الأذكار وقصة الأعداد المحددة 4
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/4/1440 هـ
تعريف:

الذكر والأعداد المحددة


كتابة الفاضلة أم سيد رضا

قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً))
في الحديث فيما روي عن أهل البيت عليهم السلام عن نبي الله موسى عليه السلام أنه قال: يا ربي إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها، فقال له الله عز وجل: يا موسى اذكرني على كل حال.
والمقصود بالحديث أن النبي موسى عليه السلام يحترز أن يذكر الله في كل مكان كأن لو كان في بيت خلاء مثلاً أو في بعض الأوضاع والكيفيات، فقال له الله ان يذكره على كل حال أي في أي ظرف وفي أي وضع.
في رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث قدسي أن الله تعالى يقول (يا بن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، يا بن آدم اذكرني في خلاء أذكرك في خلاء، يا بن آدم اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملأك)، فذكر الإنسان ربه بشتى أنواع الذكر مؤثر جداً في إيمانه، وهو على حد سائر الأمور التي طلب الله من عباده المؤمنين أن يقوموا بها، كما قال أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فقد قال اذكروني أذكركم وقال أيضاً اذكروا الله كثيراً، وهكذا في آيات القرآن الحاثة على موضوع الذكر.
للذكر آثار كما بينت الآيات المباركة والاحاديث الشريفة، فأولها وأعلاها هو وعد الله عز وجل إذ قال: اذكروني أذكركم، فمن عقوبات الفاسدين والطالحين أن الله تعالى ينساهم كما قال في كتابه: ((نسوا الله فنسيهم))، فالمعنى هنا ليس بالنسيان فالله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، فالله سبحانه وتعالى لا ينسى وإنما يتعامل معهم تعامل المنسي بان لا يرعاهم ولا يهتم بهم ولا يوفقهم ولا يبارك فيهم، بينما ذلك الإنسان الذاكر فقد وعده الله تعالى أن يذكره.
الذكر متعدد ومتنوع مثل:
1 – من قال الحمد لله رب العالمين أربع مرات في اول نهاره فقد أذى شكر ذلك النهار، ومن قالها في ليلته فقد أدى شكر هذه الليلة، ومن قال الحمد لله على كل نعمة كانت أو هي كائنة فقد أدى شكر ما مضى وشكر ما يأتي.
2 – من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً لا إله إلا الله تعبداً ورقاً لا إله إلا الله إيماناً وتصديقاً خمسة عشر مرة فقد فقد نظر الله عز وجل إليه ولم يصرف عنه وجهه، وهذه كناية عن شدة العناية به والرعاية له.
3 – من قال لا إله إلا الله الملك الحق المبين مائة مرة فقد استقرع باب الجنة في الآخرة واعاده الله من الفقر في الدنيا وآنس وحشة قبره.
يأتي السؤال هنا : ماهي حكاية هذه الأعداد؟ وما هي قضية هذا التحديد؟ وهل عندما لا يأتي الإنسان بهذا العدد لا يقبل منه شيئاً؟
الإجابة هي: أنه يوجد عندنا في الشرع واجبات ومستحبات، فالواجبات يكون الأصل فيها هو التقيد بالعدد والكيفية بلا زيادة ولا نقصان، كالصلوات الخمس لها كيفية معينة ولا يجوز الزيادة في عدد ركعاتها ولا يجوز النقيصة فيها فهي مشروطة بعدم الزيادة وعدم النقيصة، وكذلك الطواف والأشواط في الحج أو العمرة لا تقبل فيها الزيادة ولا النقيصة وهذا هو الأصل في الواجبات.
أما بالنسبة للمستحبات فهي على أقسام وسيكون الحديث ملموم ويركز على جهة معينة وهو موضوع الاذكار فالأذكار هي على أقسام، قسم منها يسمى بالأفكار المطلقة وتكون غير مشروطة بزمان أو مكان أو كيفية أو ترتيب معين مثل ذكر الصلاة على محمد وآل محمد ومطلق ذكر الله عز وجل وأغلب الأذكار تكون من هذا النوع.
هناك قسم آخر من الأذكار يكون مربوط بزمان أو مكان أو عدد أو كيفية معينة مثل الدعاء في تعقيبات الصلاة فهذه مستحبات تكون مربوطة بوقت معين وهو بعد الصلوات، وكذلك تسبيحة الزهراء عليها السلام بالإضافة إلى أنها وصفت من الذكر الكثير فهي من المستحبات ولها كيفية وترتيب معين، وكيفيتها هي 34 مرة الله، 33 مره الحمد لله، 33 مره سبحان الله.
فما هي أهمية هذه الأعداد؟ وماذا يحدث لو قام الشخص بإنقاص تلك الأعداد ولم يأتي بها كما هي؟
إذا كان الحديث عن أصل الثواب فأصل الثواب حاصل حتى لو أتيت بذر واحد من ألف ذكر كما قال تعالى: ((وما كان الله ليضيع إيمانكم))، فيجزى الشخص على هذا الذكر الذي أتى به ولكن الآثار التي تترتب على خصوص تسبيحة الزهراء فليس بالضرورة أنها تترتب.
مثلاً: ذكر لا إله إلا الله الحق المبين من قالها مائة مرة فإنه يستقرع باب الجنة ويعيده الله من الفقر ويؤنس وحشة قبره. فهذه الآثار ليست بالضرورة أنها كلها تتحقق لو أتى الإنسان بنصف ذلك المقدار.
فمثلاً لو افترضنا ان هناك مسجد ما وهذا المسجد له باب وهذا الباب به قفل، مفتاح ذلك القفل له أسنان محددة في العدد والكيفية، وهذا الباب يفتح بالمفتاح ذو الأسنان المحددة والكيفية المحددة، فلو أن إنسان جاء بمفتاح ما عدد أسنانه تختلف عن العدد المحدد فإنه لا يفتح وكذلك لو جاء بمفتاح له نفس عدد الأسنان ولكن كيفيته تختلف فلا يفتح أيضاً.
فكأن مواعيد الله سبحانه وتعالى كنوز وهذه الكنوز لها مفتاح خاص بعدد معين وبكيفية معينة، وهذا لا يعني أن الشخص لا يثاب لو أتى بأقل من عدد الذكر المحدد، إنه يثاب بقدر ما يأتي به من الذكر ولكن ذلك الأثر الخاص لا يترتب لا بمقدار ما يأتي بهذا العدد المحدد.
إضافة إلى ذلك فإن أثرها في النفس قد يكون مربوط بعدد معين، فعندما يقول الإنسان في تسبيحة الزهراء الله أكبر 34 مرة ويبدأ بالتكبير ثم التحميد ثم التسبيح فإن النفس الإنسانية والقلب والجوارح بما يمر بها من آثام وذنوب ونظرات محرمة وغيبة وملوثات أخرى للنفس، فتغسيلها مرة واحدة قد لا يكون نافعاً ويحتاج لغسل تلك النفس الإنسانية مقدار خاص من الذكر، فو استخدم الإنسان الأعداد المحددة من الذكر فإنه سيقوم بتزكية وتطهير نفسه وما بداخله.
وذلك كما لو أن لدى الإنسان ثوباً ويريد أن يغسله فإن غسل ذلك الثوب بالماء مره واحدة يختلف عن غسل نفس الثوب بالماء عشر مرات، فإنه يختلف من حيث نظافته ونقاءه، فكلما زاد عدد الغسل كانت نظافة ذلك الثوب أفضل مما سبق.
فالأعداد المحددة والمقادير المحددة من الذكر التي يحتاجها الإنسان لتغسيل وتطهير نفسه لا يعلمها إلا خالق تلك النفس الإنسانية، وكذلك موضوع التقديم والتأخير فإن له أثركما يقول بعض العلماء كالبدء بالتكبير ثم التحميد ثم التسبيح.
لو استطاع الإنسان أن يكون دائم الدكر فهذا ليس بأمر عسير، كما أن الناس في هذا الزمان ينشغلون بالأجهزة الذكية وتملأ أكثر أوقاتهم وقد يكون فيما يفيدهم، ولكن لا يمنع أن ينشغل الإنسان بالذكر في بعض الأوقات أيضاً كأثناء قيادته للسيارة ويلزم الذكر أثناء القيادة فيما لذلك أثر في حفظ الله ورعايته للإنسان، ولذلك ينبغي للإنسان أن يقوم بتبديل تلك القصية وهي قضية الإنشغال بالأجهزة والألعاب الإلكترونية الغير مفيدة ويصبح مشغولاً بالذكر ويرطب لسانه بذكر الله والتفكر في أمره، فالمطلوب من الإنسان أيضاً أنه حتى لو لم ينطق فيلزمه التفكر في أمر الله عز وجل.
هناك حديث جميل مروي عن طريق مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت عليهم السلام، ففي طريق مدرسة الخلفاء ذكره الطبراني وقد نقله عن صاحب كتاب الشفاء بحقوق المصطفى عن أبي بن كعب وهو واحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الخلص وقد كان سيد القراء بلا منازع وعلى الخط السليم لم يغير ولم يبدل، فعنه أنه قال للرسول صلى الله عليه وآله: يا رسول الله إني أكثر من الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ (ومعنى ذلك أن أبي بن كعب لديه مقدار من الوقت للتعبد فكم أجعل من ذلك الوقت لأصلي عليك؟ فقال رسول الله: ما شئت، قال : الربع؟، قال النبي محمد: ما شئت وإن زدت فهو خير، فقال: الثلث؟ قال النبي: ما شئت وإن زدت فهو خير، فقال: النصف؟ قال النبي: ما شئت وإن زدت فهو خير، فقال: الثلثين؟ قال النبي: ما شئت وإن زدت فهو خير، فقال: يا رسول الله فأجعل صلاتي لك كلها؟ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذاً يكفى همك ويغفر ذنبك.
وفي مصادرنا نفس الخبر في الكافي فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني أجعل لك ثلت صلواتي، لا بل أجعل لك نصف صلواتي، لا بل أجعل لك كلها، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إذاً تكفى مؤونة الدنيا والآخرة، فقال رجل لأبي عبد الله: أصلحك الله كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبي عبد الله عليه السلام: لا يسأل الله شيئاً إلا بدأه بالصلاة على محمد وآل محمد.
جعلنا الله من الذاكرين لله ولمحمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3435
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2573) حجم الملف: 32473.11 KB
تشغيل:

آثار الذكر والتسبيح 5
تسبيح الكائنات والذكر اليونسي 6