21 القاسم وأبناء الامام الحسن بن علي في كربلاء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 21/1/1440 هـ
تعريف:


القاسم وأبناء الامام الحسن في كربلاء

 

كتابة الاخت الفاضلة ليلى أم أحمد ياسر

جاء في زيارة الناحية المنسوبة إلى الامام سلام الله عليه تسليمه على شهداء كربلاء فقال، السلام على القاسم ابن الحسن ابن علي ابن أبي طالب المضروب هامته ، المسلوب لامته، حين نادى الحسين عمه ، فجلَّ عمه كالصقر، وهو يفحص التراب برجليه ، والحسين يقول بعداً لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة جدهم وأبوك ..

حديثنا يتناول الشهداء من أبناء الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ، الذين فدوا أنفسهم بين يدي عمهم الحسين ، سلام الله عليه ، وسوف نعتمد على ماجاء في زيارة الناحية التي تقدم الكلام عنها سابقاً وهي غير زيارة الناحية المقدسة التي تصف مصرع الحسين ، وأجواء النهضة الحسينية ، والتي ينسبها بعض العلماء إلى الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ..

هذه الزيارة الأخرى كما سبق القول مروية عن الإمام عليه السلام وهي مختصة بذكر أسماء الشهداء في كربلاء من الطالبين ومن غيرهم ،وفيها غالباً ذكرٌ لشخصية الشهيد وأحياناً يذكر اسم قاتله وبعض القضايا التي ترتبط بمصرع هذا الشهيد ..

هذه الزيارة ذكرت ثلاثة أسماء لشهداء من أبناء الإمام الحسن المجتبى في كربلاء ..وهناك شخصية رابعة لم تُذْكر في الزيارة بالرغم من أن لها مشاركة فعالة في كربلاء ، وذلك لأن هذا الشخص لم يستشهد ،وهذه الزيارة خاصة بذكر أسماء الشهداء.

وهذه الشخصية هي الحسن ابن الحسن المعروف بالحسن المثنى .

هذا الإسم ( الحسن ) يتكرر في أبناء الإمام الحسن عليه السلام ، وفي بعض الأحيان يكون الإسم متتابعاً بمعنى أن الحسن له ولد أسماه الحسن ولكي يُعرَف هذا الولد سُمِّي بالحسن المثنى وهو أيضا له ولدٌ إسمه الحسن ولكي لايختلط بغيره سمي بالحسن المثلث ، فهناك الحسن السبط ، والحسن المثنى ،والحسن المثلث والذي كان يعرف بالصالح وكان من الشهداء الذين استشهدوا على يد العباسيين في السجن ..

الحسن المثنى كان في كربلاء وقد قاتل قتالاً شديداً ، وقطعت يده وأصيب بثمانية عشر جراحاً بليغة وأغمي عليه في أثناء المعركة ، وبعد ما أفاق وكانت المعركة قد انتهت ، والإمام الحسين قد استشهد ، ظنوا أنه( الحسن ) قد قضى شهيداً

ثم تبين لهم أنه لايزال به رمقٌ من الحياة ، هنا قال الرواة أن أسماء ابن خارجة الفُزاري وكان في المعسكر الأموي ، والحسن المثنى أمه فُزارية وإسمها خولة بنت منظور الفُزارية وكانت تعد من النساء ذوات الشخصية وقد تزوج بها الإمام الحسن عليه السلام وأنجب منها عدة أولاد أحدهم الحسن المثنى ، وبالتالي فإن أسماء ابن خارجة فزاري ويمت إلى الحسن المثنى بصلة النسب ، وقد طلب من أعوانه في كربلاء أن يتركوه وقال لهم أنا أعرضه على ابن زياد فإن قبل شفاعتي فيه ، وإلا رأى فيه أمره، وقد قبلو منه ذلك ، وقد قام بعلاجه وداواه إلى أن وصلوا إلى الكوفة فتشفع فيه عند ابن زياد فقبل فيه شفاعته ، وذلك لأن أسماء ابن خارجة يُحْسب من كبار الأشراف في الكوفة والمؤيدين للسلطة الأموية وكان له دورٌ سيئ في القبض على هاني ابن عروة المرادي وهو من أخبر هانئاً أن عبيد الله ابن زياد يسأل عنه قائلاً أن عبيد الله ابن زياد قدم من البصرة إلى الكوفة فكيف بك وأنت كبير القوم في الكوفة ولم تذهب لزيارته ، فقال هانئ إني مريض ( وقد كان يتخوف من ابن زياد ) فقال له ابن خارجة أن ابن زياد يسمع بإنك تجلس على باب دارك وبالتالي فأنت بصحة جيدة ، فما زال به ومن معه حتى أقنعوه بالذهاب لابن زياد وحصل لهانئ ما حصل ..

بعض المؤرخين يقول أن أسماء ابن خارجة لم يكن فطناً إلى تخطيط عبيد الله ابن زياد ، وأنه يريد أن يقتل هانئ وهذا يعني انه دخل في هذا الأمر ولم يكن يعلم بما يخططه عبيد الله ابن زياد .

على كل حال فإن وقوفه مع ابن زياد لا يغتفر له ، وكذلك تحوله عن نصرة مسلم وأهل البيت ، وأيضاً مجيئه إلى كربلاء في صف جيش عمر ابن سعد ، وكل هذه المواقف التي وقفها في الكوفة جعلت ابن زياد يقبل شفاعته في قريبه ( الحسن ) وابن ابنتهم خولة بنت منظور الفُزارية وهي والدة الحسن المثنى ، وقد قال لابن زياد أن هذا الغلام هو ابن أختنا وأبوه الحسن ليس موجوداً ، وعمه الحسين قد قتل ، وليس له من أهله أحد ، وبالتالي فإني أتشفع فيه وأضمنه ، فوهبه ابن زياد له وقال دعوا لأسماء نسيبه .

وهكذا بقي الحسن المثنى على قيد الحياة وهو أحد الأشخاص الذين ينتسب لهم نسل الحسن المجتبى عليه السلام .لم يذكر الحسن المثنى في زيارة الناحية للإمام الهادي ، لأن هذه الزيارة مختصة بذكر أسماء الشهداء، وقد ذكرت هذه الزيارة ثلاثة من أبناء الإمام الحسن ممن استشهدوا ، أحدهم أبو بكر ابن الحسن المجتبى ، والآخر القاسم ابن الحسن المجتبى والثالث عبد الله ابن الحسن .

ونُذكِّر هنا بما سبق الحديث عنه في وقت سابق حول قضية تشابه الأسماء بين بعض الهاشميين وبين أسماء بعض الخلفاء وقد ذكرنا الوجه فيه وهو أن هذه التسمية لاتدل على الإنسجام الفكري ، ولا تدل على الموالاة ، وذلك لأن هذه الأسماء هي أسماء مُرتجلة ومُشاعة للجميع ، ولايعني أن من تسمى بإسم أو سماه أبوه بهذا الإسم أن يكون مالكاً له بحيث لايُسَمٍّي أحدٌ غيره بهذا الإسم إلا إذا كان ذلك بإجازة منه ! أو أن يكون محباً له ،وقد تقدم هذا الكلام في السابق بشكل مفصل..

أبو بكر ابن الإمام الحسن صلوات الله عليه ورد ذكره في هذه الزيارة بهذا النص المختصر ( السلام على أبي بكر ابن الحسن الولي ، المرمي بالسهم الردي ، لعن الله قاتله عبد الله ابن عقبة الغنوي )،والتسليم بهذا الشكل على أبي بكر إشارة إلى أن مقتله كان بسهم وليس مبارزة ،

والرمي بالسهم لا يدل على شجاعة وإنما الشجاعة هي في المبارزة وجهاً لوجه ،وهذا ما حدث في كربلاء أن قسماً من السهام كانت تُرْمى إلى مسافة بعيدة ، والبعض يقول أن السهام كانت تُرْمى إلى مايزيد عن مئة متر . والرامي بالسهام بهذ الشكل وحتى على بعد خمسين مترا لا يحتاج إلى بسالة، وقاتِل أبي بكر ابن الحسن وهو الغنوي ، كان قد رماه بسهم أشارت إليه جملة الزيارة ( المرمي بالسهم الردي )

يُذكر أن أبا بكر ابن الحسن تزوج سكينة بنت الحسين عليه السلام ، وهناك أبهام في قضية سكينة عليها السلام وهو هل أنها تزوجت أم لا ، وإذا كان كذلك فمن يكون زوجها ومتى صار ذلك الزواج؟

مما يتعارف عليه أنها كانت مسماة للقاسم ابن الحسن وبعض ما يكون في المآتم الحسينية من أمور تشير إلى عرس وما شابه ذلك ، يشير إلى أن كثيراً من الأذهان تعتقد أن سكينة كانت مسماة للقاسم ابن الإمام الحسن، ولكن كثيراً من المؤرخين ومنهم السيد المقرم وغيره من العلماء يستدلون على أنه لم يحدث ما تعارفت عليه الأذهان ، وان سكينة كانت زوجة لأبي بكر ابن الحسن المجتبى حسب الروايات التاريخية ، وحسب ما قاله الباحثين في الأنساب ، وكان عُمْر أبي بكر مناسبٌ في هذا الشأن فيذكر البعض أنه من أبناء الواحد والعشرين والبعض يذكر أنه أكبر من ذلك ، واختلف الباحثون في أنه هل دخل بها أم لم يدخل بها، فبعض المؤرخين يقول أنه كان (أبا عذرها) أي أنه أول من دخل بها وهي باكر ،ولذلك يذكرون أن أبي بكر ابن الحسن كانت زوجته سكينة ولكن الأمر فيه اختلاف..

فإذن أبو بكر ابن الحسن هو أول شخصية من الشخصيات الحسنية التي ورد ذكرها في زيارة الناحية الخاصة بأسماء الشهداء والتي يُذْكَر أنها عن الإمام الهادي عليه السلام ،

والثاني هو عبد الله ابن الحسن أحد الشهداء والذين شاركوا في المعركة ..وقد كان للحسن أكثر من ولد أسماهم بعبد الله ، حتى قالو أن أبا بكر إسمه الحقيقي عبدالله وكنيته أبو بكر ، لكن غلبت الكنية على الإسم ،وهذا التعدد من الإسماء نجده أيضاً في أسماء أولاد الحسين وهو اسم علي ، حتى ذكر بعض المؤرخين أن للحسين ثلاثة أولاد باسم علي ،

وبالنسبة للإمام الحسن فله أكثر من واحد بإسم عبدالله ، فابو بكر سمي بعبد الله الأكبر ، وهناك عبد الله الأصغر ، وأيضاً عبد الله الأوسط ، والحديث هنا يتناول عبد الله الأصغر وهو شهيد كربلاء ، وقد ورد التسليم عليه في زيارة الناحية فقال فيها : السلام على عبد الله ابن الحسن الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة ابن كاهل الأسدي والتركيز هنا على أن حرملة هو راميه وليس فقط قاتله فلو قال ( قاتله )فقط لربما كان ذلك بالسيف مثلاً ، ولكنه عندما أردف بكلمة راميه فإنه يتبين أن طريقة القتل كانت عبر السهام ، ومثل حرملة ، وهاني ابن ثبيت الحضرمي ،وعبد الله ابن العقبة الغنوي كانو في الغالب يرمون بالسهام ،ونجد أن كثيراً من الذين قُتِلو من الطالبيين تم قتلهم بالرمي بالسهام ، وهذا قد يشير آلى أن أعداءهم لم يكونو يتجرأون على مبارزتهم وجهاً لوجه بالسيف ، ولعل هذا يشير إلى أن هؤلاء لديهم من شهرة الشجاعة والبسالة بحيث أن عدوهم يختار الرمي على القتال المباشر .

وعبد الله هذا مع أنه كان صغير السن إلا أن حرملة ابن كاهل الأسدي رماه بالسهم وذلك لما صُرِع الإمام الحسين عليه السلام ووقع عن ظهر فرسه إلى الأرض وبقي على التراب ،فانحدر عبد الله ابن الحسن وهو صغير السن من أبناء العشر سنوات وخرج من الخيمة متوجهاً إلى الإمام الحسين عليه السلام لأنه رأى أن الأعداء يحاولون أن يجهزوا على الإمام فجاء عبد الله ( ذاك الغلام الحسني ) ،وكان يقف في وجوههم ، فلما أهوى أحدهم وهو كعب ابن بحر بالسيف لكي يضرب الحسين عليه السلام رفع عبد الله يده كي يصد الضربة عن عمه

فأصابت ضربة السيف يد عبد الله فأطنَّها وإذا هي معلقة بالجلد ، فقال لعمه ، ياعم لقد قطعوا يدي ، فضمه الإمام الحسين عليه السلام إلى صدره وقال صبراً يا بني أخي ، ويابني عمومتي لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم ،وفي حاله هذا وهو عند عمه الحسين يده معلقة رماه حرملة بسهم وهو في حجر عمه فقتله وله يشير لفظ الزيارة( لعن الله قاتله وراميه حرملة ابن كاهل الأسدي ) ..

كذلك هناك القاسم ابن الحسن عليه السلام وله شهرة ، ومن مناحي شهرته أنه يخصص له يوم من أيام عشرة محرم في بعض المناطق كالخليج والعراق فجرت العادة والتعرف فيهم أن يكون ليلة الثامن ويوم الثامن مخصص لذكر مصيبة القاسم ابن الحسن عليه السلام وفي هذا تساؤل ،وهو أن القاسم مع أنه ليس أكبر سناً من أخيه أبي بكر الذي سبق الحديث عنه وليست طريق مصرعه كمصرع أخيه الأصغر عبدالله الذي قتل في حجر الحسين عليه السلام ،ومع ذلك كان هذا الإنتخاب والإختيار له في ذكر مصيبته ، ولا ريب أن هذا متأثر بالحالة الدينية !

وأيضاً نلاحظ أن طريقة حديث زيارة الناحية التي تذكر الشهداء تتكلم عن القاسم ابن الحسن أكثر من إخوته ، فنرى أن عدد السطور في السلام على عبد الله هو سطرٌ واحد ، وأبو بكر في سطرٍ ونصف ، بينما السلام على القاسم يتناول ستة أسطر، وكذلك تتناول الزيارة التفصيل في ذكر مقتله أكثر من إخوته ، فيقول الإمام في الزيارة : السلام على القاسم ابن الحسن ابن علي المضروب هامته ، المسلوب لامته ، حين نادى الحسين عمه فجلَّى عمه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب ، والحسين يقول بعداً لقومٍ قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدك وأبوك ،ثم قال عزَّ على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك وأنت قتيلٌ جديلٌ فلا ينفعك ، هذا يومٌ والله كثُر واتره ، وقلَّ ناصره، ثم يقول الإمام الهادي في الزيارة جعلني الله معكما وبوأني مبوأكما ، ولعن الله قاتلك عمر ابن سعد ابن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً وعذبه عذاباً أليما .

نلاحظ هنا مقولة الإمام في الزيارة ( جعلني الله معكما) أي مع القاسم والحسين ، أن هذه مرتبة عظيمة ينسبها الإمام إلى القاسم وهذا لايعني أن يكون الإمام في رتبة القاسم لأن رتبة القاسم أدنى من رتبة الإمام الهادي ،وذلك لأن القاسم مأموم والهادي إمام ، ولكن يظهر من كلام الإمام في الزيارة أن رتبة القاسم ترتقي إلى رتبة الإمام الحسين عليه السلام في الجنة ، ولذلك يقول الإمام أسأل الله أن يجعلني معكما في الجنة ، وبوأني موبأكما ..

فنلاحظ إذن أن الإمام الهادي يتناول في ستة أسطر وصف شخصية القاسم ، وكيفية مقتله وتأبين الإمام الحسين عليه السلام له ،ومن الذي قتله .

نذكر هنا أمر لعله يفتح لنا باباً في فهم التاريخ وهو أن عمر ابن سعد ابن نفيل الأزدي قاتل القاسم ، بينما أخوه عبد الله ابن سعد ابن نفيل الأزدي أحد قادة التوابين الذين ثاروا على الأمويين طلباً بثأر الحسين عليه السلام ( كسليمان ابن صرد الخزاعي ، ومسيب ابن نجبةً ) وقاتل ضد الأمويين وهناك حالة أخرى مشابهة لهذه الحالة ،وهي أن مرة ابن منقذ العبدي قاتِل علي الأكبر عليه السلام ، بينما أخته ماريا بنت منقذ العبدي كانت تجمع الشيعة في بيتها في البصرة لتعبئة المجاهدين والمقاتلين في كربلاء ، فكانوا يجلسون في بيتها ويتادولون الأمور ، ولما أرسل الحسين رسائله إلى البصرة ، وشاع الخبر أن الحسين يطلب النصرة فمن يريد سعادة الدنيا والآخرة فليلحق به ، فانطلق من ذلك البيت قرابة الأربعة مباشرة ليلحقوا بالإمام واستشهدوا في كربلاء ، فضلاً عن الذين خرجو من بيتها إلى بيوتهم ثم ذهبو إلى كربلاء ليلحقوا بالإمام، فهذه ماريا إذن تفتح بيتها لتعبئة وتحشيد المجاهدين مع الحسين ، أما أخوها فيكون في وسط الأمويين مقاتلاً.

كذلك ،فأن هذا الأمر يفتح لنا باباً آخر وهو أن المجتمع الكوفي كان مجتمعاً خليطاً من العقائد، فلا يمكن أن تقول أن الكوفة شيعة أو ليست شيعة ولا يمكن أن تقول أن الكوفة خوارج أو ليست بخوارج، فقد يكون البيت الواحد فيه عدة اتجاهات ، أحدها أموي ، والآخر علوي ، والثالث اتجاه خارجي .

وكذلك هناك طوعة التي وقفت موقفها العظيم في نصرة مسلم ابن عقيل، بينما إبنها بلال يقف ذلك الموقف الخياني الرذيل ، ومولاها السابق الذي تربت في بيته وهو محمد ابن الأشعث وهو أحد كبار الأمويين . كل هذه الأمثلة وأمثالها في الكوفة ، ولذلك من يقول أن شيعة الكوفة قتلوا الحسين أو دَعَوه ثم خذلوه فإن هذا ينم عن عدم التحقيق ، إذ مَن المقصود بالشيعة بالتحديد في هذا الكلام ! ؟والحال أن كل بيت في الكوفة فيه شيعة ! وكل قبيلة فيها عدة اتجاهات !كقبيلة هانئ ابن مذحج المرادي الذي نصر مسلم ابن عقيل ومن القبيلة ذاتها شريح القاضي الذي غش قبيلة مذحج وخدعهم أذ لم يكونوا متوقعين منه الخديعة وهو من قبيلتهم وكذلك هو قاضٍ ، وذلك حين أحاط بنو مذحج بقصر ابن زياد ليعرفوا مصير هانئ ، فخرج لهم شريح وقال لهم أن هانئ لا بأس عليه وأنه له شغل مع ابن زياد وهو الآن ذاهبٌ إلى بيته ولقد رأيته الساعة ولاسوء عليه ، فلما سمعوا ذلك انصرفوا وقبلوا منه هذا الكلام ، وبالتالي فإننا لانستطيع أن نقول أن مذحج شيعية أو أن نقول أنها ليست شيعية ، وإنما فيها من هذا النمط وذاك النمط ،وفيها من الخوارج ،وآخرين بلا موقف.

الشاهد هنا أن عمر ابن ابن سعد ابن نفيل الأزدي الذي لعنته الزيارة له أخ كان له ذلك الموقف المخالف تماماً عندما نهض لطلب الثأر بدم الحسين مع التوابين .

القاسم سلام الله عليه كان دون الأربعة عشر كما هو المعروف ، في الثانية عشر أو الثالثة عشر سنة تقريباً ، وكانت تربيته كما ينقل على يد عمه الحسين سلام الله عليه حيث كان لصيقاً به ،ويظهر أن عدداً غير قليل من أبناء الإمام الحسن عليه السلام كانوا يجدون في عمهم الحسين الخيمة الكبرى لهم بعد شهادة أبيهم الحسن المجتبى سلام الله عليه .

بعض أحفاد الإمام الحسن عليه السلام سلكوا فيما بعد الثورة المسلحة ضد العباسيين على وجه الخصوص ، فنجد كثيراً من الثورات ضد العباسيين والنهضات المهمة كانت من أحفاد الإمام الحسن كثورة محمد ابن عبد الله ابن الحسن ذو النفس الزكية ، وأخوه إبراهيم ، وكذلك أخوه إدريس ابن عبد الله ، وفيما بعد شهيد فخ الحسين ابن علي الحسن المثلث ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط، حيث يقول فيه الإمام الكاظم عليه السلام ، ماكان لنا مصرع بعد الطف أعظم من فخ، وأبَّنه الإمام ومدحه وأثنى عليه .

فقسم غير قليل من أبناء الإمام الحسن سلكوا هذا الطريق وفي بعض الحالات حصل ما يشبه التعاون بينهم وبين أحفاد زيد ابن علي ابن الحسين

الذين سلكوا الحركات المسلحة ضد بني أمية ، ثم مقاومة بني العباس ، وفي المقابل فإن أبناء الإمام الحسين عليه السلام وهم الأئمة عليه السلام لم يسلكو هذا المنهج العسكري والثوري العنيف ، وإنما سلكوا طريقاً آخر .

وعوداً على قضية القاسم ابن الحسن سلام الله عليهما ، أنه كان تحت تربية عمه الحسين عليه السلام وكما ذكرنا أن المأثور (شعبياً) أن سكينة ابنة الإمام الحسين عليه السلام كانت مسماة للقاسم . نذكر هنا ملحوضة حول إسم سٌكينة أن ظبط الإسم لدى العرب أن الصحيح هو برفع السين ( سُكينة ) ، وهو التصغر وليس التكبير ، وعند غير العرب كالإيرانيين على وجه التحديد يلفظونها سَكينة بفتح الباء ويبرر بعضهم ذلك بأن سُكينة هي أنثى الحمار ( الأتان ) ويعتبرون الصحيح أنه يضبط الأسم ويُقرأ سَكينة ، و نقول أن هذا من الناحية اللغوية غير صحيح ونحن إنما نقرأ الإسم بما هو عليه ، بغض النظر عن معناه ، فالأسماء في اللغة العربية هي مرتجلة ، فلو قلت إسم عثمان مثلاً وهو أحد أبناء أمير المؤمنين عليه السلام من أم البنين ومعناه فرخ الحية والثعبان إسمه عثمان في اللغة العربية ، والحال أن واضع الإسم لا يجعل في باله هذا المعنى وإنما يعتبر أن هذا الإسم هو لأحد أصحاب النبي وهو عثمان ابن مظعون وقد كان مخلصاً للنبي صلى الله عليه وآله . فلا يدقق في معنى الإسم لغوياً.

وكما يفكر العرب فهم يعتبرون أن الأسماء مرتجلة وعلامة لا ينظرون إلى معانيها، فليس هناك تدقيق على المعنى اللغوي في مسمى سُكينة عندما تكون بهذا الضبط .

على أن سُكينة لهما معاني أُخر في اللغة العربية وهي معاني معقولة لا إشكال فيها .عموماً ولدى عامة الناس أن سكينة كانت مسماة للقاسم ، وكما ذكرنا أن بعض المؤرخين يقول أنها كانت متزوجة من أبي بكر ابن الإمام الحسن المجتبى ، ولكن قد تكون هذه النظرة لعامة الناس نظراً لأن القاسم ابن الحسن كان في موقع ينتظر في أمثاله أن يُفْرح بزواجهم وعرسهم وتنعمهم بهذه الحياة وهذا يستجلب نوعاً من التعاطف الوجداني والمشاعر الحزينة وهي أن هذا الشاب بدل أن يزف إلى حجلة عرسه فإنه يزف إلى الموت . يقول الشاعر :

خضابه الدم والنبل النثار   وقد زفته أعداءه بالبيض والسمر..

بدل أن يخضب بالحناء فقد خضب بدمه وبدل أن يُنثر عليه من النثار كانت السهام والنبال نثاره وبدل أن يزفه أقاربه وأصدقاؤه ومجموعة الشباب أصحابه فقد زفته أعداءه للموت بالسهام والسيوف، فسلام على ذلك الشباب الواعي العارف بحق عمه الحسين سلام الله عليه ، والذي سأله ( كما في بعض المرويات )، بني كيف تجد طعم الموت ؟ قال فيك والله أحلى من العسل .

مرات العرض: 3500
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 55184.79 KB
تشغيل:

20 سطور من حياة العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام
التبرك في سنة النبي وسيرة المسلمين