسليم والإيمان الحقيقي . لذلك ( فقلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم . وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأسفلين ) فبقي في النار وانتظروا أن يشموا رائحة اللحم المشوي فلم يحدث شيئ وينتظرون أن يتألم ويسمعون صراخه فلم يسمعوا وإنما كأنه جالسٌ في روضةٍ غناء . أحد سدنة المعبد مع النمرود أراد أن يستغل الفرصة قال : يا أيها الملك أنا الذي قلت للنار لا تحرقيه أنا أشفقت عليه . وإذا بعنق من النار من تلك النار يأتي ويحرق وجهه ولحيته .

إبراهيم يغادر العراق :

هنا نمرود رأى أن تحدي إبراهيم غير ممكن ، هذا الذي يدافع عنه ربه لا يمكن أن يصل معه إلى نتيجة القتل ولا يستطيع تحمل بقاءه في هذه الأرض فقال لإبراهيم لا تساكنني في هذا البلد . وأيضًا نبي الله لم يبقَ فالأنبياء في كثيرٍ من الحالات عرضت عليهم خصال فيها سلام ووئام ولا تضر برسالتهم يختارون الرفق . فهو صلبٌ في أصل الرسالة ولكن في التكتيكات هناك مرونة . فخرج بأمر الله عز وجل وأخذ أهله معه ففي ذلك الوقت كان متزوجًا بسارة وقد آمن له ابن أخيه لوط ( فآمن له لوط ) ومعه بعض حاشيته أراد الخروج . سارة امرأةٌ عظيمةٌ في عطائها تشبه في عطائها للرسالة بخديجة بنت خويلد ( فنحن نحفظ فقط أنها غارت من هاجر )

أولًا: كانت جميلة جدًا من أجمل النساء

وثانيًا : كان لديها أموال كثيرة من الأغنام والأبقار وغير ذلك فلما تزوجها إبراهيم وبعث بالنبوة أعطت كل أموالها لإبراهيم ففي هذه النقطة شابهت خديجة وإن كانت خديجة هي سيدة النساء بعد فاطمة .

فخرج إبراهيم ولوط وسارة ومعهم بعض حاشيتهم باتجاه الشمال وهي أطراف الحدود الجنوبية التركية حاليا في منطقة كان اسمها حاران ، بقي فيها فترة قصيرة من الزمان لا يتحدث القرآن الكريم عما حصل هناك مما يعني أنه ليس هناك أمرٌ استثنائيٌ ثم نزل إبراهيم عليه السلام ومعه زوجته سارة ومعه لوط وبعض حاشيته باتجاه بلاد الشام وتحديدا فلسطين . وفي الطريق قيل أن إبراهيم مر على بلد كانت خاضعة للفرعون القبطي أو ملك القبط ، فهؤلاء ككثيرٍ من الملوك والسلاطين يستصفون لأنفسهم ما عند الناس ، فمن لديه أموال كثيرة يأخذونها منه ، أو زوجة جميلة يسيطرون عليها . فلما رأى الملك سارة وكان قد أخفاها نبي الله إبراهيم بنحوٍ معين عزز شكوكهم فكشف فرأوا هذه المرأة الجميلة جدا وأراد الملك أن يأخذها فمد يده إليها وهنا دعا إبراهيم ربه أن يدفع هذا الظالم عنها .

هنا نلاحظ أن إبراهيم حين أمر الملك أن يلقى في النار ليموت حرقًا ، قال : أنا لا أسأل الله ( علمه بحالي يغني عن سؤالي ) لكن حين يكون الاعتداء على زوجته على امرأة مؤمنة هنا دعا ربه أن يقبض يد هذا الظالم عنها ، فتجمدت يد هذا الملك وصارت لا تتحرك فعلم الملك أن هذا الرجل غير عادي فقال له : ادعو من دعوت وأنا لن أعتدي عليها ، فدعا إبراهيم الله أن يعيد يده إلى ما كانت عليه فرجعت .

وبما أن الإنسان بطبعه مغرور فعاود الكرة لعله صدفةً حدثت في المرة الماضية ، فدعا الله مرةً أخرى فتجمدت يده ، فقال له : ادع ربك أن يعيدها ، فقال له : لكن في المرة الثالثة لن تعود يدك لحالتها ، فقال له : إنَ إلهك عظيمٌ يدفع عنك . ( فهو ليس الشمس ولا القمر ولا النجوم ولا غير ذلك فهو الإله الحقيقي )

فالحاصل أن هذا الملك عرف أن مقام إبراهيم مقام عظيم وأن ربه الذي يدعو إليه ربٌ جليل ، هل هذا المقدار معناه إيمان أو لا ؟ هذا فيه كلام . فالحاصل أنه أكرمه بأن وهب لسارة جاريةٌ تخدمها وهي هاجر . فهاجر كانت أمةًً مملوكة مستعبدة عندهم ولكنها جميلة فوهبها لتخدم سارة لأن الله الذي يدافع عن هذه المرأة يتبين أنها امرأة جليلة القدر . فأخذتها هاجر وسارا في طريقهما ووصلوا إلى فلسطين .

استقرار لوط في سدوم :

هنا انفصل لوط عن إبراهيم بأمر النبي إبراهيم . فالنبي إبراهيم عليه السلام أرسل لوطًا إلى بلدة اسمها سدوم بالقرب من البحر الميت في الأردن وكانت بلدةٌ كبيرةٌ جدًا ولكنها كانت بلدةٌ منحرفة الأخلاق وهي القرية التي كانت تعمل الخبائث ، فأرسل إبراهيم لوطًا إليها ( وهذا يعني أنه في تلك الأزمنة من الممكن أن يكون هناك نبي ومعه أنبياء متعددون فالنبي المركزي حسب التعبير هو إبراهيم لكن من الممكن أن يرسل أنبياء إلى مناطق أخرى ) فواحد من الذين أرسلهم لوطًا ابن أخيه إلى بلدة سدوم ، وهنا يأتي الفرق بين الرواية التي تأتي ممن طريق أهل البيت عليهم السلام أو الرواية التي تأتي من الكتب المحرفة كالتوراة مثلًا التي تقول أنهم لما وصلوا إلى فلسطين تعارك إبراهيم مع لوط على المرعى فكلٌ منهم يريد المرعى الأفضل لأغنامه ولما لم يصلا إلى حل قال إبراهيم للوط اذهب أنت إلى الشرق وأنا إلى الغرب ، فأين هذا المنطق من منطق فآمن له لوط وأن إبراهيم أرسله لينشر التوحيد ويحارب سوء الأخلاق في تلك المنطقة بل خاض إبراهيم بعض المعارك حسب روايات الأئمة مع لوط ضد أعدائه وأعداء لوط حتى ثبت لوط في بلدة سدوم ( وهنا ملاحظة يعبر عن هذا الفعل الشائن من الشذوذ الجنسي في بعض الكلمات في اللغة الإنجليزية بسدومي نسبة إلى هذه البلدة ) وبعض الباحثين قال كلامًا لا بأس به من الناحية الاعتبارية والأخلاقية فيقول أن العرب سموا الفعل الشائن من الشذوذ الجنسي باللواط وقالوا هذه نسبة إلى لوط ، بينما لوط ذهب ليقاوم هذه الفعلة وأنتم تنسبون هذا الفعل الشائن بالنبي مع أن اللواط في أصله لاط الشيء مثل لاط الحوض يعني مسحه بشكل جيد مسحًا دقيقًا ، فهذا أصل المعنى أو التصق فقالوا أن العرب أخذوا هذه اللفظة من اسم النبي وهذا شيءٌ غير صحيح ، فممكن أن يكون من حهة الالتصاق لكنه التصاق على غير الجهة الصحيحة .

 وصول إبراهيم إلى فلسطين :

فالحاصل أنه وصل إلى هناك بينما بقي نبي الله إبراهيم في فلسطين في منطقة الخليل التي تنسب إليه ، وهنا بالمناسبة أيضًا توجد رواية ينقلها بعض صحاح المسلمين نقلًا عن اليهود فقالوا أن إبراهيم اختتن وهو ابن ثمانين بالقدوم وهذا غير صحيح في اعتقادنا وحقيقة الأمر إن صح هذا وهو غير صحيح فهذا أصله رواية يهودية فقدوم هي بلدة اسمها كفر قدوم وهي موجودة في نابلس الفلسطينية فإذا صحت هذه الرواية فمعناها أن النبي إبراهيم اختتن في هذه البلدة بلدة كفر قدوم التي تعادل الآن نابلس ولما انتقلت إلى العربية تحولت من بلدة إلى آلة ساطور ولك أن تتخيل المشهد . وأما الرواية الصحيحة فإنها عن الإمام الصادق عليه السلام يقول : ما بعث الله إبراهيم إلا مختونًا وكذلك بعث نبينا محمد .

فبقي نبي الله في فلسطين ينشر التوحيد ووصل عمره إلى حوالي 79 سنة وإلى الآن لم يرزق بولد وزوجته سارة أصغر منه بعشر سنوات يعني في حدود 69 سنة وفي هذا العمر لا يرجى منها الإنجاب . فتصور هذا الصبر منهما وبالذات من إبراهيم الذي وصل عمره إلى 79سنة والاحتمال أن يكون عدم الولد من زوجته ومع ذلك هو صابر ومشغول بالدعوة إلى الله عز وجل بينما نحن إذا تزوج أحد أولادنا ستة أشهر ولم يرزق بولد تقوم قيامة الوالدين لا سيما إذا عرف أن السبب أحد الطرفين ، فإذا كانت السبب هي الزوجة اشتغل والدا الزوج في تحريضه على تطليقها أو الزواج بغيرها أو غير ذلك ، وأما إذا كان العكس فالبلية أعظم ..... اصبروا قليلًا حافظوا على الأسرة لا تهدموا الأسر لأي سبب ، فإبراهيم صبر على زوجته ما يقارب خمسين سنة وأكثر إذا استثنينا سنوات ما قبل الزواج وأيضًا زوجته صبرت عليه . وعادةً في خريف العمر أي رجل يحتاج أن يرى الخلف وكذلك الأم تحتاج أن ترى ابنًا لها فإبراهيم لم يشتكِ ولم يعير وسارة أيضًا لم تشتكَ ولم تعير .

زواج إبراهيم من هاجر :

فاقترحت عليه في موقفٍ أخلاقيٍ نادرٍ أن يتزوج بجاريتها هاجر ووهبتها إليه وهذا موقف أخلاقي استثنائي ( فقد جاءني رجل وقال لي أنا كبير السن ولحيتي بيضاء وأنا متزوج منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم يرزقنا الله الذرية وبحسب التحاليل فإن الإشكال في زوجتي فبمجرد أن أذكر أنني بلغت من العمر عتيًا وأنت امرأة صالحة وطيبة لكنني أحتاج إلى ولد ، تقوم القيامة ولا تقعد حتى قالت لي إذا تتزوج أنا أخرج من البيت فيقول أنا في حالة حيرة لا أستطيع أن أتركها ولا أستطيع أن أصبر أكثر من هذا ) بينما سارة تعطي الفرصة والمجال لزوجها وبالتالي عوضها الله بأن بشرها بإسحاق بعد عشر سنوات من هذه الحادثة . ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) فحين تعطي يعطيك الله فحين تعمل خير تلقى خير أما كلام اعمل خيرًا تلقى شرًا كلامٌ باطلٌ مائة بالمائة وعلى خلاف القرآن الكريم . فالقرآن يقول ( فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره ) فلما واقعها ولدت له إسماعيل ، والقرآن لا يعصم هؤلاء فهي امرأة وترى اهتمام الوالد بالطفل فبطبيعة الحال سيحرص عليه ويجلس معه ويسعد به مهما حاول إخفاء ذلك عنه إلا أنه سيظهر ، وهنا لم تتحمل سارة فقالت له : يا إبراهيم أنا لا أريد أن أظلم هاجر لكني لا أطيق أن أراها أمامي فافصل بيننا . وهنا يتبين رجاحة عقلها وأكثر منه رجاحة عقل إبراهيم ، فإبراهيم خرج من فلسطين إلى مكة المكرمة رغم بعد المسافة في ذلك الوقت حتى يحافظ على الاستقرار العائلي ، فما أعظمها من تضحية وليس مثل بعض الناس الذي يقول هذا ما عندي فمن يريد وإلا فليضرب رأسه بالجدار . فهذه ليست بطولة ، إنما البطولة هي تبتغي مرضات أزواجك يا محمد ، والبطولة أن يخرج إبراهيم ويقطع هذا المشوار البعيد حتى لا ينكد على سارة ولا يحرج هاجر ولا يؤذي مشاعرها .

هاجر وإسماعيل يغادران إلى مكة :

وهنا جاء الأمر الإلهي وهو ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )وذهب إلى مكة المكرمة وهنا مشى مسافات طويلة مع هاجر وطفله الرضيع إلى أن وصلوا إلى صحراء قاحلة لا ضرع ولا زرع ولا ماء ولا كلأ فيها ، فلا يوجد سوى الريح تصفر في ذلك المكان فوصلوا إلى ذلك المكان وأنزلها , فسألته : إلى من تكلنا هنا ؟ قال : أكلكم إلى الله . قالت : ربك أمرك بهذا ؟ قال : بلى . قالت : إذا أمرك ربك بهذا فلن يضيعنا أبدًا . وهذه هي التي استحقت بهذا الموقف أن تصبح جدة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) أما لو كنا في مكانها ماذا سنقول لإبراهيم ؟ ما هذا الكلام اعقلها وتوكل . والله أمرنا بالأسباب ولابد أن تجهز الأمور وتدبر القضايا بالنحو الصحيح ولا تعتمد على هذه الادعاءات حينها سأكون واحد من الذين يدعون اتباع النبي ، لكن هاجر تقول : إذا أمرك ربك بهذا فلن يضيعنا . فهذا المقدار من التوكل والجزم في الإيمان والقدرة الهائلة في اليقين هو أمر في الحقيقة محير . وكان ما كان بعدما نفذ المقدار الذي لديهم من الماء والطعام صارت تصرخ : هل من أنيس ؟ ألا أحدٌ في الوادي ؟ لم تسمع سوى صدى صوتها فصعدت إلى الصفا تتلفت يمينًا وشمالًا فلم تجد أحد ، وانحدرت إلى المروة تتلفت أيضًا لا ماء ولا أحد ولا عمران سبع مرات تسعى دون تعب ولا كلل ، وهذا معنى السعي في الحاجات وإذا بها في الشوط السابع ترى أنه قد تفجر الماء من تحت قدم إسماعيل . وأتم النبي إبراهيم امتحانه في التوكل على الله عز وجل في ترك ابنه الرضيع وزوجته المخلصة في أرضٍ لا زرع ولا ضرع فيها سوى أنه عندما مشى قليلًا التفت إلى الخلف ( رب إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ) ولم يكن غير مبال ونجح في هذا الامتحان ليعود بعد ما يقارب !@ سنة ليؤدي امتحانًا آخر مع إسماعيل ( إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى )

أنا أتعجب من هذه الأسرة الأب يقول هكذا ، والأم تقول إن كان ربك أمرك فلن يضيعنا والابن يقول ( افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) فموقفه ثابت لكنه لا يريد أن يقدم على الله ( ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا إلا أن يشاء الله ) وبالفعل ( ولما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين وفديناه بذبح عظيم ) وهذا امتحانٌ عظيم .

 

مرات العرض: 3460
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2553) حجم الملف: 63802.63 KB
تشغيل:

الخط الناقد للعلماء .. ماله وما عليه 30
بعثة سيد الكائنات ومعراجه السماوي 1