تسبيح الكائنات والذكر اليونسي 6
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/4/1440 هـ
تعريف:

تسبيح الكائنات والذكر اليونسي

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

قال الله العظيم في كتابه الكريم: (( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ))، وفي آية أخرى قوله تعالى: (( وذا النون إذا ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين )).

تناولنا بعض آثار الذكر التي يقولها الإنسان ووصل بنا الحديث إلى موضوع التسبيح، فللتسبيح مركزية عظيمة بين جميع الاذكار فهو محورها وقد نسبت آيات القرآن الكريم التسبيح إلى السماوات والأرض وما فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكننا قد لا نجد هذا التعبير مثلاً موجوداً في التهليل او التحميد، بل وحتى بعض الاذكار الأخرى هي من مظاهر التسبيح كأن يقول: سبح بحمد ربك.

أقسام التسبيح وكيف يكون تسبيح السماوات والأرض وما فيهن كالجمادات والأفلاك والنجوم والشمس والقمر وغيرها:

الوجه الأول: لها نحو تسبيح لكننا لا نفهمه ولا نتعرف عليه أي ان لها لغة أخرى بينها وبين خالقها وهذا ما يظهر من الآية المباركة: (( ولكن لا تفقهون تسبيحهم )).

الوجه الآخر وهو الأقرب: أن التسبيح يعني التنزيه عن النقص فعندما نقول سبحان الله فهذا يعني أننا ننزه الله عن النقص وعن العجز، فهذه الخلائق الأخرى بلسان حالها وكمالها وجمالها وليس بلسان مقالها ولأنها بديعة وقد خلقها الله تعالى في احسن تقدير فإنها تدل من يتأمل فيها على كمال خالقها وعلى عدم نقصه وعدم عجزه، فمن جمال الصنع وكماله يستدل الإنسان على جمال الصانع وكماله.

إذاً فإن التسبيح هو فعل الكائنات جميعاً وحتى الكافر بحسب التعبير الثاني فإنه يسبح بحمد الله أي ان بدنه وعقله ووجوده يسبحون ويدلون على عدم نقص لله تعالى ولذلك فإنه الله تعالى يقول: (( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ))، فالتسبيح هو أول الأذكار وأعظمها وأكبرها كما يقول العلماء ويوجه له القرآن الكريم.

قال الله تعالى عن نبينا يونس عليه السلام: (( لو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ))، نجد هنا أن هذا من الآثار التي يخلقها ويخلفها التسبيح، فحري لمن كان لديه مشكله أو ضيق في نفسه أن يقرأ هذه الآيات التي تحكي لنا عن قصص الأنبياء عليهم السلام وكيف يأتي لهم روح الفرج بعد شدة المضيق كما قال تعالى: (( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ))، (( ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوماً فاسقين ))، (( ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم * ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتها إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ))، (( وايوب إذا نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ))، فيعدد سبحانه وتعالى أشكال النجاة من المشاكل والمتاعب إلى أن يذكر لنا قصة الني يونس عليه السلام والتي هي قضية إعجازية وكيف أن الله تعالى أوحى إلى ذلك الحوت أن لا تكسر له عظماً ولا تنهش له لحماً بل وزوده على أن يكون قابلاً للحياة في ذلك المحيط الذي هو غير قابل للحياة في الحالة الطبيعية، فهنا فزع يونس عليه السلام إلى ربه في الظلمات الثلاث وهي ظلمة الليل وظلمة البحر في أعماقه وظلمة الحوت وقال: (أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )، وهذا ما يسمى بالذكر اليونسي والذي على اختصاره فله جهات ثلاث:

الجهة الاولى: اعتراف بالألوهية عندما قال لا إله إلا أنت.

الجهة الثانية: التوكل المطلق، فإذا افتتح الإنسان يومه بقول: أصبحنا وأصبح الملك لله فلا إله إلا الله ولا معبود ولا خالق ولا قادر إلا الله فإنه يبدأ يومه باللجأ إلى من لا إله غيره وهذه إلتفاتة أيضاً إلى جهة التهليل.

الجهة الثانية: وهي التسبيح عندما قال (سبحانك) أي انا أبرؤك يا رب عن النقص والعجز والظلم فكل ما أصابنا ليس ظلماً منك بل هو من عند أنفسنا، وهذا مقام الإعتراف ولكن عندما نقول ( إني كنت من الظالمين) فمعناها عند النبي يختلف عن معناها عندنا، فنحن يتمشى عندنا الذنب والمعصية فنظلم أنفسنا، ولكن ما ثبت في محله من علم الكلام هو أن النبي والمعصوم لا يتأتى منه المعصية فتحمل هذه الكلمة (إني كنت من الظالمين) وأمثالها على ما لا ينافي عصمتهم.

النتيجة لهذا التسبيح هي: فاستجبناه له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين، فهذا يدل على أنها قضية ليس خاصة بنبي الله يونس وإنما لجميع المؤمنين والغم هنا هو عنوان شامل ولا تعني فقط بأن الله نجاه من الحوت بل النجاة أيضاً من ضيق نفسي قد يكون له سبب أو لا يكون له سبب، فمن كان له ضيق أو مرض أو حاجة أو مشكلة فليقل كل صباح مئة مره هذا الذكر اليونسي: سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين، فهذا ليس خاصاً بالنبي فقط وإنما هو لعموم الناس والمؤمنين ولذلك عندنا في الدعاء الذي ذكره شيخ الطائفة الطوسي في مصباح المتهجد وهو دعاء بعد الصلاة: (اللهم إني أدعوك بما دعاك به عبدك ذو النون إذ ذهب مغاضباً فظن ان لن تقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبت له ونجيته من الغم، فإنه دعاك وهو عبد وأنا أدعوك وأنا عبدك وسألك وهو عبدك وأنا أسألك وأنا عبدك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تستجيب لي كما استجبت له).

مرات العرض: 3377
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2566) حجم الملف: 30409.89 KB
تشغيل:

الأذكار وقصة الأعداد المحددة 4
هل يترتب جزاء الأعمال عليها مباشرة 3