آثار الذكر والتسبيح 5
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/4/1440 هـ
تعريف:

آثار الذكر والتسبيح

تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال

لا يزال حديثنا في موضوع ثواب الأعمال، وعقاب الأعمال، وحديثنا هذا اليوم، يتناول عنوان آثار ذكر الله، والتسبيح. في الآية المباركة، بسم الله الرحمن الرحيم: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة وأصيلا، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما).

في ذيل هذه الآية المباركة، نجد رواية من جملة الروايات، تروى عن الإمام الصادق (ع)، كما ذكر ذلك الشيخ الكليني، أعلى الله مقامه، في كتابه الكافي، أن الله سبحانه وتعالى: "فرض الله الفرائض، فمن أداهن فهو أحدهن"، فرض الله فرائض، هذه الفرائض متى ما أداها الإنسان، بلغ حدها. خمس صلوات في اليوم والليلة، من أداها، بلغ حد الفريضة، ما كو شيء وراء ذلك. "وشهر رمضان، فمن صامه فهو"، الذي يصوم شهر رمضان، 29 يوما، أو 30 يوم، فحده ذلك في الصيام الفريضة، والحج، "فمن حج فقد بلغ حده"، مرة واحدة، إذا حجها الإنسان، خلاص، هذي نهاية الفريضة. "إلا الذكر، فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل حدا ينتهي إليه"، ما قال مثلا: 1000، 10000، 100000، وإنما قال: (ذكرا كثيرا)، بلا حد. ثم تلا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا. وسبحوه بكرة)، يعني في الصباح، (وأصيلا)، الأصيل: هو العصر، كلما اقترب من المغرب.

في الآية المباركة، إذا لاحظنا، سوف نرى أولا أمر بالذكر مطلقا، ذكر، قد يكون تهليلا: لا إله إلا الله، وقد يكون تكبيرا: الله أكبر، وقد يكون تحميدا: الحمد لله، وقد يكون تسبيحا: سبحان الله. وقد يكون غير ذلك. مثل: أستغفر الله، أستعين بالله، أتوكل على الله، أنحاء الذكر متعددة.

لكننا نلحظ هنا، أنه خصص التسبيح بالذكر، (اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا)، مع أن التسبيح جزء من الذكر إلا أنه أفرده بالأمر، ما قال مثلا: وهللوه، بكرة وأصيلا. في أماكن معينة: (فسبح بحمد ربك)، الحمد مضاف إلى التسبيح. لكن التسبيح، عبادة من العبادات الدائمة، بكرة، أصيل، كما سيأتي بعد قليل عند تتبع بعض الآيات الواردة فيما يرتبط بها.

ثم يعقب القرآن الكريم، يقول: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) اللهم صل على محمد وآل محمد، (ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما)، قد يكون هذه الآية المباركة، نتيجة وقد تكون مقدمة. نتيجة، بمعنى: أنه أنتم إذا ذكرتم الله ذكرا كثيرا، وسبحتموه بكرة وأصيلا، ينتج عن ذلك أن يصلي عليكم. وبالتالي سيخرجكم من الظلمات إلى النور. زين إذا إنسان، يقول لك: أنا إنسان مسلم، مؤمن، كيف في الظلمات؟ بلى، الظلمات، درجات. أكو ظلمة قاتمة، ظلمة الشرك، هذي ما فوقها ظلمة. بعد ذلك، أكو دونها ظلمات، مثل: ظلمة الشهوة وسيطرتها، أنا، وربما أنت، ليس عندنا ظلمة الشرك، ولكن عندنا ظلمة النفس الأمارة بالسوء. عندنا ظلمة متابعة الشهوة والهوى، عندنا ظلمة متابعة الغضب والانفعال، عندنا ظلمة متابعة البخل وشح النفس، وقد أوضحنا بعض ذلك ما سبق من أحاديث الأمراض الأخلاقية.

فالإنسان، يبقى بالتالي عنده ظلمات، لكن بالنسبة وبالمقدار الأقل، كلما سبح الله، كلما ذكر الله، خرج من ظلمة ليدخل إلى نور، بفضل صلاة الله عليه. إذن، هذا قول، بأن هذه الآية المباركة، هي نتيجة: (ليخرجكم من الظلمات إلى النور)، نتيجة ذكركم، نتيجة تسبيحكم، أن الله سبحانه وتعالى يخرجكم من الظلمات إلى النور، هذا فهم إلها، قد يكون فهم بشكل آخر، أنه لا، هذا من باب ذكر السبب، بعد ذكر النتيجة، لماذا كنتم، تذكرون الله ذكرا كثيرا، تسبحوه بكرة وأصيلا، لأنه صلى عليكم وأخرجكم من الظلمات إلى النور.

ذكر الله، لا يتيسر لكل أحد، ما يجي عفوي، وإنما هو مرتبة من المراتب، (الذاكرين الله كثيرا والذاكرات)، (ولذكر الله أكبر)، (وأقم الصلاة لذكري)، هذي مراتب، ما تحصل عفوية، وإنما تحتاج إلى توفيق من الله، إلى صلاة من الله على هذا الإنسان، إلى تزكية من الله لهذا الإنسان، يخرجه من ظلمة الغفلة إلى نور الذكر، ومن ظلمة الشهوة إلى نور البصيرة، وهكذا. فيحتمل هذا ويحتمل ذاك.

إذن، الآية المباركة، بضميمة التفسير وإشارة الرواية، تقول: أن الله سبحانه وتعالى، جعل الفرائض بحدود معينة، بينما بالنسبة إلى الذكر لم يجعل له حدا، وإنما هو بلا نهاية، ما دمت على قيد الحياة، وتستطيع أن تذكر ربك، فافعل، بكرة وأصيلا، صبحا، مساء، على أي نحو كنت فيه.

هناك سؤال ربما يطرح ويذكر، وقد ذكره بعض الأخوة الأفاضل، وأحببنا الإشارة إليه، أنه: لماذا يكون الخطاب الديني، قائما على الحالة التجارية بين الإنسان، وبين ربه؟ يعني شنو قائم على الحالة التجارية؟ يعني يقول له مثلا: من قال لا إله إلا الله الملك الحق المبين، أعاذه الله من الفقر، آنس وحشة قبره، قرع باب الجنة، كأنما سوي هذا الشيء، حتى نعطيك، في مقابله كذا وكذا من الحسنات. من قال: الحمد لله رب العالمين، أربع مرات في يومه، فقد أدى شكر ذلك اليوم، قالها في ليلته، أدى شكر تلك الليلة. هذا كأنما سلم واستلم. سوي الشيء، وهذا الأجر ماله. أليس الأفضل، بدل هذا، أن يصير توجيه، إلى قضية حب الله، واستحقاق الله للذكر، مثلما ورد فيما نسب إلى أمير المؤمنين (ع)، في نهج البلاغة: "إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوه رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوه حبا فتلك عبادة الأحرار"، مو الأفضل، أن نوجه في خطابانا الديني وأن توجه الآيات، وأن توجه الآيات والروايات، الناس إلى أن الله مستحق لهذا الذكر، بغض النظر عن ويش يعطيك. بغض النظر عن مكافأته إياك بالدرجات العاليات في الجنة، وبالتوفيق في هذه الدنيا، المفروض يعطي جهة أن الله يذكر لأنه يستحق أن يذكر، يحمد لأنه العبد ينبغي أن يكون محبا لربه، هذا أفضل.

والجواب هنا طويل، لكن نكتفي منه بمقدار، حاصل ذلك المقدار، هو أن: الخطاب والتوجيه تارة يكون لخاصة العباد، وكبار العقلاء، ووعاة العلماء، فيصير الكلام هكذا، فعلا. فئة من الناس تعبد الله حبا في الله، تراه مستحقا للعبادة، وترى كل عمل تقوم به تجاه ربها، لم يصل إلى ما يستحقه الله، لكن هذا كم في الألف، أو كم في المليون؟ أكثر الناس، ولا سيما من عامة الناس، يعني المستوى المتوسط في الناس، وبالذات في قضايا المستحبات، هؤلاء يحتاجون إلى ترغيب وتحفيز وباعث وعادة الإنسان يحب جلب الخير لنفسه، إما دنيوية، هذه المنافع، وإما أخروية.

الآن، أنت لما تتحدث مع جماعة، اللي يروح إلى فلان مكان، رح يحصل كذا من الأموال، واللي يبقى في هذا المكان، من الممكن يكون هناك خطر عليه، هذا في البعث إلى ذلك المكان، أكثر مما لو قلت: أنه إذا ذهبت إلى ذلك المكان ربما يحصل شيء حس، مو إلك، إلى غيرك. عادة الإنسان يجر النفع إلى نفسه، ولا ريب أن المستحبات وهي كثيرة، تستغرق شيئا من الوقت، ومن الجهد، فتحتاج إلى ترغيب، خصوصا وأنها ليست واجبة. احنا نجد حتى في الواجبات، قسم من الناس، لا يتحركون إليها، فكيف بالمستحبات.

نعم، هناك فئة من خاصة العباد، من خلص الخلق، من العلماء بالله، علماء مو يعني، ناس معممين، لا، العالم بالله عز وجل وبحقه على العبد، فعلا قسم من هؤلاء، يتحركون باتجاه عبادتهم حبا ولكن ما أندر هؤلاء وما أقلهم. وإلا، توجيه ما دام لعموم البشر، عموم البشر مفطورون على جلب النفع إلى أنفسهم ودفع الضرر عنها، هذي فطرة كل إنسان. فإذا قلنا: أصل الجنة، أنت اعبد الله، لاستحقاق الله للعبادة، أما سالفة جنة، مو معلوم توصل فيها، كم من الناس سيذهبون وراء العبادة؟ نسبة قليلة. أنت لا تعصي الله بالمعاصي الكذائية، نار ماكو. ولكن ليس من المناسب ن تفعل هذه الأفعال، الله ما يستاهل أن تعصيه، قسم قليل من لناس، يكتفون بهذا المقدار، إنما الوعيد على المعاصي والثواب على الواجبات والمستحبات، يشكلان دافعين باتجاه العبادة. نرجع إلى موضوع آثار الذكر لله بعد الصلاة على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد.

آثار الذكر، كما تحدثنا عنها القرآن الكريم، والذكر ذكران: ذكر لفظي وذكر قلبي. الذكر القلبي: هو أن الإنسان، يستحر وجود الله كناظر إليه، (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم)، فعلوا فاحشة، ظلموا أنفسهم، هناك، قبل ما يبدأ بالاستغفار، تذكر الله، وتذكر موقفه بين يدي الله، فانبعث بعد ذلك، نحو الاستغفار. هذا ذكر قلبي. قلب الإنسان يتذكر ربه. نعمة حصل عليها، قبل ما يقول الحمد لله، هو في داخل نفسه، يشعر بالامتنان، لذلك أحيانا تشوف، أول شي يتذكر بعد ذلك، (وقالوا الحمد لله رب العالمين)، كأنما هذه كلمة: الحمد لله رب العالمين، تعبير عما في داخلهم من ذكر نعمة الله عز ولج. وهذا النحو من الذكر عظيم الآثار.

في النعمة، إذا تذكر الإنسان، قبل المعصية إذا تذكر الإنسان، قبل الغضب إذا تذكر الإنسان، قبل الظلم إذا تذكر الإنسان، فقد جعل بينه وبين تلك الأمور، حاجزا وهو ذكر الله عز وجل. والذكر الثاني، هو ذكر اللسان، الذكر اللفظي، في القرآن الكريم، عندنا آيات كثيرة، نورد منها آيتين، الآية المباركة، ما قاله الله سبحانه وتعالى من أثر ذكر الله في اطمئنان القلب: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). يواجه الإنسان، مصاعب، مخاطر، مشاكل، مستقبل مظلم، تخوفات، مواعيد، صعبة يعدها الشيطان، الإنسان، دائما، الإنسان، هدف من أهداف الشيطان، يهول قدامه الأمور، شايف قسم من الناس، عندهم مبالغة في هذا الأمر، نظرته السوداوية باستمرار، دائما هو يتوقع الجانب السيء، حتى في الحسن يرى سوءا، حتى في النعمة يراها مقدمة نقمة، وهذا كله من آثار الشيطان.

وأكو قسم آخر، لا، يقاومون هالتوجه، حتى بعبارات بسيطة، إذا قال لك: كذا صار، كذا عمل، كذا حصل، هالمشكلة قدامنا، إفلاس بيصير، ما أدري كذا رح يحصل، يقول لك: الله موجود. بمجرد أن يقول لك الله موجود، هذا يعني أنه مقتنع بأن الله صمام أمان حسب التعبير، إن صح، لكل ما حول هذا الإنسان، من مشاكل وأمور. (وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

أثر آخر: أنك تكون مذكورا من قبل الله عز وجل، أنت لا تذكر الله فقط، وإنما تصنع شيئا تجعل الله يذكرك، وإذا ذكرت من قبل الله، فأنت في رحاب نعمته، (فاذكروني أذكركم). اذكروني بقلوبكم، أو حتى باللسان، أيضا، إذا كنت متوجها إليه، في خصوص التسبيح، حيث جاء في الآية المباركة، (وسبحوه بكرة وأصيلا)، حديث طويل، لكن أنا أشير إلى موارد.

المورد الأول: ما ربط القرآن الكريم، بين الخلاص، والنجاة وبين التسبيح، في قضية يونس. في قضية الحوت، قال: (فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)، في إشارة إلى قول يونس، (سبحانك إني كنت من الظالمين)، (أن لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وهذا اللي يسمونه الذكر اليونسي، وعند من هم في هذا الاتجاه الروحي، يتحدثون عن أن هذا الذكر، المعروف بالذكر اليونسي، له آثار كبيرة جدا، وعندنا في مقاطع من الأدعية، بس هذا: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين"، "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المكبرين"، "إني كنت من المهللين"، "إني كنت من الحامدين"، "إني كنت من المذنبين"، دعاء طويل، بس صفات، لأن هذا يشتمل على ذكر الله، بالتهليل، وعلى تسبيحه، وعلى اعتراف العبد بموقعه الخاطئ. هذا بالنسبة إلى نبي الله يونس.

وكانت نتيجة ذلك التسبيح، أن خرج من سجن بطن الحوت. بعض المفسرين والعلماء، يقولون: ليس معلوما أن القضية خاصة بنبي الله يونس، وإنما هي أيضا، تشمل غيره. إنسان، على سبيل المثال، في السجن، معتقل، مأسور، يقول العلماء: انصحه بقراءة هذا الذكر، الذي قرأه نبي الله يونس، والإكثار منه ما استطاع، لأن هذا الذكر الذي قرأه نبي من الأنبياء، فكانت نتيجته، أن فرج الله عنه، لن يكون الله بخيلا عن غيره عندما يقرأه، فلا يفرج الله عنه، بل أكثر من هذا، حتى إذا إنسان، مو مسجون، وإنما ضاقت به الحياة، ناس يتكلمون عليه، أعداء عنده كثيرون، مشاكل نفسية، أزمات داخلية عنده، تحاصره من كل مكان، انصحه بالتسبيح، القرآن الكريم، في آيتين، يقول: (ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون) يخاطب نبينا محمد (ص)، أنت تؤذى، طبعا مو أذى بدني، "ما أوذي نبي مثلما أوذيت"، الأذى النفسي أعظم من الأذى البدني، يضيق نفسك بما يقولون، زين، ماذا أصنع أنا؟ يقول: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين)، فإذا إنسان سجد لربه وسبح الله وحمد الله في ثناء سجوده، حصل على هذا، علاج: يضيق صدرك بما يقولون، هو هذا الأمر. في آية أخرى يقول: (فاصبر على ما يقولون. وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار)، ليش؟ (لعلك ترضى)، يقولون أشياء شيئة، حرب، إشاعات، صعبة عليك، اتهامات كثيرة، طعن فيك، فإذن ماذا تصنع؟ (سبح بحمد ربك) أوقات مختلفة من النهار والليل، والنتيجة: لعلك ترضى، تصبح ذا نفس راضية لا تؤثر فيها هذه الأمور.

التسبيح هو فعل خاصة الأولياء، (في بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه)، ماذا يصنع فيها؟ يسبح له في هذه البيوت من قبل أولئك الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.

هناك عدة آثار للتسبيح، ذكرت في القرآن وذكرت في الروايات، نتحدث عنها إن شاء الله في وقت آخر، تتمة لها، وصلى الله على محمد وآل الطاهرين.

مرات العرض: 3374
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2564) حجم الملف: 29098.13 KB
تشغيل:

لماذا عقاب الأعمال طويل المدة شديد الكيفية ؟ 3
الأذكار وقصة الأعداد المحددة 4