عن عصر الامام محمد الجواد ودوره
التاريخ: 11/3/1438 هـ
تعريف:

عن عصر الامام الجواد ودوره


تفريغ نصي الفاضلة أم ضياء

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف  الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وعلى ال بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين
السلام عليكم ايها الاخوة المؤمنون ورحمة الله  وبركاته


حديثنا هذا اليوم بحسب مناسبته يتناول بعض الجوانب من سيرة الامام  التاسع  من ائمة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم  ابي جعفر الثاني محمد ابن علياً الجواد صلوات الله عليه  وعلى أبائه وأبناءه  ولسنا بحاجة  الى التأكيد  على اهمية الاطلاع  على حياة المعصومين  عليهم السلام باعتبارهم الصفوة التي  اصطفى الله سبحانه وتعالى والنخبة التي انتخبها للبشر لكي  يجسد لنا سبحانه وتعالى مبادئه  وتعاليمه  في صورة بشر فهذا  نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله عندما يوصف بأنه كان خلقه القرآن. أي القرآن  المتجسد والمتحرك والمتشخص في مبادئه  في اخلاقه  في افاقه هو رسول الله  صلى الله عليه  واله  وهكذا ايضاً  ورد في وصفه امير المؤمنين عليه السلام  حيث  عبرت الروايات عنه بأنه  القرآن  الناطق  وسبيل  سائر  الائمة عليهم السلام هو نفس هذا السبيل  لذلك  يحتاج الانسان المؤمن  بل الانسان  عموماً  ان يطلع  على هذه  السير  الناصعة  من هذا الباب  نتعرض  الى بعض  شؤون  الامام الجواد  محمد صلوات الله  وسلامه  عليه  ولو على سبيل  الاختصار  لمعرفة  ابعاد أدوار الامام
لابد من الاطلاع ايضاً زمانه وعصره  وذلك لان ادوار ائمة اهل البيت  عليهم  السلام  فيها نقاط مشتركة كثيرة وفيها  نقاط مختصة  متحركة  النقاط المختصة ترتبط  غالباً بالوضع  الذي عاشه الامام  بالعصر الذي عاش فيه  الامام عليه السلام فهذا  عصر يقتضي هذا الاسلوب وذلك عصر يقتضي اسلوباً اخر  .

ولادة الامام عليه السلام
امامنا الجواد عليه السلام كما هو المعروف كانت ولادته  المباركة  سنة ١٩٥ هجرية  في شهر رجب  على الاصح كما  يشير  اليه الدعاء  المروي  اللهم  اني اسألك بالمولودين  في رجب  محمد ابن علي الثاني  يعني الجواد  لان محمد  ابن علياً  الاول هو الباقر  ومن الطريف أن كليهما يكنيان بأبي جعفر  محمد ابن علي الباقر  كنيته  ابو جعفر  ومحمد  ابن علي الجواد  ايضاً  كنيته  ابو جعفر  تشابه  في الاسم . واسم  الاب  وفي الكنية  ايضاً
فولادته  كانت  في هذه السنة وجاء صلوت الله وسلامه عليه  متأخراً  للامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه  وقد ذكرنا  في سنة مضت  لماذا سمي لماذا قال الامام الرضا عليه السلام
 عن ولادة الامام الجواد وانها  اعظم بركة  في الاسلام  وفي بعض  الروايات على موالينا وبين  ان ذلك بشكل مختصر  نشير  اليه  الان  .
 ولادة  الامام الجواد عليه السلام  ثبتت امامة الامام الرضا  ورفعت عنها الشبهات  وستثبت ايضاً امامة الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف والامام  الهادي والامام العسكري  على تفصيل  ذكرناه فلذلك كانت اعظم الولادات بركة في الاسلام  وكما قال الامام الرضا  سلام الله عليه .
شهادته كانت  في سنة ٢٢٠ هجرية  في زمان المعتصم  العباسي بإيعاز من المعتصم  لام الفضل  ابنت اخيه المأمون  حيث على المشهور  في الرواية  حيث دست له السم  واستشهد  الامام عليه السلام  عن عمر كان يناهز  الخامسة والعشرين  فقط  وهو بهذا يكون اصغر الائمة واقلهم عمراً صلوات  الله وسلامه عليه .
ومن العجيب  انه في خلال هذه الفترة  ترك لنا من  الروايات والاحاديث ما ينوف على الف حديث بعضها مفصلً جداً وفي مختلف الابواب في ابواب العقائد  في ابواب صفات الله  عز وجل  وتنزيهه بدأ من هذا  الى تفاصيل الاحكام  والتي  وردت وقد جمعها  العلامة السيد محمد  الحسيني القزويني في كتاب قيم اسماه موسوعة الامام الجواد في مجلدين  وتلك  الاحاديث  منها ما هو قليل  النظير مثلاً  فيما يرتبط  بموضوع  الخمس في ارباح المكاسب وكل العلماء يعتمدون  اعتماداً  رئيسياً على رواية مفصلة  معتبرة  السند رواها  علي ابن مهزيار  الاهوازي  وهو احد اصحاب الامام عليه السلام عنه وما من  باحث في موضوع الخمس في ارباح المكاسب على طبق المذهب الامامي الا وهو محتاج الى هذه الرواية المفصلة ولا يوجد لها مثيل في تفصيلها  وفي تناولها مختلف جهات الخمس .
طبعاً موضوع الخمس  في ارباح المكاسب  كما تعلمون  هو محل جدل  ولا سيما  في الفترات الاخيرة  وربما نشير اليه في محاضرة خاصة  لطول الموضوع  المهم هناك اكثر من الف حديث وقضية مرتبطة بالامام الجواد عليه السلام  رواها  ونقلها  اصحابه والرواة عنه  وجمعها صاحب كتاب موسوعة الامام الجواد عليه السلام بدأ من ابواب العقائد  وانتهاءاً بالفروع الفقهية  الى ابواب الحج  وبعضها شكل قواعد  فقهية  وفرق بين حديث  في موضوع جزئي وبين حديث ينتهي الى رسم قاعدة فقهية .


  عاش فيه  عاش الامام الجواد عليه السلام في عصرين  العصر الاول عصر المأمون العباسي عاصره الامام الرضا سلام الله عليه  الى سنة  ٢٠٣ هجرية  حيث  استشهد الامام الرضا وقام بالخلافة  بعد ذلك الامام الجواد سلام الله عليه  وبقي الامام  الجواد في زمان المأمون  العباسي  ٢١٨ هجرية يعني قريب من ١٥ سنة  من ٢٠٣ الى ٢١٨ للهجرة    اللي كانت  ٢١٨ وفاة  المأمون  واستقلال  المعتصم  بأمر الحكومة  والخلافة بصورة عامة  الاوضاع بين الحكم العباسي  وبين الامام الجواد سلام الله عليه  في زمان المأمون  لم تكن  متشنجة  جداً  .
في بدية  الامر  عندما المأمون قرب الامام الجواد  واعلى من منزلته  واستقطبه  اليه  اثار هذا ضجة في  وسط الحاشية والبلاط  العباسي  واسرة بني العباس  وكأن لسان حالهم  يقول متى  خلصنا  من علي  ابن موسى الرضا  اللي كان مقربا وعهد اليه بولاية العهد الان نتورط مع ابنه  مع لا يزال صغير  السن  .فحاولوا كثيراً في ان يثنوا المأمون عن مثل هذا التقريب والاهتمام  وشخصية المأمون تحتاج الى دراسة مستقلة  لا ريب انه كان اذكى بني  العباس قاطبة وهذا  بإقرار كثير من الدارسين والباحثين في تاريخ الدولة العباسية  وكان ايضاً مطلعاً وعالماً مثقفاً طبعاً  في الموضوع السياسي  يحتاج الى بحث مفصل  انه كيف مع مثلاً معرفته بفضيلة امير المؤمنين عليه السلام وهو كان يناظر بني العباس في حق امير المؤمنين عليه السلام  ويغلب من يخالفه  في ذلك وهو منقول  وثابت من طرق الشيعة  وغيرهم .
كان عنده قدرة عقلية  وفكرية ونظرية قوية .. مع هذا كيف ارتكب مع الامام الرضا عليه السلام ما ارتكب  من سمه اياه بناءاً على المشهور وكيف لم يكن  جادا حقيقة في تسليم الحكم الى الامام الرضا عليه السلام هذا يحتاج الى  بحث خاص في شخصية المأمون  لكن بشكل  اجمالي قال المأمون  لبني العباس  اذا عندكم مشكلة معه هذا هو أمامكم  امتحنوه فجرت له عدة  مجالس احدها كان مع القاضي يحيى بن اكثم .
 بعد هذه الفترة لم يشهد توتراً وتشنجاً بين الامام الجواد عليه السلام  واتباعه  وبين الخلافة العباسية  بالرغم من  انه حدثت  ثورات من العلويين  لكن كأنما كان محسوبة  خارج اطار الامام الجواد عليه السلام  استمر هذا كما قلنا  الى حدود سنة ٢١٨  جاء محمد المعتصم ابن هارون الرشيد  وهذا غيّر المعادلة تماماً نظراً لصفاته  الخاصة فقد كان ضعيفاً علمياً  للغاية جداً بل كان بليدا في هذه الجهة على خلاف أخيه المأمون تماما .وقد يكون من أسباب ذلك أو آثاره أنه اهتم بالتوجهات العسكرية .. وقد فهم  ذلك معاصره أبو تمام الطائي حين خاطبه في قصيدته  بما يناسب شخصيته  مدحاً فقال السيف اصدق  أنباءاً  من الكتب  في حده  الحد بين الجد  واللعب
 ونعتقد أنه قد غشه في النصح وإلا فالمعروف وهو الصحيح أن : الرأي قبل شجاعة الشجعان  هذا الرأي  واما العلم  فيرفع الله  الذين  امنوا منكم  والذين أتوا العلم  درجات ..وضمن هذا فقد شكل ميليشيا في اول بادرة في تاريخ  المسلمين  خليفة يصنع له مليشيا فجاء بالاتراك ـ وكانت أمه تركية ـ باعتبار أنه يثق بهم اكثر مما يثق بالعرب.
فذهب واستورد الصقالبة  والشراكسة  والاتراك  من مختلف الاماكن الى بغداد  الى ان صاروا ١٨ الف واحد  واجرى عليهم العطاءات والارزاق  وهؤلاء لم تكن لغتهم  تتفق مع لغة الناس ولا ثقافتهم  وعاداتهم  وهم لا يعرفون شيئا غير المعتصم  واي شخص يعارض يدوسونه  حتى ضاق الناس بهم في بغداد فانتقل معهم الى سامراء اللي عرفت  بالعسكر اساس تسميتها نسب اليها الامام العسكري  نسبة  اليها .
بالاضافة إلى ذلك فقد كان المعتصم شديدا وقاسيا فقد نمي اليه وأخبر ان اخاه العباس ابن هارون الرشيد  قد تآمر مع قائد عسكري  اسمه عجيف  ابن عنبسة  قضى على ثورة  يسمونها ثورة الزط  حصلت في جنوب  الاهواز منطقة  الاهواز  وجنوب البصرة  واستمرت من ايام المأمون الى بدايات عهد المعتصم ارسل اليهم  هذا القائد  العسكري  العربي  عجيف  ابن عنبسة  واستطاع  ان يقضي  عليهم  ..فباعتقاده أنهم تآمروا عليه ، أقدم على قتل عمه العباس وعجيف وجميع من كان حولهم ، كل واحد بقتلة لم يقتل الآخر بمثلها !! عاصر الإمام الجواد هذه الشخصية القاسية  مدة سنتين  يعني من سنة ٢١٨  التي تولى فيها الحكم  الى سنة ٢٢٠  هـ حيث استشهد فيها الامام الجواد عليه السلام
ونفس  استشهاد الامام الجواد عليه السلام  فيه علامة  على شراسة المعتصم فبينما استمرت حياة الامام مع المأمون  من  سنة ٢٠٣ الى ٢١٨  يعني ١٥ سنة تقريباً بينما هذا (المعتصم ) لم يستمر معه سنتين .. في إحداها كان ما سمي  بمعركة  عمورية  والتي احتوت على مبالغات كبيرة ، وتلميع تاريخي من كتاب السلاطين ولا سيما ( وامعتصماه ) .. مع أن هناك نقاشا في أصل ثبوتها في دلالاتها .
هذا مع أن الامام الجواد  عليه السلام  كان كثير الملاحظة  للوضع السياسي ، فيجتنب كل ما كان يثير السلطان إلى الدرجة التي رأيناه فيها يأمر الشيعة أن يتوقفوا عن جلب الاخماس إليه ، ويعفيهم في تلك السنة منها ( سنة 220 هـ  والتي صرح في الرواية بها ) ، ولعل ذلك بسبب شدة احتقان الوضع السياسي . 
 وقد احسن الشاعر  الشيعي  المعروف دعبل  الخزاعي  والذي استشهد قتلا  بزجٍ مسموم ( سنة 220 ) ، دبرت له عملية اغتيال  وهو في الاهواز.. ولم يعثر على  من رمى بالزجٍ  ! كان له موقف  صريح في حق المعتصم  لما كان  يراه من عنف وقسوة فكان يقول دعبل
   وقام امام لم يكن  ذا هداية          وليس له دين وليس له لب
   ملوك  بني العباس  في الكتب  سبعة  ولم تاتنا عن ثامن منهم الكتب
  كذلك اهل الكهف في الكهف  سبعة    كرام اذا عدوا وثامنهم كلب
 واني لأعلي  كلبهم عنك  رفعة  فإنك  ذو ذنبٍ  وليس له ذنب
  من دعائه صلوات الله وسلامه عليه :
( اللهم أنت الأول بلا أولية معدودة ، والاخر بلا آخرية محدودة ، أنشأتنا لا لعلة اقتسارا ، واخترعتنا لا لحاجة اقتدارا ، وابتدعتنا بحكمتك اختيارا ، وبلوتنا بأمرك ونهيك اختبارا ، وأيدتنا بالآلات ، ومنحتنا بالأدوات ، وكلفتنا الطاقة ، وجشمتنا الطاعة . فأمرت تخييرا ، ونهيت تحذيرا ، وخولت كثيرا ، وسألت يسيرا ، فعصى أمرك فحلمت ، وجهل قدرك فتكرمت . فأنت رب العزة والبهاء ، والعظمة والكبرياء ، والإحسان والنعماء ، والمن والآلاء ، والمنح والعطاء ، والانجاز والوفاء ، ولا تحيط القلوب لك بكنه ، ولا تدرك الأوهام لك صفة ، ولا يشبهك شئ من خلقك ، ولا يمثل بك شئ من صنعتك . تباركت أن تحس أو تمس ، أو تدركك الحواس الخمس ، وأنى يدرك مخلوق خالقه . وتعاليت يا الهى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .)
إن القنوت عادة دعاء  مستحب  يطلب فيه الانسان حاجاته ، كالمغفرة في الآخرة للانسان ووالديه ، والرزق وأمثال ذلك .. لكن قنوت الامام عليه السلام  يتحول الى مدرسة  معارف  في التوحيد  :( اللهم  انت الاول  بلا اولية  معدودة ) هذا في  باب العقائد ان الاول بالنسبة  الى الله عز وجل  لا على سبيل الاعداد ؛ الاول في الاعداد  محتاج الى الثاني  بدون الثاني  لا يكون الواحد  اولا  لكن بالنسبة  الى الله سبحانه وتعالى  ليست اوليته  أولية معدودة .. (انشأتنا  لا لعلة  اقتسارا  واخترعتنا  لا لحاجة  اقتدارا ) الانسان إذا اراد عمل شيء فلا بد  ان يكون  له علة  في عمله ذاك ينتفع بها بوجه من وجوه النفع تعود إليه ، وإلا لم يكن حكيما !  لكن الله سبحانه وتعالى  خلق الخلق  لا لحاجة منه اليها  لا لعلة  تفقره اليها نعم  يقول ايضاً وابتدعتنا  بحكمتك  اختيارا، ابتدعتنا يعني لم يكن هناك  نظام سابق حتى تحتذيه وتسلك نفس السبيل في الوصول للنتيجة .. الان  البشر عندما  يصنع شيئاً عادة يكون  لديه نموذج  ، يصنع طائرة  عنده نموذج  البعوضة أو الطائرالكذائي، يصنع الكاميرا عنده نموذج  الغين  الباصرة  وكيف تنطبع فيها الصور .. وهكذا. إلا أن الله سبحانه وتعالى  خلق الخلائق كلها  من دون  مثال  بل هو ابتداع .. إلى آخر دعائه الذي هو عبارة عن دورة معارف عقدية ، بالرغم من أنه ليس سوى قنوت مستحب في الصلاة !
وصلى الله على محمد واله الطاهرين

مرات العرض: 3417
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2573) حجم الملف: 36376.78 KB
تشغيل:

الامام علي الرضا والمأمون العباسي صراع السياستين
الأئمة وبناء المجتمع الشيعي الموازي ( شهادة العسكري )